ميديولوجيا الإشهار في العرض المسرحي د. بشار عليوي

 

ميديولوجيا الإشهار في العرض المسرحي

د. بشار عليوي

يُعد الإشهار Advertising من أبرز تمظهرات حضور الوسائط في عصرنا الحالي التي أصبحتْ جُزءاً من حياتنا اليومية على الرُغمِ من أنَ ماهية هذهِ الوسائط مُرتبطة بالبيئة التي تُحدد شكلها ومُكوناتها فضلاً عن أنواعها واستخداماتها التي دخلتَ في شتى مناحي الحياة ومن هذهِ الاستخدامات هي الإشهار الذي دخل الى حياتنا اليومية وأصبح إحدى سمات عصرنا الحالي بفضل زخم حضورهِ الواضح في مُختلف مناحي الحياة , فجميع المُشتغلين في جميع المجالات الحياتية الثقافية والصناعية والتجارية والفنية …. وغيرها , قد استخدموا الإشهار في هذهِ المجالات بُغية الترويج لنتاجاتهم , فدخلت مُخرجات التطورات التكنولوجية والألكترونية المُتسارعة في صُلب عملية الإشهار كما تم استثمار مُجمل الوسائط المُتاحة في صناعتهِ , لا بلَ أنهُ تجسيد واضح للوسائط وتمظهراتها في عصرنا الحالي , فهو ذا قوة مؤثرة في المجال الوسائطي الذي يُميز هذا العصر حينما أصبحت سيادة الإشهار بوصفها واحدة من أبرز تلكَ التمظهرات .

لقد تعددت التعاريف الشارحة لمفهوم الإشهار والتي تُبين ماهية مكوناتهِ وآليات تأثيرهِ داخل بُنية المُجتمعات البشرية فضلاً عن تبيان وظائفهِ وآلياتهِ , ومن هذهِ التعاريف (مجموعة من الوسائل والتقنيات الموضوعة في خدمة مقاولة تجارية خاصة او عمومية وغايته هو التأثير على أكبر عدد ممكن من الافراد عن بعد ودون تدخل مباشر من البائع) و (عملية تواصلية تتحرك ضمن محيط إنساني اذ يُشير بدورهِ الى استراتيجية إبلاغية قائمة على الإقناع وتُستعمل لذلك كُل وسائل الاتصال الإنساني من كلمة وصورة ورموز في أُفق التأثير على المُتلقي /المُستهلك والدفع بهِ إلى إقتناء مُنتج ما , والتسليم بأهميتهِ وتفضيلهِ على باقي المُنتجات ) و ( الاشهار نشاط فكري يجمع بين مبدعين أدبيين وفنيين , في أفق إنتاج رسائل سمعية بصرية ) .

أن ماهية الإشهار تُحددها مُكوناتهِ التي تعتمد الوسائط في صيروتهِ النهائية عبرَ استثمار مُجمل تبديات العصر الحالي الذي أصبح يعتمد الوسائط بمُختلف أنواعها وصورها في عملية التواصل والتراسل بين أفراد المُجتمع من جهة وما بين المُجتمعات البشرية من جهةِ أُخرى , وفقاً لعمل مُبرمج يسبق صناعتهِ مُستنداً الى نظريات مُتعددة, ورُغمَ انهُ يهدف الى تحقيق عامل الترويج لأي مُنتج كان سواء كان صناعي أو تجاري أو ثقافي أو فني من خلال استخدام وسائل الإقناع العديدة , إلا أنهُ باتَ يُمثل أحدى سمات عصر الصورة الحالي الذي يعتمد الصورة بوصفها وسيطاً في تعاملاتهِ وإرسالياتهِ المُتعددة , لكن المجال الأوسع الذي يتمظهر فيهِ الإشهار هو إرتباطهِ الوثيق بالوسائط , التي تأخذ دائماً في صناعتهِ دوراً مركزياً في التوازن السوسيو-ثقافي , وذلكَ من أجل استثارة تحولات ومن أجل تجسيدها وتجذيرها والدفاع عنها , أو من أجل تأجيلها أو نقدها أو حظرها , ويجمع الإشهار داخله بين كُل هذهِ الأدوار , وبذلك يُقدم نفسه باعتبارهِ وسيطاً شاملاً مُتعدد الأشكال .

لقد أخذَ الإشهار يُساير مُجمل التطورات الهائلة التي وسَمتْ عصرنا الحالي والمُتمثلة بالوسائطية الحديثة السمعيةِ منها والبصرية فضلاً عن استثمارها , بُغية إحداث التأثير المطلوب في الجمهور , فالجانب المُهم الذي يؤكد على استثمار الإشهار لهذهِ النتاجات هو وجود أدوات التعبير المُستخدمة فيهِ من أجل التأثير فكرياً ونفسياً وجمالياً في المُتلقي ومن هُنا يلتقي الإشهار بوصفهِ وسيطاً يشمل أهم الوسائط في حياة الإنسان المُعاصر مع جميع أنواع الفنون , فعلاقة الإشهار بالفنون على اختلافها مُتداخلة ومُتشعبة لناحية قيام صُناعهِ باستخدام كُل أشكال هذهِ الفنون في تسويق النتاجات التي يُراد تسويقها فضلاً عن أنها حالياً تُعتبر من أبرز تمظهرات الإشهار في الوسائط الحديثة , إذ تتجسد بالعلاقة الوثيقة التي تربط بين جميع الوسائط والإشهار من خلال ما يلي :

  1. يكشف الإشهار عن نفسهِ من خلال تقمصهِ لدور اجتماعي أكثر من كُل الوسائط الأُخرى .
  2. أدى تطور الوسائط الى تطور لآليات الإشهار وفي المُقابل قامَ هوَ بمد هذهِ الوسائط بسُبل إنتشار مُستقلة .
  3. أصبح الإشهار بحد ذاتهِ عبارة عن وسائط شاملة وحاضرة في كُل شيء ومُنسجمة ومُستقلة عن كُل الإسناد .
  4. تعيش الوسائط مع الإشهار في إنسجام تام .
  5. أن العلاقة بين الإشهار والوسائط تكشف عن هيمنة الإشهار بوصفهِ الشريك المُهمين في هذهِ العلاقة .
  6. الإشهار في جميع صورهِ هوَ وسائط شاملة ومُتعددة .

أن علاقة الوسائط بالإشهار , ليست علاقة كمالية تتمحور حول إبراز الجانب الجمالي أو التزييني فقط على حساب الجانب النفعي , وإنما هي انعكاس طبيعي لتمظهرات العصر الحالي الذي سادت فيهِ الصورة وأصبحت الثقافة البصرية هي السائدة في المُجتمعات البشرية التي تتصف بكونها مُجتمعات إستهلاكية , قد أخذت الوسائطية باختلاف أنواعها تأخذ دوراً محورياً في الحياة الإنسانية المُعاصرة حينما طَغتْ الصورة بوصفها وسيطاً على مُجمل مناحي هذهِ الحياة , فالتوازن السوسيو_ثقافي الذي تُحققهُ الوسائط داخل الإشهار بوصفهِ وسيطاً جامعاً لكُل الوسائط , يتمظهر من خلال مُختلف أنواع الفنون كالتشكيل والسينما والمسرح …. وغيرها .

لقد كانت أحدى نتائج الاهتمام الواضح بالوسائط من قبل غالبية المسرحيين في شتى أنحاء العالم في العصر الحالي والتأثر المُباشر بها والتفاعل معها هو الاستفادة من الإشهار بوصفهِ وسيطاً وأحد تمظهرات حضور الوسائط في مُختلف مناحي الحياة الراهنة عبرَ استخدامهِ في المسرح وبأشكال وصور مُتعددة , اذ تم استخدام الإشهار واستثمارهِ من قبل المسرحيين عبرَ الترويج لعروضهم المسرحية وتسويقها من أجل التعريف بتلك العروض والعاملين فيها ونشر أفكارها , على اعتبار أن الإشهار هوَ جُزء من الثقافة الانسانية المُعاصرة ومن ضمنها الفنون لأن الإشهار اصبح فناً قائماً بذاته من خلال الاعتماد على آخر المُستجدات في التصوير الفوتوغرافي والفيلمي واختيار الالوان , وإيجاد نماذج جمالية في الكاليغرافيا والطباعة وطبوغرافية الحروف , والانحياز نحو التركيب والتناسق الكُلي .

بدأ أستخدام الإشهار في المسرح , مُنذُ اللجوء الى استخدام الاعلانات الخطية المكتوبة والتي كانت تُعلق على الجُدران بُغية الدعاية عن العروض المسرحية , ومن ثُمَ تم استخدام المُلصقات الفنية التي تحتوي على اسم الفرقة المسرحية اسم العرض واسماء العاملين فيه فضلاً عن زمان ومكان العرض وأماكن بيع التذاكر وكانَ ذلك أيضاً يتم عبرَ نشر مُلصقات العروض المسرحية والوصلات الإشهارية لها في الصُحف والمجلات , وبعدَ ظهور الاذاعة والتلفزة عمدَ القائمون على الفرق المسرحية الى استخدام الإشهار المسرحي من خلال القنوات الاذاعية والتلفزيونية والترويج للعروض المسرحية والاعلان عن اماكن عروضها وزمانها فضلاً عن الترويج للفعاليات والنشاطات الدورية كالمهرجانات والمُلتقيات المسرحية .

ومع تعدد التيارات والمدارس المسرحية ولجوء أغلب المُنظرين المسرحيين حول العالم الى استثمار كُل مُخرجات الحضارة الإنسانية المُعاصرة ومنها الإشهار , فقد تجسدَ الاستخدام الجمالي والفني للإشهار في المسرح عبرَ المسرح التسجيلي أو الوثائقي أو السياسي , وذلك مع المخرجين الالمان كبيسكاتور وبيتر فايس وبرتولد بريخت , حيثُ استعملوا اللافتات الاعلامية والشعارات الثورية المعادية للرأسمالية والأنظمة المُطلقة الفاشية , مع الاستعانة بالملصقات الإشهارية الدعائية ذات الطابع الإشتراكي .

أن الإشهار بوصفهِ إحدى تمظهرات الميديولوجيا في عصرنا الحالي , قد أتخذ أشكالاً عديدة في المسرح يستخلصها كاتب السطور بما يلي :

  1. استخدام البوستر المسرحي وفقاً لتصاميم فنية تعتمد الصورة الإشهارية وتستند الى المُحتوى المُراد تسويقهُ والإعلان عنهُ .
  2. استخدام بطاقة العرض التعريفية المُصممة وفقاً لأساليب إشهارية عديدة والذي يحتوي أسم جهة الانتاج وعنوان المسرحية واسم المؤلف والمُخرج والمُمثلين والفنيين ومكان وزمان العرض كما تحتوي هذهِ البطاقة نصوص توضيحية عن العرض وأهدافهِ بقلم مدير الجهة المُنتجة والمُخرج .
  3. الحرص من قبل القائمون على العروض المسرحية على توزيع بطاقة التعريفية قبل العرض بأساليب وطُرق إشهارية متعددة .
  4. تصميم وتنفيذ الوصلات الإشهارية عن العروض المسرحية والتي تُروج لها وتُعرف بالقائمين عليها فضلاً عن اماكن عرضها والبرنامج الزمني لها ومن ثُم بثها عبرَ القنوات الإذاعية والتلفزيونية .
  5. استخدام الطرق والساحات والفضاءات العامة كمكان للوصلات الإشهارية عن العروض المسرحية بُغية الترويج عنها على أعتبار أن تلكَ الطُرق والساحات والفضاءات يرتادها أكبر عدد من أفراد المُجتمعات البشرية .
  6. إستثمار وسائط التواصل الاجتماعي المُعاصرة كالفيس بوك وتويتر ويوتيوب وانستغرام …. وغيرها لبث الوصلات الإشهارية عن العروض المسرحية بُغية تحقيق المُقاربة الاحتفازية   (Motivationniste) المَرجوة من بث تلكَ الوصلات بُغية حث الجمهور على إرتياد تلكَ العروض , وهذا الاستثمار جاء نتيجة سهولة استخدام تلكَ الوسائط وسرعة الترويج للعروض المسرحية .

لقد اتخذت علاقة الإشهار بالمسرح شكلاً مُتداخلاً ومُتشعباً لناحية قيام صُناع الإشهار باستخدام كُل أشكال هذهِ الفنون السمعية والبصرية والتشكيلية بالإضافة الى مُختلف أنواع الوسائط في الترويج للعروض المسرحية , فالإشهار هو أحد تمظهرات الميديولوجيا في عصرنا الحالي والعاكس للأساليب الفكرية والجمالية التي تتضمنها العروض المسرحية عبرَ بث الوصلات الإشهارية لتلكَ العروض على اعتبار أنَّ تلكَ الوصلات تقوم بوظيفة الكلام الثقافي المُهيمن على الأفراد مما يؤثر فيهم على نحو واسع .

الاحالات :

  • محمد شكري سلام , ثورة الاتصال والاعلام : من الأيديولوجيا الى الميديولوجيا (نحو رؤية نقدية ) , مجلة عالم الفكر , ع1, المجلد32 , ( الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب , يوليو-سبتمبر 2003) .
  • بيرنار كاتولا , الإشهار والمجتمع , تر: سعيد بنكراد , ( اللاذقية : دار الحوار للنشر والتوزيع , 2012) .
  • سعيد بنكراد واخرون , استراتيجيات التواصل الاشهاري , ( اللاذقية : دار الحوار للنشر والتوزيع , 2010) .
  • دافيد فيكتروف , الإشهار والصورة صورة الإشهار , تر: سعيد بنكراد , ( الجزائر : منشورات الاختلاف , 2015) .
  • جميل حمداوي , سيمائية الصورة الإشهارية , صحيفة المثقف , ع 1570, (سيدني : مؤسسة المثقف العربي , الاثنين 8/11/2010 ) .

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *