مهرجان المسرح الصحراوي.. عرس مسرحي يزين صحراء الشارقة / لمياء أنور

عندما تحتفي الصحراء برمالها فتصبح كل حصوة من رمالها نبضا يضخ دماء لكل قدم تخطو لتصنع فنا خالصا بمسرحيين حقيقيين على أرض تتكلم الثقافة والفن والإبداع هي أرض الشارقة.
فبرعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أُقيمت الدورة الرابعة لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في الفترة من الثالث عشر من ديسمبر 2018 إلى السابع عشر من ديسمبر 2018، حيث ضم المهرجان الكثير من الدول المشاركة، وهم دولة الإمارات العربية المتحدة بعرض “الفزعة” تأليف سلطان النيادي، وإخراج محمد العامري، لفرقة مسرح الشارقة الوطني، موسيقى إبراهيم الأميري، مكياج وأزياء وصوت محمد العامري، تمثيل أحمد الجسمي، مرعي الحليان، إبراهيم سالم عبد الله مسعود، حميد سميع، بدور، كما شاركت جمهورية مصر العربية بالعرض المسرحي “عنترة” إعداد وإخراج د. جمال ياقوت، لفرقة كريشين جروب – مصر، ديكور حازم شبل، ملابس هالة الزهوي، مكياج نيرة عباس، إضاءة إبراهيم الفرن، مخرج منفذ أحمد أبو دوح، أشعار د. محمد مخيمر، ألحان شيريهان الحديني، توزيع موسيقي وائل طلبة هندسة، صوتية وغناء أسامة علي، تعبير حركي محمد ميزو، تمثيل زياد يوسف، إيمان إمام، محمد بريقع، سارة فؤاد، محمد فاروق، محمد مرسي، فاطمة محمد، محمد مكي، محمود جمعة، محمد فاروق شعبان.
أما موريتانيا فقد شاركت بعرض “فتيان الفريك” وهو عرض من التراث الشعبي الموريتاني، من إعداد محمد أدمو وسلي عبد الفتاح، إخراج سلي عبد الفتاح، لفرقة جمعية المسرحيين، إضاءة سعدنا محمود، مؤثرات صوتية محمد أعمر ومحمد المين الراجل، تمثيل بابا أمين، أم المؤمنين عثمان، عيش موسي جكو، مريم الشيباني، فاطمة محمد، سلي عبد الفتاح، شيخنا مولود، محمد عزيز، مراد أب.
كما شاركت تونس بعرضها “خضراء” عن السيرة الهلالية، من إعداد وأشعار حاتم الغرياني، البشير عبد العظيم، سينوغرافيا وإخراج حافظ خليفة، لفرقة فن الضفتين، ديكور وإكسسوار ضو الشهيدي، تصميم ملابس أمال الصغير، إعداد وتوزيع موسيقي رضا بن منصور، مكياج مفيدة المرواني، إضاءة محمد رشاد بلحم، مساعد مخرج أول منذر العابد، غناء رضا عبد اللطيف، تمثيل دليلة المفتاحي، نادرة لملوم، شيماء طوجاني، عبد اللطيف بوعلاق، نورالدين العياري، توفيق الخلفاوي، سهام مصدق، صالح الجدي، محمد بن بوبكر، بسام بنجمادي، أماني عبد اللاوي.
وأخير سلطنة عمان حيث شاركت بعرض “الهيم” تأليف محمد بن سيف الرحبي، أشعار مطر البريكي، إخراج أحمد سالم البلوشي، لفرقة الصحوة المسرحية الأهلية، مكياج عزيزة بنت يوسف البلوشي، ديكور حبيب بن إبراهيم البلوشي إضاءة أحمد بن محمد الشيدي، إضاءة زياد بن عبد الله الشماخي، تمثيل خليل بن فابل السناني، سعود بن عامر الخنجري، خميس بن جلفان الرواحي، مقبول بن حسن العامري، موسي بن مراش الهناني، عائشة بنت عيسي البلوشي، زكريا بن سعيد البطاشي، سلطان بن أحمد المحمودي، محمد بن سعيد البلوشي، هزاع بن محفوظ الشحي، وليد بن مبارك الكابسي.
البرنامج الثقافي
شمل المهرجان برنامج ثقافيا مصاحبا للعروض المسرحية حيث جاء بلقاء التعارف في يوم الثاني عشر من ديسمبر 2018 بين المخرجين والفرق المشاركة بالمهرجان بمقر الإقامة بفندق سانترو روتانا بالشارقة، حيث افتتح الحديث في حضور مدير المهرجان الأستاذ أحمد أبو رحيمة، المخرج الموريتاني سلي عبد الفتاح بالثناء على المهرجان وإدارته في خلق تجربة مسرحية فريدة للمسرح الصحراوي، تاليا الحديث عن تجربته في المشاركة بالمهرجان بمحاولته للخروج من مسرح العلبة الإيطالية والذهاب إلى الصحراء لإخراج ما في باطنها من ثقافة وإبداع، تلاه المخرج المصري د. جمال ياقوت بالحديث عن تجربته المسرحية “عنترة” متناولا إياها للسيرة الشعبية حيث اعتبر عنتر بن شداد نموذجا مثاليا للثقافة الصحراوية.
أما المخرج حافظ خليفة فقد تحدث عن تجربته المسرحية التونسية ومشاركته العرض في العام الماضي في مهرجان صحراوي بتونس الذي حضره أكثر من 60 ألف مشاهد، ومشاركة الفنان التونسي لطفي بشناق من خلال الموسيقي التسجيلية المصاحبة للعرض، واعتبار عرض “خضراء” عرضا لتكريم المرأة التونسية.
كما تحدث المخرج العُماني أحمد البلوشي عن عرض “الهيم” الذي يتناول فيه ثقافة الصحراء في إظهار صورة الظمأ المرتبط بالصحراء، في أبعد تجلياته.
أما الأستاذ (باب ميني) رئيس جمعية المسرحيين الموريتانيين فقد رحب بالمشاركين في الدورة وقدم كل الشكر للقائمين على المهرجان حيث أدلى بأن التجربة المسرحية الموريتانية كانت منعزلة عن الثقافة العربية ولكنها بدأت في الانتشار من خلال المشاركة في المهرجانات الدولية.
المسامرات النقدية
جاء من ضمن برامج المهرجان برنامج المسامرات النقدية حيث تقديم قراءات حول العروض المشاركة، كل يوم عقب كل عرض مشارك، حيث جاء الأستاذ عبد الله يوسف معقبا على العرض الإماراتي “الفزعة”، والأستاذ باسم عادل معقبا على العرض المصري “عنترة”، ود. محمد يوسف معقبا على العرض “الهيم”، والأستاذ مكرم السنهوري عن العرض التونسي “خضراء”، وأخيرا الأستاذ حسن مراني علوي معقبا على الموريتاني “فتيان الفريك”، وتعقب مداخلة المعلق على العرض مداخلة من مخرج العرض ومؤلفه، للإدلاء بدلوهم عن العرض المشارك بالمهرجان وتجربته الفنية في صحراء المشارقة.
كما شملت المسامرات مداخلات للكثير من المشاركين سواء بالإشادة بالعرض أو تقديم رؤية نقدية مغايرة، أو طرح بعض التساؤلات على مخرج العرض، الجدير بالذكر التنظيم الجيد لمدير الجلسات والمسامرات الأستاذ عصام أبو القاسم، في السماح بالمداخلات في الزمن المحدد لها وبألا يتجاوز أي شخص الزمن أو لياقة الحديث.
المسرح الصحراوي بين الأصالة والمعاصرة
ضم المهرجان برنامج المسامرات الفكرية، فكان سعيه في تقديم وطرح رؤى وأفكار حول المهرجان في قراءته كمشروع فني وثقافي مفتوح من منظوري الأصالة والمعاصرة.
حيث جاء الحوار الأساسي في هذه الدورة عن موقع (مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي) بين مساعي التأصيل والتجذير للتجربة المسرحية العربية وطموحات التحديث والتجديد في المشهد المسرحي العالمي، حيث مزاوجة المهرجان ما بين عناصر الطبيعة الحية وأشكال فنون الأداء المختلفة انطلاقا من أساليب ومضامين العروض المشاركة، التي ترتكز على الشعر والسرد والتشخيص، في رحابه المكان الصحراوي، وتنوع وسائل هذا العرض والأدوات الفنية والتقنية الموظفة، من حيث الديكور والإضاءة والصوت.
جاءت الجلسة الأولى بإدارة سوزان علي البنان وبمشاركة أ.د. حسن يوسف (المغرب) بورقته “المسرح الصحراوي بين أصالة المفهوم ومعاصرة المنجز”، وأ.د. سعد عزيز (العراق) بورقته “أبو الفنون في الصحراء التجليات السمعية والبصرية”، وأ.د. هيثم الخواجة (سوريا) “المسرح الصحراوي.. نحو المزاوجة بين التراث والحداثة”، وأ.د. مصطفى رمضاني (المغرب) بورقته “فرادة مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي”، وأ.د إدريس قرقورة (الجزائر) بورقته “المسرح الصحراوي.. حول المفهوم وحدوده”.
وانتهت الجلسة الأولى بتقديم صور مختلفة لمفهوم الصحراء من حيث المكان والفضاء، في تقديم العروض المسرحية وما لهذا المكان من خصوصية تختلف كثيرا عن مسرح العلبة الإيطالية التقليدية، وأهمية التقنيات الفنية والمسرحية الموجودة في هذا الشكل المسرحي الصحراوي وأصبحت التساؤلات الدائرة بين التأصيل لهذا الشكل وحداثة تجريبه على الصحراء الحية برمالها وفكرة المفهوم ذاته، فهل هو مسرح صحراوي أم الصحراء في المسرح، أو هو ما بين هذا وذاك؟
أما الجلسة الثانية فجاءت بإدارة مرعي الحليان (الإمارات)، وضمت الجلسة شهادات في ضوء التجربة، حيث شارك بالجلسة أ. فراس الريموني (الأردن)، ألقتي سعيد (موريتانيا)، وجان قسيس من (لبنان).
قراءة في كتاب “مسرحية داعش والغبراء” لسلطان القاسمي (مقاربات نقدية)
كما قدم المهرجان مطبوعا في رأيي أنه من أهم الدراسات المسرحية على مستوى قراءة العرض المسرحي الصحراوي “داعش والغبراء” لسلطان القاسمي حيث قدم د. جمال ياقوت (مصر) ود. عبد الرحمن بن زيدان (المغرب)، ود يوسف الريحاني (المغرب)، مقاربات نقدية للعرض في مطبوع واحد من إعداد عصام أبو القاسم.
حيث بدأ الكتاب بمقدمة اشتملت على تقديم لمسرحية “داعش والغبراء” لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي التي كتبها عام 2016، حيث تم اختيار عنوان المسرحية من واقع ما يعيشه العالم اليوم من مصائب وأزمات، ونشر الفوضى والإرهاب الداعشي، حيث لا يقل الفعل الداعشي عما فعلته الجاهلية في زمانها، وأن الغبراء ليس المقصود منها الخيل الغبراء، وإنما هي رمزية للأزمة التي يعيشها البشر في هذا الزمان، وتدور أحداث المسرحية في الصحراء وتتخذ من هذا الفضاء الواسع ديكورا طبيعيا لها، كما أوضح سموه في المقدمة أن الهدف الأساسي للمسرحية إظهار أثر الإسلام الصحيح وأثره في نفوس البشر.
حيث عرض الكتاب لثلاث رؤى نقدية للعرض المسرحي “داعش والغبراء” الذي أخرجه المخرج الإماراتي (محمد العامري).
•  الرؤية الأولى (تحديات الشكل والمضمون في المسرح الصحراوي “داعش والغبراء” لسلطان القاسمي نموذجا) د. جمال ياقوت (مصر).
حيث احتوت الورقة البحثية والنقدية على مقدمة وخمسة مباحث ونتائج وتوصيات، وقائمة للمراجع المستخدمة في البحث.
شملت المقدمة على البدايات الأولى لفن المسرح وارتباطه بأهل القبائل ومن قبلها البداية البدائية للمسرح الفرعوني، واعتماده كطقس يعتمد على الحركة والإيقاع والكلمة، ومن ثم المسرح الإغريقي واستخدامه للمكان المفتوح المباشر للسماء على مستوى الشكل، وارتباطه بالاستلهام الأسطورة، حيث اختلف الباحث في مسألة استلهام الأسطورة على ذكر حميد علاوي الذي يرى أن المسرح المستلهم للأسطورة يحتاج إلى متلق واع ومثقف ثقافة عالية ليكون على قدر ومستوى الصراعات الفكرية والذهنية بين المفاهيم المجردة، حيث يرى ياقوت أن الأساطير تمثل ضمير الأمم والتي تحولت فيما بعد إلى أدب وفن شعبي ارتبط بعامة الناس أكثر من ارتباطه بالمثقفين.
ثم تطرق ياقوت بعد ذلك إلى مسرح العصور الوسطي بعد إشراف الكنيسة على العروض المسرحية التي اتخذت من مذبح الكنيسة مكانا لتقديم العروض الدينية وسيطرة الموضوعات الدينية على العروض آنذاك، انتقالا لعصر النهضة الذي أصبحت فيه الموضوعات المسرحية أكثر معاصرة، ومرور المكان المسرحي بعدة تغيرات إلى أن استقر داخل العلبة الإيطالية.
وبهذا فقد حيث استخلص الباحث أن لكل بيئة مسرحية (علبة – فضاء مفتوح) خصائص تفرضها طبيعة الفضاء نفسه، ومدى مناسبة موضوع وبنية العرض لهذا الفضاء تحديدا، ثم تأتي بعد ذلك الطريقة التي يوظف بها المخرج هذا الفضاء لخدمة العرض.
جاءت هذه المقدمة تحديدا لتأصيل فكرة المكان المسرحي إلى أن خرج إلى فضاء الصحراء الذي هو أحد أشكال التمرد على العلبة الإيطالية، وهنا يطرح ياقوت عدة أسئلة عن ماهية المسرح الصحراوي ذاته، فهل يعني هذا النوع من المسرح بتقديم مسرحية – أي مسرحية في الصحراء؟ وهل سيكون الهدف هو مجرد إقامة فعل درامي في الصحراء؟ أم أن الأمر يتعدى هذا الطرح البسيط ليصل إلى طرحا أكثر عمقا يتعلق بالتأسيس لما يمكن أن نطلق عليه مسرحا صحراويا.
وانطلاقا من تلك المقدمة عرض الباحث ورقته البحثية في عدة مباحث:
أولها:  لماذا يخرج المسرح للصحراء؟
حيث عرض الباحث أهم الأسباب المختلفة لخروج المسرح من علبته الإيطالية مع التركيز على أسباب الخروج إلى الصحراء تحديدا، وفيه قدم رؤية مختلفة لمن يتفق مع فكرة خروج المسرح من علبته الإيطالية وأسباب ذلك، وخصوصا خروجه للصحراء، لما للصحراء من سمات شديدة الخصوصية تلتصق بها، وقد وضع الباحث عدة نقاط لمبحثه الأول تتمثل في (خلق الحاجة إلى المسرح لدى أهل الصحراء)، و(سياحة الصحراء) و(التجريب في فضاء غير تقليدي)، و(المحافظة علي ثقافة الصحراء) و(البحث عن هوية عربية للمسرح)، وصولا إلى نتيجة مهمة في هذا المبحث في التأكيد على تحقيق هوية تؤصل لمسرح عربي يحمل سمات مرتبطة بالعرب ويحمل عناصر بيئتهم الصحراوية.
المبحث الثاني: “مضمون العرض وثقافة الصجراء”
ويستهل الباحث مبحثه بمقولة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حيث يقول: “أنا أخاف على أبنائي في الصحراء أن يذوبوا، لذلك هم يعرفون أنني أحيطهم بكل عناية، لأننا لا نريد أن نشوه هذه الصحراء الجميلة، ولا نريد أن نغربهم، ولا نريد أن نبعدهم، نريد أن نحافظ على عاداتهم وتقاليدهم وموروثهم، ونأمل من الجميع أن يتذكر أن هذه الإمارات أصلها قبائل هي التي وقفت وقاومت وحافظت على هذه الأرض، ولا نريد أن نلغي هذه القبائل، بل بالعكس، نمكنهم ونرفع من شأنهم، وهم الخير والبركة في هذه الأرض”.
وعليه، فإن اختيار الباحث لهذه المقولة كان اختيارا واعيا بالهدف الأساسي للخروج بالمسرح إلى الصحراء، فهذا الوعي والثقافة والفن الذي يتحلى بها الشيخ الدكتور القاسمي أوضح الهدف الأساسي لخروج المسرح إلى الصحراء.
وفي هذا المبحث تطرق الباحث إلى الموضوعات إلى يمكن طرحها للمسرح الصحراوي، متناولا مصطلح التراث الشعبي كأحد الموروثات الحضارية والفولكلور العربي في البيئات العربية المختلفة، متسائلا هل يمكن أن يكون المسرح الصحراوي إحدى وسائل العودة إلى التراث؟
ثم انتقل الباحث إلى “داعش والغبراء” كنموذج تطبيقي لبحثه، وأن النص مستمد من حادثة تاريخية وقعت في الجاهلية واستلهام شخصيات قديمة وأحداث تاريخية وأسطورية لحث الناس على نبذ العنف والتطرف والدعوة إلى التمسك بما في الإسلام من سماحة والمزاوجة بين التاريخ وقيمة الإسلام المستوحاة من زمن لاحق وهي الأذان والتكبير لرفض الممارسات العنيفة من قبل الجماعات المتطرفة في الوقت الحاضر، والربط الواضح ما بين النص والعرض إلى نزع الحادثة التاريخية من سياقها الزمني وإسقاطها على الأفعال الإجرامية التي تتم اليوم تحت شعار الإسلام البريء منها، ومن ثم قام الباحث بعرض تحليلي لبناء الحبكة بين النص والعرض.
المبحث الثالث: (تحديات الشكل المسرحي في الصحراء)
وفيه تناول الباحث الفضاء البانورامي للعرض حيث تم تمهيد البيئة الطبيعية لصحراء الكهيف بإمارة الشارقة لتكون فضاءا مسرحيا بصورة بنيت على التنوع بين التل العالي في خلفية المشهد، وتمهيد منطقة الأحداث لتكون الأرض المستوية بطريقة تسمح بالحركة في سهولة ويسر، منتقلا إلى الفضاء المحدد للعرض، حيث يختار المخرج منطقة بعينها ويحددها بأي وسيلة من وسائل التحديد باستخدام مفردات البيئة الصحراوية، وبهذا فإن طرق التلقي في المسرح الصحراوي أخذت طرقا متعددة في جلوس الجمهور أرضا في صفوف متراصة خلف بعضها البعض وكذلك جلوسهم أرضا في شكل منحدر، والجلوس في شكل مدرج، وهذا يأخذنا إلى زاوية الرؤية لتعدد من بين مواجهة لمنطقة التمثيل، والتحلق حول منطقة التمثيل والجلوس العشوائي في نقاط مكانية مختلفة، والتحرك من منطقة إلى أخرى والتي فيها ينتقل الجمهور إلى نقاط مكانية وفقا لسير الأحداث.
ثم قام الباحث بالانتقال إلى عناصر السينوغرافيا ومنهج العروض ما بين الديكور والملابس والإضاءة والصوت للعرض المسرحي “داعش والغبراء”.
المبحث الرابع: “التحديات التقنية في الصحراء”
تعرض الباحث هنا إلى آلية التواصل المسرحي من (مرسل ورسالة ومستقبل وقناة اتصال)، وضرورة توافر الشروط التي تسمح بوصول الهدف ورسالة العرض منتقلا إلى التقنية على مستوى الصوت ما بين الاعتماد على الصوت الطبيعي للممثلين، واستخدام مكبرات الصوت على اختلاف أنواعها، واستخدام تقنية التشغيل المسترجع Play Back تحديات تلك التقنية على مستوى الصورة البصرية للعرض المسرحي.
انتهاء بالمبحث الخامس: “ماهية المسرح الصحراوي”
متسائلا الباحث عن السبب الذي يذهب المسرح من أجله إلى الصحراء، مجيبا بأن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لذهاب المسرح إلى الصحراء وهي:
• خلق الحاجة إلى المسرح. 2. سياحة الصحراء. 3. التجريب.
وصولا إلى نتائج وتوصيات الورثة البحثية، حيث إن المسرح الصحراوي هو تجربة فريدة من نوعها تحتاج إلى مزيد من الدراسات التي تؤثر لها من حيث الشكل والمضمون، واحتياجه إلى رعاية جادة من القائمين عليه، حيث وضع الباحث محددات أساسية لتناول مصطلح المسرح الصحراوي من حيث الشكل والصوت والموضوع، مضيفا إلى تقسيم الموضوعات إلى اثنين، أولهما الموضوعات التي تتعلق بثقافة الصحراء، والتي تكون غالبا مستمدة من التراث، وثانيهما الموضوعات المعاصرة التي تدور أحداثها في الصحراء، وأكد على ضرورة الاهتمام بالأشكال الجديدة للمسرح، مع وضع محددات واضحة للمسرح الصحراوي.
• الرؤية الثانية: “داعش والغبراء” للدكتور سلطان القاسمي
(رفض العصبية الجاهلية بالفكر المتنور) د. عبد الرحمن بن زيدان
حيث قسم الباحث ورقته إلى عدة نقاط تمثلت في:
(تعدد المرجعيات للكتابة المسرحية):
حيث استهل الباحث ورقته بعرض الخصائص الأدبية التي تميز كتابات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ولغة الخطاب المسرحي الذي يستخدمه سموه لتسهيل تأويل التاريخ ليناسب مع بيئة الكتابة المسرحية وكيفية جعل “داعش والغبراء” ترجع للتاريخ الجاهلي ومناسبتها ومعاصرتها لزمن الكتابة والكاتب في الوقت الحالي.
وتحت عنوان « الحرب (داعش والغبراء) تأويل أحداث من أجل المعاصرة»:
يؤكد الباحث على عملية التأويل بشكل واضح في صياغة الرؤية المسرحية الدرامية، التي تتحدث عن الحرب وعن ما سينقذ العالم من الضلال والإنحراف والباطل والجهل والعصبية والغواية ويفضح الدسيسة المستشرية في الصف العربي بين القبائل واعتماد النص على مسرحة قصيدة شعرية وضع لها عنوان (علياء وعصام) وهي مستقاه من قصيدة للشاعر السوري قيصر المعلوف، واللجوء إلى اتخاذ التاريخ كخلفية رمزية للكتابة عن الحاضر، حيث اعتمد سموه على مصدرين في كتابته لملحمة (داعش والغبراء)، وهما المصدر التاريخي عن الحرب وصراع قبيلتي ذبيان وعبس، ومصدر الأحاديث النبوية التي تتحدث عن سماحة الإسلام الذي يدعو إلى السلم والسلام.
مفسرا الباحث لدلالة عنوان المسرحية، فداعش ذلك المصلح السياسي والعسكري المعاصر، تلك التسمية التي ارتبط معناها بالإرهاب والترهيب والعنف وقتل الأبرياء باسم الدين، وهو مصلح له علاقة مباشرة بتنظيم ديني مسلح متطرف يتبني الفكر السلفي الجهادي لتبرير كل فعل إرهابي، أما الغبراء فهو اسم فرس يرمز إلى الأرض والسنوات الجدبة، وبنو الغبراء الفقراء المحاويج.
وقد استند الباحث لأجزاء من نص المسرحية لعرض سير الأحداث في سياقاتها التاريخية على مستوى النص، تم تطرق إلى العلاقة الفنية للعرض بمهرجان المسرح الصحراوي، بعرض موجز للشكل السينوغرافي العام للعرض مبرزا لعناصره الجمالية والفنية، مختتما الدراسة بأن داعش والغبراء ملحمة ترفض كل دعوة تقوم على العصبية وترفض كل غاياتها وأهدافها.
• الرؤية الثالثة: (داعش والخبراء) لسلطان القاسمي.. التاريخ أفقا للتفكير
استهل الباحث ورقته بمقولة للشيخ الدكتور القاسمي حيث يقول: “الحروب التي حاقت بالبشرية منذ قديم العصور بواعثها مكنونات شريرة لا تقدر الجمال، والجمال المكتمل لا يتوافر في فن من الفنون بقدر ما هو عليه في المسرح.. فهو الوعاء الجامع لكل فنون الجمال ومن لا يتذوق الجمال لا يدرك قيمة الحياة”.
ثم قسم ورقته البحثية إلى أربع نقاط:
1. المسرح وإشكالية التعبير:
حيث تطرق لإشكالية الحوادث الراهنة في عصرنا الحالي والإرهاب العاتي الذي يتخذ من الإسلام الحنيف مسوغا لإدارة المحو والإلغاء، واستلهام القاسمي لتاريخ الأمة العربية الإسلامية برؤية فنية تقوم على إسقاط قوي لماضي الأمة على حاضرها الأني، مما صبغ المسرحية ببعد سياسي حضاري، وفني وجمالي، باعتبارها شكلا تعبيريا يقوم بالدرجة الأولى على التطابق الجمالي بين المحتوى السوسيولوجي واللغة الدرامية المستخدمة، فقد توسل القاسمي بالتاريخ كأفق التفكير دون الوقوع في أسر الماضوية أو في براثنه الفولكلورية التي تحافظ على استمرار مظاهر النقص في المجتمع مستندا إلى عدة مقولات للشيخ الدكتور القاسمي عن دور المسرح في خدمة قضايا المجتمع.
• التاريخي والوجود الدرامي الأصيل:
وهنا يعرض الباحث حكاية المسرحية “داعش والغبراء” مستندا لأجزاء من النص المسرحي، مؤكدا على أن ما بعد الحداثة تعني من ضمن ما تعنيه إعادة إحياء التقاليد القديمة بصورة مبتكرة.
• كتابة للذات، نبذ التعصب:
متسائلا في هذا الجانب عن ما الذي يكتبه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي في “داعش والغبراء”؟ مجيبا، أنه يكتب انفعالات اللحظة وهواجس الذات عبر لغة رادعة للأنانيات العضال وضد إرهاب التعصب دون الحاجة إلى خطاب مثقل بالآيديولوجيات.
• الصحراء، تلك المساحة الفارغة:
حيث إن مسرحية “داعش والغبراء” كتبت خصيصا لتقدم في الصحراء وانطلاقها كعرض مسرحي في عام 2015 ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، الذي يشكل حلقة جديدة في منظومة دائرة الثقافة، وإظهار الصلات الكائنة والممكنة بين أشكال التعبير الأدائي والسردي التي تغمر الصحراء.
وافتتاح الدورة الثانية للمهرجان ذاته في ديسمبر 2016 بعرض “داعش والغبراء” من إنتاج المسرح الوطني بالشارقة وإخراج محمد العامري، وإشادة الباحث بالرؤية الفنية والبصرية التي رسمها محمد العامري بالضوء والصوت والموسيقي الذي أعطي العرض صورة سينيمائية في سياق متوازن من التحقق الذهني بشعرية الحوار والتحقق السمعي بالمؤثرات الصوتية والتحقق البصري بالإضاءة والحركة، حيث جاء العرض في محصلته النهائية عبارة عن أوبرا صامتة، تتشكل موادها من تنسيق للحركات والأصوات مع التقليل من استخدام الحوار.
•  يختتم الكتاب بملحق لبعض صور مسرحية “داعش والغبراء” لمخرجها محمد العامري، والعرض البحريني (جزيرة الجوري)، والعرض الأردني (كبثان).
تعليق النافذة:
• لقد نجح الباحثون الثلاثة في تقديم رؤية نقدية وواعية للمسرح الصحراوي بشكل عام وبالعرض المسرحي «داعش والغبراء» بتقديم رؤية فنية لعناصر العرض المسرحي بدا من القصة والحوار انتهاء بالعرض المسرحي الحي، إلا أن ملامح المسرح الصحراوي وماهيته لم تتبلور في شكلها النهائي من حيث التأصيل للفكرة ذاتها عند الكثيرين، فعن أي فضاء نتحدث؟ فهل هو فضاء مغاير للفضاءات التقليدية، أم أنه فضاء متعدد، أم أنه فضاء مرتبط بفكرة النص ذاته؟ وهل أي نص مسرحي يمكن إخضاعه للتقديم في الصحراء؟ أم أن الصحراء كفضاء مسرحي يرعب من يتعامل معها وفقا لرهبتها؟ وأنه لا بد من السبر في أغوارها لاكتشاف مكنوناتها التأملية والإبداعية لإضافة الجديد على المسرح بشكل عام يخدم العملية والأهداف المسرحية المرجوة من تقديم المسرح الصحراوي بشكل يحفظ للصحراء هويتها وثقافتها وخصوصيتها.
مهرجان صحراوي بلغة عالمية
في حقيقة الأمر، إنه على الرغم من مشاركتي الأولى بمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، بدورته الرابعة، فإن الصورة الذهنية التي رسمتها بمخيلتي جاءت أقل بكثير مما رأيت. فالمهرجان وبدون مبالغة على قدر عال من المهنية والتقنية والفنية في كل عنصر من عناصر اللعبة المسرحية والفنية والتقنية المشاركة، للخروج بمهرجان يليق ليس فقط على المستوى العربي وإنما على المستوى العالمي، فتلك الصحراء الصامتة تتحول بدورها إلى كيان حي يرقص ويغني ويجسد مثالا حيا للفن والثقافة والإبداع، فعندما يبث النبض والروح في شرايين رمال الصحراء فتكون النتيجة مبهرة كما رأيت.
فعلى مستوى الاستقبال والتنظيم، كذلك المشاركات المسرحية على مستوى عال من الدقة والمهنية المسرحية عن حق.
• ومن ضمن ما آمل به في دورات المهرجان القادمة أن تخضع المشاركة للجنة التحكيم وأن تبث التنافسية الشريفة بين الفرق للخروج بكل ما هو إبداع حقيقي في العروض المسرحية، وأن تزيد حجم المشاركات بشكل أكبر.
• كذلك الحرص على وجود نشرة يومية خاصة بالمهرجان يكتب لها النقاد المسرحيون كتابة حية عقب كل عرض مسرحي يشاهده من كل الدول وأن تكون هنا ترجمات بكل لغات لتلك المقالات كي تصل لكل ثقافة مغايرة للعربية، خاصة وأن عددا لا يستهان به من الجمهور كان من الأجانب.
• كذلك المسامرات التي أتاحت للحاضرين المشاركة والتعليق على العروض المشاركة واستفاده الجميع مما يطرح عقب كل عرض.
• وأخيرا، مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي مثال حي لمهرجان عالمي برعاية صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي راعي فنون الشارقة من إمارة الثقافة والفن والإبداع.

_________________

المصدر / مسرحنا

موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *