أريد المسرح كما أعرفه.. والفضاء الرقمي ضرورة في حالة الأزمة – مفلح العدوان #الأردن

العدوان
مفلح العدوان

أريد المسرح كما أعرفه.. والفضاء الرقمي ضرورة في حالة الأزمة – مفلح العدوان

الكاتب المسرحي والقاص والروائي مفلح العدوان:

إن الفعل الثقافي فعل حي وديناميكي يستطيع أن يتجاوز كل الأزمات، ليخرج بشكل أكثر ثباتا وقوة وحضورا، وهذا ينطبق في الصعوبات والملمات والحروب والظروف الاستثنائية وهذا ما يحدث الآن في جائحة كورونا. لكن المنتج الإبداعي والثقافي لا يتوقف في ظل هذه الظروف، ولذا فهناك كثير من الأفكار والكتب والروايات والقصص والأفلام ورسومات والصور والأفكار المبدعة كان الظرف محركا لها، وعاملا مهما في انتاجها كفعل ابداعي خلّاق، وحضور ثقافي فكري مبدع. غير أن ظروف الحظر هذه جعلت من المهم التفكير في وسيلة لتجاوز الظروف الموجبة للحظر، وأقصد هنا الناقل والوسيط لهذا الفعل الثقافي، وقد كان متوفر ومألوف لدينا وهو الفضاء الرقمي، وقد كان موجودا قبل جائحة كورونا، واستثماره في فترة الحظر وأثناء موجة انتشار الوباء، كان ضرورة في ظل حدث اضطراري، والعاقل من يستثمر الفرص ليخفف من الأزمات ويحرّك السكون في مرحلة الإغلاق والخوف.

لكن المرعب فيما يحدث الآن، أيضا، هو هذا التركيز الذي يروّج لهذا الوسيط الرقمي، كحالة يراد لها أن تستمر حتى بعد الخروج من الأزمة والظرف الطارئ، ترويج يحدث بشكل غير منطقي، هو تسويق كأنه فعل تجاري للتحول الرقمي هذا، وفي السياق الثقافي الإبداعي، (يمكن تسويغه في الجانب الاقتصادي والتكنولوجي والمالي والمصرفي وغيرها من القطاعات الأخرى، لكن في القطاع الثقافي والإبداعي المسألة بحاجة إلى تأني وتفكير!!)، وكأن الحياة والأشخاص والفعل الإبداعي والفاعل للإبداع سيتحول إلى عالم من الريبوتات، يكون فيه الإنسان والفاعل الثقافي، والفعل الثقافي، جزء من الديكور وتابع لهذا الوسيط الذي عرفناه قبل الجائحة ونستخدمه في إطار الوسيلة والوظيفة التي وجد لها، لا أن يكون هو الحالة وهو الأصل وهو الفعل وهو الفعالية، بحيث يصار الى الحديث عنه كروح جديدة للعمل الثقافي وللعصر بفكره وحراكه ومنجزه.

هناك روح للفعل الثقافي وللفعاليات الإبداعية، اذا انتزعت من الحالة ينتفي منها عنوان الثقافة والابداع والفن، وهذه الشاشة الفضية ليست تلك الروح التي أتفاعل معها، إذا كانوا يريدون تحولا رقميا، واحتكاما كاملا للفضاء الرقمي، حينئذ هم يريد قتلا لروح الفعل الثقافي والفني الإبداعي، إذن فليغلقوا كل المراكز الثقافية، وقاعات القراءة، والمسارح، والمدرجات، وصالات الرقص، وساحات الغناء والفرح، وفضاءات الرسم والنحت والتصوير، فليفعلوا كل هذا وأكثر اذا كانت الحالة السائدة التي سنحتكم لها مع الجائحة، وحتى بعدها، هي لهذا الفضاء الرقمي. أعتقد أنه إذا صارت الحالة السائدة هي الفعل الثقافي ضمن إطار الفضاء الرقمي فقط، فإن كل منا سيتحول عالمه إلى كهف معزول عن كل معالم الحياة، وليس في هذا الكهف إلا تلك الشاشة وجهاز الهاتف بلا روح ولا حياة ولا فن ولا إبداع.

أنا أريد المسرح كما أعرفه، وأنا أكتبه منذ التسعينيات، ولا أشعر بالمسرح دون حضور وممثلين وجمهور وخشبة وموسيقى وإضاءة، حتى الصخب أريده مع المسرح، حتى الازدحام أمام بوابة المسرح، وهذا ينطبق أيضا على الغناء، وعلى القراءات الشعرية، والمحاضرات الفكرية، كلها أريدها بروح حقيقية، لا شريط تسجيل، ورابط افتراضي، وميكروفون وسماعة، ولحظة بدء ولحظة نهاية فقط.

هناك مبرر لاستخدام هذا الفضاء الرقمي في حالة الأزمة، للضرورة، لكن الوضع الطبيعي والحقيقي والإبداعي، أننا في الفعل الثقافي، نحن مع فعل انساني نابض علينا أن نعززه، ولا نكون مستلبين للآلة، وللوسيط الذي وجد ليؤدي وظيفة تخدم الثقافة والإبداع، لا أن يكون هو الأساس فيصادر هذه الروح التي يقوم عليها فعل الثقافة والإبداع وكل مراتب الفنون.

من ملف “مثقفون: لا نريد أن نكون مستلبين للآلة وحماستنا للفضاء الافتراضي حماسة نفسية”

إنجاز: عمر أبو الهيجاء

(جريدة الدستور)

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش