أثر جناح الفراشة في مسرح مابعد الحداثة

د.فاتن حسين ناجي – مجلة الفنون المسرحية 

من شان الاشياء الصغيرة ان تولد نتائج كبيرة ذات رقعة متسعة اكبر من تلك الرقعة التي نشات منها , ولعل اثر جناح الفراشة جاء كتسمية من تلك الحالة الطقسية التي تتحرك بها جناح الفراشة لتنذر عن قدوم اعصار هو اداة تشبيه واستعارة نقلت الى الادب والفن بدلالتها العامة ففي الادب كان تاثيره وتمثله الاكبر في الحدث والكلمة والفعل فالمدى الهائل يظهر عبر الانتقال من الصورة التفصيلية الى المشهد الاكبر والتعقيد له الاثر الاكبر في تكاملية الاحداث وان اللامتوقع والفجأة والذهول تشكل بدورها جزءا جوهريا من المعقول الفني لكل جمال وبذلك اتسمت صفة اللامتوقع في اثر جناح الفراشة اهمية كبيرة في تكوين قراءة جديدة انطلاقاً من تجاور صور التناقض والاختلاف بين المتوافر واللامتوقع وكسر افق التوقع وتكوين احداث كبيرة نشات وتكونت اثر اشياء صغيرة جدا او حتى قد تكون كلمة واحدة او جملة يخلق على اثرها حدث مسرحي متكامل حيث ان هذه النظرية تمتد الى الظواهر الاجتماعية فلا تقتصر على التأثير المادي المجرد على الظواهر الطبيعية او الكونية بل تمتد للحياة العادية للانسان ويمكن تقصير فكرة تأشير الفراشة من اغنية امريكية قديمة تقول :- بسبب مسمار طارت حدوة الحصان ..وبسبب الحدوة سقط الحصان ..وبسبب الحصان قتل الفارس ..وبسبب الفارس هزمنا في المعركة
وبسبب المعركة ضاعت المملكة .
فاثر جناح الفراشة هي سبب ونتيجة وهي بداية ونهاية ومنها كان السبب ضئيل فالنهايات غير متوقعة هذه هي نظرية اثر الفراشة سواء في العلم او الادب او حتى في حياتنا العامة . وفي الفن بصورة خاصة فأن مجموع تراكمات السبب تؤدي الى شمولية في الشكل النهائي حيث ان الاسباب نتائج وهذه هي الترابطية في ان العمل الفني هو كل شامل مترابط وهو شكل تلقائي اضافة الى كونه عملية تراكمية. وان اللامتوقع والفجأة والذهول تشكل بدورها جزءا جوهريا من المعقول الفني او بعبارة اخرى التابل الضروري لكل جمال” وبذلك اتسمت صفة اللامعقول في عنصر التواصل اهمية كبيرة في تكوين قراءة جديدة انطلاقاً من تجاور صور التناقض والاختلاف بين المتوافر واللامتوقع حصوله من حيث تشكيله لعدة صور جمالية وازاحتها والانفتاح نحو خطاب جديد ومغاير من حيث الإدراك والفهم وقدرة الاستنباط للوصول الى القدرة على إعادة انتاج النص الأدبي لدى القارئ بحثاً عن القيمة الجمالية للنص وهذا تجسد في مسرح مابعد الحداثة في اذ ان اللامتوقع يشكل لذة التقبل لدى المتلقي وهي لذة تقوده الى ملازمة النص او العرض ومعاينة ومعادلة استنباطه بشكل مغاير ومؤثر في تكوينية البحث عن ماهو مختلف عن الواقع والخروج بشيء اكبر من ذلك الذي انطلقت منه شرارة الحدث الاولى او لربما تقام المسرحية باكملها على حدث ضئيل واحد من شانه ان يخلق عدة ردورد افعال متنافرة مختلفة وتلك الردود هي اثر الفراشة الذي سيخلق حالة من النقاش الجدلي المثمر الذي يراد من وراءه خلق حالة جدل تحرك الفكر لدى الفرد والاثر الاكبر في مسرح مابعد الحداثة هي تلك الغرائبية في الطرح بعيدا عن الالتزام بالترتيب والقواعد وان عملية التناقض في الطرح هي البذرة الاولى التي يخلق وفقها التكوين النهائي للباعث الاساس لدى المخرج او الكاتب على حد سواء . لاسيما وان قواعد النظرية تكمن في تاكيد التوازن الذي يجذب معه جمالية التعدد والكولاج للخروج بصورة لامتوقعة وهي الهدف الذي يسعى له فنان مابعد الحداثة في خلق الصدفة اللامتوقعة ورفض الحتمية والتاكيد على عنصر عدم الاستقرار والثبات والطرح الصغير الي يبدا كشرارة تندلع وفقها الحرائق.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش