أنطونيو باييخو.. دراما مسرح السلم – بالحُجَّة والدليل

 الخليج – مجلة الفنون المسرحية 

 

في سَنَة 1934 التحق أنطونيو بويرو باييخو بكلية سان فرناندو للفنون الجميلة في مدريد، غير أن اندلاع الحرب الأهلية في يوليو سَنَة 1936، التي استمرت ثلاث سنوات، أجبر باييخو على العودة إلى بلدته للمشاركة مع الجمهوريين بجيشهم المدعوم من قوى اليسار الإسباني والعالمي، وقد كتب «أندريه مالرو» روايته ذائعة الصيت «الأمل» عن مشاركته في المقاومة، دفاعاً عن الجمهورية الوليدة آنذاك، في مواجهة جيش الجنرال فرانكو القائم بالانقلاب على الحكم الجمهوري وكان مدعوماً من قيادات المحور هتلر وموسوليني، حيث دمرت طائرات الأول قرية «جرنيكا» بإقليم الباسك أقصى شمال إسبانيا سَنَة 1937 وخلّدها بابلو بيكاسو في جدارية ضخمة.

انضم باييخو إلى الجيش الجمهوري، ملتحقاً كجندي احتياط لكتيبة مشاة تابعة للجيش، متعاوناً بالرسم والكتابة في جريدة «صوت الشفاء» التي أصدرها الجيش الشعبي للجمهورية، وفي مدينة بني قاسم في بالنيثا تعرف إلى الشاعر ميجيل أرناندث، أحد أبرز رموز جيل 1936، وفي الأيام الأخيرة من سَنَة 1937 وصلت قوات فرانكو إلى الجنوب الإسباني واعتقلت والد باييخو، الضابط المعلم بأكاديمية الهندسة العسكرية وأعدم رمياً بالرصاص، ما دفع الابن إلى الانخراط أكثر في الحرب، فقبض عليه، وقضى نحو شهر في المعتقل، وأفرج عنه، شريطة أن يقدم تقريراً عن تحركاته للسلطات، وهو الأمر الذي لم يفعله.

وفي مايو 1939 تم القبض عليه مرة أخرى، وحكم عليه بالإعدام، ثم تم تخفيف الحكم إلى السجن لمدة 30 سنة، وفي السجن يرسم عدة بورتريهات لزملائه وأصدقائه ورفاقه في السجن، وبعد سبع سنوات أفرج عنه، ونفي إلى العاصمة مدريد، وبدأ نشر رسوماته في أَغْلِبُ المجلات، وعقب ختم الحرب العالمية الثانية، بدأ في كتابة المسرح، الذي يقوم على ركائز تشكل عالمه الدرامي، فالواقعية تتمازج بالرمزية، ويتداخل ماذا تعرف عن وجودي مع ماذا تعرف عن اجتماعي قبل الانتقال لمرحلة الكتابة التاريخية والنقدية في الخمسينات.

مسرحيات باييخو تعود بنا إلى السياق التاريخي كي ندخل منه إلى السياق الثقافي بركائزه الثابتة والمتغيرات التي طرأت عليه، والذي عاشه باييخو وتأثر به وأثر فيه، وحضر بالضرورة في أعماله المسرحية، تأثراً فكرياً وبنائياً بالسياقات الاجتماعية والسياسية التي حكمت المجتمع الإسباني في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، ثم في ستيناته وسبعيناته، وبعدها خَلْف موت الجنرال فرانكو سَنَة 1975 وعودة الملكية للبلاد ودخولها في مرحلة تحول نحو الديمقراطية، حتى استقرت مع سَنَة 1982 بوصول الحزب الاشتراكي الإسباني إلى الحكم.

عُلِيَ الْجَانِبُ الْأُخَرَ تَعْتَبِرُ مسرحيته «حكاية سلم» معلماً بارزاً في مسرح ما بعد الحرب الأهلية، ويمكن تصنيفها بأنها دراما الإحباط الاجتماعي التي سادت المسرح بعد هزيمة اليساريين وتجري وقائعها على «بسطة سلم» صاعد من أدوار سفلية، ومؤد إلى أدوار عليا، ويتناول فيها حال تِلْكَ الطبقة الإسبانية في نهاية أربعينات القرن الماضي، بعد ختم الحرب العالمية الثانية التي مزقت الدول العالمية، عاملاً على الكشف عن الأكاذيب التي سيطرت وقتذاك على هذا المجتمع، آخذاً عينته الإنسانية من شريحة مجتمعية تعيش في بيت واحد كالمجتمع متعدد الطوابق والشرائح، وتلتقي شخصياته ببعضها بعضاً صعوداً وهبوطاً، وتحركاً على «بسطة السلم».

أعمال باييخو تبدو ظاهرياً تعالج موضوعات الانتظار اللامجدي والحلم المحبط والواقع المقيد لحركة الإنسان اعتماداً على واقع إسبانيا القائم بعد الحرب الأهلية، وقد تزامن هذا مع مسرح بدأ يبرز بقوة في دور العرض الفرنسية بتأثير الدمار الذي لحق بفرنسا وأوروبا أَثْناء الحرب العالمية الثانية، وهو مسرح العبث الذي قاده صمويل بيكيت ويونسكو وفرناندو أرابال، غير أن أعمال باييخو كانت تحمل رسالة تفاؤل لمتلقيها، مع رسالة تحفيز بعدم السير في نفس طريق الشخصية الدرامية حتى لا يهلكوا، ومن ثم عليه بالبحث عن مَسَارَاتُ افضل لا تؤدي إلى الموت.

في شهر إبريل سَنَة 2000 رحل باييخو عن عمر يتجاوز الثالثة والثمانين، فقد ولد في سبتمبر سَنَة 1916، وعايش أحداثاً تكاد تعصف بالعالم أُجَمِّعُ، وعاصر توهج تيار الواقعية الأدبية والفنية، وصاغ مسرحاً ذا بناء تراجيدي وأسلوب واقعي، يتخذ فيه موقفاً واضحاً تجاه حرية الإنسان، وقد أنتصر بجائزة سيرفانيتس، التي تعد بمنزلة جائزة نوبل، إذ يتنافس عليها أدباء الدول العشرين الناطقة بالإسبانية، وهو الكاتب المسرحي الوحيد الذي حاز تِلْكَ الجائزة فِي غُضُون تأسيسها سنة 1976 إلى الآن.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *