مهرجان المسرح العربي يصالح الجمهور… بالكوميديا

باستثناء العرض العراقي «مكاشفات»، حلقت عروض اليوم الثالث لمهرجان المسرح العربي بجمهور المهرجان في عوالم كوميدية واجتماعية، وكأنما أرادت أن تصالح الجمهور وتبتعد به عن عوار الراس الذي سببته عروض اليومين الأولين، التي عالجت قضايا سياسية شائكة وطرحت قضايا مهمة.

وفيما كان جمهور مسرح عبدالحسين عبدالرضا على موعد مع فصل من فصول علاقة السلطة الديكتاتورية بضحاياها من خلال العرض العراقي «مكاشفات»، أخذ العرض المغربي «ضيف الغفلة» جمهور مسرح كيفان في فسحة كوميدية من خلال نصها المأخوذ عن رائعة موليير الشهيرة «طرطوف»، بينما وغير بعيد كان جمهور مسرح الدسمة على موعد مع وجبة اجتماعية كوميدية طريفة من خلال عرض «برج الوصيف».

بعد عشرين عاماً من الحجز على نص مسرحية «مكاشفات» التي أعّدها الراحل قاسم محمد من نصين آخرين، أولهما للكاتب السوري خالد محيي الدين البرادعي «مكاشفات عائشة بنت طلحة»، والثاني للكاتب المصري محمود تيمور عبارة عن مقاطع من مسرحية «أنا بن جلي»، داخل الأدراج بسبب الحكم السابق في العراق، عاد العمل المسرحي مجدداً للحياة فوق خشبة مسرح عبدالحسين عبدالرضا، مع الفرقة الوطنية للتمثيل بقيادة المخرج غانم حميد وبطولة الدكتورة شذى سالم مجسدة شخصية عائشة بنت طلحة بن الزبير، إلى جانب الدكتور ميمون الخالدي مجسداً شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي، وفاضل عباس مجسداً شخصية خادم العرض، مشاركاً ضمن فعاليات مهرجان «المسرح العربي» بدورته الثامنة.

المسرحية تغوص عميقاً داخل شخصية الحاكم المستبد الحجاج بن يوسف، كاشفة أسراره من خلال الحوار الذي يدور بينه وبين عائشة بنت طلحة أرملة ضحية الحجاج مصعب بن الزبير، يتم الكشف عن الدواخل الدفينة لدى الحاكم المتفرّد المستبد، ليكشف لنا في نفس الوقت تلك الشريحة الانتهازية من الكتّاب والوعاظ والشعراء وغيرهم الذين يرضون أن يبيعوا ضمائرهم من أجل التقرب للحاكم حتى لو كان جلاداً مثل الحجاج.

ولم يخل العمل المسرحي من اللمحات الكوميدية الخفيفة، فيما استطاع تجسيد الصراع الأزلي بين الديكتاتور والضحية، حيث يحاكم الديكتاتورية ورمزها الحجاج الموجود في كل زمان ومكان في اسقاط واضح على الواقع العراقي والعربي الحالي، وكان ذلك واضحاً من استهلاليته بمؤثر صوتي يتصاعد من عمق الخشبة استحضر خطبة الحجاج في أهل العراق، فجسد الصراع بين الطغيان وضحاياه، في اسقاط على الراهن العربي، من خلال حكاية عائشة بنت طلحة والحجاج بن يوسف الثقفي. وكان لأداء الممثلين دور كبير في إيصال ذلك الامر كونهما ممثلين أكاديميين، فاستطاعا التنقل بين الماضي والحاضر والانتقال بها من حالة الى أخرى من خلال مفاهيم الشعب والمعارضة والسلطة الديكتاتورية عبّروا عنها بمونولوجات وديالوجات بلغة شعرية بليغة، كما تمكنوا من امتلاك أدوات الالقاء والمحافظة على شعرية وجماليات النص المنطوق بالفصحى والغني بالانثيالات الشعرية والانتقال منه الى اللهجة العراقية المحكية دون إخلال، كما تمكنوا من فهم المادة الدرامية التي قدموها على صعيد اللغة العربية الفصحى وأيضاً الالقاء. وطبعاً هذا الانغماس في الشخصية لم يكن عملاً فرديا، بل جاء نتيجة انسجام بين عناصر العمل المسرحي كله، إذ تمكن علي محمود السوداني الذي تولى صياغة السينوغرافيا وبحرفيته أن يخلق مكاناً نقل الممثلين حسّياً إليه، فتعايشوا معه وحينها اكتملت الصورة البصرية للجمهور، وسانده في ذلك الموسيقيات والمؤثرات الصوتية التي اعدها كمال حسن كونها تماشت مع طبيعة العرض المسرحي. أما على صعيد الأزياء والاكسسوارات التي تولّى مهمتها سيف العبيدي فكانت صائبة غير مقحمة على الحقبة الزمنية التي دارت بها الاحداث، وبالتالي فإن الصورة البصرية كانت مكتملة للمتلقي.

وأقيمت حول العرض ندوة تطبيقية شارك فيها مخرج المسرحية غانم حميد، وأدارتها نورا بوغيث، وعقّب فيها الدكتور فهد توفيق الهندال الذي رأى أن فكرة ديكتاتورية طغيان الإنسان طُرحت في كل مجال وزمان، معتبرا أن اختيار شخصية الحجاج الثقفي جاءت كنموذج جدلي وليس تاريخيا، مع اسقاطات الديكتاتورية التي عرفت عنه على مناحي الحياة المختلفة السياسية، المجتمعية، الدينية، الثقافية.

وتابع الهندال أن النص فرض ببلاغته الشعرية الخطابية على العرض، فجاءت لغة النص موغلة بالشعرية أي الخطابية، وهي أصل المسرح، برغم محاولة المعد أن يوازيه باللغة الدرامية المسرحية.

ضيف الغفلة

وعلى خشبة مسرح كيفان، قدمت فرقة مسرح تانسيفت عرضها المسرحي «ضيف الغفلة»، تأليف الكاتب والمدير الفني للفرقة حسن هموش، وإخراج الفنان مسعود بوحسي. والمسرحية كوميدية باللغة الدارجة ومقتبسة عن عمل مسرحي رائد أبدعه المسرحي الفرنسي الشهير «موليير» تحت اسم «طرطوف».

تدور أحداث المسرحية حول حالة أسرة مكونة من ثلاث إخوة، تعيش في هدوء وسكينة، وضعها المادي مريح، العلاقة بين أفرادها طيبة ومنسجمة… غير أن أريحية أحد الاخوة داخل الأسرة وهو(صالح)، تقوده إلى استضافة وافد جديد على المدينة يدعى (عبد المالك) الذي سيصبح في ما بعد من أفرد الأسرة. إلا أنه، وبحكم طبيعته كرجل متدين ومتعصب، يحاول أن يغير نمط عيش هذه الأسرة الطيبة مستقطبا (صالح)، الذي بدا معجبا به وبخطابه وببلاغته، ثم تتطور الأمور ليحاول الوافد الجديد، وبشكل احتيالي، تملك البنت الصغرى والسيطرة على ممتلكات الأسرة، من ثم تقوم القيامة ولا تهدأ أحداث المسرحية إلا بانكشاف المحتال وألاعيبه.

العرض حضره جمهور غفير وتفاعل مع الأحداث لما تحمله المسرحية من رسائل قيمة وأهداف نبيلة، تتصل مباشرة بالواقع الآني، وفي نفس الوقت تتيح نوعا من الفرجة والفرح.

مسرحية «ضيف الغفلة» من إخراج مسعود بوحسين، عن فكرة من مسرحية «طرطوف» لموليير، وهي من تأليف حسن هموش، موسيقى للفنان محمد الدرهم، سينوغرافيا لنورالدين غنجو، الملابس لسناء شدال، المحافظة لرشيد جباد، إدارة الإنتاج والعلاقات العامة محمد الورادي، والإدارة الفنية للفنان حسن هموش.

برج الوصيف

وخارج المنافسة، شهدت خشبة مسرح الدسمة عرض المخرج التونسي الشاذلي العرفاوي «برج الوصيف»، وهو مقتبس عن نص الكاتب الأميركي تينسي وليامز «قطة على سطح من الصفيح الساخن»، وجسّد العرض صراع المال والسلطة وتضمن إسقاطات عديدة على الواقع التونسي وتحديداً الوضع السياسي، والعمل من بطولة صلاح مصدق، سهام مصدق، شاكرة رماح، مهذب الرميلي، صالحة النصراوي، عبد القادر بن سعيد.

وتدور الأحداث حول تعمد أفراد الأسرة التي يتمحور حولها العرض، إلى إخفاء خبر إصابة الأب «قارون» وجسد دوره الفنان صلاح مصدق، وهو مسؤول سياسي بارز في حزب معارض بالسرطان الخبيث، طمعا في تدهور حالته الصحية والاستيلاء على ثروته التي تشمل أرضا تسمى برج الوصيف، وهي من أجود الأراضي بالشمال الغربي التونسي. وفي نهاية العرض يموت «قارون» في كهفه مهملاً ولا يفلح طبيبه الألماني في علاجه.

وأبدعت الممثلة سهام مصدق في دور زوجة «قارون» الساذجة الضعيفة أمام سلطة القدر، فيما أدت الممثلة شاكرة رماح دور المرأة المفجوعة في حلمها بالأمومة بامتياز. واعتمد المخرج الشاذلي العرفاوي على بساطة السينوغرافيا، والديكور الذي تألف من سرير وكرسي في دلالة على أكثر من معنى.

خليل وعلاء محمود ورشا فكري

http://www.alraimedia.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *