مسرحية شمس النهار لتوفيق الحكيم /علي خليفة

 

 

نشر / محمد سامي موقع الخشبة

تعد هذه المسرحية من المسرحيات التي كتبها الحكيم في المرحلة الأخيرة من المراحل المختلفة التي كتب فيها مسرحياته، وفي هذه المرحلة حرص الحكيم في مسرحياته على الاقتراب من خشبة المسرح ببث فنون من الفرجة بها، ومزجها بجرعته الذهنية التي اعتدناها في مسرحياته الذهنية، وأيضًا اهتم في مسرحيات هذه المرحلة بمواكبة التغيرات المتسارعة، وحركات التجديد والتجريب في المسرح العالمي، خاصة المسرح الملحمي، كما أرسى قواعده بريخت، ومسرح العبث عند رواده بيكيت ويونسكو وأداموف، وكذلك في هذه المرحلة كان الحكيم مستشعرًا جوًّا من المنافسة مع شباب المؤلفين الذين ظهروا في الخمسينات والستينات، كألفريد فرج – وهو أقرب المؤلفين الشباب آنذاك لمدرسة الحكيم في الكتابة – ونعمان عاشور – وهو أقرب في أسلوبه في الكتابة لطريقة الريحاني وبديع خيري – ويوسف إدريس الذي أغراه نجاح المسرح في الستينات، فاتجه إليه، وحول في البداية بعض قصصه مسرحيات من فصل واحد، كمسرحية جمهورية فرحات. واهتم بقضية إيجاد مسرح عربي مصري في شكله ومضمونه، فكتب مسرحية الفرافير، ونشر ثلاث مقالات مهمة عن تجربته في صياغة مسرح مصري عربي نشرها بعد ذلك في مقدمة مسرحية الفرافير حين طبعها. واهتم في هذه الفترة بعض كتاب الصحافة بالكتابة للمسرح،ونجحت مسرحياتهم لمعالجتهم قضايا تهم الناس آنذاك، واقتربوا من المسرح التجاري في إثارة المشاهد وإمتاعه في مسرحياتهم، ومن هؤلاء الكتاب محمود السعدني، وأنيس منصور.
هذا ملخص سربع للفترة التي كتب فيها الحكيم مسرحياته الأخيرة. ومن مسرحياته الأخرى التي كتبها في هذه المرحلة مصير صرصار، والطعام لكل فم، والسلطان الحائر، ويا طالع الشجرة. وجو مسرحية شمس النهار شبيه ببعض أحداث قصص ألف ليلة وليلة، وفيها تناص مع بعضها. وتحكي المسرحية عن الأميرة شمس النهار، وهي أصغر من أختيها، ولها شخصية مختلفة عنهما – وقد اعتدنا هذه التيمة في القصص الشعبية – وهي ترفض أن تتزوج كما تزوجت أختاها من شخصين لهما نفوذ وثراء، بل تريد أن تتزوج شخصًا يروقها فكره قبل أي شيء، ويخضع والدها لإرادتها، فيوافق على طلبها بأن يتقدم إليها أي شخص من أي بلد من البلاد، ولو أجاب عن سؤالها المعتاد – وهو ماذا ستفعل بي لو تزوجتني؟ – بما يتوافق معها ستتزوجه مهما يكن مستواه الاجتماعي ومركزه المادي، ومن يفشل يعاقب بجلده ثلاث جلدات.
ويظهر في الفصل الأول كثرة من تقدموا للأميرة شمس النهار، وفشلوا وجلدوا، ويظهر متقدم جديد يدعي أن اسمه قمر الزمان، وحين توجه إليه شمس النهار سؤالها المعتاد: ماذا سيفعل بها إن تزوجها؟ فيرد عليها: ولماذا تصرين أنت على أن يفعل بك الآخرون شيئًا لم لا تفعلين أنت شيئا؟ وتظن الأميرة أنه شخص في حاجة لتقويم، ويوهمها هو بذلك، فيقول لها: أنا كقطعة من الطين شكليني كما تشائين، وتوافق على التحدي، وتقبل الزواج منه، ولكنه يرفض الزواج منها، فهو قطعة طين لم يكتمل نضجه، ولا يصلح للزواج، وعليها هي أن تعلمه حتى يصلح زوجًا لها، وتوافق على الخطوبة فقط بينهما، وتخرج معه للحياة في زي جندي.
وفي الفصل الثاني يظهران وسط غابة، ويتضح أن قمرًا هو الذي يعلم شمسًا، فيجعلها تعتمد على نفسها، وتأكل من الطعام على قدر شهيتها. ويريان شخصين سرقا خزانة الأمير حمدان
– وهو أمير على أحد البلاد –، ويقبضان عليهما وهما يحاولان دفن الأموال التي سرقاها، وخلال ذهابهم لقصر الأمير حمدان يفر هذان الشخصان.
وفي الفصل الثالث نرى شمسًا ما زالت متنكرة في ملابس جندي مع قمر في قصر الأمير حمدان الذي يشكرهما على إحضار المال المسروق من خزانته له، ونعرف من الحوار إعجاب حمدان بالأميرة شمس النهار، وأنه عازم على الذهاب لقصر أبيها لعله يوفق في إجابة سؤالها والزواج منها، وحين تقول شمس لحمدان: إنها من حرس شمس النهار يقربها منه، ويغار كثيرًا قمر الزمان، ويأتي الشخصان السارقان لأموال الخزانة، ويسلمان نفسيهما للأمير حمدان؛ لأنهما شعرا بذنبهما، فيعفو عنهما.
وفي الفصل الرابع نرى شمس النهار وقمر الزمان وحمدان في طريقهم لقصر الملك النعمان والد شمس النهار، وتقول شمس النهار لحمدان – وكانت ما زالت متنكرة في ملابس جندي –: القصر قريب من هنا، اذهب وحدك.
وتختفي شمس النهار عن عين قمر الزمان، وترتدي ملابس امرأة، فتبدو جميلة، وتصارحه بحبها له، وأنه هو الذي أعاد تشكيل طباعها، وأنها لا تحب حمدان رغم أنها غيرت كثيرًا من صفاته، وشاركت في تكوين شخصيته الجديدة، ويسعد قمر الزمان بتصريحها له بحبها إياه. وفي هذه اللحظة يأتي حمدان وقد أدرك أن الجندي الذي كان يرافقه في الطريق هو شمس النهار، ويطلب إلى قمر مبارزته لتحديد الفائز منهما بقلب شمس، ولكن شمس النهار تخبره أنها أحبت ابن الشعب البسيط قمرًا، وتطلب إليه أن يعود لمملكته، ويحسن معاملة رعاياه، ويوافق، وتنتهي أحداث المسرحية.
وقد ذكر توفيق الحكيم في تقديمه لهذه المسرحية أنها مسرحية تعليمية، كمسرحيات بريخت خاصة مسرحية
بادن بادن.
وفي رأيي أن هذه المسرحية ليست كلها تعليمية، فالفصلان الثاني والثالث منها يغلب عليهما الجانب التعليمي والحرص على التعليم والتربية بشكل مباشر، بل أظن أن الفصل الثاني من هذه المسرحية أقرب لأن يكون موجهًا لمسرح الطفل، ففيه إرشادات ومواقف تخص عالمه على وجه الخصوص – ولهذا صاغ الحكيم بعد ذلك هذه المسرحية قصة للطفل ونشرت –.
أما الفصل الأول من هذه المسرحية ففيه أجواء الحكايات الشعبية، وقصص ألف ليلة وليلة، وقصص المغامرات والألغاز، فالأميرة شمس النهار تسأل كل من يتقدم إليها سؤالاً هو كاللغز، ومن يجيب عليه يفوز بها، ومن يفشل يجلد ثلاث جلدات، وقد لجأ شكسبير لهذا الموقف النابع من الحكايات الشعبية في مسرحية تاجر البندقية، فقد أوصى بيانكا الجميلة أبوها ألا تتزوج إلا الشخص الذي يجتاز الاختبار الذي أعده لها قبل موته، ومن يفشل فيه يحق عليه الموت.
والفصل الأول من هذه المسرحية هو أكثر فصولها حيوية؛ لتوافر عناصر الفرجة فيه بوجود جو الحكايات الشعبية به، ووجود الأنماط الكوميدية فيه، كشخصية الوزير الذي يراه الملك النعمان شخصًا لا يقوم بعمله كما يجب، ومع ذلك يأخذ مرتبه، وحين يقدم فكرة يعجب بها الملك النعمان يفشل كالعادة في إقناع شمس النهار بها، وكذلك نرى في هذا الفصل شخصين تقدما لشمس، وأظهرهما الحكيم بشكل ساخر مضحك.
ويأتي قمر الزمان مختلفًا عن كل من تقدمه، فهو فقير مفلس، ويدعي السذاجة، وتحتار شمس في أمره، ويصر الملك النعمان ووزيره على رفضه، ولكن شمسًا تقبل الزواج منه، وتكون المفارقة في أنه لا يقبل منها الزواج في الوقت الحالي، فهو في حاجة – كما يزعم – لإعادة تشكيل، وتكون المفارقة الأخرى مع تتابع الأحداث في المسرحية أن قمر الزمان هو الذي أعاد تشكيل عقلية شمس النهار، وصارت جزءًا منه.
وفي النسخة القديمة للمسرحية ينتهي الفصل الرابع بعدم زواج قمر من شمس، فالشخص الذي يؤثر في عقلية شخص آخر وفي تكوينه لا يمكن – حسب نظر الحكيم – أن يجمع بينهما الزواج، بل التقدير من المؤثَّر فيه للمؤثِّر، والعطف من المؤثِّر نحو المؤثَّر فيه، كما هو الحال مع بجماليون وجالاتيا في مسرحية بجماليون، وكما هو الحال مع شهزاد وشهريار في مسرحية شهرزاد.
ولكن الحكيم أعاد كتابة نهاية الفصل الرابع من هذه المسرحية بحيث يتزوج شمس وقمر في ختامها، كما طلب إليه مخرج هذه المسرحية فتوح نشاطي.
وإذا كان الفصل الأول من هذه المسرحية ممتلئًا بعناصر الفرجة والتشويق، والفصل الثاني أقرب لمسرح الطفل فإن الفصلين الثالث والرابع أقرب لمسرح الفكر، وفيهما يعرض الحكيم القضية التي عرضها من قبل، وهي علاقة الشخص المؤثر في شخصية تأثرت به.
وهناك سؤال يطرح نفسه هل هذا الخليط في الأشكال الذي رأيناه في هذه المسرحية أفادها؟ وفي رأيي أنه أضر بها أكثر مما أفادها، ولو أكمل الحكيم باقي فصول مسرحيته بالوهج الذي رأيناه في الفصل الأول منها لكنا أمام مسرحية تفف إلى جوار المسرحيات العالمية، كمسرحيته الفريدة السلطان الحائر

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *