هكذا تتغير اللعبة.. الممثلون يكتشفون الأحداث مع الجمهور/عمار المأمون

 

 

المصدر /العرب/ نشر محمد سامي موقع الخشبة

  • يعتبر فيلم “قاعدة اللعب” للمخرج الفرنسي جان رينوار من أشهر أفلام ثلاثينات القرن العشرين، إذ يعالج مواضيع سياسية واجتماعية عن العلاقة بين الطبقات في فترة ما بين الحربين، وخصوصا طبيعة الطبقة البرجوازية في تلك الفترة، وبالرغم من أنه لم ينل أيّ تقدير في بداية عرضه إلا أنه ما لبث أن تحول إلى تحفة سينمائية في ستينات القرن الماضي بعد عرضه في مهرجان البندقية واستعادة النسخ الضائعة منه.

تشهد خشبة “الكوميدي فرانسيس” في باريس عرض “قاعدة اللعب” إخراج البرازيلية كريستين جاتي المستمد من سيناريو فيلم سابق بنفس العنوان أخرجه الفرنسي جان رينوار في ثلاثينات القرن الماضي، وعرفت جاتي على الساحة الفرنسية بعروضها المميزة، إذ قدمت عام 2016 عرضا عن نص “الشقيقات الثلاث” لتشيخوف وافتراض زيارتهم لموسكو، كما تميّزت بأسلوبها الذي يمزج بين المسرح والسينما، وهذا ما نراه في هذا العرض، حيث تحضر تقنيات التصوير والمونتاج على الخشبة لنشهد تجربة بصرية مغايرة عن التجربة المسرحية المعتادة، وخصوصا لروّاد “الكوميدي فرانسيس” المعتادين على العروض التقليدية الفرنسية.

والمسرحية التي تشهدها خشبة “روشيليو” تمتد لساعة وثلاثة أرباع الساعة، تبدأ بشريط فيلمي يعُرض على طول الستارة عن الممثلين ما قبل العرض، ثم دخولهم الخشبة إلى حفلة الاستقبال التي ينظمها روبيرت، لتبدأ بعدها الأحداث تسير بخط موافق للفيلم الذي يحكي قصة الغرام التي تتطور تدريجيا خلال الحفلة.

كريستين جاتي: يظل المسرح فن الحاضر والآن، وتبقى السينما فن الماضي وما حدث سابقا

ولا يحتوي العرض الكثير من التعديلات على الحوار الأصلي، لكن تتغير طبيعة الشخصيات لتختلف عن الفيلم، فكريستين أصبحت من المغرب لا النمسا، كما أن أندريه لم يعد طيارا، بل يعمل في إنقاذ المهاجرين من المتوسط، كما أن قصة الحب التي تجري أمامنا على الخشبة لا تُفضح عبر الغناء والموسيقى، بل باستخدام التكنولوجيا الحديثة والكاميرا التي تلتقط كل ما يدور في أطراف الخشبة.

وتحضر الكاميرا في العرض كعنصر فاعل في دفع الحبكة، لا فقط لنقل ما يحدث على الخشبة بأكملها، فهي تلتقط أشد انفعالات الممثلين ضآلة، إلى جانب الثنائية التي يقع فيها الممثل، فهو يؤدي أمام الجمهور من جهة وأمام الكاميرا من جهة أخرى، وأبرز تأثيراتها الدرامية على الأداء تنعكس في غياب المبالغة المرتبطة بالمسرح، والتي تتعلّق بعوامل تقنية ارتبطت بإيصال الانفعال للجمهور، فالهمس حاضر بوصفه همسا أمامنا على الشاشة واللمسات الطفيفة وغيرها ممّا لا يمكن للعين المجرّدة التقاطه، فتقنيات الزوم واللقطات الكبيرة على الخشبة تعمّق التجربة المسرحية وتكسر حواجز المسافة والصوت والجوانب الخفية على الركح.

السؤال الدراماتورجي المرتبط بالعرض لا ينشأ فقط عن الانتقال من سيناريو سينمائي إلى نصّ مسرحي، بل مرتبط أيضا بالأداء، فالممثلون يكتشفون الأحداث مع الجمهور، وذات الوسيط في التلقي (شاشة السينما) يستخدمه الطرفان في اكتشاف ما يحدث سرا، ما يفعّل حضور الجمهور بوصفه في بعض الأحيان يتساوى مع الممثلين في مقدار المعرفة الدرامية.

ومشاركة الجمهور نراها أيضا في صيغ الاحتفال التي تحويها المسرحية، حيث يرقص ويهلل فيها الجمهور والممثلون على حد سواء، فوضعية المتفرج لم تعد ضمن صيغة المشاهدة والتلصص، بل تحولت إلى مشاركة حسية فاعلة مع ما يحدث على الخشبة.

وعن خيارها الدراماتورجي هذا، تقول جاتي “المسرح قادر على كشف أمور لا تتمكن السينما من إبرازها، فالمشاهد دوما قادر على إحياء المسرحية، هو من يقرّر على أيّ جانب من الخشبة عليه التركيز ضمن كل مشهد، فالمسرح يبقى دائما فن الحاضر والآن، في حين أن السينما هي فن الماضي وما حدث سابقا، وكما في أي علاقة هناك دوما طرف مسؤول عن خلق الإثارة التي تحوي شيئا من اللذة والبهجة”.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *