مسرحية محاكمة حول ظل حمار لفريدريش دورينمات د.علي خليفة

كلما قرأت مسرحية لهذا الكاتب السويسري العبقري ازدت تعلقا به وهياما بفنه المسرحي وشعورا بأنه خير كتاب الطليعة الذين لم يغتالوا في العبث بالشكل المسرحي المتوارث وفي الوقت نفسه أرى أنه من أبرع كتاب الكوميديا في العصر الحديث وهو نفسه كان يرى أن الكوميديا هي أنسب الأشكال في المسرح للتعبير عن مشاكل الإنسان في ذلك العصر
وفي مسرحية محاكمة حول ظل حمار نراه يعرض لنا فيها جرعة كبيرة من الكوميديا وهي كوميديا محمولة على جناح السخرية إنه يسخر فيها من الإنسان الذي تشغله بعض الأمور الصغيرة ويعدها كبيرة لإحساسه بالكبر والغرور فينتج عن ذلك أن يورط نفسه في مشاكل كبيرة
ويمكن أن نعد المقدمة المنطقية لهذه المسرحية- أي حكمتها الأساسية – الحكمة العربية التي تقول “معظم النار من مستصغر الشرر”فبطل هذه المسرحية طبيب الأسنان استأجر حمارا ليذهب به لبلدة بعيدة عن المكان الذي يعيش فيه في أباديرا وركب الحمار وقاده صاحب الحمار وفي وسط الطريق لم يستطع طبيب الأسنان أن يتحمل لهيب الشمس فنزل عن ظهر الحمار وجلس يستظل بظل الحمار وهنا طلب إليه صاحب الحمار أن يدفع له ثمن استظلاله بظل الحمار لأنه أجر له ركوب الحمار ولم يؤجر له الانتفاع بظله ويرد عليه الطبيب بأنه حين أجر منه ركوب الحمار فقد أجر ظله في الوقت نفسه ويشتد الخلاف بينهما ويرجعان لأباديرا ويحكمان حاكم هذه المدينة في الخلاف الناشب بينهما فيحاول إرضاء الطرفين بأن يعطي الطبيب صاحب الحمار بعض المال نظير ظل الحمار ويرفض الطبيب وحين ييأس حاكم أباديرا من الإصلاح بينهما يسحب الحمار من صاحب الحمار لأنه موضع النزاع ويعرض مشكلتهما على القضاء ويقف محام في صف كل واحد منهما ويطلب محامي كل واحد منهما ممن يدافع عنه أن يعطيه مالا كثيرا ليدافع عنه ممنيا إياه بأنه سيكسب له تلك القضية ويظهر أحقيته في الموقف الذي اختارره ويوافق الطرفان ويشتعل الحماس بين أهل أباديرا على هذه القضية وينقسمون فمنهم من يؤيد الطبيب ومنهم من يؤيد صاحب الحمار
ويطول أمر التقاضي فيضطر صاحب الحمار لدفع مصاريف محاميه أن يبيع أثاث بيته ثم يبيع ابنته وزوجته وكذلك الطبيب يغرم كل ما ادخره من مال في هذه القضية ويخسر عيادته
وخلال هذا التشاحن بينهما وانقسام الناس بشأنهما تتعطل كثير من مصالح الناس ،ثم يحدث خلال ذلك حريق هائل يدمر معظم مدينة أباديرا ويفر الحمار من الحريق ويقول للجماهير في ختام المسرحية : “واسمحوا لي أن أتكلم وأسألكم من الذي ترونه حمارا في هذه الحكاية أنا أم أهل أباديرا؟! ”
إنها كما نرى سخرية مريرة من الكاتب لسكان كوكبنا الذين قد يهتمون ببعض الأمور الهامشية عن الأمور الجوهرية، فأولى من رحلات غزو الفضاء التي تقوم بها الدول الكبرى نرى أن تقوم قبل ذلك بتوفير الطعام والأدوية للدول الفقيرة التي تعاني المجاعة لا سيما في إفريقيا وقل مثل هذا كثيرا
وأنا أرى أن دورينمات في هذه المسرحية التي جعل أجواءها بلاد الإغريق قديما -قد أطل من خلال الإغريق على عصرنا وانتقد ما يراه فيه من عبث يصنعه الإنسان بنفسه ثم يؤنب نفسه بعد ذلك على ما جنته يداه

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *