مفهوم الفوضوية وتطبيقاتها في العرض المسرحي العراقي

مفهوم الفوضوية وتطبيقاتها في العرض المسرحي العراقي
سيف الدين عبد الودود عثمان
جامعة البصرة/كلية الفنون الجميلة

 

1- مشكلة البحث:. 
     تناول عدد كبير من المفكرين والفلاسفة مفهوم ( الفوضوية) عبر مراحل متنوعة ومتغيرة، على اختلاف وتنوع الأساليب في تناولها على وفق الفترات الزمنية المتغيرة ، فهو من القضايا المهمة في بناء مذهب له أبعاد الفكرية والجمالية والفلسفية.
     إن لمفهوم الفوضوية تشعبات عدة تتخللها أبعاد من الغموض والفوضى ، كله يرجع إلى كتاب الفوضوية الذين نظروا إليها بوجود فوارق كبيرة في تنظيراتهم الجمالية والفلسفية.
     إن انقياد المجتمع القديم أدى الى بلورة سياق جديد يكمن فيه الاعتماد على الجماعة من خلال دعوتها إلى تدمير الدولة للوصول إلى الفوضى ليتم تشكيل مجتمع جديد مختلف عن السابق.
     وهنالك بعض الدلائل على ظهور الفوضوية لدى الإغريق وحتى الصينيين ، وذلك يرجع إلى تحديات السلطة من خلال الخلفيات السياسية والفلسفية الذي نسعى إلى تسميته ب(الموقف المبدئي للفوضوية) ..
     إن تشكيل أفكار الفوضوية يرجع إلى المواقف من الدولة والمؤسسات للوصول إلى مفهوم الحرية ضمن مقاومة الدولة التي تسعى لأسلوب الإنتاج الأكبر ، حتى تطمح إلى الرقي و المحافظة على الملكية الفردية وهو أمر يؤدي إلى رفض كل صور السلطة المنظمة ، سواء  كانت اجتماعية أو سياسية أو دينية معتمده على أنها غير ضرورية ولا توجد فيها الرغبة لذلك أدى ذلك بالفوضوية إلى التسويف الذي يعد من علاماتها المهمة .
    ولم تظهر الفوضوية بوصفها مذهبا إلا في القرن التاسع عشر وذلك بالتوافق مع ظهور الاشتراكية والحرية ، وأصول الفوضوية ترجع إلى بدايات الثورة الفرنسية في عام 1798م ، حتى أصبحت للفوضوية أشكال ومظاهر مختلفة منها ( الفوضوية المسيحية ، الفوضوية الفردية ،..) للانطلاق نحو الحرية الفردية في تنظيم المجتمع .
    فاختلفت التطورات والانبعاث لمفهوم الفوضوية على المستوى الجمالي والفلسفي عبر التاريخ ليرجع إلى توجهات الواحدة عن الأخرى أي أصبحت هنالك اختلافات في تناول الفوضوية ، حتى توصل إلى بعض المبررات لسن قوانين ذات صياغات تنظيمية واضحة ، وصولا إلى تنوع الفوضوية وذلك يرجع الى طريقة كل فيلسوف في تناولها وتركيبها بحسب ما تراه رؤيا الخاصة ، فأنتج ذلك تشعب مفهوم الفوضوية لتصبح له عدة اتجاهات وانساق بحيث لا يكون له أي استقرار فكري أو ذهني.
     أصبح المسرح له انساق الفوضوية في العملية الإخراجية وذلك من حيث تخبط المخرج في الرؤية وطريقة المعالجة ومدى قدرته وتعامله مع عناصر العرض المسرحي وفق توظيفها بأشكال متفاوتة لا تحمل أية معان أو دلالات لتصل إلى التشعب الذهني والفكري غير المدروس وخاصة في ظهور مدارس أو مذاهب أو تيارات عدة عززت مضمونها للفكر الفوضوي في العرض المسرحي وكذلك لانتشار الثقافات ضد الدولة وبقيام الثورات وبنسق الدولة ولظهور مجتمع جديد كان أوليات البناء الفوضوي وخاصة تحرير الفرد من المجتمع وكان أثرها في المسرح ولا سيما (المسرح الحر) .
    إن اشتغال المخرج المسرحي يرجع إلى تيارات مثل الدادائية والمستقبلية وغيرها ليتمكن من الوصول إلى أنساق الفوضوية بكل عناصر العرض المسرحي ، وقد كان للمخرجين العالميين ابلغ الأثر في تشكيل الفوضوية مما أدى إلى إنتاج بعض المسارح للإيحاء بالفوضوية وبالأخص في ( المسرح الحر) الذي كان يسعى إلى الثورة وتهديم كل الأطر الفنية والاجتماعية للمجتمع والدولة ومن ذلك اختلاف المخرجين في تعاملهم مع الفوضوية وطريقتهم في التعامل مع عناصر العرض المسرحي وبشكل يلائم الفضاء المسرحي ، ليؤدي إلى تنوع مفهوم الفوضوية وتطبيقها بالعرض المسرحي.
    وجد الباحث من الضروريات دراسة الفوضوية وطريقة تشكيلها في العرض المسرحي وصياغة التساؤل الآتي: هل بالإمكان دراسة مفهوم الفوضوية ؟ وكيف تطبق في العرض المسرحي ؟
2- أهمية البحث والحاجة إليه:
        تتجلى أهمية البحث في انه يتعرض لدراسة الفوضوية وكيفية تطبيقها في العرض المسرحي     ويمكن تلخيص الحاجة التي يبحث فيها البحث في الآتي :
ا- استفادة الطلبة والمخرجين في كليات الفنون الجميلة في التمعن لمفهوم الفوضوية ومدى انعكاسها على العرض المسرحي.
ب- إسهام المتخصصين في مجال الإخراج المسرحي في تطوير قدراتهم الذهنية والفكرية والجمالية والفلسفية.
3- هدف البحث:
     يهدف البحث إلى التعرف على مفهوم الفوضوية وتطبيقاتها في العرض المسرحي العراقي .
4- حدود البحث:
1- الحد الموضوعي : يتمثل الحد الموضوعي للبحث بدراسة مفهوم الفوضوية وتطبيقاتها في العرض المسرحي العراقي .
2- الحد الزماني : 2009 .
3- الحد المكاني : العروض المسرحية المقدمة  ب(المهرجان المسرحي العراقي الأول) لكلية الفنون الجميلة ،جامعة بابل .
5- تحديد المصطلحات :
الفوضوية Anarchism
   تعرف الفوضوية بأنها( نظرية سياسية تطالب بالحرية المطلقة ، وهي تعتقد أن الدولة في عرف أصحاب هذه النظرية تمثل الشر الأعظم ، وكل قهري مماثلة) .
   فقد تطرق لها جلال الدين سعيد بأنها( تنبني على رفض الدولة وعلى مشروع تأسيس مجتمع من نظر المشاعة الأملاك ونظر الطيب الإنسان الأصلي ونزوعه جهاز دولة متعال ، ليردع بعضهم عن بعض)  . ويرى شالوت سيمور-سميث بأنها(تقسيم الفوضوية كفلسفة سياسية برفضها للدولة التي تعدها شرا في جوهرها . ويرى الجناح اليميني من الفوضويين أن يحل المشروع الحر محل الدولة ليؤدي وظائفها في إطار الملكية الخاصة والحرية الفردية . أما الجناح اليساري فيحبذ الكيانات الجمعية بديلا عن الدولة) . وذهب جيل فيريول إلى أنَّ هذا المصطلح ينطوي (معنى آخر يرتكز على مفهوم التنظيم ويعود الى نوع من الانتحار لا يرتبط – ضمن مجال الصناعة والتجارة – بنظام قمعي ، وإنما يرتبط بتصاعد الرغبة والشغف وبعدم تحديد الأهداف والقيم ، فضلاً عن التعرض للخطر والريبة والفشل واليأس )   . ويؤكد مصطفى حسيبه (إذ ترجم للعربية “فوضوية”والأقرب هو ” مجتمع اللا دولة” ، وبذا اوحت الترجمة بان المذهب يؤدي للفوضى ، وهو اختزال مخل للفوضوية كمدرسة وفلسفة تراجع مركزية الدولة ، وتعلي من شان الإدارة الاجتماعية القائمة على مركزية الفرد) .  ويعرفها جميل صليبا بأنها (مذهب سياسي يدعو إلى إلغاء رقابة الدولة ، والى بناء العلاقات الإنسانية على أساس الحرية الفردية) .  
    أما التعريف الإجرائي للفوضوية فيمكن تمثيله في الآتي: هي عملية تقوم على التمرد على الثوابت المفروضة لتأسيس نظام اجتماعي يعتمد العلاقات الإنسانية على أساس الحرية الفردية أو الجماعية ضمن انساق يفرضها السياق الذي يظهر فيه المخرج ، والمعالجات الإخراجية التي يقوم بها لتحقيق مركزية الفرد للوصول الى الرغبة والشغف في عدم تحديد الأهداف والقيم بطريقة تحقق المشروع الحر .
 
المبحث الأول /الفوضوية تاريخياً
     تعد الفوضوية من التيارات المهمة التي لها طابعها الفكري في بناء المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تشكيل أنماط جديدة للواقع المعاش لتقوم في تأسيس أبعاد مهمة، وسوف نتطرق إلى بعض الرواد الذين لهم أثر كبير في تأسيس الفوضوية ومنهم:
1-وليم غوردون (1756-1836) : وهو من المؤسسين الأساسيين للفوضوية ولكنة يحمل العديد من التناقضات التي أنبنت من خلال أفكاره وفي الوقت نفسه كان يريد أن يصل إلى المنطق بعيداً عن التناقضات التي تفرزها الحياة من الضغوط المتنوعة والمتغيرة ، وابتعد عن الملكية الخاصة، وهو دائماً يبحث عن مخاطبة العقل بوصفه هو العنصر الفعال في بناء منظومة الحياة للوصول إلى الفردانية العقلانية ، وانه يميل لمفهوم أن الدولة تتكون من شراسة البشر التي فرضت عليها وفي الوقت نفسه ينبغي إيجاد حماية لهم ألا بان العقل وما يحمل من عناصر يستطيع أن يتغلب على كل الغرائز السيئة لتصبح الدولة غير ضرورية ، وهو يبحث دائما عن تحسين الإنسان على أساس أن المجتمع يستطيع التطور مستقبلاً بالتجرد من العقوبات ،كون العقل له القدرة على أخذ مكان الضغوطات الخارجية وكذلك ما يتركه السلوك الطاغي للوعي الفردي من القسوة وما يحمله الأفراد من إبعاد متنوعة ، فيصبح الفرد وما يجسده عقله المتغلبان على كل غرائزه فيصبح  (مقنتع بسلطان العقل والمنطق ،ويبحث عن حالة اجتماعية يضغط عليها إي تأثير خارجي وداخلي . وهو وعي الإخطار تواجه هذا المنطق إزاء قوه خارجية عنه، فقام بحملة تدمير ، معلناً الحرب على القوى الخارجية التي تضطهد الفرد، وعلى الغرائز البشرية  التي تفسد صفاء العقل وتزرع الخلل في وظيفة الطبيعة) .
    إن للفرد حقوقا ووجبات يستطيع من خلالها  الوصول إلى فوضوية غريبة (الفوضوية العقلانية) فابتعد عن الواقع الثوري باحثاً عن صور اللاتناقض لحقيقة الواقع، عَدَّ(غوردون) الإنسان موهوبا ،  تصرفات الدولة ينبغي أن تتعارض مع العقل والمنطق ، الوظيفة التي تحتم على الدولة هي حماية العناصر المعزولة عن المجتمع ضد هجمات أخرى تفرض عليهم وكذلك حماية المجتمع من هجوم مجتمع أخر، ويبحث عن إنشاء مجموعة لتقتدي بأي قانون إلاَّ بالعقل والابتعاد عن العنف.
2- ماكس شترنز (1806-1856):  الأهداف التي يسعى إليها هو الصراع ضد الاستلابات بأنواعه ومنها استعدادات الملكية التي تنشا  ضد الدولة المبنية من الصراعات المتشكلة للقوى الفردية المتوجه نحو المجتمع والمنشاة من صراعات الإنسان مع نفسه ليعكسها على المجتمع ومن الاكتفاء الشخصي ،وينظر (شترنز) اإلى أنَّ هدف الدولة الحد من طاقة الفرد لتحويله من حالة إلى أخرى للوصول به إلى الترويض والإخضاع حتى يصل به الحالة إلى الحد من الذات ، والدولة لاتسع إلى حرية الفرد فإنها تبحث عن مصلحتها و نشاطها الخاص ، فذلك وصل إلى (الفردانية الفوضوية) وهو يريد الوصول إلى الإنسان المثالي الذي يجتمع في كل الكمال ولكن لا يتحقق ذلك ، انه يتطلب الرجوع إلى الأنا الذاتية لا الاعتماد على الآخر البعيد عن كل شي مشترك للوصول إلى الفردية وانه (يفرض الفرد قوته وطاقاته وذاته ، في المجتمع فرداً الشركة موجودة بالفرد وللفرد ، والمجتمع يُعَدَّ الفرد من ممتلكاته ، وهو موجود به ومن دونه والخلاصة : المجتمع مقدس ،والشركة مفيدة ،المجتمع يستهلك، والشركة أنت تستهلكها) .
    انه لا يمجد الحرية المطلقة بل يبحث عن الحقوق الفردية وكيفية الوصول إليها وتحقيقها في المجتمع وذلك من خلال التفرد، ولا يريد الإطلاق المنتشر بل يدعو للوحدة التي لا تقيدها أية قوانين ، إذن الثورة التي اعتمدها هي ثورة داخلية من خلال الاتصال بالوعي  للتوصل إلى الانتشار في النظرة الفردية للتغلب على قوى الطغيان معتمدا على الوعي الذي يتكون قواه من جهلنا ضمن الدور الواضح للمبدعين، ويجب أن لا يفرض المجتمع على الفرد بل الفرد هو الذي يفرض على المجتمع من واجبات اجتماعية.
3- بيارجوزيف برودون (1809-1865) :أراد أن يشكل انعطافا في تكوين الفوضوية وذلك من حيث نشر  العدل  في الأوساط المتنوعة ليكون صمام أمان المجتمع  من نشرة الملكية الخاصة ، لدى (برودون) إيمان كبير في بناء قوة كبيرة بالعدل ، حيث شكل ثورة كبيرة وعنيفة ، إلاَّ أنه يَعدُّ نفسه ليس هداماً وانه يتعامل مع الفوضى بوصفها عنصراً إيجابياً ، إذ يرى أنَّ العدل هو العنصر الكبير والفعال في بناء الفوضوية الايجابية ومن هنا جعل لها وسائل كبيره لتغير المجتمع من حال إلى حال آخر مما تنتجه الفوضوية من نسيج اجتماعي مغاير باحثاً عن  الحرية، (فحكم الإنسان للإنسان : استبعاد من هنا ،يعلن “برودون “نفسه فوضوياً “لا أحزاب ، لا سلطة، بل حرية مطلقة للفرد والمواطن . أني اجهر بعقيدتي السياسية والاجتماعية”…..أنها فوضى ايجابية لأتعود فيها الحرية بنت النظام ،بل أمه وهي فكرة خصبة ، متداولة في فلسفة هيغل التي تشبع منها برودون) .
   بحث عن الحرية وذلك بالتخلي عن كل العناصر والاهتمام في (الحرية الفردية)التي تترابط مع العدل للتأكيد على التناقض لأنه لا حل له .
4-ميشال باكونين(1814-1876): أراد أن يشكل ثورة كبيرة لتنتج فوضى عارمة وذلك بإزالة القوانين الموضوعة ليكون العالم الجديد الذي يريده حرا بعيدا عن القوانين المقيدة باعتباره ينشىء مصطلحا خاصا به هو (العاصفة) وتعني له (الحياة) إذن أراد أن يؤسس شكلا فوضويا له أبعاده وقوانينه الخاصة التي تتصل بالإلهة كونها العشق في الفوضى ، فأراد التغلب على  الحكومة من خلال الحقوق الشخصية التي تعتمد على الفرد لا الجماعة لتصل الى الاضطهاد والقسر في السلوك والتوجه للأخر بنظام استبدادي إلاّ أنه أراد أن يبحث عن الحياة الاجتماعية من اشتراكات جماعية تساهم في تشكيل متطلبات النظام الاجتماعي ،  وأسس جريدة معادية للحكومة لها نزعة فوضوية في (1878) لتنشا منها ثورة اجتماعية تتحلى بطابع لجماعات الإبداع بتصوراتهم الخاصة لذلك ( فبلنسبة لباكونيين و مريديه تحل الحقوق الشخصية تماماً محل حقوق الحكومة والتي تعد بطبيعة الحال حقوقاً قسرية ، و إنَّ الحياة الاجتماعية القائمة على المساواة هي الشكل الوحيد الصالح للنظام الاجتماعي ، كذلك  فان جميع القواعد الموضوعة لتحديد السلوك والتي تعبر عن كينونة ما being محددة مسبقاً) .  أراد أنْ ينسق الحكومة بشكل كامل ويتخلص من القوانين لتصبح هنالك فوضى عارمة لها انطباعها وشكلها الخاص ،ولكن يريد أن يْنشر التساوي بين الجماعية وبشكل متطابق يتحلى به جميع الناس ، إذن الفوضوية تكون أفاق للمستقبل. 
المبحث الثاني/المخرج المسرحي والاشتغالات الفوضوية
     إن المخرج المسرحي له انطباعاته وأفكاره في الاشتغال المسرحي والدلالي عن طريق التعامل مع كل عناصر العرض المسرحي وفق معالجاته الإخراجية لكل عنصر من تلك العناصر، وهنا أظهر ثورة ضد كل القواعد القديمة ليصل به الحال إلى التمرد في التعامل مع عناصر العرض المسرحي ليحقق الحرية والعدالة البعيدة عن القوانين السائدة والمطروحة ليصل إلى شكل جديد ومغاير وفق فوضى عارمة بطريقته على تجسيد الفكر والتناسق المفرط مع كل عناصر العرض المسرحي،أن  التمرد على القواعد والسياقات والمناهج الإخراجية أدى إلى تشكيل منهج جديد ومغاير لكل الطرق الإخراجية لينتجا منهجا فوضويا متشكلا من مرجعيات (دادائية ،ومستقبلية وسريالية…) تستطيع أن تكون مغايرة إخراجية ومنهجية لها انطباعها المنهجي والفكري في تطوير قدرات الفنيين والممثلين للوصول إلى درجة كبيرة من الحرية والعدل المطلق في التعامل مع مفردات العرض المسرحي وطريقة تسخيرها بشكل فوضوي يخدم الأفكار المطروحة لينتج عرضا مسرحيا له شكله وفكره الخاص من بلورة السياق بمنهج مغاير للسابق من حيث توظيف كل الصيغ والتراكيب الجديدة، وسوف نتطرق إلى بعض المخرجين الذين كانوا قريبين من المنهج الفوضوي وكما يلي :
1-اندريه أنطوان (1858-1943):  يعد من المخرجين الذين شكلوا انعطافا كبيرا في العملية المسرحية من تأسيس (المسرح الحر) إذ أراد التحرر من كل القيود والتقاليد السائدة والأشكال المسرحية المعروفة ليكون له منهجه واشتغالاته المسرحية الخاصة فابتعد عن المؤسسات الرسمية ليشكل له جمهور أخر حتى أصبحت له حركة جديدة في التعامل مع الشباب ، فهو يعد من المؤسسين للطبيعة وذلك بنقلها كما هي ليضع منهجية قريبة للواقع الاجتماعي من خلال الوصول للصدق الفني ، إذ أراد التخلي من القديم ليصل إلى شكل مسرحي آخر حتى يبني التمرد على السابق فنراه(على وعي كامل بأن المسرح يحتاج بعض التغير ،في كل شيء من الكلمة الجديدة) .
     أراد (أنطوان) أن يجد شكلا مسرحيا مغايرا للسابق في كل مفاصل المسرح من النص إلى العرض لينشىء ثورة مسرحية فوضوية لها انطباعها وشكلها المهم في بلورة الفكر المسرحي ،ونرى ذلك من طريقته في التعامل مع كل أركان المسرح ليكون له انطباعه  مع العناصر المسرحية ليرى فيها مقومات وأسس مسرحية لها شكلها الفوضوي من خلال المغايرات الجديدة التي فرضها على عناصر العرض المسرحي .إن مسرح(أنطوان) الطبيعي يبحث عن الروح الجماعية للثورة الفوضوية للمسرح الجديد وذلك من الاتصال مع الأوساط المسرحية بشكل جماعي وبدون أي انقسامات بين الإفراد لينتج نسيج مسرحي مترابط مع كل الاختصاصات المسرحي بشكل متوافق بقدرات مسرحية لها انطباعها الفكري الفوضوي المتجددة لبلورة أفكار تنسف السابق بقدرات متطورة من تناسق الاختصاصات المتنوعة في تكوين واحد ومنسجم ليصبح (فكرة”المسرح الحر”المنبثق من “الجماعات الخلاقة” المتحدة، وهي الفكرة – التي مقابل المسرح المحترف والتجاري اليوم- تفرض مبادئ جمالية فوضوية جديدة…إن المسرح الحر هو شكل من الاحتفال الجماعي يستفيد من تعدد المواهب في مجموعة من الإفراد الذين يجمعهم”حب واحد للاحتفال”المسرحي) .
      وضع هذا المخرج أسسا جديدة للأخلاق المسرحية ضمن تحولات بنتاج فوضوي مناهض للسابق ، إلاَّ أنه اهتم بالمخرج المسرحي بوصفه القائد للمنظومة المسرحية مما جعله يطلق عليه (مسرح المخرج) فكان له الأثر الكبير في هذا المجال حتى توصل إلى (المخرج المفسر) ليضع صيغة مسرحية لفن الإخراج المسرحي.
     فتعامل مع كل عناصر العرض المسرحي لينتج شكلا فوضويا بطابع مغاير للسابق بشكل مسرحي، بحث (أنطوان) للممثل إن يكون شاملاً مع كل عناصر الفن المسرحي ، تاركاً الممثل البطل بعيداً عن الفردانية  باحثاً عن روح الجماعة والشمول بكل مفاصل المسرح أي يصبح الممثل ملما بكل العناصر الفنية والتقنية في دعم النص المسرحي بكل قدراته الفوضوية في تعامله بشكل فيزيقي  مع كل مفردات جسده المسرحية ليصبح مطاوعا ومرنا تحت رهن الإشارة المسرحية ،تعامل مع كل عناصر العرض المسرحي على مستوى الإضاءة فأراد أن تكون طبيعية كما في الحياة.
     اشتغل (أنطوان) على المنظر المسرحي متمرداً فوضويا من خلال التخلص من السابق ليشكل له صيغ جديدة لها انطباعها الجمالي والفلسفي متحررا من التراتبية المسرحية والفكرية لينتج شكل له انطباعه الفكري ليستطيع إيهام المتلقي بالمنظر المطروح بكل تراكيبه الفوضوية بجانب جمالي متجدد للصيغ والأفكار المنتجة للفكرة ،فهو كان يصر(على استخدام ألواح جديدة لكل إنتاج بحجة أنَّ الألواح القديمة قد تخرب عامل الإيهام ، وأصر على أن يكون تصميم المناظر لكي تكون بيئة تختلف من مسرحية إلى أخرى،وان تكون قريبة الشبه بالحياة)  .
     أراد أن يجمع كل عناصر العرض المسرحي بجانبها التشكيل لتصبح هي ثورة فوضوية تستطيع أن تصل رسالتها الفكرية بتتابع الإحداث المسرحية وفق المنظومة المسرحية المتواشجة لعناصر التشكيل المسرحي بارتباط فكري وجمالي.
2-جوليان بيك(Julia beck): وهو من المخرجين الذين أسسوا بمساعدة زوجته مالينا (malina) مسرحا ومن ثم شكلوا فرقة الليفنغ ثياتر (livin theatre) ، فاعتبر المسرح هو لغة لها طابعه المتجدد للوصول بالمتلقي للمشاركة المباشرة  للحركة ليصل إلى لغة الحركة الثورية ويتحقق من الجذور من حيث الأحاسيس والمشاعر بما يفرضه للمسرح من عمل أساسي . إن المنهجية التي اتبعها (بيك ) كان يريد أن ينتج شكل مسرح متجدد يختلف عن الآخرين تحت شعار الفوضوية بما يفرضه من انطباعات وتجديدات في الاشتغال وفي التعامل مع المتلقي ودائماً يبحث عن مسرح مفتوح ومتنقل من مكان لأخر بمعطيات لاتحمل التحديد بل تنطلق إلى فضائات وأمكنة أخرى ، كل ذلك يجري من خلال بناء علاقة بين المسرح والفرد وكذلك المسرح والسياسة لتثوير المتلقي للوصول به إلى بلورة الأفكار وتحقيقها عبر وسائل المسرح المتنوعة بمايفرضه من تعابير متغيرة الاشكال(استطاع”ليفنغ ثياتر” أن يقدم إلى المجتمع شكل لا بديله للحياة الجمعية ، متأسسة على المبادئ الفوضوية والإباحية المشتركة ، والسلمية ، والحرية الفردية ، والاتحاد ، مبرهنا على أنَّ مثل هذا قابل للتحقيق في هذا المعنى، وان جوليان بيك تحدث عن مسرح “العربة “الثوري ، الذي هو عبادة العالم شخص مليء بالمضادة والمعاكسة للقيم المعروفة اجتماعياً ) .
    واستطاع أن يجد معادلا بين الواقع الذي يعيشه الإنسان في المجتمع وبين المسرح ليصل لإبعاد تمكنه من بلورة الفكر فوضوياً بأبعاده النفسية والفلسفية والاجتماعية لتحقيق الجانب الاقناعي للفرد ليستطيع إن يتخلص من كل العادات التي يمارسها لينتقل بمرحلة جديدة وينبغي أن تْصبح له الرغبة في تحقيق ذلك وفق الإرادة والدافع الفوضوي لتحقيقها عبر وسائله المسرحية المتعددة والمتغيرة ، ليكون حاكم على الحياة الاجتماعية فتغيرها بشكل أفضل وأوسع ضمن الاشتغال المسرحي والروحي والحركي بعيداً عن الجاهزية المسرحية لنصل إلى أفضل النتائج.
      إن المسرح هنا يقدم خدماته للناس لكي يكون حافزا كبيرا لهم ليشكل ثورة تستطيع أن تغير واقعهم المعاش فيتحول إلى واقع آخر مغاير لتحقيق طموحات الناس وأهدافهم وأفكارهم لينتقلوا بحياتهم من شكل إلى أخر بما تطمح إليه روياهم للحياة من قدرات وأفكار مسرحية لها طابعها الفكري والفوضوي لينتج شكلا مسرحيا أخر فنرى ذلك مجسد بشكل فعلي فوضوي ليصل إلى الإبداع الجمالي من الاشتراكات بين جميع الناس ولا يبحث عن الانفصال ، المسرح يصبح هو الرافد الحقيقي لذلك بعيدا عن الفردانية  باحثا عن روح الجماعة لتكون حركة المجتمع بشكل مباشر مدعوما بالمسرح للوصول إلى حرية الناس في تحقيق المطالب التي يبتغون الوصول إليها فتنتج عن ذلك ملاحظات عن الفوضى والمسرح تكمن (هدف المسرح هو خدمة احتياجات أنفسهم يحتاج الناس ثورة لتغيير العالم والحياة ذاتها لأنَّ الطريقة التي نحيا بها فيها الكثير من الألم وعدم الرضا في الحقيقة  الحياة مؤلمة للكثير من الناس لكل منا هذه فترة طارئة لذلك يشكل ونحرر أنفسنا جميعا ‘هذا ما تغذيه الفوضى في زماننا‘مسرح الفوضى هو مسرح الفعل) .
   بذلك ينبغي أن يكون المسرح قريبا جدا من الناس ليحقق أهدافه الفوضوية من سياقاته التكوينية في رفد الثورة المسرحية التي تتجسد من الانجازات المتنوعة والمتغيرة في رفد العرض المسرحي وما يطمح إليه المخرج من توافق وانتاجات فوضوية تسهم في بلورة الفكر الإخراجي الفوضوي بسلسلة تراتبية  للأحداث النصية والفكرية لبناء العرض معتمدا أولا على الفوضى ومن ثم على الفعل لتحقيق أفضل النتائج المسرحية معتمدا الوعي الإنساني للوصول إلى التحرر من كل القيود بعيدا عن العنف . 
      أصبح المسرح متغيرا في منظومته الفكرية والإخراجية نحو تحقيق أهدافه للوصول إلى الفوضوية المسرحية وطريقة تركيبها وبنائها في العرض المسرحي بما يفرضه من انطباعات تعيد تركيبة المجتمع ليعطي تصورا وفكرا آخر نحو تحقيق إبعاد لها شكلها وسياقها التنظيمي في بناء العرض المسرحي الذي يتشكل من الثورة المسرحية ، ليكون المجتمع ضمن الاختبار ولكن بما تملأ عليه من أفكار لها شكلها  ومغامرتها الجمالية لتصل إلى مرحلة الغرابة في كل المنظومة الفنية وما تعرضه من سياقات تجسيدية ليصبح هنالك سياق في العدوان الثقافي والسياسي في آن واحد  مما يفرضه (living) (وهذا”المسرح الصدفوي”مع جوليان بك، الإبداع الاجتماعي ،فيحتفظ المسرح بطابع عيد ، يتحول فوراً إلى عيد الثورة كما وصفه باكونين في مذكراته “مجتمع اختباري ” نموذج لاعادة بناء المجتمع بشكل فوضوي . وما أعطى “living theatre”قيمة نموذجية وطموحاته الحيوية في تحركاته ، وملاحقته لثلاث ظواهر متوازية التحرك : الثورة عن طريق الفن ، وعن طريق الحركة المباشرة السياسية ، وعن طريق الفوضوية كتجربة معيشة) .
     بناء النشاط الإبداعي للعرض المسرحي لا ينفصل عن المستقبل ليكون المسرح من ضمن النشاط الحياتي للمجتمع لتحقيق الفوضى الموجودة من ذلك، إن المسرح في ديمومة مستمرة ويبقى في جانب التحضير المستمرمن دون توقف لينقل من لحظة  إلى أخرى للوصول الى اللحظة المسرحية وان جميع التجارب المسرحية تغير في إدراكنا وتحولنا من حالة إلى أخرى بحسب ما تقتضيه اللحظة المجسدة، إذ يكون الممثل له طابعة الحركي في تجسيد الواقع.
     إن العروض الفوضوية تهتم في المساحات المفتوحة لتصل إلى درجة الحد الفاصل بين العرض والمتلقي ليكون الممثل والمتلقي هما الأساس المهم في وضع المسرحية لينشأ كرنفال للفوضوية وأبعادها المتشكلة،إن المشتركات بين المتلقي والممثل مهمة في بناء العروض الفوضوية وما تحققه من أشكال ومفاهيم جديدة في تغير المجتمع وسوف نتطرق الى سبعة أسس قيمة في المسرح المعاصر :
• في الشارع : خارج الحدود الثقافية والاقتصادية للمسرح المؤسس.
• الحرية : العروض التي تقدم لطبقة العمال والطبقة العاملة والفقراء وأكثر الفقراء فقراً دون تذاكر لدخول للمسرح .
• المشاركة المفتوحة : اختراق وتوحد : إبداع جمعي .
• إبداع تلقائي : ارتجال : حرية .
• الحياة الجسدية .
• التغير : زيادة الإدراك الوعي : ثورة دائمة : ايدليوجية غير ثابتة (مرنة وحرة)
• الأداء كموقف يأخذه الممثل تجاه الحياة .
4- ريشارد فاغنر (Wagner Richard ) 1813-1883: إن اهتمامه في الدراما الموسيقية أسهمت في تكوين أبعاد مهمة  مما أفرزته شخصيته ليبني لها انساق فوضوية ثورية ذات انطباعات  لها تكوينها وإشكالها في رفد بناء الإنسان وذلك من حيث مزجه مع عدة فنون في بؤرة واحدة وفق الأشكال الفردية ليعكسها في شكل واحد ومتناسق باشتغالاته التي يتطلب أن ينسجها بفكره الفوضوي ليكون له منهج مهم في بلورة انطباعاته الفكرية ،ليصبح(فاغنر) مرجعاً مهماً للفوضويين وذلك بما بطرحه في منهجه ليستفيد منها الآخرون في أعمالهم الفنية، كانت بداياته في القرن الماضي حيث بدأ (فاغنر فوضوياً ، ورائداً ممهداً للثورة الفوضوية في الفنون .فكان الفوضويون أول من روج الفكر الفاغري…..  إنما يركز على الأثر الفرد الذي ينتجه هذا الفرد. من هنا إن فوضويته تتخذ طريق الارتكاز مع إن الحمية الثورة لدى فاغنر ، هي من المبادئ الفوضوية .ائتلف فاغنر مع  أفكار برودون وأخذ منه ومن با كونين) 
    طبيعة اللغة التي استخدمها لها انطباعها الإبداعي لتكوين شكلاًً موسيقياً جديداً لم يكن متداولا في تلك الفترة مما نتج من نظام فوضوي وذلك من التخلي عن التسلسل المنطقي للتأليفات النغمية وفق ما يفرضه من منطقية ليشكل لمنهجية فوضوية مغايرة للسابق منتجا انتقالات في المقامات على مستوى السرعة  والمرونة.
     عدَّ الفن  بمنزلة فن شامل من اشتراكات تستطيع أن تجمعها في بؤرة واحدة ليكون لها صياغتها الفوضوية وما تفرضه من عناصر التكوين والتأليف و الإنتاج في شكل واحد تستطيع أن تدمج عناصر فن الدراما الموسيقية في فكرة فوضوية واحدة تحمل في داخلها الطابع الثوري بانسجام وتناسق عناصر عديدة منها (الموسيقى ، الشعر، الدراما، الرقص، التمثيل…) كلها تشكل نسيجاً يجمع كل الانطباعات والمناهج المهمة في بلورة الفكر الإخراجي الفوضوي ليكون له شكل في التعامل مع العناصر بشكل فوضوي فلا (يمكن أن تغدو الأوبرا فناً صحيحاً إلا باستخدام كل الوسائل الممكنة لإذكاء الخيال ، ومعنى ذلك أنْ تتحول الأوبرا إلى الدراما: أي تصبح فناً جامعاً شاملاً ، ينطوي على الشعر والموسيقى والتمثيل والفن التصويري المسرحي معاً في مركب واحد.) 
إن الطابع الثوري الفوضوي الذي يسعى له(فاغنر) انعكس على عناصر العرض وما يتمتع به فكره في التعامل مع المفردات الفنية ليمارس الدكتاتورية في  فرض أشكال جديدة مغايرة للسابق من تعامل مع(الصالة والمناظر و…) لتكون شكل فوضوي له تشكيلاته وأنساقه الفنية في فرض صيغ ذات طابع منهجي جديد ومغاير.إن (فاغنر) كانت له مرجعيات أسهمت في انطلاقاته الفوضوية من حيث المسرح اليوناني ليشكل له بعدا مهما أخر لينتج له فن مستقبلي معتمد على المجموعة لا الإفراد من تمازج الفنون للوصول إلى الكمال إذ تعد هي الثورة الحقيقية بمسيرته نحو المجهول ليقوم في إعادة الخلق للسابق بشكل فوضوي مغاير ، واستفاد من الآخر في بناء انطباعاتها الإخراجية والفنية لينتج إحساس فوضوي جديد مرتبط بالمستقبل وقد كانت روح (فاغنر)الثورية المعارضة ، وقدرته على استيعاب الاخرين والتأثير فيهم قد مهدت السبل الى حرفهم عن التقاليد والاستسلام للخطاب الديني الصامت ورسخ ذلك قناعة (فاغنر) بأن الدراما هي السبيل لذلك .         
                                  ما أسفر عنه الإطار النظري
• يعد (وليم غودون)  الفوضوية غريبة  فانحسر عن الواقع الثوري باحثاً عن صور متشابهة من الحياة ، ومن ذلك وصوله إلى المنطق من خلال مخاطبة العقل لتحقيق الفردية العقلانية.
• أراد(ماكس شترنز) أن يوضح الصراع ضد الاستلاب ليستطيع الوصول إلى القوى الفردية (الفردية الفوضوية) المنتجة من الإنسان المثالي الذي ينتج فيه كل الصفات للبحث عن الحقوق الفردية التي تتمثل بتركه الفرد على المجتمع.
• عد ( بيار جوزف برودون ) الفوضى من العناصر المهمة والفعالة لتصبح ذات شكل ايجابي على أساس أن (الفوضوية الايجابية) من وسائل التعبير المجتمعي.
• رأى (ميشيل باكونين )  إن الحياة الجماعية المتشكلة من المساواة هي النظام الوحيد الذي يقام حول النظام الاجتماعي لتكوين فوضوية للناس.
• إن(اندريه أنطوان)|يبحث عن الروح الجماعية للثورة الفوضوية في المسرح من دون أنْ تظهر أية انقسامات بين الأفراد ليحقق تغيرا شاملاً للمسرح فينتج عن ذلك التحرر من القيود والتقاليد ليكون المخرج هو (القائد أم المفسر) مشكلاً المسرح الحر باحتفال  جماعي فوضوي ثوري.
• يعد(جوليان بك) من الذين أرادوا تثوير الملقين من خلال رسم أفكارهم ليشكل معادلا بين الواقع الإنساني للمجتمع وبين المسرح لبلورة الفكر الفوضوي وما ينتجه من أبعاد نفسية وفلسفية واجتماعية لتحقيق الجانب الاقناعي للفرد ليتخلص من العادات والتقاليد ، بعيد ا عن العنف ليحرر الناس جميعاً ،فهو يرى المسرح الفوضوي هو مسرح الفعل من خلال بناء المجتمع بشكل فوضوي.
• يعد(ريتشارد فاغنر) من الفنانين الذين مهدوا للثورة الفوضوية في جميع الفنون إذ ترك أثرا على الفرد من خلال المنطق الفوضوي ، أراد أن يشكل نظرية مستقبلية ذات طابع ثوري ليعده بعد ذلك فناً جامعاً شاملاً.
الفصل الثالث/إجراءات البحث
    يهتم هذا الفصل في الإجراءات التي اتبعها الباحث لتحقيق الهدف الذي ابتغاه ‘ ومن ذلك  يمكن ستعرض الإجراءات البحثية في الآتي: 
1-مجتمع البحث : إن مجتمع البحث وطريقة تحديده تعتمد على العروض المسرحية التي يتحدد فيها (مفهوم الفوضوية وتطبيقاتها في العرض المسرحي العراقي) ، فان الباحث قام بإجراء استطلاع على العروض المسرحية وما يتطابق مع مشكلة وهدف البحث ، فتكون المجتمع من عروض كلية الفنون الجميلة ببابل (المهرجان المسرحي العراقي الأول) للمدة 11 – 14 ايار وكما مبين في الجدول الآتي :
ت اسم المسرحية المؤلف أو المعد المخرج السنة
1 ما يحتاجه العالم عباس رهك مرتضى هيثم 2009
2 السلام وأحلام العصافير لمى فؤاد لمى فؤاد 2009
3 أما – أو عبد الكريم السوداني سامي الحصناوي 2009
4 هوميروس في زمن العولمة جميل حمداوي سيف الدين الحمداني 2009
5 جب آت، جب آت ثائر هادي جبارة ثائر هادي جبارة 2009
6 ها… جرير عبد الله جرير عبد الله 2009
7 تداعيات البرتقال ناهض الخياط رحيم هادي 2009
8 سوناتا الهشيم حازم عبد المجيد حازم عبد المجيد 2009
9 مسرحيتان في عرض واحد صادق مرزوق وفاضل سالم صادق مرزوق 2009
10 حائط ذو الفقار خضير سعد علي 2009
11 غواية في ليلة ايلة للفجر رشا فاضل حسين كاظم العسكري 2009
2-عينة البحث :
ت عنوان المسرحية التأليف إخراج مكان العرض السنة
1 إما – أو عبد الكريم السوداني سامي ألحسناوي جامعة بابل 2009
تم أختيار عينة البحث قصديا على وفق ما يتوافق مع هدف البحث منطلقا من الأسباب الآتية :
• تطابق المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري مع العينة المختارة لتكون أكثر فعالية من غيرها لتكون معياراً حقيقياً للتحليل.
• توفر الأقراص الليزرية ليستطيع الباحث من التمعن في  العينة.
• إن الدقة التي استخدمها الباحث في اختيار العينة أسهمت في التوصل الى بعض مفاصل الفوضوية وكيف تشكلت في تلك العروض.
• مشاهدة الباحث للعينة.
• المقابلات الشخصية مع كادر المسرحية.
3- اداة البحث : إراد الباحث بناء استمارة بحثه على وفق (استمارة استبيان )• التي تتكون من مؤشرات الإطار النظري وذلك لتوضيح بعض الأسس والمفاهيم التي تبحث في مفهوم الفوضوية التي تنعكس على العرض المسرح.
4- منهج البحث: إن المنهج الوصفي (التحليلي)،هي المنهجية التي اعتمدها الباحث في بحثه لمفهوم الفوضوية وما أنتجته على العرض المسرحي من تطبيقات ، وما تتركه الفوضوية من اثر فني وفلسفي في العرض المسرحي ، وان الباحث اتخذ من (دراسة الحالة ) هي الطريقة في التحليل.
5-صدق الأداة : إن الصدق لأداة البحث تكون أداة للقياس المبنية من خلال الفقرات الخاصة لذلك ، ومن أهم الشروط للأداة هو الصدق، لذا وجد الباحث عرض فقرات الأداة على لجنة من الخبراء والمؤلفة من (خمسة خبراء)• لتحقيق صلاحيتها للوصول إلى مفهوم الفوضوية وما وصلت إليه من تطبيق في العرض المسرحي ، وان اطلاع السادة الخبراء على الأداة وإجراء بعض التعديلات التي اقترحوها أدى إلى اكتساب استمارة الاستبيان صدقها الظاهر مما تحويه من فقرات .
مسرحية إما – أو
تأليف / عبد الكريم السوداني                                 اخراج / سامي الحسناوي
ملخص العرض :هناك شخص مختطف من قبل أشخاص في مكان ما، لا تُعرف أية تفاصيل عنه على مستوى ( الزمان والمكان) ويروي وهو تحت الاعتقال أنَّ هناك بعض الأشخاص الذين اختطفوه على نفس المنهج ومنهم شخصية(جبار الحسون)وهو شخصية سيئة ولها انطباعها غير المقبول للناس فيقوم بمقارنته بنفسه وان أهل جبار قاموا بمراسيم( المأتم ) حتى وصلوا إلى اليوم الثالث ليسمعوا أطلاقات نارية ، فتصبح حوارات بين( أب وابنه) أنَّ جبار على قيد الحياة وبعد فترة يدخل جبار إلى فاتحته وبقراءة  الفاتحة على نفسه ليروي لنا الإحداث والمشاكل التي يعاني منها العراقيون( بطالة ، قتل ،الخوف ، الإرهاب ، الجثث المجهولة…) فيتذكر أهله ويخاف من استفزاز الخاطفين وهم لا يمتلكون إلا المنزل ، يحاول أن يْهرب من المكان فلم يستطع تحقيق ذلك ، يتذكر أيام زواجه وخاصة  في زفة العرس باطلاقات نارية مستمرة ليصل به الحال إلى انه (عقيم) ، بعدها يصف العراق الأخضر وما فيه من مناطق جميلة وممتعة ، يصور لنا عائلة (أبو يعقوب) وهي عائلة مسيحية فلا يعرف ذلك إلا بعدما كبر وخطفوا ابنه وعلى الرغم من دفعهم الفدية قام الخاطفون بقتله ، ليناشد الأخريين بأصوات عالية لإنقاذه من هذا المكان ، وفي النهاية يبدأ مخاطبة ( إما – أو ) ليصل إلى معادل موضوعي بينهما لتنتهي المسرحية بموته . 
فضاء العرض: إن المخرج رسم العرض من اختياره لمكان يحتوي على فرضويات الإشكال والأدوات غير المنتظمة باحتوائه على دهاليز وممرات متغيرة وهو (قاعة التبريد) فشكل المكان نقطة انطلاقة العرض بما فرضه من أبعاد وانساق ساهمت في رفد العرض الفوضوي بما كونه من اطر سينواغرافية لها طابعها التشكيلي ضمن الأنابيب المتنوعة الحجوم والإشكال لتكون حافزاً للمتلقي في اندهاش للمكان المختار وما يحتويه من عناصر وأغراض التبريد من (الشكل واللون والمساحة) في صياغة مكان العرض لتشكل خلفية مكانية متجددة لفوضى العرض.
تحليل العرض :  إن المخرج قبل بداية العرض لم يسمح بدخول المشاهدين إلى القاعة لتحفيزهم للمشاركة وذلك بإعطاء كل متلق صحيفة ليكون مشاركا في العرض منذ البداية فيشكل جزءا مهما من قراءة الصحيفة أولا مكان لجلوسه من حيث التمرد على كل الصيغ والإخبار التي وردت في تلك الصحف وان الممثلين يطلبون من المشاهدين الجلوس في أماكن محددة من القاعة على (علبة من الصفيح) ولكن يضعون فوقها الصحيفة إذا ارادوا ، ليكون المتلقي مشاركا وفعالا حتى يصل  لمكان الجلوس المخصص بشكل عشوائي فوضوي في مستوى الجلوس.
     يبدأ العرض بجلوس الممثل في حالة من التألم من الجرذان وأصواتها المقيتة وفي نفس اللحظة تقوم مجموعة من الممثلين في الانتقال بشكل فوضوي من مكان إلى آخر بحركات فوضوية متغايرة السرعة والحالات والمستويات وهو مستمر في ترديد حواره (جرذان جرذان…)تتخللها إضاءة حمراء وزرقاء متغيرة من مكان إلى آخر ، ينتقل الممثل إلى مكان أخر في اليمين تتخلله إضاءة زرقاء ليقوم في التمعن في المكان بعدها تدعمه إضاءة فيضية ليلتمس عباءة لامرأة ثم يرى دمية صغيرة في الأرض ليرجع إلى مكانه السابق مخاطباً نفسه (ياترى أين انا الان وكم هو الوقت…) يريد أن يوصل للمشاهد أنه رجل مخطوف من بعض الأشخاص في مكان مهجور ولا يعرف مصيره ومكانه وفي إي وقت ، إلاَّ أنه يريد التحرر من كل القيود التي فرضت عليه من قبل المجتمع وأهله إلاَّ أنه يتعاطف معهم ومن ذلك فانه كان قريبا من(ماكس شترنز) أن يوضح الصراع ضد الاستلاب ليستطيع الوصول إلى القوى الفردية (الفردانية الفوضوية ) المنتجة من الإنسان المثالي الذي تجتمع فيه كل الصفات للبحث عن الحقوق الفردية لما يتركه الفرد على المجتمع.
     بدأ يخاطب نفسه لتوضيح الشخصية المسالمة التي لها أبعادها المهمة في المجتمع ليقارنها بشخصية (جبار الحسون ) الشخصية المؤذية وهو مندهش ، كيف لم يخبروه بأنة مؤذ ، إن فكره مشغول بأهله وما هم فيه من القلق عليه ، ومن خلال أدائه التمثيلي حاول استقطاب مشاعر وأحاسيس المتلقي ومايمتلكه من خبرة تمثيلية حول سحب الجمهور له عن طريق الإلقاء وطريقته النغمية  الواقعية لتحقيق اكبر قدر من الاستجابة الفنية والتفاعل التلقائي مدعوم بحركات وتكوينات لها تناسق السينوغرافي مع المكان، بعدها قام بوصف حالة (جبار الحسون) حول اختطافه وقتله ليروي لنا حالة جلب الجنازة ودفنها ومراسيم الفاتحة بكل تفاصيلها الدقيقة (القهوجي ، دفن الجثة…)معتمدا على الأداء الواقعي للشخصية إلاّ أنه اعتمد  مخاطبة الجمهور بشكل مباشر لا تكلف في الأداء ، إن الموت قد تفشى وانتشر بشكل واسع بحيث لا يمكن الحصول على (قهوجي) بسبب ما فرض على المواطن العراقي من إشكاليات ، بعدها يحول أداءه التمثيلي باللهجة العامية ليكون قريبا من المتلقي معززاً ذلك بحركة قريبة منهم بشكل مباشر يقول ( اللهم صل على محمد وال محمد )ليقوم الجمهور بترديدها بعده لينتج عن ذلك انسجام وتوافق بين الممثل والمتلقي في كسر الجدار الرابع فيهدم الفجوة التي بينهما.بعدهما ينتقل ليضيف النساء الى الحدث أثناء (المأتم) وهو يرتدي العباءة النسائية على رأسه ليقوم بتقليد النساء في طرحهم حول مقتل (جبار الحسون) بشخصية كوميدية لها انطباعها المؤثر في رفد وتغير حالته من المأساوية إلى الكوميدية ليتفاعل الجمهور ب(الضحك) ، إن تقليده لشخصيتين نسائيتين يحتاج  أنْ يأخذ أصواتا وأمكنة مختلفة من خلال تغير المكان المدعوم بالحركة وكذلك الأداء الحقيقي الذي يرتقي بالشخصية النسائية ضمن جذب الجمهور إليه ليصل إلى درجة عالية من التفاعل والاستجابة للجمهور حتى يوضح مقتل (جبار الحسون) وحرقه ليترك العباءة بعدها.
     أما اليوم الثالث من (المأتم) فيصف لنا الممثل وجبة العشاء الفاخرة بعدها تتعالى أصوات رصاص عالية قرب (المأتم) حتى يتحدث احدهم بقوله( جبار الحسون عمي ما مات) ليقوم بحركات  فوضوية وانتقاله من مكان إلى آخر معتمدا على فرديته في الانتقال ليستقر في خلف المسرح مدعوم بإضاءة وموسيقى صافية في تغير على مستوى الألوان والأصوات والحركات للشخصيات المسرحية المتنقلة من مساحة إلى أخرى.
     إن التحول للأداء التمثيلي لشخصيات (الأب والابن) للاستفسار عن القتيل هل أنه مات أم موجود ليصلوا إلى درجة من الفوضوية الفردية الانتقالية في التكلم لأن الشخصية المونودرامية أخذت أكثر من شخصية على مستوى(الأب أو الابن) فيرجع إلى الأسلوب السابق في استخدام المكان لأخذ أكثر من شخصية ، معتمدا الأسلوب والأداء للشخصية على الواقعية التي يتحلى بها الإنسان العراقي ، ينتقل إلى عمق المسرح آخذا (عقال مع كفيه) فيرتديهما فيأخذ شخصية (جبار الحسون) ليصف لنا كيف دخل في عزائه وهو يقرأ سورة الفاتحة على نفسه ، ضمن أداء طبعي للشخصية بجلوسه على ماكنة للتبريد ليوحي لنا أنه كرسي (المأتم) ناظراً إلى اليمين والى اليسار ، قائلاً (شنو تغير في حياتكم ،راح الخوف بداخلكم ، اصافيتو، حليتو مشكلة البطالة بالعراق ،قضيتم على الخوف بداخلكم …) فهو يريد أن يوصل معنى أنَّ الفوضى هي التي تعم ولا يوجد حلول لكل المشاكل التي يعاني منها المواطن ، اقترب من المخرج (جوليان بينك) حيث أراد تثوير المتلقي من خلال رسم أفكارهم ليشكل معادلا بين الواقع الإنساني للمجتمع المسرح لبلورة الفكر الفوضوي  مما ينتجه من أبعاد نفسية  وفلسفية واجتماعية لتحقيق الجانب الاقناعي للفرد ليتخلص من العادات والتقاليد بعيداً عن العنف ليحرر الناس جميعاً فيعتبر المسرح الفوضوي هو مسرح الفعل من خلال بناء المجتمع بشكل فوضوي ، إن الأداء التمثيلي لشخصية( جبار الحسون)ساهمت بإعطاء دلالات وأصوات لها قدرتها التمثيلية في رفد الشخصية مما انعكس على التعامل مع الإيماءات لتصبح الشخصية أكثر تأثيرا ليكون انتشار اكبر على المجتمع و قدرة كبيرة في رفد الإبعاد المهمة لشكل وسياق المواطن وما يعانيه من مشاكل اجتماعية وإنسانية وما هي التغيرات التي طرأت عليهم ليصلوا إلى نتائج أخرى.
     بدأ يحرض المتلقين على القيام بفوضى أخرى جماعية في تحديد مصيرهم من شكلها الحالي إلى شكل مستقبلي آخر في تغير ظروفهم الاجتماعية التي يعانون منها في الوقت الحالي، ينبغي أن يْكون للفرد إنسانية  حتى ولو أخطأ فجميع الناس يخطئون ولهم مشاكلهم وسلوكهم الخاص على المستوى الايجابي أم على المستوى السلبي فيقوم الممثل بمخاطبة المتلقين بشكل مباشر مدعوم بحركة واقعية بسيطة من مسافة إلى أخرى محددة بالخط الفاصل بين المتلقين والممثل ليكون أكثر تأثيراً فيصف الحالات التي باتت مهمة ومنها (الجثث المجهول الهوية).
     إن تعامل الممثل مع الملبس في تغيير الشخصية ممهداً له الانتقال إلى شخصية أخرى فقام بنزع العقال ليبدأ الرجوع إلى نفسه في تذكار الأهل ويخاف على أهله إن يعطوه نقودا ليقوم الخاطفون بقتلة، إن الأداء التمثيلي بدأ في الشكل البسيط ليحقق تعاطفاً أكثر من قبل الجمهور معه للوصول الى أكثر استجابة لهم ، بعدها يقوم في البحث عن وسيلة للهرب من الجحيم بحركة بانتقال إلى خلف المسرح ويساره لمستويات متعددة في فوضوية متصاعدة للحركة تدعمها موسيقى وإضاءة متغيرة صاخبة في التصاعد الفني والأدائي للممثل ليصل إلى مستوى عال، بعدها تعضه الجرذان في انتقالات وحركات فوضوية من مكان إلى آخر في تشكيلات وتكوينات متصاعدة ليصبح العرض في ضجيج تصاعدية للأداء التمثيلي والحركي،هنا اقترب من (بياجوزيف برودون) الذي يَعَّدُّ الفوضى من العناصر المهمة والفعالة ليصبح لها شكل إيجابي باعتبار (الفوضوية الايجابية) من الوسائل المهمة لتغير المجتمع ، يخاطب نفسه في ابتعاده عن أهله فترة طويلة وان أهله لا يمتلكون المنزل،يتحول أداء التمثيل مخاطبا احد الأنابيب الكبيرة ليصف بأنه سخان كان يستخدمه في أيام زواجه وما تركه من ذكريات أليمة وخاصته  في زفة عرسه فكان هنالك أطلاقات نارية متغيرة الأصوات ليدخل المجموعة بحركة فوضوية وانتقالات متنوعة الأطوار والإشكال على مستوى المؤثرات السمعية و البصرية المدعومة بحركات وانتقالات متغيرة وان العريس يحمل (مفكا) يستخدمه في مواجهة خصومه والدفاع عن النفس مغيرا في الإضاءة والمؤثرات الصوتية المتسلسلة للفوضى العارمة  في العرض مع دخول المجاميع المصحوبة بتغير الإضاءة وتنوع الألوان (الأحمر ،الأزرق ،الأبيض) لينتج تغيراً شاملاً للإضاءة والموسيقى لتصل إلى قمة الفوضى في كل عناصر العرض المسرحي على مستوى (الحركة ،الإضاءة، الموسيقى) فاقترب هنا من (اندريه أنطوان) من بحثه عن الروح الجماعية من الثورة الفوضوية في المسرح دون إن تظهر إية انقسامات بين الإفراد ليحقق تغيراً شاملاً للمسرح ناتجا عن ذلك التحرر من القيود والتقاليد ليكون المخرج هو (القائد والمفسر) مشكلاً المسرح الحر باحتفال جماعي فوضوي ثوري ، لتنتهي المعركة في مخابرته ب(بسطال الجيش) ، لينتقل إلى موسيقى تراقب  فيقول (رجولتي ، لقد خاب أملي ، لأن لم اطارحها الغرام ، التي تركتها على الساتر).
     ينتقل المتلقي من مشهد إلى آخر بقوله (اين ذلك هو البلد ، أين ذلك النهر ، أين ذلك البساط الأخضر…) يصور كيف كان المجتمع متحابا في البساط الأخضر بين جميع الناس في ألق متأتية من تعانق الناس بعضهم مع بعض ، حتى أنه يحن إلى مناطق بغداد واحدة تلو الأخرى في ترابط وطني له طابعه المهم ، لينقل في تذكر (السيارات المفخخة ، البنات…) ، فالبنات اللاتي يبحثن عن الحرية أصبحن رمزا للخلاص.
     يتذكر بعدها عائلة (أبو يعقوب) فلا يعرف أنها عائلة مسيحية إلاَّ بعد أن كْبر فخطفو ابنه وساوموه بدفع الفدية فدفعها بعد ما باع كل شي فقتلوا ابنه ، أن هذه الأفكار المتسلسلة ساهمت في تنمية الأداء التمثيلي المدعوم بعناصر العرض المسرحي معتمدا على المكان وما شكله من خلفية سينوغرافية لها سياقها الشكلي لتطوير الإحداث ليصل إلى قمة الاستجابة من قبل المتلقي والتفاعل من حيث التحقيق لعدة مرات ، استطاع إنْ يصل إلى قمة الأداء التمثيلي لإيصال المشاعر إلى المتلقي بقولة(إما – أو)، مخافة على نفسه أن يكون مصيره مثل (يعقوب).
     بعدها يقوم بثورة ضد الظلم ليقوم بحركات فوضوية من مكان إلى آخر حاملاً بيده (قطعة حديد) يناشد الآخرين إن ينقذوه لأنه مخطوف فيقوم بضرب الأنابيب وفق مناشدات مستمرة بين الحين والأخر، فيهاجمه الجرذان ليضعوه في عربة وينقلونه من مكان إلى أخر بحركة دائرية، ينقلنا إلى مشهد أخر لحادث الشخصية (سعيد) وهو مختطف (إما – أو) يستدرج المتلقين على من يطلق النار على أخته ،اختلفت الإجابات بين المتلقين :
     بدأ يستدرج المتلقين في الاختيار (إما) بقوله (الاختيار في المأكل والمشرب ،الموت و الموت أو القتل أو القتل أو إما  أو) إما (أن تترك مدينتك ، أن تترك زوجتك ،أن تترك طائفتك ) أو (ليقوم بسحب سلسله مخاطباً إياها بأنها( أو )إن الأرض بحاجة الينا ، أصبح الاختيار صعبا جداً بين ( إما – أو)،بعدها تظهر الجرذان في حركات متتالية فيقوم بارتداء عباءة ويطلق بعض الكرات إلى الجمهور ثم يموت.
النتائج
• عمد مخرج مسرحية (إما  – أو) الى تشكيل الفوضوية الفردية، من خلال الأداء المتعدد لشخصيات المسرحية ومن الأداء التمثيلي الداخلي الذي انعكس على الأداء الخارجي بواقعية وبساطة في الأداء لا فيه تكلف ولا مبالغة.
• إن مخرج ومصممي مسرحية (إما  – أو) قد انطلقوا من الفوضوية في النص المسرحي وما يحويه من أفكار لتساهم في رفد الفوضى المجسدة لتكون له خلفية في النشاط الإبداعي والفني.
• اعتمد المخرج على إكسسوارات بسيطة متداولة في الحياة التي يعيشها الناس إلا انه استخدم في مشهد الحرب (مفك) بشكل بندقية فكانت لها أبعاد كبيرة على واقعية العرض ولكن أراد أن يوصل للمتلقي أنَّ الشباب (إما للقتال أو بدون عمل).
• إن المكان الذي اختاره المخرج يحمل عدة تصورات وأفكارا فوضوية للانطباعات والإشكاليات لتقوم في فرض مشاهد لمجموعة من الممثلين في حركات لها مستويات مختلفة من مكان إلى أخر لشغل الفضاء المسرحي وانطباعه الفوضوي المتعاشق مع فكرة النص المسرحي .
• شكل الديكور أبعادا ذات دلالات متعددة مرتبطة بالواقع وما تحويه من أجهزة (تبريد) لتعطي انطباعا في الاعتقال والخطف الذي تحرض عليه ، إمَّا الموسيقى والإضاءة فكانت منساقة ومنسجمة مع فوضى العرض وما تحمله من دلالات وانساق منطلقة من اللون (الأحمر و الأزرق و الأصفر) الذي انعكس على المكان لما يحويه من عاكس(سلفون ابيض). 
الاستنتاجات
         اعتمد المخرج على الممثل الرئيس وفق تناسق في بناء الحركة وما تنتج من تواصل مع المتلقي لينتج فوضى تأتي بين الحين والأخر.
• استطاعت الموسيقى والإضاءة أن تدعم الفوضوية لتعطيها بعداً واقعياً قريباً من المتلقي.
• كسر الجدار الرابع ساهم في تثوير المتلقي ليعطي شكلا فوضويا ليغير من افكاره وتناسقه مع الغرض.
• ساهم المكان في إعطاء فوضى عارمة على بنائية العرض لما قيد الممثلين والانتقال من مساحة إلى أخرى وفق تعدد المستويات.
                               التوصيات
1- التركيز على ظاهرة الفوضى وما تعكسه على العرض المسرحي.
2-البحث عن المخرجين العراقيين الذين تعاملوا مع هكذا عروض.
المقترحات
• دراسة موضوع (بناء الفوضوية في أداء الممثل العراقي)
• دراسة موضوع (تشكيل العناصر السينوغرافية للفوضى في العرض المسرحي)

الهوامش :

1-كميل الحاج . الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي . ط1 (بيروت : مكتبة لبنان ناشرون ،2000) ص404.
2- جلال الدين سعيد .معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية .(تونس : دار الجنود للنشر ، 1994) ص347-348.
3- شارلوت سيمور – سميث .موسوعة علم الإنسان /المفاهيم والمصطلحات الانثروبولوجية . تر:علياء شكري وآخرون (القاهرة : الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ،1998)ص549.
4-  جيل فيريول .معجم مصطلحات علم لاجتماع . تر : انسام محمد الاسعد ، ط1(بيروت : دار البحار للطباعة والنشر ، 2011) ص33.
5-  مصطفى حسيبه . المعجم الفلسفي . (عمان : دار اسامة للنشر والتوزيع ،2012)ص478.
6- جميل صليبا . المعجم الفلسفي . ج2 ،ط1(قم دار ذوي القربى للنشر والتوزيع ، 1385ه) ص 169

  7-هنري ارفون . الفوضوية . تر : هنري زغيب ، ط1 (بيروت – باريس : منشورات عويدان ،1983) ص31.
  8- هنري ارفون . المصدر السابق . ص41.
  9-هنري ارفون . المصدر السابق .ص49.
  10-كريستوفراينز . المسرح الطليعي (1892-1992).  تر: سامح فكري (القاهرة :اكادمية الفنون ،وحدة الاصدارات،المسرح 18،مطابع المجلس الاعلى للاثار ،1996) ص15.
  11- سعد اردش . المخرج في المسرح المعاصر.(الكويت : سلسلة عالم المعرفة ،العدد 19، 1979) ص55.
  12- اندريه يستسلر .الجمالية الفوضوية . تر: هنري زغيب ، ط1(بيروت – باريس : منشورات عويدان للطباعة والنشر ،1982)ص53.
 13-  سامي عبد الحميد . ابتكارات المسرحيين في القرن العشرين/ تاريخ ووصف موجز لأبرز إعمال المؤلفين والمخرجين والمصممين . محاضرات ألقت على طلبة الدراسات العليا ، الفنون المسرحية ، كلية الفنون الجميلة ، جامعة بغداد، ص21 .
 14-  محمد سيف . المسرح والأفكار والتطبيقات التي تعارض التقاليد .(بغداد : مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي ،الدورة الأولى ،الزاوية للتصميم والطباعة ،2012)124،120
  15- جوليان بيك . حياة المسرح وعلاقة الفنان بالصراع البشري . تر : إيمان حجازي (القاهرة : مطابع المجلس الأعلى للآثار ،2005) ص81.
  16- اندريه يستسلر. المصدر السابق . ص91، 92.
   17- جوليان بيك . المصدر السابق .ص109.
  18-اندريه يستسلر . المصدر السابق . ص43،41
  19- فؤاد زكريا . ريتشارد فاكنر . (القاهرة : دار القلم ، الدار المصرية للتأليف والنشر ، 1956) ص41 .
 20- ينظر:علي عبد الله . المسرح الموسيقي في العراق . ط1(بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ، افاق عربية ، 1995)25،23
• ينظر استمارة الاستبيان في صيغتها الاولية في الملحق رقم (2)
• السادة الخبراء حسب الألقاب العلمية
ا1- ا.د  عقيل مهدي يوسف/ كلية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد
2- ا .د طارق عبد الكاظم/  كلية الفنون الجميلة/ جامعة البصرة
3- ا. د عبد الكريم عبود/  كلية الفنون الجميلة/ جامعة البصرة
4- ا. د حميد علي حسون /كلية الفنون الجميلة/ جامعة بابل
5- ا. د هدى هاشم     / كلية الفنون الجميلة/ جامعة بابل
قائمة المصادر والمراجع

1- اردش ،سعد . المخرج في المسرح المعاصر.(الكويت : سلسلة عالم المعرفة ،العدد 19، 1979).
2- بيك ،جوليان . حياة المسرح وعلاقة الفنان بالصراع البشري . تر : إيمان حجازي (القاهرة : مطابع المجلس الأعلى للآثار ،2005)
3- أينز،كريستوفر . المسرح الطليعي (1892-1992).  تر: سامح فكري (القاهرة :اكادمية الفنون ،وحدة الإصدارات،المسرح 18،مطابع المجلس الأعلى للآثار ،1996) .
4- الحاج ،كميل. الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي . ط1 (بيروت : مكتبة لبنان ناشرون ،2000).
5- حسيبه، مصطفى . المعجم الفلسفي . (عمان : دار أسامة للنشر والتوزيع ،2012).
6- زكريا، فؤاد . ريتشارد فاكنر . (القاهرة : دار القلم ، الدار المصرية للتأليف والنشر ، 1956).
7- سعيد، جلال الدين .معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية .(تونس : دار الجنود للنشر ، 1994).
8- سميث، شارلوت سيمور.موسوعة علم الإنسان /المفاهيم والمصطلحات الانثروبولوجية . تر:علياء شكري وآخرون (القاهرة : الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ،1998).
9- سيف، محمد . المسرح والأفكار والتطبيقات التي تعارض التقاليد .(بغداد : مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي ،الدورة الأولى ،الزاوية للتصميم والطباعة ،2012).
10- صليبا، جميل . المعجم الفلسفي . ج2 ،ط1(قم دار ذوي القربى للنشر والتوزيع ، 1385ه)
11- عبد الحميد ،سامي. ابتكارات المسرحيين في القرن العشرين/ تاريخ ووصف موجز لأبرز إعمال المؤلفين والمخرجين والمصممين . محاضرات ألقت على طلبة الدراسات العليا ، الفنون المسرحية ، كلية الفنون الجميلة ، جامعة بغداد .
12- عبد الله، علي. المسرح الموسيقي في العراق . ط1(بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ، أفاق عربية ،1995).
13- فيريول، جيل .معجم مصطلحات علو الاجتماع . تر : أنسام محمد الأسعد ، ط1(بيروت : دار البحار للطباعة والنشر ، 2011) .
14- يستسلر، اندريه .الجمالية الفوضوية . تر: هنري زغيب ، ط1(بيروت – باريس : منشورات عويدان للطباعة والنشر ،1982)

————————————————-

المصدر : مجلة الفنون المسرحية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *