مهرجان المسرح العربي (4)

ولأن هذه الدورة قد سجلت رسمياً باسم تونس. فقد قدمت المخرجة انتصار عيساوي مسرحية “ليس إلاّ” متكئة على نص يونسكو. والأمر الأغرب أن جل الفرق حضرت بلا بروشور وأصبحنا لا نعرف أسماء المشاركين مع الأسف إلاّ بعد السؤال والاستفسار عن الأصدقاء، فقد طرحت على الدكتور محمد المديوني والصديق الصنهاجي سؤالاً عن اسم المخرجة، هذا العرض يجسد شخصين الزوج والزوجة، الزوجة في انتظار الزوج، ومثل بقية عروض المهرجان يتم استحضار الثورات، ومعاناة الإنسان. ويرتكز العرض على استحضار النموذج الشكسبيري “روميو وجوليت” وكيف تتحول جوليت إلى إرهابية وتقوم بإقناع زوجها بالتفجير، حتى يدخلا الجنة! ألم أقل إن هذه الدورة..دورة العنف في المسرح العربي، سواء كان هذا العنف مبرراً أم لا؟!
أما عرض التابعة ومن تونس أيضا فقد حمل اسم واحد من أهم المسرحيين في تونس هو “توفيق الجبالي”، منذ اللحظة الأولى ترافقنا الانفجارات وكأنما كتب علينا أن نعيش ويلات الحرب والدمار، وليس هناك بصيص من الأمل للغد القادم، ولكن ماذا نقول وهذه حال المسرح التونسي. ولهم مبررهم. فقد تحولت تونس الخضراء إلى تونس أخرى. ليس هناك في تصور المبدع أمل في عودة الحياة، مع أن الحياة لا تستقر على وجه أحادي. هناك تجسيد لكل مفردات العنف والقسوة وغياب السلام والأمان. نماذج تندفع بإفراط نحو الجنون والمناخ معبأ بالعنف والقسوة، وهكذا حتى نهاية المطاف، النهاية الحتمية المرتبطة بالموت والفناء والرعب، هل هذه لعنات انعكست علينا، ونحن مأسورون لا نعي ولا ندرك بدايتها من نهايتها!
التابعة: باختصار أزمة تلو أخرى، أزمة تهدد الإنسان، فرداً كان أو جماعة، أسرة بسيطة أو وطناً أو مجتمعاً بأسره، التابعة صرخة إلى التعقل، وعدم الانجراف خلف الجنون، الجنون بكل أشكاله، لأنه لا مهرب للإنسان حتى وإن كان يبحث عن فضاء آخر وأن العلاج بيدنا عن طريق الإبداع والفن والتلاحم.
وكأنما قدر الدورة أن يطرح كل ما هو مرتبط بالقسوة والعنف، ففي العرض التونسي “كان أو – k.o” يتم استحضار نماذج منكسرة مع أن المؤلفة قد صرحت بأن الفكرة ذات بعد إنساني، وأعتقد أن كل الأعمال منذ أسخيلوس حتى الآن مرتبطة بالإنسان ولكن الاختلاف في كيفية المعالجة والطرح والتناول، هنا نحن إزاء العنف مرة أخرى، هل اللجنة التي قامت باختيار العروض كانت سادية؟ أو ماشوستية؟ ففي الخيمة للفنان القدير ناصر عبدالرضا ومن إعداد عبدالرحمن المناعي صراع الأشقاء وقتل الطفل، أما كان الأجدر أن يتم اختياره؟! أم أن العرض القطري لم يجسد العنف على الخشبة؟! في “k.o” عنف بلا مبرر وهذه وجهة نظري. عنف لفظي وجسدي. هل هذا حال المسرح التونسي؟! والإجابة مع الأسف موجود.. أن المرأة هي الوطن.. وأن تونس تتعرض للعنف بشكل يومي.. إذن ليس هناك بصيص من الأمل في تونس. مع أن السلام كان واقعاً وحقيقة في أيام مهرجان قرطاج في عام 2015 والناس سعداء، وشارع الحبيب بورقيبة مليء بالمقاهي والمسارح ممتلئ بالعشاق فلماذا النظرة السوداوية، وإذا كان الجعايبي في “عنف” قد استحضر نماذجه الحياتية، عبر القضايا اليومية فلا أعتقد أن القاعدة أن نلعب ذات اللعبة ونغلف كل الأطروحات بهذا الإطار، في “k.o” امرأة تتعرض للعنف وهي قادمة من عملها، وملاكم صرع ملاكماً آخر. وهذا يؤدي به إلى الارتماء في أحضان الآخر..بعد أن هجر الأسرة. قد يقول قائل. ولكن في النهاية كانت الرسالة واضحة..نبذ العنف والعيش بسلام. نقول عندهم نعم ولكن هناك المئات من الأعمال التي لا تجسد هذا الإطار من الأطروحات التي لا تخلق إطاراً تكاملياً مع جمهور آخر..جمهور يعيش في أمن وأمان وسلام في منطقة الخليج..في المسرح وإن كنا نحاول أن نصبغه بصفة الأممية، إلا أن لكل مجتمع خصوصيته.

 

د. حسن رشيد
http://al-sharq.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *