مهرجان المسرح العربي يزهو بنجوم الغد: بقلم د. حسن عطية

– الكواكب
احتفالا بذكرى مؤسس المعهد العالى للفنون المسرحية الفنان “ذكى طليمات” ، أقيمت الدورة الرابعة والثلاثين لمهرجان المسرح العربي بالمعهد خلال الأسبوع قبل الماضى (21/29 ديسمبر) ، وقدم خلاله أحد عشر عرضا ، أختارها وقدمها الطلاب خارج سياق العروض التى يحددها أساتذة المعهد تدريسا وامتحانا فيها ، فهى تعبر بالتالي عن رؤية شبابنا الدارس فى البوتقة العلمية للحياة والمجتمع والفن والمسرحيات التى تعبر بها عن نفسه ، وتنقل همومه وأفكاره بفضاء المسرح الأكاديمي .
أن متابعة العروض المقدمة وقراءاتها قراءة دقيقة تكشف لنا بداية عن تعادل فى حضور نصوص كبار الكتاب والمخضرمين فى حقل الإبداع المسرحي ، ونصوص الشباب الطامح للتحليق فى سموات الكتابة النصية فى هذا الحقل الصعب ، فقد اعتمدت ستة عروض على نصوص لخمسة من الكبار والمخضرمين المصريين والعرب وهم : “توفيق الحكيم” (دقت الساعة) وأن حمل العرض أسم (التيار) بلا داع ، و”صلاح عبد الصبور” (مأساة الحلاج) والذى حمل اسم (الكلمة والموت) بلا داع أيضا ، فهما يعنونان جزئي النص داخليا ، ، ونصان للسورى “سعد الله ونوس” (طقوس الإشارات والتحولات) ، و(حنظلة) ، بالإضافة إلى نص للكاتب والمخرج العراقي “جواد الأسدى” (نساء بلا غد) وآخر لنص الكاتب والمخرج المصرى “خالد الصاوى” (مرة واحد) ، مقابل خمسة نصوص لكتاب شبان هم : “أحمد زيدان” (فأران فى المصيدة) و”محمد رأفت” (بالتفصيل) و “أحمد الأباصيرى” (كونكان) و”مصطفي مراد” (ترانيم البعث) والطالب “رشاد رشدى” ، مما يعنى أن نصوص كبار الكتاب المتكاملة مازالت تثير الدهشة لدى شبابنا وتلبى احتياجاته فى التعبير عن نفسه أكثر من نصوص أبناء جيله ، أو أن ثمة عدم تواصل بين كتاب ومخرجي الجيل الشاب وكتابه حتى داخل المعهد قبل خارجه ، أو ربما أن شروط المهرجان هى السبب بتحديدها مساحة زمنية لا تزيد عن الساعة للعرض الواحد ، دفعت بالمخرجين وزملائهم للانقضاض على نصوص الكتاب الراحلين تمزيقا وتفتيتا حتى تتفق مع ساعة العرض الملزمة ، وبالطبع فالراحلون لن ينفجروا غيظا على تشويه أعمالهم ، فى حين سيقف أبناء جيلهم من الكتاب لهم بالمرصاد ، أو على الأٌقل سيعلنون هذه ليست نصوصنا .
الاحتمالات الثلاثة واردة ، وأن كان الاحتمال الأخير يتعاظم دوره بهيمنة مصطلح (خواجاتى) لامع على الإبداع المسرحي المصرى والعربي أيضا ، هو (الدراماتورجية) التى تعنى علميا دراسة الصياغة المتكاملة للعناصر المكونة للعمل الدرامي المؤهل للعرض المسرحي ، ومن ثم فأن (الدراماتورج) هو الكاتب الدرامى للمسرح ، تفريقا له عن الكاتب الروائى لفن السرد القصصى ، وعن الشاعر الذى يكتب شعرا غنائيا ، وعليه فلا علاقة بين الكاتب الدرامى للمسرح (ومثله الكاتب الدرامى للسينما أو التليفزيون أو الإذاعة) ، وذلك الشخص الذى يقوم بتكييف النص الدرامي المستقل بذاته لعرض مسرحي محدد المساحة الزمنية وفقا لقلة عدد الممثلين فى المعاهد الفنية مثلا لطبيعة امتحانات بها ، ويقوم بهذه المهمة عادة طالب من الممتحنين تحت إشراف أستاذه ، ولا يعتد بالنص ولا بالعرض هنا ألا بحرفية أداء طالب التمثيل الممتحن ، أو بناء على رؤية مخرج أراد إعادة ترتيب مشاهد فى النص الدرامي لتتسق مع رؤيته المسرحية ، كما حدث مثلا مع “كرم مطاوع” حينما قام بإعادة ترتيب مشاهد نص (وطنى عكا) لعبد الرحمن الشرقاوى عندما عرضها فى ستينيات القرن الماضى ، أو حينما قام المخرج “عبد الرحمن الشافعى” بخلق خط متقابل للراوى الشعبى لسيرة ابى زيد الهلالى الشعبية مع نص “يسرى الجندى”(الهلالية) فى عرضه فى ثمانينيات القرن الماضى ، وكما هو واضح من هذين المثلين يقوم المخرج نفسه بهذه المهمة ، ولا يحتاج لآخر يملي عليه رؤيته فيقوم بإعداد النص الدرامي له .
إعداد وتكييف
أما تكييف النص الدرامي ، أو ما يعرف بالإعداد ، ليتوافق مع شروط مهرجان ما ، مثل مهرجان المعهد ، التى تحدد مدة العرض فى حدود ساعة زمنية ، لإتاحة الفرصة لعروض عدة تقدم داخل أيام المهرجان القليلة ، بمعدل عرضين فى الليلة الواحدة ، مما يتيح لعدد اكبر من الطلاب للمشاركة فيه ، فيكسب المهرجان نجوما فى التمثيل والإخراج والسينوجرافيين وأن خسر ظهور الكاتب الجديد صاحب النص المتكامل ، خاصة وأن المعهد يضم إلى جانب قسمى (التمثيل والإخراج) و(الديكور والأزياء المسرحية) قسما يحمل اسم (الدراما والنقد المسرحي) مهمته المعلنة هى تخريج جيل جديد من الكتاب الدراميين والنقاد المسرحيين ، وقد خرج بالفعل كتابا واعدين أحدثهم “أشرف حسنى” الذى قدم له مسرح الطليعة مسرحيته (الحلال) منذ نحو العام ، مما يتطلب أن يكون مشاركا هذا القسم بطلابه تأليفا ونقدا فى المهرجان ، غير أن ثمة تباعد واضح بين طلاب قسم التمثيل والإخراج وطلاب قسم الدراما والنقد ، بحيث لم نجد فى دورة هذا العام من المهرجان وغالبية دوراته السابقة أية نصوص مؤلفة لطلاب القسم الأخير ولا حتى لخريجيه ، ومن ثم نجد أن القائمين بإعداد أو تكييف النصوص المقدمة فى المهرجان من قسم التمثيل والإخراج أيضا مثل “أحمد كشك” الذى أعد نص (مأساة الحلاج) لصلاح عبد الصبور باسم (الكلمة والموت) ، ولم يكن ثمة داع لتغيير العنوان ، كما لم يكن ثمة داع لتغيير كلمات النص الشاعرية شديدة الدلالة بكلمات أخرى أقل وأضعف ، فضل عن عدم الوعى بالخطأ التراجيدى الذى وقع فيه البطل الذى ادرك ان عليه واجب تجاه مجتمعه ، فخلع خرقة الصوفية ، متحولا لمصلح اجتماعى يناوئ السلطة ، فنقتله بأيدي فقراء المجتمع الذى دافع يوما عنهم . وكذلك أعد نص “خالد الصاوى” (مرة واحد) دون تغيير فى العنوان ، وأن ملء النص بشخصيات مختفية خلف الستائر ومسموع صوتها من خارج المسرح ، يستدعيها طالب الحقوق المسطول ، الذى يتخيل موته القادم فيحاكم المجتمع ويدينه بنظرة أخلاقية مثالية ، تحول خاتمة العرض لنهاية ميلودرامية ، نفاجئ معها أنه لم يمت ، وأن الحل للخروج من الغيبوبة هو إيقاظ الضمير وحسب !! . كما أعد “باسم شعبان” نص “ونوس” (حنظلة) رابطا فى تصوره بين تطور وعى شخصية “حنظلة” فى النص الونوسي من الغفلة إلى اليقظة ووعى شخصية “حنظلة” المولودة واعية بعالمها فى رسوم الفلسطينى “ناجى العلي” ، غير أن العرض لم ينجح فى ذلك ، فتبرأ المعد منه ، كما أجهز ممثل ومخرج عرض (التيار) على نص “توفيق الحكيم” (دقت الساعة) ومزقاه ولم ينجحا حتى فى تقديم عرض ممتع ومفيد .
لم ينجح فى تكييف النصوص لزمن عروض المهرجان ، دون الإطاحة بقيمته الجمالية ومحتواها الفكرى غير عرض (طقوس والإشارات والتحولات) للكاتب السورى المعروف “سعد الله ونوس” ، والذى أعده المخرج النابه والواعي نفسه “محمد يوسف” ، وحصد به على أهم جوائز المهرجان : أقضل عرض ، وأفضل مخرج ، وأفضل ممثلة أولى “مارتينا عادل” والمجسدة لشخصية “مؤمنة” التى أجبرها مجتمعها للتحول لبغى باسم “الماسة” لتنقذ زوجها الفاسد فأصرت على الاستمرار فيما أجبرها المجتمع على أن تكونه ، وتملك “مارتينا” موهبة وقدرات من طراز “فاتن حمامة” تؤهلها لأن تكون واحدة من أبرز نجوم المستقبل ، لو نجح مخرجينا فى تفجير طاقتها الفذة فى أعمال رفيعة المستوى ، كما حصل أثنان من زملائها فى نفس العرض على جائزة أفضل ممثل ثان مناصفة وهما “أحمد صبرى غوباشى” و”محمود الأشطر” فى دورى “نقيب الأشراف” و”العفصة” ، هذا فضلا عن جائزة أفضل ديكور وذهبت إلى “ملاك رفعت” ، مما يؤكد على أن النص الجيد والمتكامل يمنح مخرجه وممثليه وصائغ سينجرافيته فرصة للتعمق فى محتواه الفكرى الكامن بأعماق جمالياته البنائية ، فيكسب المسرح عرضا متميزا يضاف لتاريخ المسرح فى المعهد ومصر بأكملها .
نسوة هاربات
جاء في القيمة الإبداعية بعده عرض (نساء بلا غد) الذى كتبه “جواد الأسدى” وأخرجه عام 2002 باسم (نساء فى الحرب) ثم نشره فيما بعد باسم (نساء بلا رب) ، وأعدته وأخرجته فى عرض مهرجان المعهد الطالبة السورية “ريم نواف غانم” ، وهو يقدم ثلاثة نساء عربيات هاربات بجوازات سفر مزورة من بلدانهن للجوء إلى ألمانيا ، قبض عليهن وزج بهن فى مخيم للاجئين ، ويبدأ العرض بالتحقيق معهن حتى يمنحن حق اللجوء او القذف بهن لعالم الضياع ، وتدلى كل واحدة منهن بأقوالها ومقدمة نفسها فى البداية للمحقق ، الذى يحتل جمهور العرض مكانه ، حيث تتوجه النساء بأحاديثهن إلي ذلك القابع بظلمة الصالة ، كاشفات عن مرارة الحياة فى المجتمع العربي ، ونجحت الممثلات الثلاث “سما إبراهيم” و”بسمة ماهر” و”نهال الرملي” فى تجسيد أدوارهن ، بعد أن غيرت المخرجة أسماء البعض منهن عن النص الأصلي ، أيضا دونما مبرر ، وحذفت هويتهن الوطنية ، ربما لتعميم موضوع الهروب من المجتمع العربي بأكمله الظالم لأهله ، وبصورة خاصة لنسائه ، فجسدت الأولى بتميز ليس غريبا عليها شخصية “فاطمة” (أمينة العراقية) المتعلقة بأحلام النجومية ، وجسدت الثانية بتمكن شخصية “مريم” (الفلسطينية فى النص) الممرضة المستكينة والمنكفئة على ذاتها ، والمتدثرة بأردية تخفيها عن العالم ، والتى تعانى من أورام بالصدر تودى بها للموت (سببها لها فى النص جندى إسرائيلي بضربها ذات يوم بكعب بندقيته) ، ونجحت “نهال الرملي” فى الفوز بالجائزة الثانية لأفضل ممثلة ، بتجسيدها الحيوي لشخصية أديل” (ريحانة الجزائرية فى النص) وملأت المسرح بحيوية امرأة تذبح على مذبح التقاليد البالية والفكر المتخثر والرحيل لبلاد ترفضها ، انهن مع من ذكرناهم من فتيان وفتيات يؤكدن على أننا نملك بالفعل مواهب رائعة لو اتيحت لها الفرص الحقيقية للكشف عن هذه المواهب ، بدلا من فرص الإفساد التلييفزيونى الى تؤيد شبابنا وقدراته المتميزة .
أن تعرف خطوتك الأولى على الطريق الصحيح يعنى أنك تمسك بدليل تقدمك وتفوقك ، وهذا ما تفعله بوتقة الإبداع المعروفة باسم المعهد العالي للفنون المسرحية ، والتى تقدم لنا مع تدفق أشعة العام الجديد نجوما نثرى بهم حقول الإبداع الدرامي فى المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون ، تأليفا وإخراجا وصياغة للسينوجرافيا ، مؤكدة ومؤكدين معها أن الغد القادم هو غد هذا الشباب الواعد ، خاصة من يعرف أن أعمال شكسبير وأرثر ميللر وتشخوف وألفريد فرج وسعد الله ونوس ومحمد أبو العلا السلامونى هى أعمال مازالت تثير الدهشة والجدل ، فهى تتجاوز أزمانها بحجم قدرة أصحابها على صياغة نصوص تعبر عن زمنها وأزمنة لاحقة دوما ، ومن يتمسك بالنص الجيد حتما سيقدم عرضا راقيا ومتميزا .

 المصدر _ محمد سامي موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *