مسرحية مدرسة الأزواج لموليير /بقلم د. علي خليفة

كتب موليير هذه المسرحية سنة ١٦٦١١م وحين عرضت لاقت نجاحا كبيرا ، ورأى بعض النقاد تشابها بينها وبين مسرحية ليزاديلف للكاتب اللاتيني تيرانس، ومن المؤكد تأثر موليير بمسرحية ليزاديلف ، فعقدعا المسرحيتين بينهما تشابه واضح ، ولكن من المؤكد أيضا أن مسرحية موليير فيها أصالته في التأليف التي تجعلها تنتمي لموهبته في الكتابة مهما كانت مواضع التأثر فيها ببعض المسرحيات الأخرى
وفي مسرحية ليزاديلف نرى شخصين يربيان ولدين ،وأحدهما يستخدم القسوة في تربية الولد الذي يرعاه ،والشخص الآخر يستخدم اللين في تربية الولد الآخر الذي يقوم بتربيته، أما مسرحية مدرسة الأزواج-وهي مسرحية شعرية تقع في ثلاثة فصول -فنرى فيها أخوين أكبرهما هو أريست ، وهو شخص طيب متسامح يعاشر الناس ويسير على نهج عصره دون أن يشذ عنه ، وأما أخوه فهو سجاناريل ، وهو ناقم على التطور الذي حدث في عصره في الملبس وما سمح للمرأة من حرية فيه مثل السماح لها بمشاهدة المسرحيات والذهاب للمراقص
ويحدث أن يكون لهما صديق لديه ابنتان هما إيزابل وليونور ، وعندما شعر هذا الصديق بقرب موته أوصى بابنتيه لهذين الأخوين ، وذلك بأن يربي كل واحد منهما ابنة له وله أن يتزوجها حين تكبر إذا شاء ، وكانت إيزابل من نصيب سجاناريل في حين كانت ليونور من نصيب أريست
ويعامل أريست ليونور برفق ولين ، ويجعل لها مساحة كبيرة من الحرية في الخروج لزيارة صديقات لها ومشاهدة بعض التمثيليات والذهاب للمراقص، وتنعكس هذه المعاملة على ليونور – كما صور ذلك موليير -بأن تحب الوصي عليها مع كبر سنه عنها ، ولا تسعى للتخلص منه ، في حين يعامل سجاناريل إيزابل بتضييق شديد ، وصرامة واضحة ، وينفرها من كل ما يسمى بالموضة في عصره ، ومن الاختلاط بالآخرين خشية أن تتأثر بهم وتنحرف
وتتضايق إيزابل من أسلوب سجاناريل معها بما فيه من قيود شديدة تحرمها من الاستمتاع بحياتها ، وترغب أن تقابل حبيبا يخلصها من قيود وصيها سجاناريل،
ويلوح العاشق فالير ، ويحاول أن يلوح لإيزابل بحبه ، وتفهم إشاراته ،وتحبه هي كذلك ، ويستغلان سذاجة سجاناريل في توطيد عرى الحب بينهما
ومن ذلك أنها تقول لسجاناريل إن فالير يعاكسها ولا يعرف أنها لا تحب أحدا غير وصيها الذي ستتزوجه ، وتطلب إلى سجاناريل أن يبلغه هذه الرسالة ، ولسذاجة سجاناريل يعتقد أن إيزابل بالفعل تحبه ، وترفض فالير ويخبر فالير بما قالته له إيزابل فيفهم فالير المقصود بالكلام من رسالة إيزابل التي حملها له فالير
ويرسل فالير صندوقا فيه رسالة لإيزابل يعبر فيه عن حبه لها ، وتفتح الصندوق وتقرأ الرسالة، وتضع فيه رسالة أخرى تعبر فيها عن حبها لفالير وضيقها من وصيها البغيض لنفسها ، وتأتي بالصندوق لسجاناريل ، وتقول له إن فالير أرسل لها رسالة في صندوق ، وإنها لم تقرأها، وتطلب إليه أن يعيد إليه صندوقه بالرسالة التي فيه، ويصدقها سجاناريل ويعيد لفالير الصندوق ،ويقرأ فاليرالرسالة التي به ويعرف أنها تحبه كما يحبها
وحين يصرح سجاناريل لإيزابل بأنه سيتزوجها غدا تلجأ للحيلة للتخلص من الزواج منه ،فتقول لسجاناريل إن أختها ليونور تحب فالير ، ولكي تخدع وصيها أريست فسوف تلتقي في مساء هذا اليوم بفالير وهي متنكرة في ملابسي حتى لا يكشف حيلتها وصيها أريست ، ثم ستدخل بيت فالير ، ويصدقها سجاناريل بسذاجة واضحة ، وحين يراها في المساء عن بعد يظن أنها ليونور ، ويذهب لأخيه أريست شامتا فيه وفِي أسلوب تربيته المتحررة التي هوت بفتاته في الرذيلة، ويستغرب أريست من أن تكون فتاته قد فعلت هذا الفعل الشنيع
ويذهب الأخوان لبيت فالير ومعهما رجل بوليس ومسجل عقود للزواج لإجبار فالير على الزواج من الفتاة التي معه ، ولا يفتح فالير باب بيته إلا بعد أن يوقع سجاناريل وأريست على عقد الزواج من الفتاة التي معه في بيته ، وحين تخرج إيزابل من بيت فالير يصاب سجاناريل بدهشة شديدة ويهاجم كل النساء، فيقول ” تعيس من يطمئن إلى المرأة بعد ذلك ، ففضلاهن تفيض دائما خبثا إنه لجنس طبع على إيذاء الناس جميعا، إنني متخل إلى الأبد عن ذلك الجنس الخائن ، وإنني أقذف به للشيطان عن طيب خاطر”
ومن الواضح أن موليير كان في هذه المسرحية يدعو لحرية المرأة في مجتمعه الباريسي بما يتناسب مع ما وصل إليه هذا المجتمع من تحضر ، وكان في الوقت نفسه يرى أن التقييد على المرأة قد يستحثها على التمرد على هذه القيود مما قد يدفعها للرذيلة
وقد هوجم موليير كثيرا بسبب هذه المسرحية من قبل رجال الدين والأخلاق والفكر في عصره لأنهم رأوه يدعو النساء للتحرر والرذيلة ، ويشجع الفتيان والفتيات على التمرد على التربية التي تتسم بالوقار
وفي ظني أن موليير نفسه قد راجع المبادئ التي نادى بها في هذه المسرحية بعد زواجه من شابة تصغره في السن بكثير ، وعاش جوا من الشك والريبة معها ، ولهذا انقلب على بعض المبادئ التي نادى بها في مسرحية مدرسة الأزواج
ولا يخفى التشابه القوي بين عقدة مسرحية مدرسة الزوجات ومسرحية مدرسة الأزواج ففي كلتا المسرحيتين نرى وصيا يربي فتاة على مبادئه الصارمة لتكون زوجة له في المستقبل تتناسب مع أفكاره ، ولكنه يكتشف في النهاية أن الفتاة التي كان يظنها قد تأثرت بأفكاره وكان يمني نفسه بالزواج منها إذا بها على علاقة بشخص آخر وأنها تبغض وصيها وأسلوبه الوقور في الحياة ، وتتزوج في النهاية من الشاب الذي تعشقه ويعشقها
ومع ذلك فهناك فروق واضحة بين المسرحيتين ،ففي مسرحية مدرسة الأزواج يبالغ موليير في وصف سذاجة سجاناريل ، ويبالغ أيضا في تصوير ثقته الزائفة بنفسه ، ويضحك عليه موليير الممثلين والنظارة ، ومن خلال شخصيته يفجر موليير كثيرا من الفكاهة في مسرحيته هذه ، أما بطل مسرحية مدرسة الزوجات فلم يظهره موليير بهذه السذاجة التي نرى بها سجاناريل في مسرحية مدرسة الأزواج ، وإن كان لا يخلو من حسن النوايا ، ونرى تعاطف موليير الكبير معه حين رأى أن فتاته كانت تخدعه، وكذلك عشيقها الذي كان بمثابة الصديق له ، ويقرر اعتزال النساء
ومسرحية مدرسة الأزواج كوميديا اجتماعية ، ليس فيها أي نوع من الشجن لأن موليير صور سجاناريل بصورة لا تجعلنا نتعاطف معه، أما مسرحية مدرسة الزوجات فنرى في الكوميديا التي بها مسحة من الشجن لتعاطف موليير والقراء والنظارة مع بطلها الشيخ الذي تمردت عليه الفتاة التي رباها وظن أنها خير زوجة له بعد ذلك
وأخيرا فإنني أرى بعض تشابه بين مسرحية سك على بناتك للينين الرملي ومسرحية مدرسة الأزواج لموليير ، وإن كان هذا التشابه في الأفكار التي تعرضها المسرحيتان في أسلوب تربية المرأة والتعامل معها، وقد قلت إن موليير قد تراجع عن كثير من الأفكار المتحررة -فيما يخص المرأة -التي نادى بها في مسرحية مدرسة الأزواج بعد زواجه، ووضح هذا في المسرحيات التي كتبها بعد ذلك الزواج كمسرحية مدرسة الزوجات

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *