هايل المذابي : لماذا ارتبط الرمز والإيماء بالعقيدة الدينية؟؟

هايل المذابي

* إن الرغبة الدائمة والملحة على الإنسان هي رغبة الوجود، وكل مغامرات الإنسان الطويلة ليست في أقصى غاياتها إلا طريقاً لتحقيق وجوده وإثبات ذاته ومن ثم لإدراك معنى هذا الوجود ، وقد أخذت هذه المغامرات أشكالا مختلفة ، فهي تتمثل مرة في البحث عما نسميه الحقيقة وأخرى في البحث عن الله ، وثالثة في محاولة تفهم ما النفس ، وإذا نحن ترجمنا هذه المحاولات في إطار أهم أمكننا أن نتمثلها في علاقة الإنسان بالكون، وعلاقته بالله ، وعلاقته بالإنسان نفسه، ويتفرع عن هذه العلاقات كل المواقف الثانوية من النظر في الحياة والموت، في الحب والكره، في الخلود والفناء ، في الشجاعة والخوف ، في الخصب واللامحال ، في النجاح والفشل ، في العدل والظلم ، في الفرح والحزن، وكل هذه المعاني مستقرة في الضمير الإنساني ، وقد استقرت فيه منذ وقت مبكر ، منذ أن تبلورت التجربة الإنسانية في العقيدة الدينية.. لقد استقرت في ذاكرة الإنسان التي تكونت عبر العصور وانطبعت آثارها من ثم في عاداته المجتمعية . وقد ارتبط الرمز بهذه المواقف منذ البداية، ومن ثم ارتبط الرمز بالدين أو بالعقيدة.
وقبل الحديث عن الرمز و الإيماء نستعرض معنى البلاغة عند العرب فيقول الخليل بن أحمد أن البلاغة هي كلمة تكشف عن البقية ولدى خلف الأحمر البلاغة لمحة دالة ولدى آخر إجاعة اللفظ وإشباع المعنى أما أبو العيناء فيقول أنها اجتزاء القليل عن الكثير، وتقريب البعيد وتبعيد القريب وإخفاء الظاهر، وإظهار الخفي.. وفي سياق تعريف الرمز تصبح البلاغة إيماءة تكشف عن كل شيء وإذا كانت البلاغة معجزة فالإيماء والرمز معجزة المعجزة أي تضاف إلى مرتبة أعلى من البلاغة اللسانية.
جاء الرمز في العقيدة الدينية وارتبط بها كآية وعلامة و معجزة للأنبياء وذكر ذلك في القرآن الكريم بأكثر من شكل فيقول تعالى ” قال ربِّ اجعل لي آيةً قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيامٍ إلا رمزا” (آل عمران:41)، وإذا اتفقنا أن السيمائية هي فن غايته تمكين المعنى في ذهن المتلقي إلا أنها لم تشترط الأداة التي نمكن بها ذلك المعنى ولذلك كان من وجوهها الرمز ومن وجوهها العلامات وأيضاً كما هو اسمها ” السيمياء” قال تعالى :” وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون” (النحل:16) وقال ” تعرفهم بسيماهم” (البقرة:273) وقال :” هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تسيمون” (النحل:10) وقوله أيضاً :” ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفون كلاً بسيماهم” (الأعراف:48).
لكن السؤال : لماذا ارتبط الرمز والإيماء بالعقيدة الدينية؟؟
ربما لأن الآلهة لم تتجرد في هيئة يمكن مخاطبتها مباشرة لذلك كان التواصل معها تأدباً يقوم وفق منظومة من العلامات والحركات والرموز التي تؤكد هذه الحاجة وهذه الرغبة في التواصل معها ألسنا نرفع كفينا باتجاه السماء لندعو ونقوم في صلاتنا بركوع وسجود وفي المسيحية بالمثل وحتى في بقية الديانات التي تستخدم بعضها الرقص، ورغم أن كل ما نقوله ونفعله يمكن أن يصل إلى إلهنا بحديث ونجوى في القلب لكن كل هذا في مجموعه يشكل علامة أخرى يتعامل بها البشر كسيمياء فيما بينهم فالقلب ونواياه هي اختصاص إلهي وإيماء وحركات العبادة شأن سيميائي بشري.. ولهذا فالإيماء والرمز والسيمياء ذو ارتباط وثيق بالعقيدة الدينية.
وقد تطور فن الإيماء والحركة على مر العصور وكان مقدساً لقدسية العقيدة الدينية ولعل بداية السينما في العالم تشهد بذلك ولعل قول علي بن ابي طالب ” إني لأهاب الرجل حتى يتكلم ” فيها دلالة واضحة تشهد على أن الإيماء والرمز أكبر مكانة للتعبير لدى الإنسانية لإن اللسان مهما كان بليغا فله هفوات وزلات تلغي القداسة وتبطلها مهما كان الإنسان بليغا لكن بالإيماء والرمز تظل العلاقة موجودة وحاضرة في ذهن المتلقي بين القدسية الدينية وبين المؤدي..

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *