‎العرض العام : نداء مستعجل ‎مساءلة الزمن والأحداث – ‎عــبـاسـيــة مـدونــي – سـيـدي بـلـعبـاس- الــجزائــر    

العرض العام : نداء مستعجل

مساءلة الزمن والأحداث

رفع الستار يوم 24 فبراير 2018 ، على مستوى ركح المسرح الجهوي سيدي بلعباس ، عن العرض العام لـ: نــداء مــســتــعــجـل ، نص الدكتور ” ادريس قرقوى” واخراج       ” دين الهناني محمد” المعروف فنيا بـ”جهيد” ، وتشخيص الثنائي ” فقيرة بارودي”         و” بن حمودة فريدة ” .

نداء مستعجل ، جمع بين أكثر من اتجاه اخراجي بلمسة واقعية جمعت بين أكثر من معادل موضوعي بشكل رمزي يخاطب الوجدان ، ضمن رحلة جمعت بين الزمان والمكان في أكثر من مشهد لتشخيص التقاطع المرئي واللامرئي بين الشخوص ، للبحث في كُنه كل شخصية واستفزاز دواخلها ، للنحت في غرائزها المكبوتة والتي غالبا ما تأتي نتائجها غير محمودة .

العرض ضمن تناول نصيّ واخراجي تساوقت فيه المشاهد ليكون التركيز عاليا في عمل المخرج منصبّا على الممثل فيزيولوجيا ونفسيا ، بتركيز عال على ادارة ذلكم الممثل ، وهذا ما يميّز عمل المخرج ” جهيد” في تعامله مع الممثلين في أي عرض مسرحي ، في مستوى العرض انصهرت التجارب الفنية لتكشف المستوى الفكري والمعرفي لصاحب العمل وإلى أي مدى تلاقى به وفيه الممثلان ، حيث نلفي بينهما انسجاما محمودا وصراعا مرغوبا يستفز المتلقّي الباحث في كينونة العرض عن ملاذه ، بين ” السعيد ” ضحية البيئة ، المجتمع والأنظمة الفاسدة ، وبين ” شهرزاد” ضحيته هو كعدوّ لذوذ لنفسه ، ما يزال قابعا في مستنقع الكراهية والانتقام .

العرض برمّته كشف عن أفق فنيّ في حقل أبي الفنون ، جمع بين المسرح الصامت  (البونتومايم) ، الواقعية ، ولمسة الكوميديا التي لم يوظفها المخرج جُزافا ، بل بها غائيتها في العرض على مستوى الأداء ولدى المتلقّي الذي راح يبحث عن المشاهد اللاحقة تشويقا وترقّبا ، الروح الانسانية لم تغب بالعرض ولو في أوج صراعها مع قوى داخلية وأخرى خارجية ، بين الرجل والمرأة صراع مستديم ، صراع متوهّج صنع أحداث العرض أين كان محور الصراع سلاحا ذا حدّين ، صراع يفرض سلطته وجبروته أمام فساد الأنظمة وعاهة المجتمع المتمرّغ في لجّة المكر ، النفاق والخداع ، في زمن الأقنعة التي تتهاوى، فجاء النداء مستعجلا ، نداء استغاثة ، نداء قابع بحنجرة ذبحت من الوريد الى الوريد ، نداء اغتصبت جرّائه شتى الأحلام البكر ، نداء حمل أكثر من ذاكرة ، ذاكرة للأنثى في حجم الوطن ، الأمّ ، الرجال النبلاء ،  نداء كشف بدوره عن ذوات متصدّعة وأخرى تناشد السلام الروحي .

مسرحية “نداء مستعجل ” وما جسّده الممثلان ” بارودي” و” فريدة ” كان رسالة مشفّرة فكّا لغزها ، كلّ بأسلوبه ، بحضوره ، بانسجامه ، باشتغاله على النص ومستويات الأداء الركحي ، تماشيا والاخراج وسينوغرافيته البسيطة التي كادت تنعدم الا فيما احتاجه المخرج لتوصيل  فكرة العرض ، فكان العرض نافذة مفتوحة أمام عديد التأويلات ،  وكثير من مستويات التلقي ليبقى أفقه متعدد القراءات ، ليستفزّ بدوره هذا المتفرج الذي يغادر القاعة محمّلا بألف استفهام ، علّ وعسى يجد أجوبة لكلّ ما يؤرقه في زمن محموم بالثوابت التي لم تعد كذلك ، وفضاءات لم تك يوما على مقاس اثبات الذات البشرية التي تعاني الانفصام ، التوحّد غالبا والكثير من الوهم .

العرض المسرحي بين ثنائية التملّك والاستفزاز ، السلطة والجبروت ، البحث عن المجهول والتماهي الروحي، الحقيقة والخطأ ، جميعها ثنائيات أثبثت فحوى القضايا الراهنة ، قضايا الدم والاغتصاب الروحي قبيل الجسدي ، قضايا الانتقام قبيل المساواة ، قضايا الانحلال بدل الانسجام والتلاحم ، علّ وعسى يغدو الواقع مقبولا مقارنة بالبحث عن ملاذ على متن زوارق غير مضمونة بالمدّ الأزرق ، وبين الالتحاق بالجماعات المسلّحة بعد تسميم عقول أبنائنا ، بعد أن حوّلوا قلوبهم العامرة حبّا ونقاء الى كراهية وسخط على نظام مستبدّ بشتى المجالات .

في ” نداء مستعجل” جميع تلكم القضايا الشائكة والعالقة كانت قابلة للتحليل ، للجدل الايديولوجي ، الاجتماعي والنفسي على أعلى مستوى ، وكل ما اتّكأ عليه العرض من حوار ، صراع وتداخل للأحداث ، ومستوى الشخصيات في بعدها التفاعلي عرّى عديد المواقف كشفت الستار عن غبن المجتمعات العربية على لسان ” السعيد” و” شهرزاد” ، فكلّما تعطّل حدث ما بالعرض الا وفُجّر آخر من زاوية أخرى ضمن نسيج رمزيّ ، واقعي وتهكميّ بين الفينة والأخرى ، حيث تمّ إدارة جلّ الأحداث الدرامية بأكثر من تساؤل ضمن جمالية توازي الاضاءة والموسيقى.

” نداء مستعجل” تجربة تتّخذ من الأسئلة المشروعة جسرا في محاولة الوصول الى أحلام شرعية ، مواكبة قضايا آنية لابدّ أن توصل صدى ذلكم النداء .

بـقـلـم : عــبـاسـيــة مـدونــي – سـيـدي بـلـعبـاس- الــجزائــر  

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *