مسرحية ” الناقوس ” تأليف أحمد ابراهيم حسن

              مسرحية ” الناقوس ” تأليف  أحمد ابراهيم حسن

ـ اللوحة الأولى ـ
          ( بقايا مدرسة .. ركام من الأحجار .. سارية علم .. من وراء السور تظهر
            المدينة بألوانها الرمادية الكالحة من خلال بعض الشجيرات الجافة ..
              على يمين الساحة ما يزال هناك جدار صامد .. في أعلاه ناقوس 
              المدرسة .. بين الحين والحين نسمع  اطلاقات نارية ..
              وقع أقدام تقترب.. لهاث .. دقات قلب قوية وسريعة..
             يدخل المعلم .. منهوك القوى .. ينظر برعب الى الجهة التي قدم منها.. 
              يتقدم متحديا..
            يمسك بحبل الناقوس.. يقرع الناقوس ثلاث مرات .. نسمع بعدها أصوات   
            و تهليل تلاميذ مندفعين نحو الساحة .. هرج وجري..
             يسود الصمت  ..)
المعلم /  (بابتسام) .. صباح الخير .. صباح الحب ..
           أوه .. هذا البرد اللعين.. هيا يا أولاد لا تسمحوا لهذا البرد بأن ينخر 
          عظامكم..( يصيح ) : مكانك .. هر..و..ل ..
( يبدأ بالهرولة في مكانه .. يقوم ببعض التمرينات الصباحية وهو يعد )
..أربعة .. ثلاثة .. اثنان .. واحد.. أحسن .. رائع ..أسرع .. عظيم .. أبطئ قليلا.. قف .
تلاميذ.. استعدوا لنشيد الصباح ..
( يقف أمام السارية جامدا .. ينظر خلفه بعد برهة لا يحدث فيها شئ ) ..
: اذن أعزائي .. سنؤجل نشيد الصباح ورفع الراية قليلا الى أن تشرق الشمس
          تماما .. وأرجو أن تبقوا في صفوفكم ..
                     ( يعود لوضع الاستعداد )
      :لحظات وتطلع الشمس.. ويعم النور والدفء..
       ستطلع .. ستطلع ..
       ( ولد صغير.. يسير على أمشاطه .. يقف خلف المعلم مقلدا وضعه للحظات )
الطفل :  (وقد مل ) .. أوووف ..
المعلم : هس .. ( صمت )
الطفل : ( بعد فترة ) .. وبعد يا أستاذ ..؟
المعلم : علينا أن لا نمل ولا نكل .. هذه لحظات … ( يضطرب ) ..  يجب أن ننسى 
          أنفسنا بل ونذوب فيها تماما .. لأنها الحب .. كل الحب ..
الطفل : الحب .. كل الحب .. الحب .. كل الحب ..
المعلم : ( مستديرا ) .. و..ولد ؟!
الطفل : ( يجري ويعانق  المعلم بحرارة ..)
المعلم : أأنت بخير ؟.. والآخرون ؟؟ .. هل .. هل تعرف من من زملائك قد .. قد
          .. لماذا أتيت اليوم ؟ .. قل لي …هه؟ .. ما اسمك ؟.. في أي صف كنت ؟
         أجبني .. لم تأت في مثل هذا الجو البارد ؟
الطفل : ( يعطس .. يحاول أن يتكلم ولكنه يعطس ثانية )
المعلم : ( يخلع سترته ) .. بردان ؟..البس هذه .. البس يا صغيري .. ( يلبسه )..
         لماذا أتيت ؟ ..
الطفل : سمعت.. الناقوس ..
المعلم : الجرس ..؟
الطفل : هل سمعته ؟
المعلم : أنا ؟ .. نعم .. نعم .. ولكنك يا صغيري تعرف أن المدرسة ! … وتأتي 
لمجرد سماعك الجرس؟ ..
الطفل : وأنت ؟
المعلم : يا بني .. الحقيقة .. أنا …
الطفل : خائف ؟..و أنا .. لا أدري لماذا ..ثم ..
المعلم : ثم ..؟
الطفل : ثم لم أخف .. ولكني كنت مترددا .. فالمدرسة صار شكلها مرعبا .. ولكن 
         حين سمعت الدقة الثالثة ..نسيت  أن المدرسة قد انهارت .. فجئت جريا 
          .. حتى اني لم أتناول افطاري بعد .. أوه .. يا الهي .. أنا في ثياب النوم !.. 
          أرأيت؟.. بل وحافي القدمين كذلك .. أوه شعري .. نسيت أن ..
                          ( يضمه المعلم الى صدره .. )
المعلم : هل بيتكم قريب ..؟
الطفل : نعم .. من هذه الناحية .. أوه .. هذه كراستي.. 
                 (يأخذ الكراسة من على قاعدة السارية )..
         يا الهي .. لقد اتسخت .. سأغير الغلاف مرة أخرى .. لدي خمسة قروش 
         وهي كافية لشراء متر من الورق اللامع .. أليس كذلك يا أستاذ ؟.. لا.. أنا 
         أفضل النوع الآخر من الورق .. هل عرفته ؟ ..
          ذلك الذي يرسمون عليه صورا للطيور والحيوانات الصغيرة .. فعلى هذا
          تلزمني خمسة قروش أخرى .. ( يفتش جيوبه)..
المعلم : ولكن المدرسة يا صغيري.. لا بأس تأكد أولا من أنها كراستك ..
الطفل : أكيد .. أنظر أليس هذا اسمي .. وهذا هو خطي .. واضح دائما .. أستطيع أن أقرأه بسهولة .. اسمع : ( يقرأ ) .. الطيور تبيض والثدييات تلد .. وهذه علامتك يا أستاذ .. عشرة على عشرة .. ممتاز .. ( ينظر للركام ) ألن نستمر ؟
المعلم : هذا غير ممكن الآن ..
الطفل : هل ستعيد بناءها؟
المعلم : أنا ؟
الطفل : ليتني كنت عامل بناء كي أساعدك ..
المعلم : ليس من الضروري أن تكون عامل بناء..
الطفل : يداي صغيرتان ولكن بالحلوى تكبران ..
المعلم : أبدا .. أنت لست صغيرا ..
الطفل : من قال هذا ؟.. أنا لم أقل اني صغير. قلت :  يداي صغيرتان ..
المعلم : معك حق ..
الطفل : المهم .. هل ستعود المدرسة كما كانت ..
المعلم : بالتأكيد .. بالتأكيد يا بني .. بكل تأكيد ..
الطفل : ( بعد لحظات ) .. أستاذ أنت حزين.. أليس كذلك ؟
المعلم : وأنت ألست حزينا ؟
 الطفل : بلى .. جدا ..( يبكي )..
المعلم : آه يا صغيري.. لا تبك .. هيا ارفع رأسك.. هيا ..( ملطفا الجو )
         قل لي : أين كنت عندما انهارت المدرسة؟
الطفل : أهي انهارت؟.. ظننت أنهم دمروها..
المعلم : ( بتوتر) .. ألا تقول لي : ما الذي أتى بك الى هنا يا ولد ؟
الطفل : الناقوس..
المعلم : أي ناقوس ؟.. أستغفر الله العظيم..
الطفل : ( مترددا ).. غضبت ؟
المعلم : لا.. أبدا ..( صمت ).. من أين لي بسيجارة؟
الطفل : هل أجيب ؟
المعلم: عن ماذا؟
الطفل : سؤالك ..
المعلم : أي سؤال ؟ ..
الطفل : نسيت ؟ ( يقلده ): قل لي : أين كنت عندما …
المعلم: آه صحيح .. نعم .. نعم ..
الطفل : كنت في الفصل .. كانت الحصة ..( يتذكر) .. آه .. قراءة .. كنت أنا الذي
        يقرأ.. قلت : بالحبو نبقى .. قاطعتني الشقية القصيرة التي كانت تجلس في 
       ركن الفصل وحدها ـ هذه البنت تضايقني دائما .. لأني أقرأ أحسن منها ـ 
       قالت : بالحب وليس بالحبو.. غضبت لأني كنت متلهفا للقراءة .. كنت أحسب 
       أني أفضل من سيقرأ وخاصة هذه الجملة بالذات .. فقلت أنت : صحيح بالحب 
      وليس بالحبو.. بالحب نبقى ولكن المهم أن نحب لكي نبقى..
المعلم : أنا قلت هذا .. أجل .. أجل .. وبعد ؟.. أكمل ..
الطفل : قلت لنا بصوت مخنوق :
المعلم : ( وكأنه أمام التلاميذ ساعة وقوع الحادث ).. ابقوا حيث أنتم يا أولاد.. لا
          تخافوا .. أكمل .. أكمل القراءة يا ولد .. أكمل .. أكمل ..(  صوت 
          الانهيار)..
الطفل : ثم لم أع ما جرى .. ما الذي حدث بعد ذلك ؟ .. ما الذي حدث..؟
المعلم : شئ فظيع .. مريع .. شئ مهول..
الطفل : ولماذا أنت هنا ؟.. ولماذا … ( يبكي ).. لماذا قرعت الناقوس؟.. أخبرني يا 
          أستاذ .. لم ؟
 المعلم : رباه .. لماذا ساقتني ساقاي الى هنا بالذات ؟ لماذا هنا ؟ ما الذي أتى بي  
            في مثل هذه الساعة ؟.. الخوف ؟ ارتباطي بهذا الفناء ؟.. لا أعلم .. لم 
          أكن أحس مطلقا   بهذا قبل أن تنهار المدرسة ..هه؟.. تنهار ؟.. رهيب.. 
          الجدران السقف .. الأدراج..  الأوراق .. كلها ..
          كلها اختلطت صلى السقف على رؤوس الصغار .. تدحرجت الأحجار
         المتساقطة لتسد المنافذ.. صلى السقف على رؤوس الصغار ..
         تدحرجت الأحجار المتساقطة لتسد المنافذ .. الكل يبكي .. الكل يصرخ .. 
         أياد ممدودة تطلب النجاة .. أفواه كالنواقيس ولكنها مبحوحة تطلب النجاة ..
         تطلب الحياة ..
         ليتني لم أر هذا ..ليتني اندثرت تحت هذا الركام وانتهيت ..آآآه .. هذا البرد 
         اللعين ..( أسنانه تصطك )..
( في هذه الأثناء تمد طفلة صغيرة رأسها من خلف السور .. تظل للحظات تحملق في الطفل .. وما أن يستدير المعلم حتى تختفي تماما .. )..
الطفل : ها هي .. اختفت ..
المعلم : من ؟
الطفل : البنت قصيرة القامة .. ما أن رأتك تستدير حتى اختفت ..( يجري ناحية 
          السور وهو يصرخ 🙂 .. هيه .. أسمعي .. هيه..
المعلم : انزل لن تسمعك ..
الطفل : لا ستسمعني .. انا متأكد .. أظنها قد سمعت هي أيضا الناقوس ..
                     ( يتمايل في جلسته وهو يترنم .. ).. 
المعلم : أراك سعيدا..
الطفل : يا الهي .. أحس أن وجنتي قد احمرتا .. أوه .. الدفء.. لم أعد أحس بالبرد
         ( يتمايل قليلا ) .. لماذا قرعت الناقوس يا أستاذ ؟
( يعاود الطفل الترنم .. الترنيمة تشجي المعلم .. يتمايل .. )
الطفل : لم أعد بحاجة لهذه السترة يا أستاذ .. يبدو الجو باردا ولكني لست بردانا..
         أستطيع أن أبقى هكذا حتى المساء.. سأنتظر..
 
 
 
 
                                ـ اظلام ـ
 
 
 
                           ـ اللوحة الثانية ـ
 
            (يقرع الناقوس ثلاث مرات ..  يسود الصمت .. 
              الطفل يجلس على السور دون حراك .. 
            تدخل امرأة تبكي بحرقة .. تبحث في الساحة وبين الركام عن شئ ما .. 
             تفقد توازنها فتجلس باكية منهارة ..)
المعلم : ما الخطب ؟ .. أأنت مطاردة ؟ 
المرأة :  ( تحاول أن تتماسك وتمنع نفسها عن البكاء) .. مطاردة ..
المعلم: هل هم كثيرون ..؟
المرأة : ( يلسعها البرد فتعاود البكاء )..
المعلم : لا عليك يا سيدتي استريحي.. أنت ترتعدين !
المرأة : ورقة في وجه عاصفة.. دعني .. لن تكون أرحم من غيرك..
المعلم: ( لا يعرف ما يقول ).
المرأة : الأيام تقسو.. والناس لا ترحم!
المعلم: ( يقترب منها بعد أن يخلع سترته ).. هذه تقيك البرد.. انهضي.. مبتلة ..
         الأرض باردة .. انهضي .. هكذا أفضل .. هنا لا تخافي .. ليس ثمة ما 
          يخيف.. صحيح دمار .. ولكن على كل .. هنا أمان ..
          الوحشة .. هناك .. خارج هذا السور ..هناك الجدران متراصة والنفوس 
           مبعثرة ..
المرأة : من أنت ؟
المعلم : بناء .
المرأة : بيوت؟
المعلم: أجيال .. معلم .. معلم تلاميذ يا سيدتي.. نعم هكذا اضحكي .. اضحكي يا 
         سيدتي ..
المرأة   : قالوا لي وأنا طفلة : أبوك مات قتيلا فبكيت ..
            بكيت حين ماتت أمي وأنا في  أمس الحاجة اليها .. 
            كبرت وتزوجت وترملت فبكيت ..  سلطت الأيام عنفها علي ..
            جابهت تحملت .. صبرت ..من أجل أن يعيش.. كان سلوتي الوحيدة ..  
            ولكن خاب رجائي.. وسدى ضاع سعيي وشقائي.. 
            كان نبأ الانهيار ضربة قاضية وجهها الزمان لامرأة تعيش في مستنقع 
           عفن قذر .. فلن تصدق كم ضحكت .. كم بكيت وكم صرخت ..
المعلم : لنا الله يا سيدتي ..
المرأة : لنا الله ..
المعلم : الحياة يا سيدتي تنولد من الشقاء ..
المرأة : نشقى لنعيش .. نعيش لنشقى.. تأخير وتقديم لا يطاق ..
المعلم : في كلا الحالتين لن نكف عن مد أيدينا للزمان نتسول حياة أفضل ..
المرأة : لا اله الا الله .. البعض يبني والبعض يهدم ..اننا نتسول ونجمع وهم 
          يسرقون ما نجمع .. اولئك البراغيث اللعينة التي ترقد على جنبها
          كي لا تموت تحت ضغط أصابعنا..
المعلم : لأنهم يحبون الحياة هم أيضا .. ولكن بأنانية قط جائع   
المرأة : ألا يحب كل منا الآخر ما دمنا جميعا نحب الحياة .. ألسنا جزء من هذه 
         الحياة؟  
المعلم : تسألينني أنا ؟ ( ساخرا ) .. أنا يا سيدتي الكريمة .. لا أدري كيف أصوغ
         لك العبارة .. لا أجد سوى مطارد .. لا بأس.. أنا يا سيدتي محارب 
         مطارد.. أنا من فئة المحاربين ولكني لا أجد عدوي ..لوكان عدوي 
        كالبرغوث على حد قولك لاستمتعت بتكتكته بين أظافري .. غير أنه لا 
         يرى.. اننا على حق .. انها معركة من أجل حياة أفضل .. ولو تم لي 
         الظفر… ولكن الى الآن لا أعرف بالضبط ماذا أفعل .. 
المرأة : ليس قبل أن تقول أولا:  ماذا تفعل هنا .. ؟
المعلم : ضاقت بي الدنيا.. كدت أختنق .. فخرجت من غرفتي بعد أن أشعلت نصف 
         لفافة تبغ كنت قد دخنت نصفها الأول ليلة البارحة .. أنا لا أدخن كثيرا.. 
        ولكن حين لا أجد … أحيانا لا أجد وسيلة أعبر بها عن سخطي سوى نفث 
         الدخان كالمهرج من فمي وأنفي وأذني معا  .. عادة .. ومن الصعب أن 
        أغير عادة اعتدت ليها .. وكنت قد اعتدت أن آتي للمدرسة كل صباح .. 
        طبعا حينما كانت مدرسة.. وكنت حريصا على أن أكون أول الحاضرين
         لكي أقرع الجرس   .. 
المرأة : أنت .. أنت ؟
المعلم : أنا .. نعم .. لماذا تنظرين الي هكذا؟ .. أرجوك أنا لا أحب .. أن.. أن..
المرأة : أقول كيف يمكن لمحارب نبيل مثلك ـ كما تدعي ـ أن يقرع الجرس؟
المعلم : ( وقد أحس بالاهانة ) .. مثلي ؟..وما وجه الغرابة ؟.. مثلي ؟ .. 
         لم أفهم هذه ..ماذا تعنين بمثلي يا سيدتي ؟.. قرع الجرس أمر عادي..
         بامكان أي فرد أن يقرع الجرس .. أيام المدرسة كنت أنا من يقرع الجرس
        كنت أستمتع بذلك كثيرا.. ماذا تعنين بمثلي هذه يا سيدتي ..؟
المرأة : قرع الجرس أيام المدرسة شئ .. أما الآن وفي مثل هذا الوقت فهو شئ 
         مختلف تماما .. 
المعلم : شئ مختلف .. صحيح .. ربما تقصدين .. جنون ..   
المرأة : لا .. لا
المعلم : ازعاج ؟
المرأة : ( تنظر اليه بغضب )..
المعلم : لا .. ليس ازعاجا .. حسنا يمكننا أن نسميه: …
المرأة : قلة ذوق .. دناءة .. وحشية ..
المعلم : مهلك .. مهلك يا سيدتي .. على رسلك ..
المرأة : أتدري كم أبكيت أما فقدت طفلها لمجرد سماعها جرس المدرسة ؟ ..
          أتدري كم خدعت تلميذا كان يغط في نوم عميق متدثرا بالأغطية الدافئة 
          لمجرد سماعه جرس المدرسة ؟ ..أتدري؟ .. أنظر .. 
          ( تشير الى الطفل ).. هذا ألم يخدع ؟.. أي قسوة ؟.. وفي مثل هذا الجو !
المعلم : اغفري لي ..
المرأة : كنت ساخطة لقرع الجرس ..
المعلم: ( يسعل بشدة ) .. هذا البرد اللعين ..
المرأة : وبنفس القدر .. انتابني شعور غريب .. شعور بالأمل .. هرولت من البيت 
        الى هنا لأرى هل عاد التلاميذ الى دراستهم أم لا.. لا أنكرك القول : كنت 
       أبكي من الغبطة .. خيل الي أني أرى الحياة تدب في الشوارع .. أحسست 
       بالتجدد .. وظلت دقات الناقوس ترن في أذني طوال الوقت ..
      كنت أقول في قرارة نفسي: ان رؤية تلميذ واحد حمل حقيبته على ظهره 
     متجها نحو المدرسة تسري  عن نفسي.. ويطيب لها خاطري .. وتعيد الي الثقة 
     بأن الحياة لم تتوقف بنا على حافة منزلق خطر..
            حبي لولدي دفعني لرؤية هذا المشهد وكنت متلهفة لرؤيته ..
المعلم : أالى هذا الحد ..
المرأة : كان جزاء عملي الطيب في الدنيا ..
المعلم : فليرحمه الله ..
المرأة : ملاك .. ملاك من ملائكة الرحمة .. باسم الثغر .. مشع الوجه .. عيناه 
         بالأمل تبشران .. وجهه الصغير يغريك بألا تحيد ناظريك عنه.. يسلب
        عقلك .. تتيه فيه دون أن تدري .. براءة .. براءة ..
         بينما كنت أسير في احدى الأزقة وهو معي .. أوقفتني فتاة عابرة .. وراحت 
        تقبله بشراهة ..ثم قالت : أهو ابنك ؟..قلت وأنا أكاد أطير من الفرح : ابني 
        نعم ابني ..فقالت ممازحة : لا أصدقك .. اعترفي .. من أين سرقتي هذا 
       الولد؟.. يجب أن آخذه منك .. كنت أعرف أنها تمزح .. ولكن قلبي انقبض ..
       وخفت بشدة عندما شد طرف ثوبي وهو يصرخ .. لا .. أمي! .. ضحكت 
       الفتاة .. وكانت لمسة جميلة منها لتطمئنه قائلة : أرجو أن ألقاك مرة أخرى 
       يا خطيبي .. وحين ابتعدت سألني من هذه ؟ فقلت : خطيبتك.. فكر قليلا .. ثم 
      التفت خلفه ثانية ..وضحك بخجل شديد ..كان خجله يدفعك الى الانحناء لتقبيله 
      .. أحسست من يومها بالخوف عليه.. كنت خائفة أن أفقده ..أضيعه .. كنت 
      وبكل شراسة الأم في الذود عن صغارها حريصة عليه .. ولكن ..
      ( يترنم الولد فتقترب منه ) .. أوه لقد نسيت نفسي .. ولكن لا بأس .. أنا لست
       نادمة على لقائك البتة .. لقد ارتحت الآن .. أشعر ببعض الدفء ..
المعلم : أنت .. كأني .. أنا.. أشم رائحة أمي .. أختي .. أشم حتى رائحة غرفتي..
المرأة : غريب .. لست .. أنا لست أدري .. كأننا التقينا من قبل ..
المعلم : التقينا !.. من قبل .. من قبل .. ( يحاول التذكر ).. هذا جائز ..!
            ألا تقفين في طوابير الأفران القديمة انتظارا لرغيف خبز ؟
المرأة : بلى كثيرا ..
المعلم : ألا تترددين مثلا على محل السباكة لتصلحي صنبورا يزعجك تقطيره
          ليلا ؟
المرأة : صحيح حالتي تسمح لي بالوقوف في طوابير الخبز بكل شجاعة .. ولكن أن 
          أحاول اصلاح صنبور المياه .. فهذا فوق طاقتي ..ثم ان تقطيره ليلا يجعل 
          الجو شاعريا .. ألا ترى هذا ؟ 
المعلم : تك .. تك .. تك.. (يضحك ) .. جميل ..
المرأة : ولكني أذهب أحيانا للحم الصفيحة العتيقة التي أسخن فيها الماء..
المعلم : فمن المحتمل اذن أن نكون قد التقينا هناك ..
المرأة : ما قصدت هذا ..
المعلم : أين يمكن أن نكون قد التقينا ؟
المرأة : قلت لك ما قصدت هذا ..
المعلم : اذن ؟!
المرأة :أشعر وكأن هذا ليس اللقاء الأول بيننا ..
المعلم : ليس اللقاء الأول .. ليس اللق… تذكرت .. لعلك صحبتي ابنك مرة الى 
         المدرسة و …
المرأة : ( وقد خاب أملها ) .. ولا هذا أيضا.. ألا تفهم ؟
المعلم : ( محتجا ) .. نعم نعم !؟
الطفل : أستاذ  .. انها هناك ..لقد أشارت لي بيدها .. تلك الشقية ..هيه .. أنا أراك ..
المرأة : آه لو أعرف فقط ..
المعلم : ماذا ؟
المرأة : لماذا .. لماذا قرعت الناقوس؟
المعلم : ( بضجر ) .. أيضا ؟؟
 
        ـ اظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام ـ
 
 
                     ـ اللوحة الثالثة ـ
 
              ( يقرع الناقوس ثلاث مرات ..  يسود الصمت  .. 
               الطفل على السور .. المرأة تجلس على الركام .. 
             يدخل بوسعدية .. شيخ مسن .. خفيف الحركة.. يحمل كيسا على ظهره 
             .. يشير الى الخارج وهو يضحك..)
 
بوسعدية : المعاتيه ..
المعلم :     ( في وضعه المتجهم ) هش ..
بو سعدية : يا ..
المعلم :     هش..
بوسعدية : ال ….
المعلم  : هش ..
           ( يقترب  بوسعدية من المرأة وهو لايزال يضحك )
بوسعدية : الأوغاد..
المرأة  :   ( دون أن تنظر اليه ) .. هس..
بوسعدية : ولكنهم يا ….
المرأة    : هس ..
                        ( يقترب من الطفل )…
بوسعدية : الكلاب .. ( يتوقع المقاطعة ولكن الطفل لا يعيره اهتماما ).. ال .. ال ..
الطفل : هل سمعت الناقوس ؟
بوسعدية : حزين للغاية ..
الطفل : أنت ؟ 
بو سعدية : الناقوس ..
الطفل : وأنت ؟
بوسعدية :  بوسعدية.. المهرج الذي كان يزوركم أيام الدراسة ..
الطفل : ( يكذبه بتأتأة من فمه )
بو سعدية : هه انظر ..( يحاول أن يؤدي بعض الحركات .. مما يتسبب في ايلام 
              ظهره ).. 
الطفل : ( يضحك ) ..
بو سعدية : صدقت ؟
الطفل : والدليل ؟
بوسعدية : دليل .. دليل .. عندي .. معي صور.. صورة مع جحا ..
الطفل ( يضحك )..
بوسعدية : ألا تصدق ؟ .. وصورة مع علي بابا ..
الطفل : غير صحيح .. أنت وعلي بابا ؟ (يضحك) .. علي بابا والأربعون 
            حرامي.. كسندباد و يا سمينة .. وجحا وحماره ..
بوسعدية: طبعا أنت لا تقصد ..
الطفل : قرأتها كلها ..
 بوسعدية : سأحكي لك واحدة منها.. الكبار لا يحبون سماعي..
الطفل : بوسعدية لا يحكي مثل هذه الحكايا ..
بوسعدية : ان لم تكن هي نفس الحكايا فهي شبيهة بها ..
الطفل : واو .. بوسعدية .. لا يجلس .. ولا يتوقف عن الجري .. ولا وقت لديه 
          للحكايات ..نعم و شكله مضحك .. أما أنت …
بو سعدية : وما الفرق ؟
الطفل : أنت كبير .. ترتجف ..أنا لا أرتجف .. ولكني جائع..
         ( بوسعدية يحضر وليمة ويدعوه اليها .. يجتمعون حول المائدة.. يأكلون
          بشكل ايمائي .. ينفضون وهم يضحكون .. المعلم يقتلع بيده حشائش نابتة.. 
           يناولها للطفل)
بو سعدية : لديه ما يقول .. اجلس يا صغيري فجعبتي مليئة بالحكايا..  
الطفل :   ليس الآن ..
بوسعدية : أنا مدين لك يا شقي ( يقلد الرنات).. أنت؟ .. أنت يا عفريت..لماذا 
            فعلت هذا ؟
الطفل : ألم ترها ؟
بو سعدية : لابأس .. هل تقيمون هنا يا سيدتي؟ ..مكان رائع.. ولكن ..
              ألا ترين هذا ؟
المرأة : ماذا ؟ 
بو سعدية : الأحجار .. أليست كرؤوس العرسان المقطوعة ..؟
المرأة : رؤوس الأطفال ..
المعلم : عرسان شمس ..
بوسعدية : أوه لديه ما يقول.. يعني ( شمس بين حيطتين) ..
المرأة  : أتعرفه ؟
المعلم : بوسعدية .. مهرج..
بوسعدية : ما من شئ أفضل من ملاعبة الصغار.. على الأقل بالنسبة لمن كانوا
         في مثل سني.. هذا ما أستطيع عمله في حياتي هذه الآن..
         حينما كنت طفلا .. كنت مولعا بجمع الحكايا والأساطير من ذاكرة الشيوخ
         والعجائز .. كنت لا أجد أي حرج في ذلك .. فهم أيضا كانو مثلي.. تخمين 
         منطقي أليس كذلك ؟ 
المرأة : ( تتنهد ) .. الأدوار تتبدل ..
بوسعدية : تدور بنا الدوائر ..
المعلم : الزمن ..
بو سعدية :  ( صارخا) ليس وحده .. ( يتمالك نفسه ) .. ليس وحده ..
        في حكاية (شمس بين حيطتين)..تخيل معي .. لمجرد أن تعجز عن حل لغز 
          لتمتلك الشمس بين يديك .. يقطع رأسك ..ويعلق على أسوار المدينة.. 
          تصبح رأسك  طعما لاصطياد الشمس .. أترى كم هو بخس ثمن هذا 
           الرأس؟ .. وكم هي رخيصة تلك الأرواح ؟
المعلم : ولكنها الشمس ..
بو سعدية : وقد خلقت لنا .. من أجل جميع الأحياء .. كلهم .. حتى الشيوخ.. 
             ولكن قل لي : أتعتقد أن أولئك الساعين لاصطياد الشمس ..  
             أو لنقل للفوز بها حمقى؟ بالتأكيد حمقى .. ولكني أغفر لهم ..
             لا لشئ الا لأنها تستحق .. فهي أنثى كالحياة تماما ..
             وأنا أقدر هذه الحياة… يا لها من أسطورة.. من أجل الحب يبنون للكره 
             معابد .. يلوون الأعناق ( يضحك ) .. أليس هذا عبثا مضحكا ؟
             ألا تعتبر خيانة لو أن أحدهم حل لغز الشمس .. وفي نشوة الاحتفال  
             والابتهاج يغتصبون شمسه وعروسه..؟؟
المعلم  :  مأساة ..
بوسعدية : ولكنها مضحكة .. لا تتحسس ولكن فكر .. وستجد أنها مهزلة مثيرة 
            لنوع غريب من الضحك ..
           أن تبدد أنوثة الحياة تضحية من أجل اللاشئ .. حينها ستضحك الرؤوس
           المعلقة على بوابات المدينة وأسوارها.. وكذلك الأرواح .. وتدق الجثث
            أسقف القبور المظلمة بأذرعتها المتخشبة .. رافضة الظلمة ومطالبة هي 
            أيضا في حقها من نور الشمس ..ألا ترى أن في الأمر خيانة ؟
المعلم  : انك تشطح بخيالك كثيرا ..
بوسعدية : ألم أقل لك :اني مولع بالحكايا والأساطير؟.. انها زادي الذي لا ينضب
           زادي الذي يبعث الدفء الساري في هذا الجسد البارد .. عندما أحكي
         للصغار يخيل لي أن عمري يطول.. وأن القوة تعود لهذه العضلات 
         المترهلة …
المعلم : قل .. قل .. لا تتوقف ..وماذا أيضا ؟
بوسعدية : أحقا تهتم لحديثي؟.. غريبة..( ضاحكا ) .. أنت تستحق قبلة .. ( يرسل
             له قبلة في الهواء ) .. هل وصلت ؟..
المعلم : اني أحس بالدفء..
بوسعدية : وأنا كذلك .. دفء حقيقي.. ( يسود الصمت ).. هل أنتم باقون ؟
المعلم   :  أين ؟
بوسعدية : هنا ..
المعلم  : اننا ننتظر.. 
بوسعدية : ماذا؟
المعلم : الشمس ..
بوسعدية : ثم ..؟
المعلم : لست أدري ..
بوسعدية : ( يقترب من المرأة ) 
المرأة : لست أدري ..
الطفل : أنا أيضا أنتظر .. أنا متأكد .. انها وحيدة .. ولهذا ستأتي ..( تترنم ) ..
بوسعدية : ولماذا الناقوس ؟
المعلم : لم أقصد ازعاج أحد ..
بوسعدية : أنت ؟.. ثم .. أنا لم أقل ذلك ..
المعلم :  لا تكثر الأسئلة ..
بوسعدية : يا ولدي قرعة ناقوس قد تعني لي أشياء كبيرة .. قل .. انها الآن أمامي
             أكثر الألغاز ابهاما ..
المعلم    :  لا تحمل الأمر أكثر مما يستحق .. رننت الجرس .. لأني …
بوسعدية : لأنك ماذا ؟
المعلم    : لست أدري .. رغبة غريبة دفعتني لهذا العمل الجنوني .. لست أدري ..
بوسعدية : أكنت تتحدى ؟
المعلم    : من ؟..
بو سعدية: السكون .. الصمت ..
المعلم   : ربما .. ربما ..
بوسعدية : اذن .. فأنتم باقون .. ( يتخير له مكانا).. ينقصنا نشيد الصباح يا معلم..
المعلم   :   ليس هذا وقته ..
بوسعدية : ومتى اذن؟.. كل الوقت بنبغي أن يكون مساحة للراحة والأمن والحب!
المعلم   : حين تطلع الشمس ..
بو سعدية : سأنتظر معكم .. انكم تدخلون قلبي من أوسع بواباته .. رغم أني أشك
              في  سلامة عقولكم .. أنا لم أصادف في حياتي كلها شخصا يحسب 
             حسابا ويقف استعدادا لشروق الشمس .. انكم تبدون كشخوص 
             الحكايا ..! .. يآآآآه .. ليتك تنزع عني هذه السترة .. الدنيا حر ..
المعلم  :  دعها فقد تبرد ..
الطفل :  ( يترنم )..
بوسعدية : أقول لنفسي أحيانا : ان هؤلاء الصغار هم ثمرة الشجرة العجوز !..
            وهذا خير عزاء للشيوخ .. أليس هذا صحيحا؟
المعلم :  ( ضاحكا ) ..دعني أتعالم قليلا.. انك كرجل متعلم تعلم أن الأوراق هي 
           رئة الشجرة تتنفس بها.. فاذا هبت رياح الخريف .. تتساقط الأوراق .. 
           ولكن الشجرة العجوز تتحدى الموت واقفة صامدة لأنها تحمل كل أفكار 
          الحياة في ثمرتها .. فكم هي بريئة هذه الحياة .. وكم هي جميلة ومثيرة 
          بأنوثتها ..
المعلم:  بريئة ؟!.. ( يضحك بمرارة ).. انظر خارج هذا السور وسترى أنوثتها
          الجميلة والمثيرة ..
بوسعدية : ياولدي .. الحياة بالضبط كنوتة موسيقية .. خطوط .. ومسافات .. 
           سكتات ومرجعات ..تحاور بين الآلات .. تآلف .. تآلف .. فلكي نسعد 
          بالعيش فيها علينا أن نفهمها ـ ونحبها أولا ـ كما يفهم الموسيقي لغته .. 
          لابد لنا من المرونة .. مرونة تلك الأنامل التي يجيد بها العازف لغته..
          لغة لسانه الآخر الذي بين يديه ..والا فلا لوم على الحياة ولا على 
          مؤلف سمفونيتها الرائعة  .. اذا ما صدرت عنها نغمة ناشزة ..  
           ـ لا تستغرب .. تعلمت الموسيقى في شبابي  ـ ولكن ألا تعجبك هنا ..
           داخل هذا السور؟.. والا فلماذا تقرر البقاء هنا ؟..
           الأمن لا ينبعث من المكان بل من المقيمين فيه .. منك.. ومنها..
           ومنه.. ومني .. منا نحن ينبعث الأمن .. وهكذا العالم .. انه في حاجة 
           لصدق أكبر ..
المعلم    :   لود أكبر ..
المرأة    : لحب أكبر وأنقى ..
بو سعدية : لكي يصبح صالحا لايوائنا .. أنا أحس بالراحة والأمن هنا ..
             أنتم أشخاص هادئون جدا .. مجانين من نوع آخر ..
المعلم    :  ولكننا قلة .. 
بوسعدية : ( بغتة ) .. أها .. أمسك !.. ولنربط الآن .. رجل قرع الناقوس
            ولا يعرف لماذا .. جاء بعض الأشخاص على قرع الناقوس .. ومن 
                الواضح أنه ارتاح اليهم .. والا لما خلع سترته في مثل هذا الطقس .. 
                وراح يلبسها لكل منهم حتى لا يصيبهم البرد .. ثم يقول : اننا قلة .. 
              قلة !.. ( يضحك ).. لديه ما يقول ..
              لا تقل لي : ماذا تقصد بأننا قليلون هنا .. ولكن قل لي :
               لماذا قرعت الناقوس ؟..
 
 
                         ـ اظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام ـ
           
 
 
 
 
 
 
                    ـ اللوحة الرابعة ـ
               (يقرع الناقوس ثلاث مرات .. يسود الصمت  ..المعلم أمام السارية ..
                 الطفل يقفز من على السور .. المرأة تقف .. بوسعدية يسعل بشدة 
                وألم.. يهرع الجميع اليه ويلتفون  حوله )..
المرأة    : حرارتك مرتفعة ..
بوسعدية : انها حمى الموت ..
الطفل  : ( باكيا ).. لا ..
المعلم : أنت بحاجة للراحة .. 
بوسعدية : أنا مرتاح الآن .. مرتاح جدا ..
           (بارتياح ) لقد انتهيت .. فلا أريد لك أن تفجع مرتين يا صغيري ..
           يقولون ماذا يترك الكهل لأبنائه غير أفق الموت ..!
          انتهى .. سجل حافل بالـ … من يدري؟.. شريط .. ما كنت أدرك أنه 
          سيطول بهذا القدر.. العمر .. أطال الله لكم فيه .. وصلت قوافلي عطشى
         الى نهاية المطاف .. وأحمد الله أن أحدا لم ولن يعرف لي بيتا .. آن لي الآن
        أن أخلع عني قناع المهرج .. قناع بوسعدية .. هذه الجمجمة دنا فصل 
       غرسها في التراب كالبطاطا .. لن يبكيني الا المهرجون .. الذين يخفون 
        البؤس تحت أقنعتهم .. ( يضحك ) .. يا سادة بكل تواضع أعرفكم بنفسي : 
المعلم   : ( بمرارة ) .. كهل يموت .. امرأة لاحول لها ولا قوة .. صغير شاحب 
           ورجل مجنون ..
المرأة :  ( على حدة ) لخوفي من أفقد الحب .. كنت أعقد حبل الود مع الأحزان 
           والهموم والآلام …
        ( تستمر في الكلام بصورة غير واضحة ..)
بوسعدية  : ( على حدة ) .. هو عالم آخر.. لا ضغينة فيه .. لا امتهان .. لا خيانة ..
            لا كره ..  لا جوع .. لا برد ..
المعلم : اننا هكذا دائما .. لا نستيقظ الا لنجد أنفسنا قد سقطنا من على الأسرة
         ومن بعد ذلك نبدأ في التألم والصراخ ..
المرأة : عشنا ضفادع .. نزغرد بينما السيل يجرفنا ..
بوسعدية : كانت لدي مشاريع كثيرة ..أناشيد جميلة .. كنت حزينا لأني لم أنجزها
            كلها .. ولا حتى بعضها .. أنت ستكملها .. فأنت من قرع الناقوس
المعلم : ( صارخا ) .. أنا لم أفعل شيئا .. لماذا يصر الجميع على أن يجعل مني
          بطلا؟ .. أنا رننت جرسا .. رننت جرسا وكفى ! ..
بوسعدية : يا ولدي ..
المعلم : اتركني .. ابتعد عني .. صدقني .. أنا لم أفعل شيئا .. صدقيني يا سيدتي ..
          أنا رننت جرسا وكفى .. يا صغيري أنا لن أعيد لك مدرستك.. لن أعيد لك  
          بيتك .. لن أعيد لك أصدقاءك .. لماذا تجبرونني على تحمل عبئكم جميعا ؟
بوسعدية : يا ولدي لامكان لنا ..
المرأة   : لاأحد لنا ..
الطفل  : ستأتي .. ستأتي ..
المعلم  : اذن .. هيا معي ..
المرأة  : الى أين ؟
المعلم  :  لدي غرفة صغيرة هناك في آخر العالم .. فوق قمة جبلية .. صحيح لا
            تعترض الريح نوافذ .. كما أن رائحتها بؤس وعرق .. ولكنها أفضل
           قليلا من هذا المكان .. ولا ينقصها سوى ..  
المرأة   : سوى ..
بوسعدية : سوى أحياء.. أنا سأموت ..
المعلم : هناك يمكنك أن تعيش أكثر ..
بوسعدية : أهكذا تظن ؟
المرأة  : القلب يتسع .. هذا الفناء يتسع للمزيد .. الجرس لم يكن قويا بالدرجة 
          الكافية ..
بوسعدية : القلب يتسع ..
المعلم  : سأذهب ..
المرأة  : أتوسل اليك ألا تخرج من هنا ..
المعلم   : لا شئ يجبرني على البقاء ..
بوسعدية : سأمنعك بالقوة ..
الطفل :.. لا ..
المرأة : سينهار كل شئ .. المدينة ترتعش .. تتقيأ غبارها المسموم ..
         أنا خائفة .. سينهار كل شئ ..
المعلم  : ( للخارج متحديا ) .. ها أنا ذا .. ماذا تريدون .. ها أنا أقف أمامكم ..
بوسعدية : افعل شيئا ..
المعلم   : وماذا أفعل؟
بوسعدية : الحبل ..
المرأة   : الحبل ..
بوسعدية : شد الحبل ..
( يتمسكون جميعا بالحبل و يبدأون في قرع الناقوس بقوة )
                   ( تشرق شمس الصباح تدريجيا ) 
 
                               ستار  
——————————————————
المصدر : مجلة الفنون المسرحية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *