أسماء مسرحية لامعة نقشتها الذاكرة العراقية الجمعية .. بأحرف معطرة بعبق النخيل – العراق

اتسمت الذاكرة الفنية الجمعية العراقية على المستوى الشعبي والنخبوي ، بحفظ الأسماء الكبيرة التي ساهمت ، مساهمة فاعلة في خلق مسرح عراقي نجيب ، تلك الأسماء العملاقة التي راحت تنحت بأزاميلها المعرفية والإبداعية والجمالية الرائعة ، معالم فضاءات المسرح العراقي والعربي والعالمي ، لتنهل من المعين الخصب لتلك الأسماء جل الملامح الابتكارية الحداثوية العلمية ، التي أطرها مبدعوها الكبار بأحرف مبهرة وفق منظومة العمل الدؤوب الخلاق الجاد ، وذات المبدعين الكبار الذين تسيدوا مواطن التنظير على المستوى الفكري والفني والجمالي ، في الكليات والمعاهد الفنية في الداخل والخارج ، وقد تخرج العديد من الأسماء المسرحية والفنية المعروفة في الساحة المحلية والعربية من تحت جلبابهم الغني بالتجديد والحداثة .

ان السفر الخالد لرواد المسرح العراقي ، وقاماته الكبيرة العالية ،  تستدعينا للوقوف في حضرتها مليا ، لأنها تتساوق رفعة مع نخيل العراق الجليل ، وتؤطر ملامح المعرفة ، وفضاء الإبهار ، وومناخات الإبداع ، بشذى نوريّ نبيل من طراز أخاذ مجبول بعشق الأرض العراقية الطيبة المعطاء ، والمتخمة بالكبرياء ، والتي حققت لذواتها السرمدية منصات بوحية طرزها التاريخ بأحرف من أريج وعبق الفراتين ، ولأنها نهلت معارفها من بدء التكوين ، وتعلمت ان تخط الحرف السرمري على جدران ذاكرتها الحية المتقدة ، ولأنها  فنت جل حياتها في خدمة الحركة المسرحية العراقية على كافة المستويات تنظيريا وعمليا وعلى صعيد المتعة الفرجوية الراقية . ولان رواد المسرح العراقي الكبار كانوا وما يزالون   مهمومين بشغف تأطير خشبة المسرح العراقي وعموم مخاصب الفن الأخرى ، بملامح تواجدهم ، والحرص على تسجيل اسماؤهم وبصماتهم الكبيرة داخل ملحمة النهضة الفنية الحداثوية ، ولكونهم لم يغادروا هذه البقعة الشريفة ( العراق ) في محنه المتوالية ، وبقوا متجذرين في عمق الأرض ، ليكملوا مسيرتهم الحافلة بذلك النبض الفني السحري ، والتي كانت وما تزال بودقة فخر رائعة يضعها العراق في محاجره السرمدية .

وانحناءا لهذا التاريخ الحافل بالمنجز الإبداعي الثر ، لستة من عملاقة المسرح العراقي ،  ارتأت مؤسسة العهد الصادق الثقافية ، تكريمهم لأنهم استطاعوا وبنفس عراقي صميمي ، وبجهد مثابر خلاق ، ان يرسموا بصماتهم الجليلة على وجه الخارطة الفنية العراقية ، والعربية ، ولأنهم أسماء لامعة كبيرة نقشتها الذاكرة الجمعية ، بأحرف معطرة بعبق وكبرياء النخل العراقي الشامخ .

  

الفنان اسعد عبد الرزاق

 

عراب المسرح العراقي ، واحد رواده الأوائل ، وشيخ الفنانين العراقيين ، افنى جل حياته في خدمة الحركة المسرحية العراقية ، واحد مؤسسي فرقة 14 تموز للتمثيل ، تلك الفرقة الخالدة التي أنجبت العديد من رموز الفن العراقي بمجمل مناخاته الإبداعية الرائعة .

ولد ( اسعد عبد الرزاق ) في بغداد عام 1923 ، تخرج من كلية الحقوق / جامعة بغداد بعدها حصل على الدبلوم من معهد الفنون الجميلة / بغداد عام 1957 ، تخرج من معهــد ( شاتروف ) للتمثيل في ايطاليا ، ساهم في ترسيخ دعائم الفن العراقي ، في عام 1954 عين مدرسا للتمثيل في معهد الفنون الجميلة ، ومدربا ومشرفا على المدارس الإعدادية في بغداد ، بعدها سافر الى روما  وتحديدا عام 1955 ، وبقيّ هناك لمدة أربع سنوات ، لدراسة فن المسرح ، وعاد في عام  ، 1959 ، ويبدو أن من المحطات الرئيسية في حياة وتاريخ  الفنان ( اسعد عبد الرزاق ) هي تلك التي أصبح فيها رئيسا لفرع التمثيل في معهد الفنون الجملية .

ولعل الذي يبقى خالدا في الذاكرة الجمعية تلك المسرحية الشعبية البغدادية العراقية الأصيلة ( الدبخانه ) تأليف الفنان المبدع ( علي حسن البياتي ) ذلك العمل المسرحي الذي ظل خالدا يحاكي الذاكرة العراقية على مدى أكثر من خمسة عقود وهو يقف شامخا على رأس الأعمال المسرحية العراقية الخالدة التي يحن لها ذلك الإحياء الخفي بالانتماء للوطن أولا ، ولفن المسرح العراقي ثانيا ، ولمتعة الفرجة البغدادية الأصلية ثالثا ، رغم أن الوضوح كان قائما بتواضع الإمكانيات التقنية والفنية المسرحية وقتها ، لكنه كان عرضا مسرحيا مدهشا ، استنفر قوام المشاهدة التلفزيونية لأعوام خلت ، وسيبقى خالدا على مدى العقود القادمة ، لأنه يمتلك ذلك الحس الشفيف الذي يربط العرض المسرحي بالاستجابة الحقيقية لفرضية المشاهدة ، لتحقيق منهجية البهجة والفرجة ابتداءا ، ومن ثم ليحيلها بذات اللحظة الى التغيير عبر الوعظ المباشر ، ولأنه كان من إخراج هذا المبدع الكبير ( اسعد عبد الرزاق ) الذي أضاف اليه من ملكته الإخراجية السلسة ، ذلك الإضفاء الابهاري البغدادي الأصيل ، وبأدوات فنية بسيطة ، ومما ازدان به ذلك العرض المسرحي الرائع هو ذلك الأداء التمثيلي الرائع السهل والغير ( اندماجي- معقد ) والواضح المعالم والأطر ، والمؤثث باسترخائية تجسيدية محببة واقعية المذهب والإسقاط ، والمقرونة بدلائل استقرائية واضحة للشخصيات ، والذي أبدع في صياغة وتقريب العرض الى الأذهان بغض النظر عن ارتباطها المعرفي والثقافي أثناء عملية التلقي والاستقبال ، وأشاع أيضا في مواطنها روح البهجة والمتعة والفرجة المثالية  ، وكان مجسدي الأدوار الرئيسية فيها الفنان الراحل المبدع ( وجيه عبد الغني ) والفنان المبدع الكبير ( قاسم الملاك ) كانا مبدعين في تجسيد أدوارهما ، لأنهما ارشفا لعمل مسرحي عراقي رائع أصيل ، اخترق بثبات مواطن الذاكرة ، ليستقر مطمئنا بداخلها ، في عام 1967 عمل الفنان ( اسعد عبد الرزاق ) أستاذا مساعدا في أكاديمية الفنون الجملية ، ثم مساعدا للعميد فيها ، ثم عميدا لها من عام 1972 الى عام 1988 .

ومن خلال عمله أستاذا قديرا ، وعميدا مخلصا متفانيا في أداء عمله في أكاديمية الفنون الجملية ، اشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه لطلبته الذين أصبحوا فيما بعد أعمدة كبيرة ، وقامات شامخة وأسماء مهمة في عموم مخاصب الفن ، والمسرح العراقي.

الفنان سامي عبد الحميد

احد دعامات المسرح العراقي الكبيرة ، من الرواد الاوائل الذين اسسوا لبناته الاولى على المستوى التنظيري والعملي والعملي ، يُعد سامي عبد الحميد من المخرجين الكبار في العراق والوطن العربي ، ومن العقول العملاقة في اخصاب الفنون المسرحية بمختلف اركانها التداولية ، وهو من المجسدين العظام ، فقد قام بتجسيد العديد من الادوار المعقدة والمركبة فوق باحة المسرح ، فحصل على اعلى درجة من درجات الاستجابة من لدن المتلقين على المستوى الشعبي والنخبوي .

ولد الفنان الكبير سامي عبد الحميد الكاتب والمخرج والممثل والمُنظر في عام 1928 بمدينة السماوة أكمل دراسته الأولية ، انتقل الى العاصمة بغداد وحصل على ليسلنس الحقوق ، وحصل على دبلوم الاكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن ، وحصل كذلك على الماجستير في العلوم المسرحية من جامعة اورغون بالولايات المتحدة ، رئيس اتحاد المسرحيين العرب .

ابتدأت علاقة الفنان الكبير سامي عبد الحميد بالمسرح آبان اوائل الأربعينيات من القرن المنصرم , حيث قام بتجسيد دور البطولــة في مسرحيــة ( انا الجندي ) في مدرسة التفيض الاهلية في مدينة ( سامراء ) التاريخية وهو ما يزال لا تربطة اية وشائج عملية وطيدة بفن المسرح , او حينما جسد دور ( والد كليانت ) في مسرحيـة ( البخيـــل ) لـ( موليير ) في مدينة ( الديوانية ) في حنوب العراق التي انتقل اليها ليكمل دراسته الاعدادية فيها , وحين انتقل الى بغداد لاكمال دراسته في كلية الحقوق  أخذ يتردد على دور السينما وراح يشخص ادوار الممثلين أمام المرآة لتترسخ في ذهنه ملكة تلك الصنعة الاخاذة ( التمثيل ) ومن ثم اتيحت له فرصة مشاهدة الممثل الكوميدي ( جعغر لقلق زاده ) بعدهـا التقى بزميل رحلتـه الفنـــان ( يوسف العاني ) الذي شكل حينذاك فرقة مسرحية اسماهـا ( مجموعة جبر الخواطر ) وعبرهـا اختـاره الراحـل المبـدع ( ابراهيم جلال ) ليجسـد دور ( انطونيو ) في مسرحية ( تاجر البندقية ) لـ(شكسبير ) ثم اختاره ذات المخرج فيما بعد لتجسيد دور ( فاسيلي ) في مسرحية ( اغنيــة التــم ) لـ( تيشكوف ) لفرقة المسرح الحديث وفـي عـام (1956) وبعد تسنمه ادارة قسم المسرح في مصلحة السينما والمسرح التي كان يرأسها المبـدع الراحـل ( حقي الشبلي ) أشرف على الكثير من نتاجاتها الفنية ، وبعد هذه المرحلة المبكرة من رحلتة الطويلة ازداد تعلقه بذلك النشأ السحـري ( المسرح ) فجسد العديد من الادوار المهمة على صعيد المسرح والتلفزيون والسينما واخرج العديد من الاعمال المسرحية الخالدة في فرقة المسرح الحديث والفرقة القومية للتمثيل وتعامل مع كبار المخرجين المبدعين امثال ( ابراهيــم جلال ) و ( قاسم محمد ) وغيرهم , ولا يفوتنى ذكر  تجاربه الرائدة مع الفنان التشيكلي الخلاق (كاظم حيدر) وتعاونه المثمر مع الكاتب المبدع ( عادل كاظم ) وتعاونه الجاد مع نخبة من الشباب المسرحي الذي استطاع ان يثبت جدارتة وينمي ايقاع ذاته المبدعة الخلاقة في الحركة المسرحية العراقية والعربية امثال المبدعين ( كاظم النصار ) و ( حيدر منعثر ).

لقد كانت الاسلوبية والطرائقية المتفـردة في فـن الاخراج والتمثيـل المسرحـي عند الفنـان ( سامي عبد الحميد ) قد شكلت محورأ مهمأ ومناخا خصبا لدى العديد من المهتمين بشؤون المسرح العراقى والعربي وقد اثبتت  هذه ( التجارب ) عافية المسرح العراقي والتي أسهمت بالتالـي فى تطويــر واثراء الملكات الفنية والفكرية لدى العديد من طلبة الدراسات العليا في كلية الفنون الجملية , كما نمت هذه التجارب قدرات وملكات العاملين في المجالات التقنية الفنية , واسهمت في اخصاب ونمو الأداء التمثيلى لدى المعنيين بهذه التجارب ذات الصبغة المهارية العالية في فن التمثيل , فضلا عن انها قد فعلّت حركة النقد المسرحى العراقي والعربي وأثرته , بالاضافة الى ان هذه التجارب كانت قد أطرت لموضوعية انتخاب النص المسرحى العالمي والمحلي الذى من خلاله استطاع ذات الفنان ان يفجر ملكاته الابداعية الفكرية والحسية والجمالية والدلائلية , ليحصل في الكثير من تجاربة العرضية , على ادق حالات الاستجابة المثلى من قبل المتلقيين على مستوى النخبة وجمهور الحضور بالعموم , وعلى مستوى النقاد المسرحييـن , وأثرت بالايجاب أيما تاثير في المناخات المسرحية العراقية والعربية .

يبقى الفنان الكبير ( سامي عبد الحميد ) قامة شامخة من قامات المسرح العراقي والعربي ، ومفخرة عراقية صرفة ، ومفكرا مبدعا وصاحب رؤية وملكـة فنية ( عقلية – حسية – جمالية ) فائقة خصبة وخلاقة ، امتزجت في بودقتها جل النظريات والتجارب القديمة والحديثة ، يعمل الفنان الكبير سامي عبد الحميد استاذا في كلية الفنون الجملية في بغداد .

  

الفنان يوسف العاني

 

التتبع سفـر الفنان المبدع ( يوسف العاني ) يحتاج الى الكثير من الجهد البحثي أو الاستقرائي , لتسجيل مراحل حياته الفنية الغنية , لتكوين نظرة مختبرية ثاقبة عبر المشاهدة الحقيقية الموثقة لِجُـل منتجه الإبداعي الفني المتنوع , ليكون باستطاعته سبر أغوار رحلة ( العاني ) الفنية الطويلة ومسيرته الحافلة الزاخرة بالعديد من الاعمال الفنية على مستوى المسرح , والسينما , والتلفزيون , تأليفا وإعدادا , وتمثيلا , وربما لن يحتاج ذات الباحث او المتتبع  الى الكثير من العناء , او الجهد , في رسم صورة ابتدائية محلقة عبر زمن إخصاب الفن العراقي الجميل , او الجلوس قبالته ، لتحليل شخصيته البغدادية الاصلية النادرة , فحينما يقف الباحث في فسحــة ( العاني ) الإبداعية ، يكتشف بأنه رجل واضح كل الوضوح , بل بسيط كل البساطة , وسفره الفني , سجل ملحمي خالد , يستطيع المتتبع أن يتصفحه في كل الاحايين , بل في كل الازمنه والامكنة , ليتمتع  ويسمو وهو يتواشج بكل تلك الطبائع الشعبية الرائعة , وجل تلك الملامح البغدادية الجميلة الاصيلة , التي ارتسمت على محياه بطمأنينة أخاذة ، وربما يحيط به عبر تلك الجدران العبقة ، وملامح تلك الأزمنة الفائتة ، كل ذلك الأريج والعبق العراقي الجليل المتألق , الذي يفوح من بين ثنايــا (العاني ) الوديعة .

ولد الفنان ( يوسف العاني ) في 1/7/1927  بمحلة بغدادية شعبية قديمـــة تعرف بـ ( سوق حمادة ) وسط بغداد ويبدو أنه قد أخذ الكثير من أصول وركائز وأشكال كتاباته المسرحية , من اجواء وملاذات محلته تلك ، الغير مكترثة البتة بالمتغيرات التي كانت تحيط بها ، ( سوق حمادة ) تلك المحلة الصاخبة , والآمنة والوديعة , بذات الومضة السريعة لحركة الازمنة , والتواريخ , والتي ما تزال في ظني المؤكد , تخلد في نبض مسمياته القرائنية الدلائلية الذهنية  , بصورها المنكسرة العتيقة الشفيفة , حيث تلتصق بماهياته الغير مرئيه , وتعيش خالدة في ذاكرة ( العاني ) وما زالت عالقة في ذهنه المتقد , بملامحها البنائية الطرازية البغدادية المنقرضة , وبوجوه اهلها البغداديين الطيبين النجباء , الذين عاش بينهم وتعلم منهم , وأفاد من عِبرهم الحكائية الملحمية في كتاباته المسرحية , والتي أطلقتُ على عروضها في أحايين متفاوتة بـ( الفرجة البغدادية ) , والتي أخضعت النص , او الخطاب المسرحي , لتوليفة تدعو للاعجاب , والوقوف امامها باحترام بالغ , وهي تحاول تأصيل الحكاية والبيئة ، والشخصية ، والمثنولوجيا البغدادية , من اجل توثيق المناخ الحكائي الملحمي البغدادي , عبر المنتج المسرحي داخل عمق صيرورة تلك الفرجة التي أسَسَ لها عمليا في عروضه العديدة ، فيما بعد ، يُعدُ الفنان ( يوسف العاني ) أحد أهم أعمدة المسرح العراقي , ومن رواده الأوائل الذين أسسوا اللبنات الاولى في دعائمه الحاضرة في الباحة المسرحية والثقافية العربية , بل وارتقت تلك الدعائم المتألقة أعلى مراتبها على المستوى المعرفي التنظيري والاستقرائي , أو على مستوى المنتج الابداعي في إحالته لـ( العرض المسرحي ) أسس ( العاني ) عام 1952 فرقة ( مسرح الفن الحديث ) مع الفنان الراحل الكبير ( ابراهيم جلال ) ونخبة من الفنانين العراقيين الرواد  ولقد اسهمت هذه الفرقة في رفد المسرح العراقي بجملة من الاعمال المسرحية الرائعة والتي أرخت لحقبة تاريخية متألقة في سجل المسرح العراقي , والتي ستنقشها ذاكرة الباحة المسرحية العراقية , باحرف من ألق , لتظل زاهية بأبهى صورها المشرقة المضيئة , وكانت هذه العروض محط أنظار الجمهور العراقي بكل شرائحة , فقد توافدوا على مشاهدتها من كل حدب ثقافي , ومن كل صوب شعبيّ , ونخبويّ , حيث عرضت الفرقة اعمال مسرحية مهمة كـ( الشريعة والخرابة ) و ( اني امك يا شاكـر ) و ( الخرابة والرهن ) و ( نفوس ) و ( خيط البريسـم ) و ( المفتاح ) و ( الخان ) والعديد من العروض المسرحية الرائعة ، وسيبقى الفنان الرائد ( يوسف العاني ) ظاهرة متميزة ، فريدة من نوعها , تُصهر في بودقتها الاستثائية جل تصانيف الفنون الجميلة  وشتى المعالم المعرفية الثقافية والادبية المتنوعة , بتواشج  أخاذ جميل يثلج صدر المعرفة , ويسرُ قلبَ ( الفرجة البغدادية ) الجليلة  وسيشمــخ ( العاني ) على الدوام , نخلة عراقية باسقة , متألقة يرفرف فوقها , علم الذاكرة الحية للفن العراقي النبيل الخلاق .

  

الفنان فاضل خليل

  

يُعد الفنان المسرحي الكبير فاضل خليل من الجيل الذي اثر ايما تأثير في انعاش الحركة المسرحية العراقية ، وبلورة افكارها وثيماتها الحداثوية ، وهو من البصمات العراقية الراقية على مستوى التنظير الفكري ، والمناخ التدريسي ، والرؤيا الفنية الإخراجية  ، والقدرة التمثيلة الرائعة ، وهو محطة رائدة من محطات التعليم الفني في العراق ، حيث تخرج من بين معطفه المسرحي الثر ، العديد من الأسماء الفنية اللامعة ، وتخرج من بين جلبابه التنظيري الراقي العديد من طلبة الدراسات العليا .

ولد الفنان فاضل خليل في مدينة العمارة عام 1946 ، ولديه العديد من الأعمال الفنية في المسرح والسينما والتلفزيون ، وابرز اعماله السينمائية نذكر منها افلام : ( الرأس 1975) و(التجربة 1977) و(الاسوار 1979) و(البيت 1988) ، و(زمن الحب 1991) وغيرها من الاعمال السينمائية ، وابرز المسرحيات التي مثلها مسرحية ( النخلة والجيران) عام 1969م ، والتي اخرجها الفنان القدير قاسم محمد ومثلها عدد كبير من النخبة العراقيين ، ومسرحيات اخرى نذكر ابرزها مسرحيات ( الخان – بغداد الازل – تموز يقرع الناقوس – القربان – الطريق – العادلون – بير وشناشيل – وغيرها من المسرحيات التي مثلها درس المسرح في اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد وتخرج منها عام 1970 م وكان ترتيبه الاول ، عين معيدا في الأكاديمية ، وسافر إلى بلغاريا عام 1980م ودرس الدكتوراه في المعهد العالي للعلوم المسرحية في مدينة صوفيا عاصمة بلغاريا وحصل على شهادة الدكتوراه .

يقف المتتبع والمعني بالحركة المسرحية العراقية ، بإجلال أمام أعمال فاضل خليل الإخراجية ، وانا شخصيا ابهرت عندما شاهدت عرض مسرحية الملك هو الملك أبان الثمانينات ، حيث كان توظيفه للقدرات التجسيدية لدى الممثل عامر جهاد راقية ، والتكوينات الجمالية الرائعة في جسد العرض ، والتأثيث السينوغرافي للمشهد المسرحي كان مبهرا ، ورؤاه التفسيرية غاية في التركيز على مواطن الانفلات من السائد والمألوف ،  وقد وصفته حينها ، بالعين الإخراجية المبصرة المتقدة ، التي ترى الجهات الأربعة بجمالية متفردة ، وفي لحظة انفجارية واحدة .  ما زال الفنان الكبير فاضل خليل أستاذا يُدرس علوم الفن المسرحي ، لطلبته في كلية الفنون الجملية جامعة بغداد .

  

الفنان صلاح القصب

 

    

المخرج المسرحي العراقي ( صلاح القصب ) تلك الكينونة النابضة بالحياة ، والمحلقة في تخوم عبق المسرح ، وذلك التأسيس الجمالي المبهر ، وتلك البوتقة الإنسانية الأخاذة المتقدة بالنبض الصوري السحري ،  والتي اشتغلت في مناطق المعايير والتكوينات البنائية الجمالية للصورة في تأثيث فضاء للمشهد المسرحي ، وفق منظومة خلق معيار جمالي لملامح تدشين منظومة الصورة في المسرح العراقي ، والذي أبدع في تأسيس مفرداته التحضيرية داخل ملهمه الدائم ( مسرح الصورة ) المشغل المختبري الفلسفي الذي يتحاور مع اللامرئيات في ذهن القصب ، ذلك الذهن المنشغل بتنظيم شتات الصورة ونقلها الى ملاحم مرئية وفق مناهجية الترتيب الحسي المعتمد على اللحظة المتفجرة في الأفق (الاستاتيكي) للمشهد المسرحي في لحظة سحب دائرة إنصات المتلقي صوب ذلك البعد القصي للمدرك اللحظوي والتحليلي الحسي الآني ، ووفق منظومة الإبصار والاكتشاف الحثي المتزامن مع دواخله المأخوذة بالتكوين ، والمنشغلة بمفاتن تلك اللوحة اللونية المبهرة ، وهو يعزف سيمفونيته الراقية في جوف الصورة ، ليخرج لنا بنسيج إبهاري راق من بين ثنايا تكوينات الصورة المرئية المعبرة عن ذائقة الفنان المرهف الحس ، وليعكس لنا قدرة الفرد في تفكيك الصورة ، وترميمها ، وخلقها وفق المعايير الجمالية ، ووظائف البناء التكويني (القصبي) لخلق ذلك التواصل الحسي الراقي في مشغله الثر ، الذي يحيل الذهن الاستقرائي للمتلقي (المشاهد) الى مهمة فاصلة في تحليل المرئي المتحرك او الجامد ، او اللا مرئي الى أصوله المنشأة من الصفرية العدمية ذات الأصول الابتدائية المتخلية الذهنية ، وبالتالي لتؤسس لها منافع أسلوبية مذاهبية راقية ، ومهمات اللواحق التكوينية الصورية الناهضة المتاخمة أو المحاذية لها .

وهذه الحقيقة ترجعنا الى فهمية خاصة لشغف ( القصب ) بالكتلة والمقياس واللون وتدرجاته واعتداده بذاك السحر السرمدي للمحضن الرئيسي في التكوين الابتدائي لبناء المشهد المسرحي ، مما يضطر القصب في جل الأحايين لإلغاء وظيفة الخطاب المسرحــي ( النص ) باعتباره أداة توصيل وتفسير للـ( الثيمة ) الأساسية وملاحم الصراع داخل العمل المسرحي والاتكاء على ( الصورة ) ليبث من خلالها روح إنشاءاته الحسية الصورية ، وإيصال رؤاه الاستنباطية المحلقة في رحم الصورة المرئية .

لقد تبنى ( القصب ) رؤاه الفلسفية والتفسيرية الاستنباطية من خلال الصورة ليقيم من خلالها قداسه الدلائلي ، لأنه يقرأ شرائط الدلالة وفق معايير جمالية يراها لوحده عبر متخليه للتكوين التشكيلي للكتلة والحجم والمقياس واللون والجسد ، التي ستؤل بالتالي الى مناخ تأويلي من قبل المتلقي ( المشاهد ) لينبري بدوره ، ليؤسس له دورا فاعلا ومشاركا داخل طقوسه التكوينية البنائية هذه ، ثم ليرتقي هو الآخر الى فضاء التشكيل التالي للصورة عبر متخليه الآني أو القبلي او البَعّدي الحاضر في ذاكرة زمن التلقي ، او خارجه ، وهي الإيقونة التوصيلية المتفقة او المتقاطعة ( إيجابا – سلبا ) مع أطروحة (القصب) الصورية ، وفي رأينا أن عملية تكرار ذات النسق او التشكيل في دلالة الصورة الواحدة سيحدث شرخا في إخصاب الرؤية التخيلية عند ذات المناخ الإخراجي ، أو في الذهني التحليلي لدى المتلقي ، لذا نجد (القصب) حذرا من الوقوع في هذا النمط من أنماط التكرار التأثيثي الخطر في تكويناته لفضاء المشهد المسرحي ، فهو يمتلك ذلك التوقد والذوق الفني العالي في رصيده التشكيلي ليوزع جهده الصوري بشكل هوسي جمالي مقنع داخل لعبته الكبيرة التي احترفها وبامتياز ليخلق منها مناخا فاعلا ومتفاعلا مع دينامكية الحضور المبهر للغوص في مهمة الارتقاء بالمشهد المسرحي فنيا وتقنيا وتكوينيا عبر الصورة المرئية . 

  

الفنان عوني كرومي

   

ها نحن ننصت لصوت الراحل الكبير المخرج المسرحي عوني كرومي ذلك الراحل المخملي ، المكتحل بالطيبة العراقية الأخاذة ، الآتي من تلك الضفة النائية البعيدة ، السابحة في بون  تلك الماهيات النبيلة القصية ، وروحة الجليلة التي سكنت بطمأنينة عبقة ،  في ذمة الخلود ، وهي تصرح بثبات ملحمي أزلي ، بما يعني لها المسرح :-

 كان وما يزال العمل المسرحي بالنسبة لي ، فعل حياة وبقاء ، وتطور ، وسؤال دائم عن الكينونة والوجود ، وعملية ابداع الذات ، الى جانب كونه ، رحلة ومغامرة في المستقبل ، بهدف الوصول الى الحقيقة .. ان المسرح لا يعتمد على المفاجأة والصدفة ، وانما يعتمد على التجربة  ، هكذا كان ينظر الراحل ( عوني كرومي ) لفن المسرح  ، ويتحدث عنه بصوت غير مبحوح وعالٍ يسمعه كل من حضر الصالة المسرحية والفكرية الفائتة والحاضرة ، أو اختبأ بين ثناياها الخافتة الخجلة ، او دس رأسه خلف الكواليس ، أو راح مولياً خارجها ، نعم انه ذلك الراحل الذي فجعنا برحليه ، بل فجعت برحليه خشبة المسرح العراقي ، وفجعت به النظرية الحداثوية المجددة للمسرح العراقي ، هو ذلك الطود المسرحي الشامخ ، الذي تربع في قلوبنا كواحد من أعظم المخرجين المبدعين الذين أسسوا لحركة التجديد والحداثة في المسرح العراقي ، وهدف الى خلق الابهار العرضي والتنظيري ، لأنه فنان استثنائي خلاق ، لا يؤمن أو يعتمد البته على المفاجأة ، لان المسرح ، لا يتكأ على المفاجأة او الصدفة المحضة للنجاح الآني الزائل  ، ولأن مناهجيته وشرائطه العلمية المختبرية المتجددة ، تعتمد بالكلية على عملية الخلق والإبداع ، والإخصاب ، فالمفاجآت لا تنمي إيقاع ديمومته التكوينية الإبداعية ، واستقلاليته المتفردة ، بل تسقطها في مرحلة ما ، في أتون حضيض المفاجأة الكبرى ( الفشل ) والانزواء ، لكن عملية البحث العلمي الجاد ، والاستقصاء الاستقرائي المتنامي البحثي العلمي ، والتقصي الفاعل في إيجاد صور وأشكال مُتخلية جمالية جديدة ، هي التي تُصعد وتنمي مهام التفسير والتحليل والتأويل ، في متن القدرات الاستنباطية داخل الخطاب المسرحي ، لأذكاء الملكة الفنية التي تفرض نفسها بشكل حضاري لتسجل أسمها باستثنائية نجيبة منتقاة ، ضمن سجل الحركة المسرحية الدءوبة والتجربة الحداثوية المرتكزة على قيمة النجاح الانتخابي النخبوي ، لذات الفعل المسرحي والانساني ، لتُنشط من خلال تلك الرؤى الفنية الاستاتيكية المتجددة المولودة من رحم القيم المسرحية العالية ، والمنتعشة في كبد إيقاع الحياة وديمومتها المعاشة اليوميـة ، لتطوير الحاضرة العرضية الفكرية المسرحية الجمالية ، لان المسرح جميل ، بل ومجبول بالجمال ولد المبدع الكبير الراحل ( عوني كرومي ) عام 1945 في مدينة الموصل ورحل عن عالمه ( خشبة المسرح ) عام 2006 ، بعدما نقش اسمه الجليل باحرف نيرة ماسية ، طرزتها فوق سجادة المسرح العراقي الفخمة ، أنامل ذات الخشبة التي اشتق من عبقها واريجها ملامحه العبقرية الفطنة والتي كانت حاضنة مخصبه الابداعي الدائم ، وتنفس شذاها على مدى اربعة عقود ونيف قضى جلها بالمتابعة ، والاستقراء ، والتحليل ، والتأمل في مجاهل الجمال اللا متناهي ، أخرج الراحل الكبير ( عوني كرومي ) أكثر من سبعين عملا مسرحيا ، ياتي على راسها ، كاليكولا ، وغاليلو غاليليه ، وكريولان ، انتيكونا ، وترنيمة الكرسي الهزاز ، التي حصدت العديد من الجوائز ، ومأساة تموز ، والانسان الطيب ، صراخ الصمت الاخرس ، الغائب ، كشخة ونفخة ، وفطور الساعة الثامنة ، في منطقة الخطر ، القاتل نعم القاتل لا ، وتداخلات الفرح والحزن ، وفوق رصيف الغضب ، وحكاية لاطفالنا الاعزاء ، بير وشناشيل ، المحفظة ، المسيح يصلب من جديد ، والصمت والذئاب ، عند الصمت ، وفي المحطة ، الشريط الاخير ، المساء الاخير ، الطائر الازرق ، وفاطمة ، والسيد والعبد ، نال الراحل الكبير ( عوني كرومي ) العديد من الجوائز العالمية والعربية والعراقية ، منها في مهرجان بغداد المسرحي ، مهرجان القاهرة المسرحي ، مهرجان قرطاج المسرحي ، مهرجان برلين المسرحي ، حصل على لقب ( وسيط الثقافات ) من مركز ( بريشت ) في برلين ، توفي في مدينة برلين بألمانيا ، في فجيعة صباح يوم 28 / مايو / 2006 .

لنرفع أغطية الرأس التي نعتمرها ، ونحن في جلال هذا الألق العراقي المسرحي المتفرد ، ونخطو خطوات واثقة ، يملأها الزهو ، والكبرياء ، والفخر ، ونحو مقدمون لإلقاء تحيتنا الأخيرة  المتأخرة ، على روحة الطاهرة الجليلة ، ولننحني جميعا ً ، إجلالا ً في حضرة  جثمان هذا الفنان المخرج المسرحي المجدد المبدع الكبير الخلاق ( عوني كرومي ) المسجى بألق مبهر ، وعلو وشموخ ، داخل ذاكرة المسرح العراقي الجليلة .

  

الفنان شفيق المهدي

  

 

  

 

الفنان والمثقف والسفر العراقي المتفرد ، السابح فوق بساط منسوج من شذرات الابداع والمعرفة ، والمتجذر بتراب ارض وطنه المعطاء ، تلك الكينونة العراقية الراقية ، المهدي ذلك الإبهار المسرحي الخالد ، الذي راح تمخر عباب الزمن ليضع بصمته الحداثوية الرائعة فوق بساط الفكر المسرحي والفني والادبي المتجدد ، الذي رافق جل تاريخه الناصع والمتالق بحب ذلك السرمدي ( العراق ) .

ولد الفنان المبدع شفيق المهدي في عام 1956 وسط عائلة عراقية يكتنف ملاذاتها البسيطة بيتا متواضعا في مدينة مدينة ( عفك ) ذلك البيت الذي لم تنل منه الريح والمتغيرات ، ولم تحني ظهر جدرانه النجيبة الملاصقة لمعالم الإبهار ، ذلك البيت الذي خبر نوبات الكد والأسى اليومي ، ولم تغير ملامحه المجيدة تلك المهازل للأزمنة والتواريخ ، هو ذات البيت الذي راحت مخيلة ( المهدي ) المتقدة تستلهم من خلال أجواءه الساحرة كل ذلك الإحساس بالجمال والتحليق في اللامرئي لاكتشاف معالم تلك الظواهر المخبئة داخل إيقوناته السحرية ليسمو بها ويكسوها بظلال الثوب المرئي على شكل ملامح صورية تعكس انفعالاته المؤقتة فوق خشبة المسرح تارة ، وأخرى فوق وجه الورق لتنتج إبداعا خلاقا راقيا لمرحلة الانتماء الناهض والمحرض على التحضير ، وصولا لمواطن التغيير ، والمُثور لطاقات الذاكرة الفردية والجمعية بالكلية عبر منتجه الفني الإبداعي الذي شهد له القاصي والداني داخل العراق وخارجه .

 أنهى ( شفيق المهدي )  مراحل دراسته الشاقة المترعة بالمتعة والهم ، ابتدءاً من المرحلة الابتدائية ثم المتوسطة مروراً بالاعدادية والبكلوريوس ثم الماجستير ، وانتهاء بالدكتوراه التي حصل عليها من جامعة بغداد – كلية الفنون الجميلة – فلسفة فن – نظريات إخراج – ، بعدها عين أستاذا جامعياً في ذات الكلية من عام 1982 حتى عام 2000 انتخب معاوناً وعميداً لكلية الفنون الجميلة بالانتخابات عام 2003 ، عين مديراً عاماً لدار ثقافة الأطفال في عام 2003 ، عين مديراً عاما ً للمؤسسة العامة للسينما والمسرح عام 2008 ، رشح وزيراً للثقافة العراقية من عام 2005 وجدد له الترشيح في عام 2006 لكن حظ الثقافة العراقية العاثر لم يسعفها برجل كشفيق المهدي لينتشلها من وحل التخبط ، وصومعة الانغلاق ، ومشاعية الخصخصة المقيتة .

نشر العديد من البحوث والمقالات النقدية والدراسات التنظيرية في العديد من المطبوعات والمنشورات اليومية والدوريات العراقية والعربية المتخصصة في مجال المسرح وجملة الفنون والآداب وعموم موضوعات الثقافة .

قدم نفسه مخرجاً مسرحياً ، ممتلكا لأدواته الفنية ، وفناناً مبتكراً ومحلقاً في فضاء التجديد للمسرح العراقي في العديد من الإعمال المسرحية التي سجلت حضوراً مميزاً ناهضاً ، وتركت علامة مضيئة في سِفر التجديد والحداثة في المسرح العراقي والعربي ، ففي عام 1980 قدم مسرحية رائحة الزوايا ، واتبعها في عام 1981 بمسرحية أغنية التم لتيشخوف ثم المعطف عن رواية لغوغول ، والحارس لهارولد بنتر عام 1988 ومسرحية لعبة حلم لواغست ستراندبرج والعاصفة لشكسبير ومسرحية مشعلوا الحرائق ، ومسرحية ماكبث لشكسبير في عام 1989 .

حصد ( المهدي ) العديد من الجوائز الرفيعة على صعيد كافة المستويات الإبداعية منها جائزة أفضل مخرج مسرحي عراقي عام 1989 ، كما وحصل على جائزتين تقديريتين في النقد الأدبي ، ومنح جائزة العنقاء الدولية عام 2006 ، وحصل على العديد من الجوائز التقديرية من جامعة بغداد ، وتوج نشاطه الإبداعي بمنحه درع الصحافة العراقية 

عام 2006 ، وكان احد الأعضاء البارزين في اللجنة التحضيرية التأسيسية لمهرجان بغداد المسرحي عام 1982 . 

وعلى المستوى الفني العلمي الأكاديمي ومن خلال المحفل التأسيسي في تصانيف فن المسرح ، فقد تخرج الكثير من المبدعين المسرحيين العراقيين ومن أجيال مختلفة ، من خلال جلباب ( شفيق المهدي ) الإبداعي التنظيري العلمي . 

يشغل الفنان شقيق المهدي الان منصب مدير دائرة السينما والمسرح في العراق ، اختير رجل الثقافة لعام 2009 في العراق على ضوء استفتاء أجرته مؤسسة النور الثقافية ، وكرم في مسقط رأسه مدينة الديوانية بهذه المناسبة .

  

الفنان عقيل مهدي

  

 

 

يُعد الفنان عقيل مهدي من الفنانين العراقيين الكبار الذين ارسوا القواعد الاكاديمية والعلمية والجمالية لفن المسرح في العراق ، اخرج العديد من الاعمال المسرحية الرائعة في العراق ، والتي شاركت معظمها في المهرجانات الخارجية ، وحصلت على جوائز قيمة فيها ، ان سفر الفنان عقيل مهدي من الاسفار الخالدة في تاريخ المسرح العراقي ، لقد نذر جل عمره في تعليم فن المسرح والتنظير له ، وهو من الذهنيات الاكاديمية الراقية التي اخذت على عاتقها الاهتمام بعموم المنتج الفني ، وسخرت له طاقتها القصوى ورفدته بعلميتها وافكارها النيرة وهو من المخرجين القلائل الذين اهتموا بالتركيز على التراث المسرحي والثقافي والفني من خلال الاشتغال على مواطن ( السير ) لكبار عملاقة الفن في العراق .

تميز الفنان المبدع عقيل مهدي بالثراء المعرفي المتقد كونه مخرجا وناقدا ومنظرا ، ومؤلفا للخطاب المسرحي ، وهو من العاشقين للعمل في الفضاء المسرحي الرحب الذي يواشج اتساع ثقافته الفكرية والفنية والجمالية ، له من المؤلفات العديد من الكتب في نظريات المسرح ، وعلم الجمال ، وفي النقد المسرحي ، لقد اهتم عقيل مهدي اهتماما لافتا بمحاور عديدة ورئيسية في فن المسرح الاخراج والتمثيل والتاليف والتنظير للمسرح ، وقد سجلت له الذاكرة المسرحية العراقية تميزا واضحا ونجاحا ملفت للنظر في جل المباهر والتجارب المسرحية التي خاضها .

تعاطى الفنان عقيل مهدي مع التراث البغدادي الاصيل بشخوصه الحية المتدفقة ، مع اتساع الافق الفرجوي المرئي في دائرة ضوءه الساطع المكتشف لما هو خفي واللامرئي في الضفة الاخرى للبوح ، واخضاعها لهيمنة المسميات الطبيعية التي تاخذ على عاتقها إنعاش الشخصية المحلية ، وتدوين السير الشخصية واحالتها الى مفاتن مسرحية فرجوية راقية ، او ما اصطلح عليه ( مسرح السيرة ) فقد اقدم على تاسيس اللبنة الاولى لطرازية هذا اللون من العروض المسرحية عبر اعماله المسرحية ( بدر شاكر السياب و يوسف العاني ، جواد سليم ، حقي الشبلي ) لقد اضحى الفنان عقيل مهدي ركيزة مهمة من ركائز المسرح العراقي ، ودعامة رئيسية من دعاماتة الكبيرة وقمة فارعة من قممه العالية ، التي استلهمت افكارها المتقدة من رحم الاسى البغدادي والعراقي ، لتحيل ذلك الاسى الى أشكال صورية مرئية عبر المنتج المسرحي في عروضه المسرحية الرائعة التي زخرت بها ملامح باحة المسرح العراقي .

يشغل الفنان عقيل مهدي حاليا منصب عميد كلية الفنون الجميلة في بغداد .

  

  

الفنان مرسل الزيدي

 

يُعد الفنان مرسل الزيدي من الفنانين العراقيين الذين وضعوا الحجر الأساس للتجارب الحداثوية في المسرح العراقي ، فقد نقل خبرته العلمية والفنية التي درسها في الخارج تحت طوع مخليته الاخراجية الخصبة والمتفردة ، اخرج ومثل العديد من الاعمال المسرحية التي حازت على جوائز في المهرجانات المسرحية ، ونالت رضا النقاد المسرحيين العراقيين والعرب ، للزيدي رؤيته الخاصة في استخدام مفرداته الوظيفية في فن الاخراج ، خالقا ومبتكرا فذا في تصميم المشهد المسرحي ، ولقد تخرج من تحت عباءته العلمية والتظيرية الرائدة العديد من الطلبة الذين نحتوا لهم اسما في دائرة الضوء الفني الساطع ، التقيته ضمن فعاليات أسبوع المدى الثقافي السادس، والتي قدمت على قاعة فندق فلسطين ندوة  فنية ثقافية مختصة بعنوان المسرح العراقي والجمهور والتي دعيّ فيها الفنان مرسل الزيدي لالقاء بحثه ، والذي استعرض فيه مسيرة المسرح منذ نشأته، ومروراً بسلسلة التجارب والتغيرات في الشكل والمضمون والتي مرت بالمسرح عالمياً ، وانعكاس ذلك على مسيرة المسرح العراقي وعلاقته بالجمهور، مؤثراً ومتأثراً وانتهى الى خلاصة ،  مفادها ان مقياس المشاهد المسرحي، بدأ ينحدر، بعد عدٍ تنازلي ، ليصبح نخبة قليلة لا تمثل من المجتمع الا جزءاً صغيراً، وربما نادراً وعليه فلنا ان نطالب المسؤولين لوضع أسس ، تستنفر المشاهد ، باعتباره الاساس الذي تقدم عليه حركة النهوض الفني في المسرح وذلك بعبر لتوصيات الآتية:-

1ـ ادخال مادة المسرح والفنون، مادة دراسية علمية منذ السنوات الاولى حتى التعليم العالي.

2ـ ادخال المسرح في مجمل العملية التخطيطية للدولة شأنه شأن ابواب خطط التنمية.

3ـ رفع غطاء القسر والرقابة عن المسرح ومنحه حرية التعبير.

4ـ فتح المسارح للجماهير بعيداً عن حسابات الربح والخسارة، والاكثار من إنشاء المسارح، والعمل على تأسيس البيوت الثقافية وتنميتها .

5ـ التشديد، او توقف وسائل الاعلام عن تقديم المسرحيات التي تعتمد الإقلال من شأن الفرد، وجعله مادة للاضحاك السفيه، وتقديم الاعمال الرصينة، وكسر ما يسمى بالحدود، وحرية التنقل للفرق والفنانين في عموم الوطن لنشر رسالة المسرح وارتباط الجماهير بهم.

ان اطاريح الفنان مرسل الزيدي الفنية والعلمية تستدعي ذاكرة الإنصات الى الولوج الى صلب افكاره النيرة والعميقة والتي ساهمت في انتعاش الحركة المسرحية في العراق .

ما زال الفنان مرسل الزيدي يعمل ، استاذا في كلية الفنون الجملية جامعة بغداد .

  

الكاتب المسرحي محي الدين زنكنه

 

 

ربما لا يختلف اثنان من المهتمين والباحثين والمعنيين بتاريخ الحركة المسرحية في  العراق ، وبخاصة داخل منطقة الاشتغال بكتابة الخطاب المسرحي ، على إن الكاتب المسرحي الكبير ( محي الدين زنكنه ) هو الأكثر  ثرءا ً فكريا ، والأرقى مخصبا دراميا ، والأغزر نتاجا تدوينا ، والأمثل سلالة في الأسلوب والأقوى في استثمار الدلالات الرمزية التي استطاع بمهارة عالية إسقاطها على ثيماته المسرحية ، وامتاز في رصانة لغته المسرحية ، وهو الأوسع شهرة على المستوى المحلي والعربي ، ويقف بإبهار على هرم جملة من الكتاب العراقيين المسرحيين الكبار الذين اشتغلوا وفق نمط إنشاء الخطاب المسرحي ، الذي يتمحور على الاتكاءات الفكرية والسياسية التحريضية التي تصب في صالح التغيير المجتمعي بوجه عـام ، ولو أخضعنا نصوصه المدونة ، لمنظومة الاستقراء والتحليل ، على المستوى التأثيري في مناخات الثقافة والأدب العراقي بالعموم ، ومناطق السطوع المسرحي ومراحل انتعاشاته وفق تطور مراحلها الموغلة في الجسد الفكري والسياسي العراقي الحديث ، لوجدنا انه يشكل لوحده مؤسسة معرفية ناهضة ، تصبو عبر منتجها الإبداعي الى فهميه عالية ، تتوافق بدراية فائقة مع جل شرائط التغيير الصارم في عموم الإنشاء المأساوي التوقيعي اليومي ، وفي تصوير الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي العراقي الفائت بأشكاله المهترئة ، فهو ومنذ كتابة بواكير أعماله المسرحية ، كان قد توغل داخل الجسد المجتمعي ، الذي كان يعيشه بل ويعاني من تفاصيله اليومية الدقيقة المقرفة ، والتي راح يحدد بذكاء فائق بون مفازاتها ، ومناطق عتمتها المدلهمة ، ومكامن الإحباط ومتاهات الترهل فيها ، محاولا استلهام حالة التوقد الذهني المسرحي التدويني النابه لديه ، واستثمار ملكاته الدرامية الفطنة ، وفاعلية أدواته الماهرة التي استطاعت ان تمرر ثيماتها الدرامية ، التي تؤشر تلك المهازل الطافحة في المعترك اليومي المعاش ، ليُصيرها الى أفعال تحمل في صيرورتها براهين تحريضية لحظوية فاعلة ، تبعث على الدهشة والصدمة ليحيل القارئ ابتدءا ، والمتلقي ( المشاهد ) في صالة العرض ثانيا ، الى فرضية الاستجابة المثلى لاحتضان تلك الملاذات التغيرية الحاضرة في توقيتاته الآنية المتحفزة لمثل هذا الأنموذج من البعد التحريضي الفاعل والمتفاعل مع حالة الإحباط التي كان يعيشها ذات الكاتب والمتلقي ، في الفائت من سنيين الاحتضار المعرفي ، والخيبة الثقافية والفكرية ، ومجاهل الاضطهاد والتعسف السياسي والعرقي التي كانت تمارسه السلطات ضد محاضن توقد الومضات الفكرية النادرة المتحصنة بالوعي الفكري والسياسي المبدع ، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكاتب المسرحي الكبير ( محي الدين زنكنه ) الذي أثر أيما تأثير في الجسد التدويني المسرحي العراقي ، بفعل استخدام لغة دلائلية رمزية أحيانا وإخضاع إحالاته العلاماتية والاشاراتية والتوكيد على التستر خلف عباءة النص الفضفاضة المتسعة البوح ، لتمرير مقاصده الفكرية والسياسية الفطنة التغيرية العالية الحبكة في جسد النص المسرحي ، في محاولة منه لهدم تلك الهوة الحاصلة بينه وبين المخرجين الذين تعاملوا مع نصوصه ، للوصول الى منطقة تلاقح وتلاقي الأفكار والرؤى التفسيرية والاستنباطية لتنشيط مخاصب التوالد التأملية الاستنتاجية ، ومن ثم لتحصين تلك العلاقة التي كان يرنو للمحافظة عليها بشكل واضح ، وبذل الجهد في ترميمها ، بين المسرح باعتباره ساحة البوح المكتنزة بدعائم التواصل بين الخشبة والمتلقي ، لخلق حالة الإبهار الأنموذجي الاستقبالي الأمثـل بيــن (المرسل) من جهة وبين ( المستقبل ) من جهة أخرى على اعتبارهما العنصرين الأساسين المعنيين في صلب نظرية التلقي ، ومن ثم للتأسيس الأرقى لفرضية الاستجابة الحثية التراتبية المثلى ، لإسقاطات العرض الفكرية والسياسية بالعموم .  

ولد الكاتب المسرحي العراقي الكبير ( محي الدين  زنكنه ) عام 1940 في مدينة كركوك من عائلة كردية تشربت بمناخات عموم الثقافات والآداب ، وعرفت أيضا بسيرتها النضالية الاحتجاجية على سياسات الظلم والتعسف  ، كما هي حال النسيج الأعظم من العوائل العراقية وقتذاك ، بدأ الشروع بالكتابة الأدبية ، وهو في الرابعة عشر من عمره ، ومن مناهضاته السياسية الاحتجاجية المبكرة المعلنة التي على أثرها تمت عملية اعتقاله عام 1956 ، سيبقى ( محي الدين زنكنه ) قامة حاضرة في خاصرة الثقافة والأدب العراقي والعربي ، ورمزا خالدا من رموزها النجباء ، لأنه أفنى جل حياته في مجال الكتابة بجل تصانيفها الإبداعية المعرفية ، ولأنه كان يعتبر الكتابة في مجال الخطاب المسرحي ، طقسا وعيويا حافلا بمشاريع التأمل ، والتوقد الفكري والسياسي التحريضي الذي يصب في صالح مراحل التغيير الأصيل ، داخل الجسد المجتمعي ، وهو بذات الثبات المعرفي الواعي ، عَدَ عملية الكتابة للمسرح ، مناخا جليلا يفضي لتلك المساحات الخصبة في بون لواعجه السديمية ، وملاذا مرهفا لتحقيق أحلامه التي كان يرنو اليها بعيون متقدة مبصرة ، ترى الأشكال والمسميات العائمة ، لتحيلها الى فضاءات مسرحية خلابة ، تتحرك بداخلها جملة من شخوصه التي رسمها او التي استلها من الواقع او التي استدعاها من مفاتن الموروثات الشعبية ، لتفصح عن خلجاته الفكرية والسياسية الفذة عبر قلمه المتمرس ، الذي استطاع بمهارة درامية فنية غنية ، وملكة لغوية فائقة ، وأدوات بنائية عالية الطراز ، ان يرفد خشبة المسرح العراقي والعربي ، بنصوص مسرحية ناهضة ، ذات قيم وثيمات إنسانية وفكرية متوهجة ، لتعلن وبثقة استقرائية وعرضية غنية ، عن اسم الكاتب العراقي الكبير ( محي الدين زنكنه ) الذي لن يبارح الذاكرة المسرحية العراقية البتة ، لأنه كاتب مسرحي عراقي من طراز ٍ ، نبيل ٍ ، خلاق ٍ ٍ، مبهرْ .

  

الفنان عبد الخالق المختار

 

 

يعدُ ( فن التمثيل ) المسرحي هو شكل من أشكال التعبير عن مجمل المتغيرات والمؤثرات والحالات الإنسانية الآنية والتاريخية ، وهو مناخ تثويري لجل الحالات الانفعالية الداخلية والظاهرية ( الذاتية – الجمعية ) والذي تكمن خلفه جملة من الدوافع القصدية وحيثيات الرغبات الإنسانية المتنوعة والمختلفة باختلاف الموضوعة المُتناولة عبر الخطاب المسرحي ، وهو بذات اللحظة طقس مقدس فاعل ومتفاعل داخل جسد المناخات الاجتماعية والفكرية والسياسية الحياتية المعاشة ، ويتأتى هذا التطابق الميداني عبر العرض المسرحي ، الذي يأخذ على عاتقة تقديم فرجة درامية جمالية متقدة عبر فيزيقية جسد الممثل وأدواته ومهاراته التكنيكية وملكاته التوصلية العالية الجودة ، لذات الشخصية المراد تجسيدها عبر محافل الإبهار البصري لهذا الفن الإبداعي النبيل (المسرح) بكافة مناشطه التقنية والفنية المحاذية الأخرى ، وتخضع عملية الإبداع هذه ، لجملة من الشرائط والقوانين الى ديناميكية زمن الإبداع ( التجسيد ) وقد تتعداه الى أزمنة أخرى داخل متاهات المُجسِد ( الممثل ) ليظهر لنا جل الخفايا المستترة اللامرئية ، في تكوينات الشخصية الانفعالية وفضاءات الواقع الحياتي المعاش ، وبكونه أيضا مجموعة من الدلالات  والإحالات الى كينونات الماضي واستشراف المستقبل ، وهذا هو الجوهر الأساسي والحقيقي لـ( فن التمثيل ) الذي يهدف الى إنتاج فرجة جمالية ممتعة رصينة ، للحصول على أعلى درجة من درجات الاستجابة المثلى من لدن المشاهــد ( المتلقي ) وعلى كافة المستويات الشعبية والنخبوية .

ومن خلال استعراض للمنجز الفني الإبداعي الفني المتنوع الإخصاب للفنان العراقي والممثل المسرحي الفنان (عبد الخالق المختار) سنكتشف بأنه مالَ وبشكل ملفت للنظر ومن خلال مسيرته الفنية المسرحية الحافلة بذلك التنوع ( الثيماتي ) الموزع على وفرة طاقته التمثيلية الهائلة  ، وهذا برأينا مرجعه الى حنكة اختياراته الفطنة الذكية المدروسة ، لجملة من الأدوار الصعبة في تكويناتها التعبيرية الأدائية ، والمركبة في طاقاتها وخلجتها النفسية المتداخلة ضمن منظومة التمتع الاحتفالي المنظم في توزيـــع الجهـــد ( الاحتفالي ) لجل الشخصيات المتنوعة الثرة ، بإسقاطاتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والشعبية التي جسدها ، فهو من الممثلين المسرحيين العراقيين القلائل الذين احتفظوا بذلك البريق المشاهداتي ولم يشتتوا جهدهم الفني وأضاعته بالمشاركة بأعمال هابطة فنيا وفرجويا على مستوى المشاركة بالعروض التجارية ، ومنبع هذا يرجع الى إن ( المختار ) وجملة من الفنانين العراقيين الذين هم من جبلته الأخلاقية والفنية ، لم يجازفوا بتاريخ سِفرهم الغني النبيل الحافل بالمَنَعَةِ الأكاديمية والفنية الصرفة ، أو يرهنوا مواطن هزالهم المادي في أحايين كثيرة في أية محطة من المحطات العابرة التي لا تتكافأ مع تاريخهم الفني الغني الرائع والتي لا تسجل او تضيف لهم أي ومضة فنية داخل محفلهم ، بل تحصنوا بدراية علمية عالية ، ونظرة مجبولة بثقتهم بذواتهم أولا ، وباحترام وحب ( خشبة المسرح ) التي انتموا اليها بقدسية مشرفة ثانيا ، والتي منعتهم من الانزلاق وسط أتون ذلك البون الشاسع من المفازات الفاصلة بين الفن الحقيقي ، وبين عملية الإسفاف والظهور المستمر على حساب زيادة دخولاتهم المادية التي لا ( تسمن من جوع ) ولكنها تضعف الذاكرة الجمعية الاستقبالية للمشاهد ، على حساب الفن المسرحي العراقي الحقيقي المشرف .

وعبر هذا المنتج  الفني الذي سطره بفخر وكبرياء وفحولة عراقية استثنائية متفردة الفنان المبدع ( عبد الخالق المختار ) وهو يعزف لحنا بغداديا جميلا من مقام النوى ، بمعية اوركسترا ملاحمه الموجعة وآلامه المبرحة التي الت لرحيله ، التي لم تفارقه البتة ، لكنه ظل منصتا خاشعا لذلك الصوت النقي الذي يأتيه من خلجات نفسه وفضاءاته القصية النائية ، وهي تدعوه لإكمال ذلك السمو والتألق والإبهار والبوح الثقافي بصوت عال ، لأنه ما زال حيا ، نعم ما زال حيا ، ، ليكمل عزف ذلك اللحن المجيد الذي يستوطن الذاكرة ، ويستمكن من اللب ، ليوزع ذاك النشيج الموجع حول مفاتن ألقه الفني المبهر ، لتظل عيون بغداد وملاذات العراق آمنة على الدوام ، وتستنشق رئته هواءا نقيا في كل أسفاره القادمات ، فثمة متسع ٌ للحب هناك ، في الضفة الأخرى للإبداع ، لتبقى محاجر بغداد مكحلة بالكبرياء ومرا تعها حافلة بذلك الثراء الفني والمعرفي الذي يطرز حاضرة الوطن .. نعم كل الوطن ، هذا الجليل العراق .

 

الفنانة عواطف نعيم

 

حين تجلس قبالتها ، أو تلتقي بها صدفة ، أو ربما تشاهدها من بعيد ، وهي تتسرب خلسة صوب هموم أشتغالاتها اللحظية المزهرة ، وأنثيالاتها المشرئبة صوب اللا محدود في ذلك الأفق الأخاذ المترامي الأطراف  ، وأنبهاراتها الفنية المتوغلة داخل مخاصب أروقتها الإبداعية المختلفة العديدة ، أو حين تتسمر على كرسيك وأنت تشاهد لها عرضا مسرحيا أو تقرأ لها بحثا أو خطابا معرفيا ، فأنك ستدرك ، ووفق منظومة الاستقراء الآني ، بأنك أمام كائنا عراقيا أسطوريا ، يحلق برؤاه واستنباطاته المتألقة ، صوب ( اللا مرئي ) داخل ذلك البون الهائل من الرموز والمسميات ، والفضاءات ، بل يبدو لك َ بذات اللحظة القريبة من ذلك الثبات الذي يستوطن داخل عنوان ٍ مجبولٍ بالفطنة والنشاط ، بان كل ألوان الكون قد تداخلت مرة واحدة ، لتفصح عن ذاتها الايقونية الخلاقة لتشكل تلك البصمة الأنثوية في ذاكرة المسرح العراقي الفنانة المبهرة ( عواطف نعيم ) ، تلك الفنانة التي جُبلت منذ نعومة أظفارها بمهمة تقليد كل ما تسمعه من الأصوات التي تحاذي مخيلتها المتقدة ، بل وتقلد كل ما يتحرك أمامها من كتل بشرية ، وتحاكي بطريقتها الخاصة ما يلامس شغفها المبكر لـ( فن التمثيل ) الذي عارضت العائلة أيما معارضة  لأنه ومن غير المعقول ، أن تندرج تحت مسمى الفن ، هذه البنت التي ترعرعت في مناخات الجنوب العراقي المتواشجة برائحة أريج شط الفرات والمغلفة بعبق رائحة البردي ، والتي عليها ان تتبرقع بـ( الشيلة ) السوداء والتي ربما ستغلف ملامحها السمراء المبهرة المأخوذة بعمق حضارة ( أور ) العظيمة .

لكنها وبرغم كل تلك المصاعب والتحديات التي كانت تؤطر ملامح أزمنتنا الفائتة  أصرت وبعنفوان امرأة الجنوب الجليلة ، التي يملأها الكبرياء ، بل تمتطي هي الكبرياء ذلولاً لها  ليوصلها لمأربها النبيل الجليل باحة ( الفن ) بجل مواطن تصانيفه الرفيعة ، حينها قررت الاستمرار ، فأكملت دراستها الأولية بنجاح مبهر رغم إننا كنا نلتحف حينذاك الليل دثاراً لنا ، ونتقاسم بيننا خبز الشعير كي نحاول مقاومة ذلك الحيف الجميل ، الذي كان يتربص بنا في كل الزوايا المظلمة لذلك النوح والكد والأسى والجوع ، والفاقة اليومية  حيث كان الصبر حليفا ساميا لذلك النشأ الأول للأحياء ، ليحيله الى تاريخ فنيّ مبهر فيما بعد .

هكذا كانت ( عواطف ) تغتسل كل يوم بمحيطات معارفها الجليلات ، وشطآن ملاذاتها الحالمات ، لتحتضن موجات السمو ، والرفعة ، والكبرياء ، لتنقلها صوب لجاج باحات الإبداع المترعة ، وهي تتأبط تحت ملامحها السمراء الجميلة  تذاكر السفر نحو ذلك العالم السحري ( المسرح ) ، لتلجه برفق وتودءة أخاذة نبيلة مبهرة ، لتعقد مع باحته صفقة فنية معمرة ، لن تشطب من سـِفْر ِ تاريخها الفني المديد ، ما دام هناك عرق إبداعي يبض ، في دواخلها السديمية الحالمة المستفزة ، والمستنفرة على الدوام  ، أنهت ( عواطف نعيم ) دراستها في معهد الفنون الجملية / بغداد ، بعدها حصلت على بكالوريوس ( فنون ) من أكاديمية الفنون الجميلة / بغداد ثم حصلت على الماجستير والدكتوراه ( إخراج مسرحي ) من كلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد ، أسست قسم مسرح الطفل في دائرة السينما والمسرح عام 1996واقامت أول مهرجان له في عام 2002 ، ساهمت في العديد من المهرجانات المسرحية العربية على رأسها مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ومهرجان قرطاج  مهرجان الأردن المسرحي ، ومهرجان دمشق المسرحي ، ومهرجان مسرح الطفل في تونس ، مهرجان بغداد بجل دوراته ، ومهرجان الرباط ، ومهرجان البحر الابيض المتوسط المسرحي .

أن نكون بمستوى هذا الإبهار , وبمثل هذا الدأب الناشط في قلب الحركة المسرحية العراقية والعربية ، وان نكون محبين للجمال ، والوطن ، والمسرح  بهذا الطراز الاستثنائي الأخاذ الجميل كما فعلت ( عواطف نعيم ) حينها يمكن لنا أن نتجاوز محننا ، ونقفز فوق مفازات الأزمنة والتواريخ القاحلة الفائتة ، كي ننتشل باحة مسرحنا العراقي من حالة النكوص ، والذبول ، وربما حالة الإخفاق التي تعتريه ، ليتعافى ثانية ، ويسمو فوق ملاذات أحلامنا المؤجلة ، ويعود كما كان مرتعا خصبا جليلا ، تقاس بتطوره ونموه وازدهاره ، مراحل نضوج حركة المسرح العربي وتطوره ، وبالإجمال .

الفنان عبد الجبار كاظم

 

 

حينما يكون ( المسرح ) هاجسا ً بل ومعشوقا جليلا  نبيلا ، بهذا الطراز المنير ، ليجتاز كل التواريخ والأمكنة ، ليسكن داخل مفاتن النفس ، وملاذات الروح ، لينعش بذات القدر من ذاك العشق ، مفازات الذاكرة المتقدة بالمعرفة ، والمتواشجة بالخلق والتسامي ، والمغلفة بجلال لوعة ذلك العشق السرمدي ، داخل جوف هذا المنحوت السحري ( المسرح ) الذي يربض متمكنا ، بل مستوطنا في جل الهواجس والخلجات الإنسانية التي تسكن تحت رخام ذلك العالم المخملي الذي راح يطرز معاقل الاتقاد الفائت ، ومساحات البوح ، والنوح معا ، داخل مناخات الفن الآسرة ، وعصر فحولة امتلاك الرؤى ، والتأصيل الإبداعي .

وفي الجانب الآخر من هذا السفر المسرحي العتيد الخالد ، يقف الدهر متكأ ًعلى فراسة غرائزه الموجوعة بلوعة الموت ، لينحت بمخالبه المقيتة فوق وجه تلك اللوحة البيضاء ، المنداحة برغبة أزلية لمواصلة تجذير ذلك السفر المسرحي المجيد ،  ليرسم فوقها بلذة إحضار عجيبة ، وهو المأخوذ بالنزع ، وكأنه يتلذذ بصوت عويل ذاك الاحتضار القادم من جوف الليل البهيم ، الذي ارتدى خيمة ظلمته الحالكة ليخترق بها مجاهل البهاء لذلك المعترك المفجوع بالبوح والصمت معا ، ليحيله الى حطام مركون ، اوالى أشلاء متناثرة في عالمه السفلي ، وتلك اللوحة البيضاء الشفيفة ، ليس بمقدورها ان تلملم حوائجها اللونية المغموسة بالحب ، سوى انها استطاعت ان ترسم على شفتيها الذابلتين تلك الابتسامة الخجلة الحائرة ، المكدسة بجملة تلك الأسئلة  المريرة ، المغموسة بالفجيعة ، عن تلك الفرحة المؤجلة ، التي لم تكتمل بعد ، والتي كانت تملأ الأرض غبطة ً ، وعطاءا ً، وسموا ً.

هكذا أختار القدر الفنان ( عبد الجبار كاظم ) ذلك المحلق الجميل الرائع الذي راح يحلق في فضاءات ذلك السديم الأرجواني الخلاق  ( المسرح ) ، لينهي به تلك الرحلة النبيلة المعطاء ، ليسكن جسده المرهف بالحس ، وصوته الأثيري ، وعقله الثـر ، وجميع معالمه العراقية الأصلية الفذة في حضرة ( تيمات ) ( انكيدو ) تلك الكينونة النظرة المسكونة بملامحها الأسطورية المتفردة ، والمملوءة بالحركة ، وحب الحياة ، والآخرين ، والذي اعتاد أن يلج بتوءدة أخاذة الى قلب الذاكرة المشاهداتية الجمعية ،  ، بل ويسكن داخل ذلك الهزيع المتسامي للمعرفة ، والمأخوذ بسحنة التواصل والإبداع الذي يكتف ماهياته النبيلة التي ستبقى متربعة داخل القلب ، وفي ذلك البون المديد للذاكرة الحية  .

( عبد الجبار كاظم ) .. ذلك الفنان المرهف الحس ، الجميل ، الذي يرافقه ظله الشفيف الذي يُعرش حول الذين يحيطونه بالغبطة والفرح الدائم ، غادرنا صبيحة يوم متطاول يشبه لون الموت من شهر نيسان عام 1996 ، وهو يسكن بهدئة أخاذة وسط ( آلة الحدباء ) التي لم يخشاها يوما ، وهو محمولا فوق الأكف ، وفي القلوب ، ومنحوتا في المآقي ، والمحاجر بل يربض بهول العيون ، بعد سفر فني خالد ، امتد لأكثر من أربعة عقود ، ملأتها رائحة عرق التعب المضني خلف الكواليس ، وأكداس الأفكار الطرية الجملية ، التي لم يكتب لها ان ترى النور ، لان الرحيل كان سريعا ، بل قبل أوانه .

ولد الرائع المبدع ( عبد الجبار كاظم ) عام 1949 في مدينة ( الكوت ) التي توسطت نبض العراق الجليل ، بدأ خطواته الأولى على طريق الفن الشاق المرهق الطويــل ، حيث اشتغل في فن المسرح وهو ما يزال في العاشرة من عمره أبان دراستـه الابتدائية عام 1956 في مسرحية ( مشاعل النضال ) التي تحكي ملاحم الثورة الجزائرية من اخـــراج ( مالك عطوان ) ثم جسد دور الملك في مسرحية ( النعمان ابن المنذر ) من اخــــراج ( حسن ناموس ) عام 1960 فكانت هذه التجربـة ( كما اسرني في زمن ٍ جميل مضى ، نفترش فيه العشب ملاذا لنا ) ، كانت قد فتحت له آفاق سحرية خلابة غنية ، وذات مفاتن مؤطرة خلابة في رحاب عالـم ( فن التمثيل ) وربما تواشجت هذه العلاقة الحميمية بينه وبين المسرح من خلال هذا العمل المسرحي المبكر ، بعدها توافرت له فرص عديدة للعمل كممثل في العديد من النتاجات المسرحية الطلابية ، بين عامي 1968 – 1972 ، ولعل من ابرز الاعمال في تلك الفترة الخصبة من حياته الفنية ، مسرحية زنوبيا ملكة تدمر ، والبخيل لمولير ، وسليمان القانوني ، وظل هاجسة الاول في تدعيم ملكته التجسيدية بمهارات اكاديمية علمية ، لذا قرر الالتحاق باكاديمية الفنون الجملية / بغداد عام 1972 وهنا تلاقفه المخرجون الكبار الذين كانوا على راس الاساتذة المسرحيين في العراق فعمل مع الفنان المبدع ( فاضل خليل ) في مسرحية ( عطيل ) لشسكبيـر ، ومع الفنـان الفــذ الراحـل ( عوني كرومي ) في مسرحيتيّ ( المسيح يصلب من جديد ) و ( كاليكولا ) تحية من القلب ، لذلك الترف الفني ، ( عبد الجبار كاظم ) الذي رحل وهو ينبض بقلب مترع بالحب ، وشواهد فنية خالدة ، ستبقى مضيئة في ذاكرة الفن العراقي الأصيل ، .. تعالوا معيّ لنسجل هذا التوثيق الفطن ، لهذا المبدع الراحل الخالد ( عبد الجبار كاظم ) لكي نقـر باعتزاز وفخر وشوق ، وحب لكل من رحل عنا ، ولكي لا ننسى كل من توهج بيننا مثل شمعة نيرة ، ورحل عن الخشبة المسرحية فجأه ، ليبقى هاجسنا الابتدائي القادم ، هو ان نذكر فنانينا العراقيين الراحلين الكبار ، بشيء من الود والاكبار ، وان نترجم هذا الود والحب والاكبار الى مواطن سرمدية تسكن بداخلها أرواحهم الشفيفة ، وان نترحم عليهم أولا ، ومن ثم نواري أجسادهم الطاهرة بالذكر الطيب ، والمواساة التي لا نملك غيرها البتة ، لأنهم سقطوا فوق باحة ملاذهم النبيل ( المسرح ) وحُملوا فوق الأكف ، وهم يرقدون بسلام وسط الواح خشب ٍ ،  فاحت من جوانبها الأخاذة ، رائحة عبق خشبة ( المسرح )

الفنانة هديل كامل 

 

 

يطلع علينا مع أول بقعة ضوء بلورية على باحة المسرح ذلك الوجه الملائكي الفيروزي المتجذر داخل فطنة ملامحه الملائكية ، ليلج صوب تلك الفضاءات المخملية المتاخمة لللامرئيات من الأشكال والمسميات والمتزاحمة في قلب العرض المسرحي ، ليحيلنا بالكلية الى مدركات عقلية ومدركات حسية تتراقص مع ذلك الحضور الفائق المميز في باحة الفرجة والإقناع ، الفنانة الرائعة الحضور ( هديل كامل ) كينونة متألقة على الدوام وعلى مستوى جل المناسبات العرضية المبهرة ، المسرحية ، والتلفزيونية ، والسينمائية والإذاعية ، فهي ملاذ جليل لكل تلك الطروحات الإبداعية الراقية الأخاذة العالية التكوين في عناصرها الفنية الرائعة .

( هديل كامل ) تلك الفيروزة المحلقة في فضاء ذاك الأفق القصي المتخم بمناخات الإبداع والمعرفة أنها كينونة مهمومة بالرقي الفني وكأنها تثبت أقدامها بتألق أسطوري سرمدي في جذر الأرض لتطلع علينا من ذات المسافة القريبة من ذلك الثبات لتختزل الأزمنة والتواريخ والأمكنة في بودقة تجسيدية رائعة وكأنها تختصر جل المسميات والأشكال والألوان في رحلة فنية تكمن داخل ايقونة سيميائية  شفيفة مبدعة أخاذة يغلفها الإبهار ويحتوها ذلك الهم العراقي النبيل الذي يسكن في ملامحنا المغتبطة تارة وأخرى يتكور ليصبح بلون الأسى ، أنها تكوين خصب جليل للفن العراقي الذي يجتاز حضوره وإيقاعه الاوكسترالي الجليل جميع الحاضرات الفنية العربية ليدخل الى القلب بتودءة ويؤسس له مكانا خالدا داخل الذاكرة الجمعية ، ويستقر في محافل الدهر الذي راح يتعكز على تراتبياته المحزنة المترهلة ، ليجبره على أن يفتح أبوابا أخرى للفرح العراقي الآتي ، وان يطبع على تلك الوجوه العراقية المتخمة بالأسى والفرح بآنٍ واحد  تلك الابتسامة التي فارقت الثغور منذ زمن فائت بعيد ، كانت اهتماماتها الأولية حينما كانت بعمر الورد الاشتغال على مناطق التأسيس لمرحلة النبوغ الفني المبكر بمساندة والدتها الفنانة الرائدة الكبيرة  ( فوزية الشندي ) التي تعد من البصمات الأنثوية الرائعة في ذاكرة الفن العراقي وعلى مستوى جل التصنيفات والمجالات الفنية ابتدءا من فن المسرح ومرورا بالتلفزيون والسينما وانتهاءا بالإذاعة كانت وما زالت الفنانة الكبيرة ( الشندي ) مناخا إبداعيا متفردا في فضاء باحة الفن العراقي النبيل ، اهتمت ( هديل كامل ) أيما اهتمام منذ نعومة أظفارها ببرامج الأطفال حيث كانت مهمومة بفن التمثيل الذي برعت فيه وأصبحت فيما بعد  قامة شامخة من قاماته العالية وتربعت لفترات عديدة وما تزال فوق عرشه الثر الجميل .

ولدت الفنانة القديرة المبدعة ( هديل كامل ) في  بغداد عام ( 1967 ) ترعرعت وسط عائلة منغمسة بالمناخ الثقافي والأدبي والفني فهي الأخت الصغرى للفنانة القديـرة ( هند كامل ) ووالدتها الفنانة الرائدة ( فوزية الشندي ) برزت في تكويناتها الخلاقة موهبة التمثيل في مرحلة مبكرة من حياتها مذ كانت في الرابعة من عمرها حينما شاركت في التمثيلية التلفزيونية ( تضحية وجدار ) إخراج ( محمد الجنابي ) بعدها اشتركت في العديد من برامج الأطفال حيث كانت بدايتها الفعلية في دائرة الإذاعة والتلفزيون العراقية عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها ، بعدها ساهمت في العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية والمسرحية والإذاعية والسينمائية على مستوى الاحتراف .

حصدت الفنانة المبدعة المتألقة ( هديل كامل ) العديد من الجوائز والشهادات التقديرية منها جائزة تقديرية عن دورها في تمثيلة ثابت أفندي وجائزة أفضل ممثلة واعدة عن دورها في مسرحية العودة وشهادة تقديرية من نقابة الفنانين العراقيين وجائزة أفضل ممثلة اولى في الفيلم العراقي عرس عراقي وجائزة أفضل ممثلة اولى في مسرحية لعبة الحب .

تبقى الفنانة الجميلة الرائعة ( هديل كامل ) فنارا عاليا يضيء مناخات  الفن العراقي المسرحي الأصيل ، وفيروزة تحلق في فضاءات المخاصب الفنية النبيلة ، وكبرياءا عراقيا استثنائيا يطرز الماهيات المرئية واللا مرئية في الوعي الجمعي لتحيلها الى إرهاصات عراقية فرجوية نبيلة تشمخ في الذاكرة الفنية الحية اسما عراقيا متألقا يزهو به الوطن ليكحل مآقي العيون ، ودفئا ملحميا يناغم كينونات الأفق العراقي القريب ، المذهب بالرقي والاشتغال على مناطق التجديد والحداثة .

—————————-

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – سعدي عبد الكريم – النور 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *