مسرحية “بنات لالة منانة” العالم السري لفتيات يحلمن بالتمرد على سلطة الأم

فيصل عبدالحسن – العرب  – مجلة الفنون المسرحية 

 

الاقتباس أمر متداول في المسرح العربي خاصة، فكثيرا ما نجد مسرحيات عربية تكون في الأصل نصوصا مسرحية أجنبية، يقع تعريب نصها وحتى رؤاها لتتأقلم مع الجمهور العربي، وهذا ما يطرح العديد من الإشكاليات لا سيما في ما يتعلق بعلاقة العمل المقتبس بالنص المقتبس عنه. وقد قدمت أخيرا في المغرب مسرحية مقتبسة عن نص رمزي للشاعر الإسباني غارسيا لوركا، لكنها جاءت في نسختها المغربية عملا كوميديا.

قدمت فرقة طاكون المغربية مسرحية “بنات لالة منانة” على مسرح محمد الخامس في الرباط مؤخرا، وسط حضور جمهور غفير. المسرحية تحكي معاناة أربع فتيات مع أمهن المتسلطة في أسرة ريفية تعيش بمنطقة شفشاون شمالي المغرب.

أخرجت المسرحية سامية أقريو، وأعدّتها نورا الصقلي، ومثلتها كل من سامية أقريو، نورا الصقلي، هند سعديدي، السعدية أزكون، مريم الزعيمي، السعدية لديب، وأعدت الملابس والموسيقى والسينوغرافيا رفيقة بنميمون.

الكوميديا والعنوسة

تتناول المسرحية الكوميدية العالم السري لفتيات تعصف بهن أفكار الإحباط والتمرد على سلطة أمهن التي تطلب منهن بعد موت أبيهن غلق الأبواب والنوافذ وإسدال الستائر، والامتناع عن الخروج ومقابلة الرجال.

فتغرق كل واحدة منهن في خيالها الواسع، وهي ترسم صورة لفارس أحلامها، الذي سيخترق عالم عزلتها، ويدق على باب بيتهن لينتشلها من عالم العنوسة وظلام البيت. كل واحدة منهن تروي لأختها معاناتها مع كوابيس الوحدة، وانتظار الآتي البعيد وتوقها إلى رجل تشاركه الحياة.

ضحك الجمهور كثيرا خلال العرض بالرغم من المعاناة التي يراها على وجوه الممثلات، وهن يؤدين حركات الحرمان، ويطالبن بـ”رجل” أي رجل لينقذ كل واحدة منهن ويخرجها إلى عالم الحرية. مرد هذا الضحك أن المسرحية تقدم لجمهور من المدينة، معظمه من الرجال، وعدد كبير منهم يعاني من العزوبية والكبت، والفتاة هي المطلوبة من قبل الرجال وليس العكس وهنا تكمن الكوميديا.

المخرجة أكدت هذا الجانب لنقل المفارقة إلى الجمهور، وجعله يضحك بدلا من أن تستدر شفقته نحو الفتيات الريفيات البائسات، اللائي يطالبن بوضع أكثر إنسانية وحرية لهن. فقد عالجت مخرجة مسرحية “بنات لالة منانة” طوال العرض أحزان العوانس بالكوميديا.

وبالرغم من أنّ الأم تحاول أن تشغلهن بالتطريز وغزل الصوف وتحويله إلى خيوط لعمل الكنزات والصداري، إلا أنّ كل ذلك لا يملأ فراغ يومهن. تشاطرهن الخادمة الوحدة والكآبة، ويومها لا يخلو أيضا من ركل السيدة منانة، وشتائمها بسبب أو دونه.

“بنات لالة منانة” يقدمن أحزان العوانس في قالب كوميدي يجعلنا نتساءل عن علاقة المسرحية بالنص الأصلي

وحالما تسمع الأخوات بخطبة أختهن الكبرى لشاب وسيم، حتى يبدأ الصراع بين الأخوات للحصول على هذا الرجل بأي ثمن بجعله يتخلى عن أختهن، وكل واحدة منهن تطمح إلى الحصول عليه لنفسها.

تختلط في العرض آهات الحزن والكبت والإحباط للفتيات وهن يواجهن ظلم أمهن التي فقد قلبها الرحمة، فهي المتسلطة على بناتها في حركاتهن وسكناتهن، يناصرهن مجتمع ذكوري في القرية يرى في كل ما تقوم به الفتاة من أفعال خارج مؤسسة الزواج عارا وعيبا وقلة حياء.

السيدة منانة بعد فقدانها زوجها تصير إليها سلطة الأب على أربع فتيات وخادمة، فنراها تستخدم سلطة الذكر الذي غيبه الموت، مزودة بمعرفة الأنثى لما تفكر به بناتها، وما يمكن أن يمثله المجتمع “خارج البيت” من مخاطر محتملة على شرف العائلة، واسم راعيها السابق والحالي “لالة منانة”.

تسمية لالة، حسب اللهجة المغربية تعني “السيدة الموقرة” فالتسمية هنا للنص المسرحي بـ”بنات لالة منانة” تعطي الانطباع بأنّ هناك علاقة وطيدة بين شرف هاته البنات، وتوقير المجتمع لأمهن المبجلة.

النص الإسباني

المخرجة التي قامت بكتابة حوارات النص وإعداده للعرض كانت دقيقة الاختيار في هذا الجانب بالرغم من أنّ المسرحية “مغربنة” للنص المسرحي الإسباني “بيت برناردا ألبا” للشاعر الإسباني المعروف غارسيا لوركا 1936، كتبها قبل مصرعه في الحرب الأهلية بإسبانيا. وهي القسم الثالث من ثلاثية بدأها بمسرحية “عرس الدم” 1932 و”يرما الرقيقة” 1934.

حاول لوركا فيها نقل روح التمرّد والثورة لدى الفلاحين في الجنوب الإسباني إلى المسرح، في مسرحية “بيت برناردا ألبا” التي تبدأ بقداس كبير لموت الأب يؤشر على بداية سطوة الأم على بناتها.

رمز فيها لوركا إلى انتهاء عصر الإقطاع وصعود الفاشية في إسبانيا والتمرّد على السلطة الجديدة وإدانتها، حين تنتحر أصغر الأخوات بشنق نفسها في غرفة نومها، وحمل فتاة أخرى من فتى غجري طارئ على القرية.

نقل لوركا من خلال العروض الثلاثة بداية حركة التمرّد النامية في المجتمع الإسباني لوقف التسلّط الجديد. وكل ذلك يتم من خلال لوحات راقصة، وغنائية كتبها لوركا بشاعريته الرقيقة، ومعرفته العميقة بالفولكلور الغنائي الإسباني، والتقنيات المستخدمة في مسرحية لوركا جعلت الدراما المعروضة، رمزية أكثر مما هي دراما أحداث واقعية تجري في الريف الإسباني.

ولم تأخذ نورا الصقلي، التي كتبت حوار النص المغربي من المسرحية الإسبانية غير الدراما الريفيّة من خلال طرح مشكلة “العنوسة” في الريف، وطرحت جانبا الرمزية التي قصدها لوركا في نصه الدرامي.

وحاولت ما أمكنها الزج بمواقف كوميدية في مشاهد النّص، ظنا منها أن الكوميديا ستكون أكثر نجاحا وقبولا لدى جمهور مسرح اليوم في المغرب، ولكن هذا لم يضف للنص الأجنبي المقتبس عنه رؤية جديدة. وأفقده أيضا رمزيته الشعرية، وتنبؤاته المستقبلية، للسياق التاريخي، الذي ستتخذه الأحداث في إسبانيا.

وأضافت الرقصات الفولكلورية والأغنيات والموسيقى الإسبانية في العرض المغربي الكثير من المتعة للجمهور، وجعلته يشعر أنه إزاء نص يتحدث عن واقع آخر، وثقافة أخرى، بالرغم من ارتداء الممثلات للأزياء المغربية التقليدية وحملهن لأسماء مغربية، وترديدهن أمثالا من الفولكلور المغربي، وتأديتهن لحركات فتيات من ريف شفشاون في المغرب.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *