مسرحية ليالي الحصاد محمود دياب عرض وتقييم د. فاروق أوهان

نشر/ محمد سامي موقع الخشبة

لأمسيّات السمر، وفن “السامر الشعبي” تأثير وجداني جسدهما مسرحياً الكاتب محمود دياب، في مسرحية ليالي الحصـاد . ففـي تقـديم ووصـف تأريخي، حول قيمة الاحتفال، والسمر، وفرش لأرضيـة أحـداث المسـرحية .
ولدخول السامر إلى فن السامر الشعبي المستجلب للمسرح . تقوم شـخصية حسن الغاوي بتهيئة الجمهور، للخروج من جـوهم، جـو المدينـة إلـى جـو القرية الريفي . فالمجموعة التي تسمر في ليالي الحصـاد الصيفيـة . قـد جاءت هنا لتنقل سمرها, وفن سامرها معها . هي كل تلك الأحاديث المشخصة عن الآخر الغائب . ومن خلال سيرته، أو الأحـداث التـي تعـرضت لـه، ولا يتوقف ذلك عنده فقط، وإنما ينتقل إلى غيره . وإلى حكاية غيرها . ومـن خلال التقليد البريء إلى اللعب الجاد . لكن مجموعة الألعاب، تتركب لدى دياب هنا، بعناية فائقـة . تحتـاج لممثـل، هضـم خصوصيـة فـن الأداء المشرقي . بالتنقل من التشخيص، إلى الرواية، فالسـلوك الشـخصي لممثـل الدور . وقد حرص المؤلف عـلى العنايـة بالتفـاصيل . وخصوصاً علاقـات الشخصيات ببعضها . فنسجها في مستويات متراكبة . من الحـدث التـاريخي، إلى الحدث المتخيل, إلى الرؤية للحدث . ومن أطراف أخرى، هي وجهة نظر، الرواة السامرين .
ومسرحية “ليالي الحصـاد، هـي ببسـاطة قصـة البكـري الـذي يربي الصنيورة، التـي تبناهـا . وعندما تشـب، يرعاهـا ولا يسـتطيع دونهـا الحياة . وعلى الرغم من احترام أهالي القرية له, وخوفهم من قساوته . لأنه المداوي لهم حتي بطريقة الكـي . فـإن سـيرته، وحياتـه وحـده مع الابنة المتبناة “صنيورة”, ترد عـلى ألسـنة السـامرين، لتلـك الليلـة المسرحية . التي تمثل واحدة من الليالي السامرة في ليل القرية الصيفي فيفرز أبطالها، وجهات نظرهم، ونواياهم اتجاه صنيورة رجالاً ونساء فينتقل الإعجاب، وعذاب العاشقين على طول السهرة، إلى رفـض، وكراهيـة، ونبذ . وذلك عندما يوافق “البكري” على تـزويج صنيـورة لطالبيهـا، واحداً تلو الآخر . منذ أن يرفضها أولهم . وبهذا لا تنكشف وحدها قصـة صنيورة كحقيقة . وإنما تتعرى من خلال ذلك نوايا الشخصيات، في حمى الليلة السامرية . وتتكشف النوايا، والمواقف في درس تعليمـي، يحـدد الفواصل، بين الاندحار والرضوخ، وبين الرفض والانتصار .
ورغم أن محمود ديـاب، قـد وجـد فـي دعـوة يوسـف إدريس، فـي مسـرحية الفرافير، طريقاً مسدوداً . إلا أنه اعتبرهـا تجربـة فريدة، لا يمكن تكرارها لأن المسرح المصري أهم وأشمل . ولا يمكن لتجربة واحـدة مـن استيعابه، ونقل قضاياه كلها . فدعوة إدريس، قد أوجـدت لـدى دياب، الاعتقاد بالبحث عن لغة للتخاطب مع الناس، أكثر قـدرة عـلى الوصـول .
لذلك ترك بحثه عن الشكل وحده . واتّجه معه إلى الموضوع . كما فعل فـي مسرحية الزوبعة، التي عالجت أحداث حصلت في إحدى القرى الشرقية بمصر اكتشف عند عرضها في قرية كفر الشيخ . وبحضور أكـثر مـن عشـرين ألـف متفرج من الفلاحين، الشكل المصري الذي كان يبحث عنه لمسرحه وهو سامر الفلاحين .
حسّان الغاوي الذي دعاه أهل القرية بهذا الاسم، لأنه أنيق يهوى الفن، وحسن الكلام . يقوم بتقديم الحكاية في مونولوغ عن الأرض، والناس والعلم والتعلّم، فيعود إلى مراسيم المواسم التي يجتمع الناس فيها، ومنها موسم الحصاد حيث ينشد الناس :
يا منجل يا بو حديدة – احنا وراك في كل حصيدة
ويختتم حسّان الغاوي مونولوغه بالحديث عن السمر، ولياليه، فيقوم بوصف من لهم قابلية في التشخيص، والرواية، وكيف يقوم كل منهم في الليالي السامرة بحكاية ما جرى له فيما لو كان مسافراً . وما يتذكره من الأيام الخوالي لو كان كبير السن (1\ص18 – 19):
المجموعة : اجلس يا شيخ “يعود حجتزي إلى مكانه – يدخل من يمين المسرح حسن
أبو شرف ذو الذراع الواحدة، على المستوى الأدنى من خشبة المسرح
فيلمحه تهامي” .
تهامي : هذا هو حسن أبو شرف .. ناديه يا مسعد .
مسعد : “يلتفت ناحية حسن الذي كان يعبر المسرح دون اهتمام بالمجموعة” يا حسن ..
يا حسن، يا أبو شرف .. “يتوقف حسن” ألا تأتي يا أبا علي إلى هنا قليلاً “في
لهجته شيء من الإشفاق” .
حسن : أتي لأعمل ماذا يا مسعد ؟
مسعد : تعمل مثلنا يا أخي .
حسن : وأنتم ماذا تفعلون يا مسعد ؟
مسعد : نتسامر، نتحدث قليلاً، ونضحك قليلاً .
حسن : تتحدثون وتضحكون ؟ طيب اضحكوا يا مسعد “يمضي في طريقه” .. ربنا
يساعدكم .. “مسعد يتابعه ببصره حتى يخرج .. صمت” .
سلامة : “إلى أقرب رجل إليه وهو علي الكتف” أقول لك يا سيد علي .. الراديو الصغير
هذا ذو الجراب، والعلاقة كم تكون قيمته ؟ هه ؟ “علي الكتف لا يجيب” .
مسعد : “بعد أن اختفى حسن” أول ما رآني العم حجازي سألني صارخاً “يقلّد حجازي”
يا ولد يا مسعد ألم ترَ حمارتي يا ولد ؟ “في هدوء” رأيتها يا عم حجازي ؟
وعندما تتجاذب المجموعة التي قدمها حسّان الغاوي للجمهور أطراف الحديث، تبدأ باقتراح مَن مِن الأشخاص سوف يستهل سمر الليلة لتقديم حكايته . وهؤلاء هم : مسعد، وسلامة، وحجازي، زغلول، وتهامي، وعلي الكتف، و . فيبدأون بتقديم أحدهم لحركات وصفات الآخر، وكأنما يعرّي أحدهم الآخر أمام الكل، وبحضور المشّخَص له، والمحاكى عنه، والمقلد عليه . وبهذا التقليد يتبارى الكل في تحديد مزايا الآخر بأمثلة حدثت، ووقائع جرت للفرد، ومنها حادثة ضياع حمارة حجازي، ومقلبه مع الإسكافي (1\ص20) :
سلامة : نعم يا مسعد .. وعندما ذهب حجازي إلى الإسكافي في باب السوق ؟
مسعد : ستأتيك الحكاية على التو ..
سلامة : أنا الإسكافي “يقفز سلامة فيتوسط الحلقة، يجلس على الأرض نتخذاً هيئة
إسكافي عجوز بلا أسنان، ويتناول فردة حذاء، ويذهب في خياطتها بإبرة وخيط
وهميين” .
مسعد : “إلى سلامة، مقلداً حجازي” أنت يا رجل، أنت !
سلامة : “مقلداً الإسكافي، كلمات متفرقة، ونطق ثقيل” نعم .. نعمين .
مسعد : ألم ترَ حمارتي أن يا رجل ؟
سلامة : رأيت .. حمير كثيرة .
مسعد : حمارتي بيضاء، وكانت مربوطة هنا بجواركم .
مسعد : “يلقي نظرة إلى حيث أشار .. ثم يتابع عمله” إن الدنيا مملوءة حمير بيض .
مسعد : “مغتاظاً” لكن حمارتي لها أذنين اثنتين .. وأربع أرجل “المجموعة تضحك ..
شبح ابتسامة على شفتي علي الكتف” .
تهامي : “بعد أن انتهى من الضحك” الله يضحكك يا حجازي، هل هناك في الدنيا
حمار بأذن واحدة، وثلاثة أرجل ؟
حجازي : وماذا أفعل إذا كان يدعي الغباء، وقد تجاهل رؤيته لها، وقد كنت قد ربطتها
بجوار دكانه “ضحكات – علي الكتف يكاد يبتسم” .
أصوات : الله يوجع قلبك يا مسعد .. فعّال كثيراً يا أخي .. تقول أنه جن مصّور .
وتقوم هذه الرواية والتشخيص الذي يؤديه مسعد وسلامة بإبراز المفارقة في الحادثة . وما أن يدخل البكري والد صنيورة المتنباة حتى يتحول مسار السمر إلى أمر أكثر جدية، فالبكري يعرف أن من يجتمع هنا سوف يتعرض لسيرة الناس حاضرهم، وغائبهم، ومنهم هو نفسه . ولهذا يستنطق مسعد عمن من الناس قد تحدثت المجموعة، ومن غير جواب يسلمه قصاصة لورقة جريدة لكي يقرأ له ما فيها من أخبار . فيقرأ مسعد خبر جريمة قتل رجل قامت بها الزوجة وعشاقها .
وفيما يتوغل مسعد في القراءة، والمجموعة منصتة إليه، حتى يتحول الغاوي إلى مخاطبة الجمهور من جديد بشكل يغطي على صوت المجموعة، وليس على الحدث في فعل قراءة الجريدة – بين قراءة الجريدة، وفعل الاستماع – فيصف الغاوي مزايا البكري، وعلاقته بأهل البلد : فالبكري هو الذي يداوي ماشيتهم، ويسعفها، وهو الذي يلجأ المرضى إليه لكي يعالجهم بالكي . وتكون كل التقديمات هذه هي للوصول إلى بيت البكري، وتاريخه، وعلاقته بالبلد جيلاً بعد جيل، حتى اليوم، وعلاقة البكري بالبيت الذي يسكنه بنفسه . حيث يقيل تحت شجرة الجميزة التي لا يعرف إن كانت أقدم من البيت أم لا (1\ص26-28) :
الغاوي : لغاية ما عثر بها “يتنهّد لكي يستريح” لا أحد يعرف أين أمها، ولا من هو والدها
“في إعجاب عميق” ومنذ أن وجدها كانت حلوة كثيراً، مثل القمر، فسماها
صنيورة .
شبان المجموعة : وهي صنيورة “لحظة شرود” .
مسعد : “منتفظاً في حيوية” سوف أقوم بتشخيص دور العم البكري .
المجموعة : “مستيقظة فجأة” نعم .. “مسعد يستعد” .
علي الكتف : “يتكلم لأول مرّة” لا يا مسعد، لا أحد يشخص البكري غيري “المجموعة
مندهشة .. الغاوي يتسلل إلى ماكنه – علي الكتف مستطرداً” لا أحد
يشخصه غيري “ينهض ببطء” .
زغلول : نعم يا علي الكتف .. قولك على الجرح يا أخي “مسعد يعود إلى مكانه .. علي
الكتف ينهض، ويتجه ناحية الجمهور” .
علي الكتف : “معداً نفسه للدور، ملائماً بين صوته وصوت البكري .. دون أن يخرج عن
اكتئابه، يضرب صدره براحته” أنا البكري .. أنا البكري .. أداوي بهائم
البلد .. أكويها :: أكويها بالنار .. أرد فيها الروح .. أنا البكري “يضرب
صدره” معي صنيورة .. صنيورة ابنتي .. ليست ابنتي، ولكنني لقيتها،
ولقيتني هي . الناس تموت عليها، وعلي الكتف سوف يبيع عمره من أجلها .
تهامي : “معلقاً في بساطة متناهية” ماذا أقول ؟ أخلع النظارة يا سيد علي .
حجازي : دعه يا تهامي .. والله أنت جيد جداً يا علي يا كتف .. فماذا كنت ساكتاً إذن ؟
زغلول : ما به يكفيه .
سلامة : الله ينور عليك يا “علوة” .
علي الكتف : “وقد خرج من حالة الاندماج التي كان فيها، يتحول إلى تهامي في
هدوء” تريدني أن أخلع النظارة، لماذا يا شيخ تهامي، هل تضايقك في
شيء ؟
تهامي : أقول الأحسن أن تخلعها . فالبكري ليس لديه نظارة يلبسها .
مسعد : فالبكري يعتمر العمامة .
حجازي : وهل إذا ما خلع البكري العمامة، لن يبقى البكري ؟ “تضحك المجموعة
مجاملة” .
المهم أن البكري يعيش الآن في هذا البيت مع ابنته التي تبناها بعد أن وجدها في لفافة قرب أحد قبور المقبرة “الجبانة” عندما كان يتعداها في طريقه إلى البلدة، وقد صارت منذ ذلك اليوم ابنته حيث لا ولد له، وزوجته توفت منذ عدة سنوات، وها هي البنت قد كبرت، وكبر همها .
ويبدأ التنافس بين أفراد المجموعة للقيام بتشخيص دور البكري، ففي الوقت الذي كان مسعد مراهناً على تجسيد دور البكري، يقف له علي الكتف متحدياً بأن لا أحد يجيد هذا الدور غيره، ومباشرة يدخل في الدور فيستعرض ميزات البكري بلسان الضمير المتكلّم، لكي يشير إلى أن الصنيورة جميلة، ويحبها الكل حتى علي الكتف الذي يقوم بالرواية عن نفسه كما أشرنا . لهذا يثير عجب بعض أفراد المجموعة، ويستفز الآخرين . بينما يريد البعض الاستزادة، ومنهم حجازي الذي يناوله عمامته لكي يصبح أكثر اقناعاً لو لبسها، ونزع النظارة التي تميز علي الكتف أينما ذهب .
ويقطع هذا اللانسجام في عالم الاستغابة دخول ست الكل زوجة القتيل محجوب، وأولاده الستة، تندب زوجها الذي ذهب من غير رجعة قبل سنتين في مثل هذه الليلة، وفي موسم الحصاد نفسه، فقد جاءوا ليخبروه بأن حصاده الأحسن قد شبت فيه النيران، فذهب واللقمة بفمه ليطفئ الحريق ولم يعد، ويبدو أنها في ندبتها تدور في الحارات، ومنها ساحة البلدة هنا، ولهذا تكمل سيرها، وتعود المجموعة إلى حالها، وكأنهم اعتادوا على حال ست الكل هذا .
يعود علي الكتف لتقليد شخصية البكري وقد أمسك بصحيفة وهمية فيعطيها مسعد ليقرأها له، وكأن دخوله للأحداث القادمة لا يبدأ إلى من مفتاح الصحيفة ذاته الذي مرّ بالجمهور المشاهد قبل لحظات، وقد آداه البكري بنفسه . ويطلب على الكتف “البكري هنا” من مسعد أن يقرأ له عن أحداث حصلت بعيدة عن بحر الإسكندرية، وقريبة من غزّة، ولكن مسعد يشير إليه بأن الخبر الذي يبحث عنه ليس في قطعة الجريدة التي أمامه، وإنما في الجريدة الأصلية . وتتوالى الضحكات، والتعليقات من المجموعة عن المدة التي يقضيها المسافر بين بحر الإسكندرية، وغزّة، أو ما يجاورها، وذلك حسب الواسطة التي يستخدمها، وفجأة يلتفت علي الكتف بشخصية البكري معاتباً مسعد :
علي الكتف : “البكري” أنت تتعرّض للصنيورة يا ولد ؟ “الحوار بالأصل بالعامة المصرية”
مسعد : أبداً .. أبداً والله يا عم بكري .
الكتف : “البكري” لماذا جئت إلى هنا إذن ؟
مسعد : أنا .. أنا كنت أسير في طريقي، وانحرفت لاستريح تحت الجميزة .
ويتابع الكتف تحقيقه مع مسعد، حول مشاغلة علي الكتف للصنيورة، وقد ترك سياروته التي يعمل عليها في المدينة، وأطلق شعره لأنه يهيم بالصنيورة . مما يجعل الراوي “الغاوي” يتدخل لقطع التداعي الذاتي للمشخّص . فيبدأ الكتف بسرد مناقب من يهيم بحب الصنيورة من شباب، ورجال البلدة، وأولهم الغاوي نفسه الذي يحوم طول الليل حول البيت، وقد علا صوته بالمواويل .
ولزيادة التشخيص، يتقدم بعض أفراد المجموعة لتشخيص هيامهم بالصنيرة، وبذلهم الأموال، والعطاء لها لو وافق والدها البكري من تزوجها لأحدهم : فسلامة سيكتب لها الأرض، وحجازي، وتهامي يطلبان تزويجها لأنها كبرت .
في هذه الأثناء تدخل صنيورة، فتفاجئ بها المجموعة، ولكن هذه الجميلة التي أذهلت رجال القرية بشكل كاف، لا يعوزها الجمال، والجاذبية، فتسلم في البداية على حسّان الغاوي، ولا تدري ما الوضع الذي تتمثله المجموعة وقتها . تعاتب الغاوي بتهكم مقصود لغيابه، وانشغاله هذه الأيام، حتى أنها أرادت أن تسأل امرأته عن سبب اختفائه، ثم تلتفت إلى علي الكتف، ثم إلى المجموعة لكي تنبري بالسؤال إن كانوا قد جاءوا إلى هنا لاستغابة الناس . فيقوم الكتف بطرح معاناته علناً على الصنيورة، وهي غير مبالية رغم أنه ضحى بالكثير حيث باع سيارته التي كان يعيل منها نفسه، وعائلته، مما يغضب هذا التحاور الغاوي فيسأل الصنيورة عما جاء بها ‘لى هنا في هذا الوقت، ووالدها ليس معهم .. فلا تستغرب لأن ما جاء بها هو الذي جاء بهم، فيخبرها الغاوي بأن البكري والدها ذهب ليستطلع آخر أخبار القصة التي قرأها في قصاصة الجريدة لدى البقال في باقي الجريدة قبل أن تتلف، ويعود الكتف لحديث الهيام المعلن لصنيورة، وهي ما تزال تتهكم عليه أمام المجموعة .
ولكن المجموعة تعترض على سخرية صنيورة من علي الكتف عندما تشعره الصنيورة بقيمة النظارات الرخيصة التي يستعملها . فينبري حجازي إلى المجموعة، وكأنه يخاطب صنيورة طالباً من يعطيه الصلاحية لتأديبها، فتسخر من ادعائه، ومباهاته، وتعلمه بأنها سمعت بمنعه ابنته بهية من ملاقاتها، لكن بهية لا تطيق فراقها، وقد كانت لتوها تجالسها . فيحلف بأنه سوف يقتل ابنته مما يجعل المجموعة تشهق لهذا القرار، وفي الوقت الذي ينسحب فيه حجازي تدخل مجموعة من النساء تتناظرن كل واحدة منهن على موضوع له علاقة إما بالزوج، أو الابن، أو الأخ، والخطيب والصنيورة تعطي كل منهن تهكماً يليق بالمقصود الذي تغار عليه قريبته . وتجمع النساء على غيرتهن مما يجذب الرجال في صنيورة، وعندها يدخل بكري فيسكت الجميع، ولكن النساء يطالبنه بأن يسيطر على ابنته لأنها وقفت حيال زواج النبات، وحرضت الشباب، وخلقت عداوة مع القرية العالية . أما الأب البكري فلا يجيب الكل، وإنما يأخذ ابنته ليسير معها إلى البيت من دون تعليق .
وفي هذا الوقت ينبري الغاوي بالتعليق على ما جرى، ويعلق الذنب على أهالي القرية، والرجاء منهم بالذات لا على صنيورة نفسها .
وتعود المجموعة إلى فعل التشخيص السامر في تداول الحكايات، ويبدأوها بالعودة من حيث انتهوا : من حكاية حجازي مع حمارته المسروقة، وبالذات في مشهد شكواه للعمدة، فيتبارى من في المجموعة على القيام بدور العمدة، ولما يتنكّر كل بشخصيته التي وهبها إليه الغاوي محبة أو غصباً . يرتجل كل منهم ما يود أن يفرز على عجل، وقبل فوات الأوان، أو الدخول في الحدث المرسوم للارتجال، ما قام به سلامة .
سلامة : “فور انتهاء علي الكتف من لبس العمامة، يرتمي تحت قدميه” عليك النبي يا عم
بكري، تزوجني صنيورة .. لدي فدانين أرض، سأسرق فوقهم .
علي الكتف : “يدفع سلامة بقدمه في غيظ” أيها “الرخم” يكفيك تكرار، أليس لديك غير
هاتين الكلمتين ؟
ولكن علي الكتف يرفض إعطائه دور غير شخصيته، هو وحجازي، أما البقية فمختلطة بين الحاضرين على الحضور : فزغلول يقوم بدور علي الكتف، وعلي الكتف يقوم بدور البكري، وحسّان الغاوي يقوم بدور العمدة . وهنا يعلن سلامة للجمهور باسم العمدة الذي يشخصه الآن الغاوي “الراوي في عين الوقت”، بأن الباب الأول قد انتهى .
وفي الباب الثاني يدخل الشبان من خلال المجموعة في لعبة التقمص، وهم حائرون بما سيفعلوه الآن ؟ هل يعودون إلى الماضي إلى أيام الصغر حيث اللعب قرب المقبرة، وشجرة الجميز، أم يلعبون لعبة “السيجة” ؟ ولكن ماذا بعدها، لقد ملّوا من السير المكررة التي لم تعد تضحك .. عليهم إذن استعادة الماضي منذ شبت صنيورة، وعلّق الشبان بها، وصار طريقهم إلى المقبرة أكثر من أي مكان يمرّون عليه، يتفيؤون بشجرة الجميزة التي تفصل بين بيت بكري والمقبرة، وبكري يستشيط غضباً في كل مرّة .
وبينما يبدأ الشبان بالتلهي بلعبة “السيجة” ينسحب ممثل دور بكري للحديث عن علي الكتف فتظهر له صنيورة في الماضي، يدخل معها في حوار حول الشباب الذين يمرون أما بيتهم، وينتقل بعدها للحديث عن علي الكتف “نلاحظ المفارقة في أن علي الكتف الحقيقي الذي يمثل الآن دور بكري، يتكلم هو نفسه عن علي الكتف، في انفصال، واندماج متراكبان على الممثل أن يكون منتبهاً لتلك المسافة الدقيقة بين ما يفعله، وبين ما يريده المؤلف، ورغم أن المسألة مقصودة لدى المؤلف، في تأكيد ذاتية علي الكتف، وهو يقوم بالكلام عن نفسه على لسان بكري” الذي ترك البلدة لكي يعود إلى القرية هنا، وقد شغلت صنيورة شغاف قلبه، ولبه وما عاد إلا لكي يلقاها، وإلا فما الذي جعله يترك محصول جنيه واحد في اليوم، فإذا لم تكن هي الأرض فإن بينه وبين صنيورة أمر ما .. فكلام الناس يثقب الأذان، ولا مجال لتحاشيه :
علي الكتف : “بدور بكري – في وله حقيقي” يقولون أن علي يحبك يا صنيورة .. يقولن
أنه يموت بحبك .
صنيورة : طيب ماذا أفعل يا أبي .. كل شبان البلدة يتعرضون لي، فماذا أفعل أنا .؟
ويطمئن الأب على ابنته، ونعود من جديد إلى لعب الشباب، فيخرج علي الكتف الآن من دور بكري، لبيرز معاناته، وتيهه بين عمله كسائق سيارة أجرة في المدينة، وتركه لها، وعدم رغبته في زراعة الأرض، وهو يخاطب أمه الوهمية .. ويقوم زغلول ليقلّد معاناته وقد تقمّص شخصيته، فيغضب عنه علي الكتف، وينهره، ويتدخل العمدة الذي يشخّصه حسّان الغوي مستنكراً الاستمرار في إعادة رواية علي الكتف، وبكري فقط، فيطلب من حجازي أن يحدثهم عن أشياء أخرى .. ولا يجد حجازي غير موضوع ابنته بهية التي تأتيه من الماضي على الصورة التي كانتها وقت الحدث المروي عنه، فيحذرها من مرافقتها لصنيورة، لكن هذه لا تجد في صنيورة شيئاً يعيبها، وتمر صنيورة هي الأخرى في صورة الماضي، لتحاور حجازي، ولكنه لا يقوى على الاستمرار كممثل يستعيد ذكرياته فيخرج عن شخصيته، ويهجم باتجاه علي الكتف الذي يمثل دور بكري، بينما تختفي البنتان ! .
حجازي : “وقد هزته كلمات ابنته، يندفع نحو علي الكتف صارخاً” صنيورة كبرت يا
بكري، ولا بد لها من الزواج، هناك الكثير من المعجبين، الكتف، وسلامة .
ويقوم تهامي بمولوغ محذراً من اتساع المقبرة، بل إن الشيخ نور الدين قد أوصى بألا تصبح المدينة مقبرة .. أما مسعد الذي يمثل دور حسّان الغاوي، فهو الآن مغرم بصنيورة، يتعّرض لها كلما تذهب للّم الحطب . وبمحاورة غزلية يتركها لكي يجلب لها الحطب من دار أهله . بينما يكون سلامة قد شهد الواقعة، فيخبر المجموعة بما جرى ..
ولكن سلامة الآن يخبر المجموعة أيضاً بأن صنيورة تلتقي بشاب من القرية العالية، ويدعى منصور . وما أن يعود بكري وبيده قصاصة أخرى من الجريدة فتسكت المجموعة ولكن إصرار الكتف على المجاهرة أمام بكري يخلق معركة يعتذر فيها الغاوي فيما بعد وهو يخاطب الجمهور على أن ما حصل من مناوشات كلامية لا تعدو أكثر من كلام الأماسي غير مقصود فيه أحد .. لكن بكري يكره أن تأتي في، غيابه سيرته . ويشير الغاوي مجدداً إلى أن كل ما يجري ليس أكثر مزاح البعض مع البعض الآخر، وليس من وراء أحد .
وتعود المجموعة من جديد لتقمّص الشخصيات بالتبادل، ومن جديد يعاند بكري، علي الكتف وبالعكس مشيران إلى أن ما يخص أحدهم لا يعني الآخر .. ولن يضيرهما أي شيء لو شخّصه الآخر .. فيعود الكتف لدور بكري، ويقوم بنشر ورقة الجريدة ويطلب من سلامة أن يقرأها له، تماماً كما شاهد الجمهور الحادثة قبل فترة، ولكن ما يطلبه الكتف الآن غير ما طلبه بكري وقتها، وكذلك فإن ما يقرأه سلامة الآن غير ما قرأه وقتها فهيهات أن يعاد الزمن كما هو، وشتان بين الواقع والتقليد . وتبدو المفارقة أمام الجمهور بين بكري الحقيقي الذي يرى، وينظر تشخيص الكتف، له، وكأنه يرى نفسه في مرآة آدمية تعكس ما تريد لها أن تصوره في بكري، وليس كالمرآة الصماء التي تعكس ما تراه العين من شيء يتشكّل من ضوء وظلام . وها هو الكتف يحمل قصاصة جريدة وهمية يقرأ فيها، بينما نفس قصاصة الحقيقية يمسكها بكري بيده الآن .
ويحتج بكري الحقيقي، ويكلّم نفسه في مونولوغ يبين فيه أنه ليس من الضير، والعيب في شيء أن يتعلم الإنسان القراءة، وأن يقرأ عن أخبار الدنيا . فتصاب المجموعة بالملل لأنها تريد فعلاً حيوياً لهذا يطلب أعضاء المجموعة العودة إلى ما وصلوا إليه قبل دخول بكري، وهي سيرة منصور ابن القرية العالية الذي يغازل صنيورة التي تستجيب له على الرغم من إعجاب أبناء قريتها جميعاً .. وتأتي في هذا المشهد صنيورة الحقيقية، وقد اسبطتأت والدها بكري، وقد جاءت تعاتبه على تركها وحيدة في البيت . وعندما تلاقي وجوماً من المجموعة تسأل أفرادها عما يجري، وتلتفت لتسأل والدها إن كانوا قد أخبروه بشيء عنها أيضاً . ثم تلتفت إلى علي الكتف لتمازجه بتهكمها المعهود، وعندما تتفرس في الوجوه تعرف أنهم يلعبون لعبة تبادل الأدوار، فتبدي تعجبها من جنون الناس، وعندما ترى تهامي قد تنكر في شخصية محجوب القتيل تستغرب، وفيطلب منها والدها أن تهرب، لكنها لا تقبل، وتطلب منه أن يجابه، ويصارح .. لكنه يخشى الفضائح، فتقوم هي بالمهمة الجريئة .. لتستنطق كل من يتقول عنها، لتبين للمجموعة أن نار الحقد تنبعث ممن لم تدع لهم مجال لإغوائها، فهذا تهامي يتقول عليها بموقفه معها واحداً، واحداً . ولكن حسن أبو شرف ذو اليد المبتورة يهذي بمرارة لأن صنيورة لم تقل الحقيقة، ويطلب من المجموعة إكمال رواياتهم التشخيصية . فيشخص مسعد دور حسن أبو شرف الذي خرج لتوه، ويقول بلسانه بأنه قد نوى على الانتقام من منصور أبو العال من القرية العالية الذي سرق منهم صنيورتهم .. ويتهيأ الجميع للذهاب لكي يترصدوا لمنصور وينتقموا منه، ولكن حسّان الغوي ينبه المجموعة من الخروج جدياً لأن الحدث قد حصل قبل سنة .. وكان قبلها محجوب والشيخ نور الدين يحذران من العيون المنصبة على صنيورة، وما ستلاقيه جرّاء ذلك .
ويصور الكتف من خلال شخصية بكري “الحاضر والمشارك الآن” مشهد عقابه للصنيورة بضربها بالكرباج . في حين يشارك بكري الأصلي لممثل دور “علي الكتف” في ردود الأفعال بمعاناة خاصة .. وعندما ينتهي الكتف، يشير البكري إلى أن هناك غلطة في التشخيص، وهي أنه بطول عمره لم يرفع يده على صنيورة ليضربها . وتشير المجموعة في مداولات إلى أن بكري لم يرد ضربها، أو تحذيرها لأنه يريدها له، هكذا على علاتها، ربما لأنه لا يريدها أن تتزوج، وتبقى له لأنه ليس بأبيها .. لكنه يصر على أنه والدها، وقد رباها هو . وتدور المحاورة حتى ينهار بكري من المعاندة .. وعدم إثبات موقفه الأبوي أمامهم . أما المجموعة فقد صور كل منهم دوره في الترّصد، والمساهمة في عقاب منصور المترصد في المقبرة .. ولكن محجوب القتيل الذي يقوم تهامي بدوره . فيحتج على ما فعله الناس بمنصور الطيب، ويحذر مما سيصيب القرية بلسان الشيخ نور الدين لأنه مع هذا الذي فعلوه سوف تشتعل نار العدواة بينهم، وبين القرية العالية .
أما زغلول الذي يمثل دور علي الكتف، فيضحك بمرارة لأن الكتف لا خول له ولا قوة . فقد تغيرت حاله . وما عليه إلا أن يرمي النظارة، ويكسرها، ويحلق شعر رأسه، وذقنه لكي يجد علي الكتف الحقيقي، والأولي “الأصلي”، ويأخذ ما تبقى له وعود إلى المدينة “المركز” ليجد السايرة بانتظاره . لكن “الكتف” الحقيقي لا يوافقه لأنه لم يعد يستطيع السياقة، فيداه ترتجفان، ويخشى أن يقع له حادث، ومن هذه المناجاة والتأوهات ينزع حسان الغاوي أقنعته، ويعود إلى دوره الأصلي كراوي، فيطلب من سلامة اختتام هذا الباب، والاعتذار من الجمهور .
أمثلة (1\ص83):
صنيورة : “تستعرض الوجوه بنظرة متعالية متحدية” طيب كل واحد لديه كلمة يوفرها،
مثلما لديكم كلام، فأنا الأخرى لدي ما أقوله، وكل منكم له كلمة فأنا الأخرى
لدي كلمة مستعدة لقولها . “تحملق في تهامي” أقولها يا عم تهامي .. “علي
الكتف ينهض واقفاً ينصت في اهتمام .. بينما يتهاوى بكري على الأرض” .
تهامي : .. .. ..
صنيورة : أقولها ؟
تهامي : “في جمود” قوليها يا صنيورة .
صنيورة : “تتريث ثم تدير وجهها إلى بكري” هل تتذكر الخاتم الذهب يا والدي الذي
قلت لك بأني وجدته في المقبرة ؟ “بكري يرفع إليها وجهه في صمت – آذان
كل من على المسرح متعلقة بشفتي صنيورة” . لم أجده في المقبرة “الاهتمام
العام يتزايد، وصنيورة تعلق بصرها بوجه تهامي” لقيته قرب “الترعة” جدول
الماء، وأنا أملأ الجرّة . “حركة ارتياح من تهامي” .. ولكن تهامي لا يفارقه
الإحساس بالمهانة .. !
بينما تتداول المجموعة في حال القرية، وما أصابها من شرور بعد اعتدائهم على منصور من القرية العالية، حيث لا يوجد ما يربط القريتين غير عبارة يذهب، ويأتي الناس عليها من كلا القريتين بما فيهم الشيخ نور الدين الذي يأتي خمس مرّات من العالية ليقيم الصلاة في الجامع، وبما أن تأليب التنافر بين القريتين قد كان بسبب الاعتداء على منصور الذي اتهم بعلاقة عاطفية مع صنيورة فإن استمرار المشاكل قد أدى إلى كراهية خاصة للبكري وابنته، فما كان من البكري غير أن يقطع دابر المشاكل في أن يدمر العبارة صلة الوصل بين القريتين، وبتدميره لها لم يعطل المشكال فقط، وإنما عطل انسياب العلاقات الإنسانية، والاجتماعية والدينية منها، ولم يعد بإمكان الشيخ نور الدين المجيء إلى القرية الواطئة خمس مرّات في اليوم، فإن أقرب جسر للعبور يستغرق مسافة ساعة ذهاب وإياب في أقل تقدير لهذا يكون من العسير على الشيخ المتبرع أن يترك عمل خمس مرّات لهذه الفترة الزمنية، وليس هناك من أهل القرية غير سليمان أبو الحنفي الذي يدرس في الأزهر، وبحاجة لسنة، أو اثنتين لكي يتخرج، ويعود، إن هو قرر العودة .
إن قطع البكري لطريق العبور بتكسره العبّارة قد أنهى أمراً، وأسس لأمر أخطر، وعلى القرية أن تطرد البكري، وابنته لكي تعود الأمور إلى مجاريها، وعندها يعاد بناء العبارة، وتعود العلاقات بين القريتين على وضعها السابق . فهل يمكن الاستغاء عن البكري بالذات . إن المجموعة بقيادة محجوب لا تريده وتلب منه الرحيل مع ابنته، فلا حاجة لهم به .
غير أن للمواشي رأي آخر ، فها هو سلامة يأتي مستغيثاً لأن بقرتهم قد مرضت، فيتوسل بالبكري لكي ينقذها لأنها الشيء الوحيد الذي يعيلهم . وتتوالى الأصوات من جهات القرية العديدة متوسلة بالبكري لكي يبقى لأن وباءً انتشر بين المواشي من بقر وجاموس وليس غير البكري منقذ، ومداوي .
ويبقى الحال كما هو لأن الحاجة إلى البكري قد أنهت موضوع الهجرة، وهو المعين عند اشتداد الأمور لهم ولمواشيهم . وتلتفت المجموعة إلى البكري، تاركة نداءات محجوب المتواصلة في طرد البكري . ويحترق محجوب وزرعه في محاولة إنقاذ يائسة . فمن له مصلحة في ذلك ؟ إن علي الكتف الذي يشخص دور البكري يدعي على لسان شخصية البكري، بأنه هو البكري الذي حرقه، بينما ينكر البكري الحقيقي تلك الفعلة، ولكنه لا يجد من يصدق قوله فتعود حالة رفض المجموعة للبكري من جديد بعد موت محجوب بسنة عند مرور ست الكل زوج محجوب مع أولاها، وهي في دواوتها المتواصلة في البحث عن زوجها الذي سيعود. ويعود تأكيد سبب موت محجوب إلى البكري وابنته (1\103) .
إن بهية التي تظهر للمرة الثانية على الخشبة تمر على المستوى الثالث الذي يمثل حياة القرية فيراها أبوها حجازي، ويعاتبها على خروجها في هذه الساعة من البيت، ولكنها بحاجة لزيارة خالتها، لكي تداوي لها عيونها . وليس في يد الوالد غير أن يوصيها بالعودة المبكرة، والمباشرة للبيت .
وفيما تبحث المجموعة عما يمكن أن تشخصه من جديد بعد انتهاء كل ما لديها يخرج البكري عن صمته، وبعد تفكير طويل فيتوجه إلى علي الكتف بموافقته على تزويج صنيورة منه . فيتردد علي التف، ويبدأ بالتفكير لأن القرار قد صعقه بمباشرته، وسرعته . لكن زغلول “الذي يبدو واضحاً الآن أنه الآخر في شخصية علي الكتف، إذ لا موقف له، ولا شعور مغاير لتوجه علي الكتف غير تحريضه على مواقف يتردد فيها” .
إن زغلول يبقى يحاور علي الكتف لما سيصرا له إذا ما سيتزوج صنيورة .. سيكون لها أسير، لن يستطيع الذهاب إلى المدينة، ولا سواقة السيارة، وسيبقى أسير خواطره لأن باله سينشغل دائماً بها، وعليها . ويصل زغلول إلى إقناع علي الكتف برفضها . لأنه إن تزوجها فسوف تجعله خاتم في إصبعها، وسيصبح أيضاً مثل الطفل الصغير لديها . وهو لا يرتضي بذلك، وبمحاولات كثيرة من الإقناع يجعل زغلول، علي الكتف رافضاً للزواج من صنيورة رغم تنازل البكري عن شرط بقائهما في بيته، وويصر على الرفض بعدما يتنازل البكري عن المهر، وتبرعه بتكاليف الزواج، ودفع أجور عقد القران، وهذا ما يعزز موقف زغلول في إثارت حفيضة الكتف من جديد لأن البكري لو لم يكن له سبباً ما لما رما حمل صنيورة على الكتف نفسه .
ويضطّر البكري التوسل بعد رفض الكتف بكل من مسعد، وسلامة، وأي من المجموعة لكن الكل يرفض بحجج آنية للتخلص من المصيبة التي ستحل به لو تزوج صنيورة، لأن سريان عدوة الرفض قد شملتهم كلهم، ولم يبق على البكري إلا القنوط، والانكفاء على نفسه بعد أن مسح وجهه بتراب الخجل، وقام من ليداري أمره بقيادة المجموعة في عملية ارتجال لحكاية تشخيصية جديدة تبعد عنهم الهّم، يتقاوى فيها على ابتكار ما يسلي، ويُضحك إلى أن يصل لابتكار محكمة يقوم بها بدور القاضي الذي يحاكم البكري نفسه . فيستدعي سلامة ليشخص دور الحرامي كمدخل تمهيدي لمحاكمات أخرى . ويليه مسعد الذي يتقدم بشكوى على البكري القاضي على البكري الحقيقي بتعويضه لثمن الحطب الذي كان ينقله لصنيورة لحاجته الماسة إليها في شراء تذكرة قطار يأخذه إلى المدينة . ثم تنبري المجموعة إلى القاضي لتطالب بمحاكمة البكري الذي تسبب في حوادث كثيرة، منها كسره العبارة، وتسببه في الاقتتال بين القريتين، وانقطاع الشيخ نور الدين عن معاودة الجامع . ويطالبون القاضي “البكري” من جديد أن يرحل البكري عن القرية . أما علي الكتف فدعواه على البكري فهي في تركه المدينة، وقيادة السيارة، ودهسه رجل بدلاً من قطة، كان سببها أن بال انشغل دائماً بصنيورة، لهذا ترك عمله، وهرب من المدينة . وترى المجموعة في إصلاح العبارة ومصالحة الشيخ نور الدين، وإشعال الفنانوس في الجامع .
وينبري البكري بعد فترة صمت إلى المجموعة بالموافقة على التهم الموجه له ولصنيورة، وبعد أن كانت المحكمة قد تفرغت لإصدار القرار بالمداولة فتقرر على لسان البكري القاضي أن ما حصل لقرية لم يكن إلا بسبب صنيورة، ولهذا تستحق صنيوة العقاب والموت مما يجعل المجموعة تبهت، وترتفع أنشودة الحصاد بينما تخرج المجموعة، وقد انهت معضلة ظلت تلوكها .
ويعود حسّان الغاوي إلى دور في رواية الأحداث، ويستعرض من خلالها قرارات المحكمة وحكمها في الأخير على موت صنيورة، وليس لها ذنب سوى أنها جميلة، ومتبناة . وفي هذه الأثناء يرتفع صوت نباح الكلاب مع صراخ نسائي مفجع قادم من بعيد مما يجعل المجموعة تعود مهرولة، وقد تقدمها زغلول مخاطباً علي الكتف، ومؤنباً له على ما فعلته يداه . ويعترف الكتف بأنه ارتاح أخيراً، وقد تحرر من كابوس صنيورة، وسوف يكون حراً عند قيادته للسيارة . ويكون وقع هذا الاعتراف مذهلاً على المجموعة، والبكري معاً الذي يندب حاله، ومصابه في هذه الفجيعة، وفيما يتلو علي الطتف روايته، وكيفية قتله لصنيورة . تظهر صنيورة القادمة من البيت فيزداد ذهول المجموعة، وتعجبه ويعرف الجميع أن علي الكتف لم يقتل سوى بهية ابنة حجازي، فيختبل علي الكتف، ويهرب بينما يشهق حجازي وهو خارج منادياً باسم ابنته ..
ويعود الغاوي لختام روايته بما شاهده الجمهور حتى يسود صمت مطبق .

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *