هل تعيد المهرجانات الحياة للمسرح؟

حالة نشاط شديدة التوهج يشهدها الوسط المسرحى حاليًا.. فالعديد من مراكز الإبداع ومسارح الدولة تشهد فى الوقت الراهن عروضًا تابعة لمهرجانات مسرحية، مثل مهرجان “الهُواة”، ومهرجان “نجوم المسرح الجامعى”، بالإضافة إلى بعض عروض مسرح “الحقيبة”، كما أن مدينة شرم الشيخ كانت قد شهدت منذ أيام مهرجان شرم الشيخ الدولى لمسرح الشباب، وفى سبتمبر المقبل سينطلق المهرجان الدولى للمسرح التجريبى والمعاصر.. واللافت للانتباه أن معظم هذه المهرجانات يغلب عليها الطابع الشبابى، فالشباب هم العامل المشترك الأكثر وضوحًا بين كل هذه الفعاليات، لكن هل يمكن لهذه الفعاليات المسرحية أن تتحول إلى حالة مسرحية تضخُّ دماء الحيوية فى عروق المسرح المصرى، أم أنها مجرد أحداث كرنفالية سرعان ما تنطفئ أنوارها؟

الناقد المسرحى أحمد خميس، أكد أن العبرة ليست بكثرة المهرجانات المسرحية التى تُقدَّم خلال العام، وإنما بمدى تأثير هذه المهرجانات وتفاعل الجدمهور معها، ومدى جودة العروض التى تُقدَّم خلالها من حيث الجودة والأفكار المقدَّمة، ومدى تفاعلها مع قضايا المجتمع. وأضاف خميس أن المهرجانات الحالية بها كثيرٌ من الزخم والاختلاف، فمِن خلالها خرج شباب الجامعات، للعام الثانى على التوالى، بعروضهم من قاعات الجامعة المعتادة التى لا يقصدها إلا زملاؤهم من الطلاب ليقدِّموها للجمهور العادى، ومن ناحية أخرى فقد تَقرَّر انطلاق فاعليات المهرجان الدولى للمسرح التجريبى باسم جديد هو “المهرجان الدولى للمسرح التجريبى والمعاصر”، وذلك فى سبتمبر المقبل، كما أن هذه الفترة شهدت أيضًا خروج المسرح من القاهرة وإطلاق فاعليات “مهرجان شرم الشيخ الدولى لمسرح الشباب” منذ عدة أسابيع قليلة، إلى جانب مهرجانات أخرى أكدت خلال دوراتها الماضية قدرتها على جذب الجمهور، وأهمُّها “المهرجان القومى للمسرح المصرى”.

ولفت خميس إلى أن هناك واقعًا نلحظه، هو أن جمهور المسرح فى القاهرة ما زال محصورًا فى فئات معينة، لكن المسرح بطبيعة الحال من الفنون السهلة والمحبَّبة لدى المصريين، وهو ما تؤكده العروض التى تُقدَّم بقصور الثقافة عبر المحافظات، مؤكدًا ضرورة الاهتمام بتقديم المسرح ليقترب أكثر من الطبقات المتنوعة التى لم تعتدْ على ارتياده ولا تَعرف عنه الكثير، وهذا لن يحدث فقط من خلال المهرجانات، بل لا بد من طرح أفكار غير تقليدية من جميع الهيئات المَعنية بالمسرح لتقديم عروض دورية وأكثر انتظامًا فى أماكن لا تنتمى لخشبة المسرح التقليدية .

أما الدكتور هاشم توفيق، أستاذ فلسفة الجمال بكلية الآداب قسم علوم المسرح جامعة حلوان، فاختلف مع خميس فى وجهة النظر، معلنًا عن وجود أزمة جمال بالمجتمع المصرى، تجعله يبتعد عن الفنون الحقيقية ويتجه لأنواع من الفنون الركيكة وغير المُشبِعة للحواس .

وأوضح أن ذلك يتجسد، على سبيل المثال، فى صعود أفلام معروفة بتوجهاتها التجارية، أما بالنسبة للمسرح فرغم نشاطه الذى زاد بنسبة ليست بالقليلة منذ اندلاع الثورة، ورغم نجاح عروض النجوم كعرض “ألف ليلة وليلة”، بطولة الفنان يحيى الفخرانى، والتى لا تُعتبر حالة يمكن القياس عليها، فإن بقية العروض لا تستطيع تحقيق مثل هذا النجاح ولا الجماهيرية، لو لم يكن هناك اتجاه عام لرفع الذوق العام وإعادة مكانة المسرح كما كان.

وقال توفيق إن هناك العديد من المهرجانات التى حقّقت بالفعل نجاحًا على مستوى النقاد والمهتمين بالحركة المسرحية، لكن النجاح لا يمكن أن يُقاس بناءً على هذا المعيار فحسب، بل يجب أن يُقاس أيضًا بمدى قدرة المهرجان على اجتذاب شريحة كبرى من المصريين للنزول لمتابعة العروض، وهو ما لم يحدث حتى الآن، رغم ظهور مهرجانات جديدة والدفع بشباب كُثْر لتقديم تلك المهرجانات خلال هذا العام .

كما أعلن توفيق أنه لا يمكن التعامل مع المسرح بشكل منفصل عن الواقع، فالمسرح من الفنون المعبِّرة بقوة عن المجتمع، وكلما زاد الإحباط المجتمعى، وازدهرت الفنون الاستهلاكية، مع غياب تيار تنويرى قوى من المبدعين، تكون النتيجة عزوف الجمهور، مهما تكررت محاولات جذبهم مرة أخرى.

وشدّد على أن المسرحيين الشباب يحاولون بجهد كبير خلال السنوات القليلة الماضية، زيادة عدد المهرجانات والدفع بدماء جديدة فى كل المهرجانات والفاعليات، وهو ما يجعل الأمل لا ينقطع عن المسرح، حتى لو كان الجمهور العادى قد ابتعد نسبيًّا عن الحركة المسرحية.

أما الفنان فتوح أحمد، رئيس البيت الفنى للمسرح، فأكد أن زيادة مهرجانات المسرح وانتشارها تعد حالة مهمة جدًّا لإثراء المسرح وتطويره من جديد، مشيرًا إلى أن هذه المهرجانات كانت السبب فى عودة الجماهير للمسرح والإقبال عليه، فمِن خلال المهرجان يشاهدون العروض المسرحية بالمجان، وبعد ذلك يبحثون عن العروض الجديدة ويتابعونها، وخاصة الأعمال المميزة منها.

وأضاف أن مشروع المسرح الجامعى مهم جدًّا، ويجب التركيز عليه باعتباره رافدًا مهمًّا للحركة المسرحية، لافتًا إلى أنه- هو وجيله- من أبناء هذا النوع المسرحى، ومنهم مَن أكمل دراسته بعد ذلك فى معهد الفنون المسرحية، ومنهم من أكمل مشواره الفنى بناء على موهبته، وتوجد العديد من العروض المسرحية المتميزة تخرج من الجامعات، ومن المهم أن تظهر للنور، لذلك فإن البيت الفنى للمسرح حينما يجد عرضًا جيدًا يقوم بتقديمه على مسارح الدولة، إلا أن هذا لا يكفى، لذا فمن الضرورى أن يكون هناك مهرجان مستمر يقدِّم كل عام وجوهًا وعروضًا جديدة من الجامعات؛ لأن هؤلاء الشباب يكونون أكثر حماسًا وحبًّا لما يقدمونه.

كما أكد أحمد ضرورة إبراز الهواة القريبين من المسرح الجامعى، ويكون أغلبهم أيضًا حديثى التخرج أو من الجامعات، فمن المهم التركيز على هذا النوع من الفن الذى لا يجد دعمًا ماديًّا كافيًا، بعكس المسرح الجامعى الذى يدعم من الجامعة ولو بالقليل، لكن الفِرق المستقلة تجد صعوبة فى الحصول على التمويل لتقديم عروضهم.

ولفتت الدكتورة نيفين الكيلانى، رئيس صندوق التنمية الثقافية، إلى أن مهرجانات المسرح تسهم فى الحراك الفنى والثقافى، وكذلك تساعد الحركة المسرحية على التطور، كما أن هناك أنواعًا من المهرجانات يجب أن تستمر؛ لأنها تخاطب فئات معينة من المهم أن تنمِّى تفكيرها ووعيها الثقافى، مثل مهرجان نجوم المسرح الجامعى، ومن الضرورى أن تقدم مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية بالجامعات؛ لأنها تسهم فى توجيه أفكارهم إلى الثقافة والابتعاد عن التطرف والانحراف، لتكون لديهم شخصية سوية.

وأضافت أن الثقافة المسرحية تجعل الشباب يهتمون بالعديد من الجوانب فى حياتهم، ولا يركزون على جانب واحد، وقد يكون المسرح هو مستقبلهم من خلال عملهم به بعد تخرجهم من الجامعات، وإن لم ينجحوا فى العمل بمجال المسرح، تكون قد تكونت لديهم ذائقة فنية، وهذا أيضًا مهم؛ لأن الفن ليس فقط لمن يقدمه، وإنما يجب أن يكون المتلقى ذا حسٍّ مُرهَف، ويجب أن تسلَّط الأضواء على مواهب الجامعات وتنميتها؛ للارتقاء بالذوق العام.

أما عن الموسم الثانى لنجوم المسرح الجامعى، فأشارت نيفين إلى أن المهرجان تابع لصندوق التنمية الثقافية ومركز الإبداع التابع للصندوق، وهو مشروع جيد قدَّمه المخرج خالد جلال، وقدَّم الموسم الأول منه العام الماضى، وحقَّق نجاحًا كبيرًا، لذلك تمّ تقديم الموسم الثانى، ولن يتخلى صندوق التنمية عن هذا المهرجان، وسيستمر فى تقديمه؛ لأنه يقدم فى النهاية عددًا من المواهب فى مجالات المسرح من تأليفٍ وإخراج وتمثيل وديكور، والفائزون يلتحقون بدورات ووِرش عمل مجانية لتطويرهم، بالإضافة إلى أن المهرجان يكرِّم كل يوم أحد رموز المسرح ويَعرض عشر مسرحيات تمّ اختيارها، وفى النهاية سيكون هناك عرض فائز.

سلوى عثمان– على راشد

http://www.almalnews.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *