“مسرح المضطهدين”.. الفن يعالج مشاكل النازحين بالمخيمات العراقية

 

 

 

 

 

محمود النجار – الخليج أونلاين

 

يعيش في مخيم “داقوق” الواقع جنوب محافظة كركوك العراقية، قرابة 7474 مواطناً، أغلبهم نزوحوا من قضاء الحويجة من جراء العمليات العسكرية لفك حصار تنظيم “داعش” لها، حيث تم تهيئة 1298 خيمة من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لاحتواء الأعداد المتزايدة التي تعرضت لقصف شديد وتهجير جبري منذ أواخر عام 2016.

ويعاني النازحون مشاكل كثيرة لم تحظَ بآذان صاغية من قبل الحكومة العراقية؛ مع استمرار الاختناقات الاجتماعية، وصعوبة الحصول على لقمة العيش، إلى أن دخلت فكرة تنفيذ مشروع “مسرح المضطهدين” إلى حياة النازحين، وبدأت مرحلة سرد الهموم عن طريق الفن الهادف.

فكرة المسرح هي نوع من أنواع المدارس (المسرحية الحديثة) نشأت على يد البرازيلي “أوغيستو بوال” تكتشف هذه المدرسة الجوهر الاجتماعي الجمالي الإبداعي الذي يظهر بصورة جديدة، وغير مألوفة، وعلاقة جديدة تماماً بين الجمهور.

ثم أدخل إلى العراق تجربة مسرح المضطهدين المخرج والممثل المسرحي الفلسطيني إدوارد معلم، عام 2011، وحصرياً في محافظة نينوى، بذلك كانت انطلاقة انتشار الفن المسرحي الذي يكشف عن قضايا مجتمعية ساخنة تخص الناس، وتحاول تقريب وجهات نظر المتضررين وأصحاب القرار.

أحمد نجم، ممثل من الشباب الذي فقدوا عوائلهم بالحرب، يتحدث لمراسل “الخليج أونلاين” عن أن “هذا المسرح جاء كفسحة أمل تسعى لتوصيف مشاكلنا بطريقة فنية جديدة لم نشاهدها من قبل، إذ يشرح معاناتنا التي أثقلتنا، وقصصنا التي أصبحت أكثر تأثيراً في المجتمع” .

ويضيف نجم، بوصفه نازحاً من قضاء الحويجة ويقيم في مخيم داقوق ويقول: “في البداية لم يرضَ النازحون بالدخول إلى قاعة المسرح، وانتقدوا الفكرة ورفضوها، لأن مشاكلهم تتعقد يوماً بعد يوم، ولم يتمكن من حلها المسؤولون فكيف يستطيع الناس فهم هدف البرنامج الثقافي، لكنهم عندما جلسوا يتابعون الأدوار والسيناريو المتمثل بكلام الممثلين، بدأت قناعتهم تتغير إيجاباً، وصدحت أصوات التصفيق”.

– النازحون هم الممثلون

إحدى الممثلات النازحات في المخيم، سماهر فرحان، وهي طالبة متوسطة، تذكر أهمية وجود مثل هذه المعالجات الجديدة، وتتحدث لـ”الخليج أونلاين” قائلةً: “لن نستطيع حل مشاكلنا إن لم نعبر عن قضايانا بأنفسنا، لهذا السبب شاركت كممثلة في مسرح المضطهدين، إيماناً مني بدور الشباب في تغيير الواقع الحالي الذي نعيشه”.

وأضافت النازحة: “مشكلة غلق باب المخيم وعدم السماح بالخروج لقضاء الأشغال أو زيارة أقربائنا كانت أهم القضايا التي ركزنا عليها عند العرض المسرحي، وإن تكفلَنا أقرباؤنا الساكنون في المدينة، نتعرض لابتزازات مستمرة من قبل أصحاب العقارات، إذ يستغلون احتياجنا إلى المسكن، ويرفعون إيجارات البيوت، ولا وجود لرقابة حكومية على الأسعار”.

وعلى الصعيد ذاته يتحدث محمد إبراهيم، وهو شاب نازح من قضاء الحويجة يعمل في منظمة “Save the children” الموجودة داخل المخيم، عن سبب انضمامه لمسرح المضطهدين ويقول: “أصعب مهمة تواجهنا هي كيفية زرع الثقة عند الأطفال وتربيتهم على الحياة المدنية البعيدة عن التطرف”.

ويتابع قوله لـ”الخليج أونلاين”: “مسرح المضطهدين يحاول تغطية أهم المشاكل الحساسة التي من الممكن أن تضر بالمجتمع إن لم يتم معالجتها؛ وهي القلق النفسي لدى الأطفال، وعليه قررت أن أكون ضمن فريق المسرح، لنتعاطى مع الأطفال بشكل تدريجي ونسعى لتعليمهم لتهيئة الحياة الهادئة بعد التحرير وعودتنا إلى مناطقنا”.

في الجانب الآخر، يشرح عبد الله صالح، وهو نازح يبحث عن عمل خارج المخيم ويشكي همومه لـ”الخليج أونلاين” ويقول: “يتهمنا الجميع بالإرهاب، والسلطة الأمنية في محافظة كركوك لا تسمح لنا بالخروج من باب المخيم لنذهب للعمل ونعود. لا نملك ثمن الطعام، والدواء قليل جداً، وخسرنا كل شيء في قريتنا، حتى البيوت تحولت إلى حطام لا يصلح للبناء” .

ويواصل بالقول: “أصررت على المشاركة في مسرح المضطهدين، لأن حقوقنا مسلوبة وحريتنا مقيدة ولا أحد يحترم مشاعرنا، ولن نسكت عن قضايانا مهما كثرت التحديات، وسأبقى أشارك في جميع الفرص لكي أدافع عن نفسي دون انتظار الحكومة التي لا تشعر بآلامنا”.

– مختصون مسرحيون يتضامنون مع الحدث

لم يقتصر مسرح المضطهدين على مشاركات النازحين، إذ كان هناك دعم لقضية التهجير ولمناشدات النازحين من قبل رواد المسرح العراقي في مدينة الموصل، وبخصوص هذا المسرح يتحدث المختص المسرحي نشأت مبارك، وهو أستاذ أكاديمي بكلية الفنون الجميلة في جامعة الموصل، ويعرب لـ”الخليج أونلاين” عن تضامنه بمناصرة النازحين قائلاً: “عملت مع منظمة IRD الأمريكية في مجال فض النزاعات وبناء القدرة على التكيف في مشروع يضم مكونات الأقليات في جميع أنحاء العراق عام 2011 في مدينة أربيل”.

وتابع: “هذه المرة انتقلنا إلى محافظة كركوك، وحصرياً بمخيم داقوق، في تجربة جديدة مع النازحين، وأتمنى أن يكون لمسرح المضطهدين تأثير على حياة النازحين والحصول على حقوقهم بالمشاريع السلمية، على ألا يكون هناك استغلال لحقوق المنكوبين بأي مكان في العراق”.

– الجمهور يطالب بالاستمرار

بعد مشاهدة العرض المسرحي من قبل جمهور النازحين، كان هناك تفاعل حماسي، إذ شارك الجمهور في التمثيل على خشبة المسرح، مصرين على تمسكهم بحقوقهم في جميع المجالات السلمية.

وفي هذا الصدد تتحدث رمزية عيسى، وهي إحدى نساء المخيم وابنها في السجن منذ شهور، وتكشف لمراسل الـ”الخليج أونلاين” عن أن “مسرح المضطهدين جاء ليكون منبراً لرفع أصوات المظلومين، ونحن بحاجة ماسة إلى مثل هذه المشاريع الفنية التي تخاطب مشاكلنا بطريقة تفاعلية مؤثرة، وتجعلنا جزءاً مهماً من القضية المطروحة دون تهميش”.

– استجابة حكومية

العروض المسرحية، ومن أهم أهدافها التي ثابرت طويلاً لتحقيقها هو توصيل الرسائل إلى الجهات الحكومية، واقتربت من الرؤية التي خططت لها، فوصلت الدعوات إلى بعض رجال الأمن والمسؤولين في مجلس محافظة كركوك.

وفي هذا السياق يقول هفال كيلاني، وهو رجل أمن في مخيم داقوق، لـ”الخليج أونلاين”، بعد متابعته للعرض المسرحي: “فكرة مسرح المضطهدين مهمة؛ لكونها تجمع بين المشاكل وحلولها التي من الممكن أن يتم التفاوض حولها وإقناع الحكومة بها”.

ويتابع رجل الأمن: “نحن نبذل قصارى جهدنا لحفظ الأمن وحماية أرواح النازحين، وعلينا ضغوط كبيرة من قبل الحكومة في محافظة كركوك، لأن أعداداً كبيرة من العوائل داخل المخيم متهمون بانضمام رجالهم وشبانهم لتنظيم داعش الإرهابي، والذي ما يزال يسيطر على قضاء الحويجة، لكننا سنوحد جهودنا في سبيل فهم ظروف النازحين والتحقق من معلوماتهم، وهذا المسرح سيساعدنا على دراسة حالتهم من زوايا أخرى لم ندركها سابقاً”.

شهرام رشيد، وهو أحد المشرفين على برنامج فض النزاعات وبناء السلام في منظمة “IRD” الأمريكية، يعلق على هدف المشروع بالقول: “مسؤولية فض النزاعات في المجتمع تقع على عاتق الجميع، ويجب على المنظمات الالتزام بالمبادئ الإنسانية وتطبيق البنود العالمية لحقوق الإنسان بالطرق المؤثرة والإبداعية لتصبح هذه المشاريع مقنعة وذات جدوى”.

ويلفت إلى أن “مسرح المضطهدين يضم في جميع عروضه المسرحية شخصيات أصحاب العلاقة بالقضية، بالإضافة لبعض رجال الدولة والأمن والناشطين المدنيين وموظفين من المنظمات الدولية، وهذه التشكيلة المتنوعة سيكون لها تغيير إيجابي في سبيل خلق رأي عام مجتمعي، والذي بدوره يكون بادرة لمعرفة أسباب وآثار المشاكل وطرق معالجتها بحكمة واحترافية”.

———————————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *