يعيشون في وحدة ويكتفون بالمعارف الصداقات بين الأدباء، نادرة ولكنها متينة

ميسون أبو الحب
نادرة هي علاقات الصداقة الحقيقية بين الأدباء ذلك أن “أغلبهم يعيشون في عزلة ولا يمرون بتجارب صداقات حقيقية. وثلاثة أرباعهم يكره أحدهم الآخر في الواقع” حسب قول الباحث الفرنسي بيرنار مورلينو الذي عكف على دراسة صداقات قامت بين سبعين أديبا في أزمنة مختلفة، ومن الجنسين ولاحظ أن هؤلاء لا يرتبطون إلا بأسرهم وبأصدقاء معدودين جدا في العادة، أما العلاقة مع أدباء آخرين فغالبا ما تكون صعبة وعسيرة يشوبها الكثير من التنافس وعدم الاطمئنان.
وضع مورلينو نتائج بحثه في عالم العلاقات والصداقة بين كتاب ومفكرين وأدباء في كتاب حمل عنوان “لأنه هو من هو: الصداقات في عالم الأدب” وتضمن شروحات مفصلة لكل علاقة قامت بين اثنين من هذه النماذج السبعين، كيف بدأت وكيف تطورت وما واجهت ثم كيف انتهت، مصحوبة بوثائق ورسائل وكتابات عديدة أغلبها شخصية. واختار الباحث عنوان كتابه من مقولة قديمة لمونتين في حديثه عن دو لا بويسيه عندما حاول أن يشرح جمال الصداقة التي كانت تربط بينهما. فبعد أن وجد نفسه عاجزا عن وصف هذه العلاقة، اكتفى بالقول: “لأنه هو من هو، ولأنني أنا من أنا”. 
ونكتشف في كتاب مورلينو مثلا أن جان جاك روسو كان يقطع 16 كيلومترا ذهابا وإيابا على قدميه لزيارة الكاتب والفيلسوف الفرنسي ديدرو رغم أن الاثنين تحولا في عام 1758 إلى أخوة أعداء ثم ما لبثا أن عبرا في رسائل لاحقة عن ندم شديد ومرارة عظيمة لزوال العلاقة وانقطاعها. وكان ايتين دي لابويسيه وميشيل دو مونتين يعتز أحدهما بالآخر أكثر من اعتزاز كل منهما بزوجته، وكان فكتور هوجو كثير الثناء على عبقرية بلزاك والعكس صحيح.   
يلاحظ الكاتب أن عالم الأدب ملئ بقصص الحب والعشق والهيام وما يرتبط بها من كلمات وتعابير فيما يندر الحديث عن كلمة صداقة. ولكنه تمكن رغم ذلك من رصد تكرر كلمة صديق في كتاب “البحث عن الزمن المفقود” لمارسيل بروست 1428 مرة وتكرر كلمة صداقة 232 مرة. هناك أيضا رواية “عودة الصديق” لفريد اولمان وتحكي عن قصة صداقة بين الراوية هانز شفارز، وهو إبن طبيب يهودي، وكونراد فون هوهنفيلس، الشاب الأرستقراطي، في فترة تنامي النازية في شتوتغارت. ولا ننسى “الأوهام المفقودة” لبلزاك عن صداقة عميقة بين الشاعرين ديفيد سيشار ولوسيان شاردون او حتى الفرسان الثلاثة لالكسندر دوما. وعلى هامش الصداقات بين الكتاب، هناك أيضا الصداقات بين الأدباء والنقاد. غوستاف بلانش مثلا، وهو ناقد أدبي فرنسي عاش في القرن التاسع عشر، كتب في 1836 مقالة عنونها “الصداقات الأدبية” وصف فيها ولادة صداقات وازدهارها ثم موتها بين نقاد وكتاب. 
إغناء
عادة ما تكون علاقات الصداقة بين أدباء نادرة وصعبة ولكنها عندما توجد تغني كل واحد منهم وتفتح آفاقا مختلفة أمامهم وقد تشكل جزءا من شخصياتهم وتؤثر على أساليبهم في الإبداع وعلى أفكارهم ونتاجهم بشكل عام، حسب قول الباحث مورلينو الذي توصل أيضا إلى أن هذه العلاقات عندما تنتهي لسبب أو لآخر، عادة ما تترك جروحا عميقة من الصعب أن تلتئم بسرعة كما تخلف فراغا عظيما مثلها مثل قصص الحب التي يعج بها تاريخ الأدب والشعر والكتابة. ويقول مورلينو “انتهاء علاقات الصداقة يسبب ألما عميقا”. 
ومن النماذج التي تضمنها كتاب الباحث الفرنسي العلاقة بين مارسيل بانيول والبير كوهين اللذين كانا صديقين منذ الطفولة، وبين البير كامو ورنيه شار، مارسيل بروست وليون دوديه رغم عداء الأخير للسامية. علاقات أخرى طرحها في الكتاب قامت بين جاك بريفير وبوريس فيان، وبين جيروم غارسان وجاك شيسيكس وأيضا بين ناتالي ليجيه وناتالي ساروت ثم بين فلوبير وجورج صاند وفولتير ومدام دو ديفان رغم ضغوط المجتمع الذكوري القوية. 
ويشير الباحث في كتابه: في عام 49 قبل الميلاد كتب الفيلسوف اليوناني فلوطرخوس عن “مساوئ الصداقات المتعدة والكثيرة” وقال إنها تسبب آلاما وتخلق أوهاما كاذبة ورأى أنه كلما قلت الصداقات كان ذلك أفضل وشرح بالقول إن المرء غالبا ما ينخدع بمن يعتقد أنه يعرف. أما دو لا فونتين فكتب يقول “الكل يطرح نفسه كصديق، ولكن مجنونا من يصدق ذلك: لا كلمة أكثر انتشارا من كلمة صديق، ولا شئ أندر من الصداقة”. أما الفيلسوف اليوناني ديمقراط فكتب يقول “لا تستحق الحياة أن تعاش إن لم يكن للمرء فيها صديق جيد” وعلى هذه المقولة اعتمد الباحث مورلينو في كتابه. 
—————————————————-
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – ايلاف

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *