مسرحية الفصل الواحد : علي خليفة

 

 

المصدر : محمد سامي موقع الخشبة

في بداية هذا المقال أحب أن أطرح سؤالا وهو هل مع الإيقاع السريع جدا في عصرنا هذا الذي ظهر فيه القصة الومضة والقصيدة التي لا تتجاوز كلمات قليلة أن تصبح مسرحية الفصل الواحد هي الأنسب لهذا العصر؟
ولا أظن من السهل الإجابة على هذا السؤال على الرغم من أن صورة مسرحية الفصل الواحد تبدو هي الغالبة في العروض المسرحية في المهرجانات، بل إننا نرى في بعض هذه المهرجانات عندنا مسرحيات طويلة يتم عمل إعداد لها، لتختزل في فصل واحد بدون توقف
ولنترك الإجابة حينا على هذا السؤال ونستعرض تاريخ هذ الوع من المسرح وأهم خصائصه الفنية، وأنا لا أستبعد أن يكون الإغريق قد عرفوا هذا النوع من المسرح، وأغلب الظن أن المسرحيات الأولى لهم كانت قصيرة بحيث يمكن إطلاق مسرحية الفصل الواحد عليها، ولم تصلنا هذه المسرحيات الأولى لفرونيخوس وغيره ممن مهدوا الطريق لكتابة المسرحية كما رأيناها في نصوص كتابها الكبار الذين وصلت إلينا نصوصهم وهم أيسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس وأرسطوفان
وفي ظني أيضا أن المسرحيات الساتيرية – وهي مسرحيات تتسم بالجو المرح -كان بعضها أقرب للمسرحية ذات الفصل الواحد في قصرها، وذلك لأن كاتب التراجيديا كان يؤلف إحداها بين تراجيدياته الثلاث التي يعرضها في المسابقات المسرحية آنذاك، ولكونه يقدم عملا فيه قدر من الفكاهة، وقد يكون غير مؤهل للكتابة فيها فكان يقصر في مساحتها، كما أن هذه المسرحيات الساتيرية كانت كالإسكتش الكوميدي
وأيضا أرى أن مسرحيات الكوميديا ديلارتي كانت أقرب في ارتجاليتها للمسرحية القصيرة أو ما نطلق عليه مسرحية الفصل الواحد، وليس غريبا أن نجد موليير المتأثر في مسرحه بالكوميديا ديلارتي أن يكتب بعض مسرحيات من فصل واحد مثل مسرحية الحب أحسن طبيب ومسرحية زواج بالإكراه ومسرحية الديوث الواهم، وكذلك كتب مسرحيتين من فصل واحد دافع فيهما عن مسرحيته مدرسة الزوجات ورد على مهاجميه في هذه المسرحية فيهما، وهاتان المسرحيتان هما مسرحية نقد مدرسة الزوجات ومسرحية مرتجلة فرساي، وفِي هذا الصدد يقال إن الكاتب الإيطالي ربيب الكوميديا ديلارتي كارلو جولدوني قد كتب ما يزيد عن مائة وخمسين مسرحية من فصل واحد
وفي القرن التاسع عشر نرى أن مسرحية الفصل الواحد قد صارت تغري كثيرا من كتاب المسرح بالكتابة من خلالها، وبعض الشعراء الرومانتيكين كتبوا بعض مسرحياتهم الشعرية من خلالها لأنهم رأوها أقرب للقصيدة في تركيزها كما نرى في مسرحية نزوات ماريان لألفريد دي موسيه، ورأينا مع نهاية هذا القرن وبداية القرن العشرين كتابا برعوا في هذا النوع من المسرحية، لا سيما الكتاب الأيرلنديون وعلى رأسهم جون ملينجنتون سينج وليدي جريجوري، ووليام بتلر ييتس، وكتب جورج برنارد شو عدة مسرحيات من فصل واحد، وكذلك بيرانديللو وأونيل وغيرهم من كتاب المسرح في العصر الحديث
واللافت للنظر أننا نرى أن بعض الكتاب كانوا يبدءون الكتابة للمسرح بكتابة مسرحية الفصل الواحد حتى يتمكنوا من الفن المسرحي، وحين يشعرون بأنهم امتلكوا أدواتهم كاملة في كتابة المسرحية يشرعون في كتابة المسرحيات الطويلة كأونيل الذي بدأ كتابته للمسرح بمسرحياته القصيرة، وحين تأكد من موهبته في الكتابة المسرحية كتب المسرحيات الطويلة
وفي العصر الحديث أيضا صرنا نرى كتابا قديرين في كتابة المسرحية القصيرة ذات الفصل الواحد ولكنهم يبدون كتابا عاديين حين يكتبون المسرحيات الطويلة، ويأتي على رأس هذا الفريق الكاتب الأيرلندي جون سينج الذي برع في كتابة المسرحية القصيرة ذات الفصل الواحد الكوميدي منها كمسرحية زواج الحداد والمأساوي منها كمسرحية الراكبون إلى البحر التي أعدها كثير من النقاد أعظم تراجيديا كتبت في فصل واحد، في حين أن مسرحيتي سينج الطويلتين- وهما مسرحية فتى الغرب المدلل ومسرحية ديدار فتاة الأحزان- مسرحيتان قليلتا القيمة مقارنة بمسرحياته القصيرة
وأيضا من الظواهر التي نراها في العصر الحديث وتتعلق بمسرحية الفصل الواحد أننا نرى بعض الكتاب يكتبون في البداية مسرحيات من فصل واحد ثم يَرَوْن أن هذه المسرحيات يمكن تعديلها أو إعادة صياغتها في مسرحيات طويلة، وهذا ما فعله أونيل بمسرحيته القصيرة قبل الإفطار التي نتج عنها مسرحيته الطويلة لوثة الشاعر
ومع ازدهار الصحافة في العصر الحديث مال كثير من كتاب المسرح للمسرحية القصيرة لأنه يسهل نشرها في عدد واحد لمجلة أو جريدة، وفِي هذا الصدد نلاحظ أن أكثر مسرحيات توفيق الحكيم ذات الفصل الواحد كان قد نشرها في جرائد ومجلات كانت تغريه بالكتابة فيها، وكان يغريه بالاستمرار بالنشر فيها للتجاوب السريع والكبير الذي يراه من القرّاء لهذه المسرحيات
وقد أثبتت مسرحية الفصل الواحد أنها أقدر على التفاعل مع الأحداث الساخنة المتسارعة من المسرحيات الطويلة فخلال هذه الأحداث لا يجد الناس وقتا طويلا لمتابعة المسرح ومن هنا تكون هذه المسرحيات ذات الفصل الواحد الأنسب في ذلك
كذلك أظن أن مسرحية الفصل الواحد هي الأنسب للتعبير عن القضايا الاجتماعية سريعة التغيير من المسرحيات الطويلة
وأيضا أظن أن مسرحية الفصل الواحد هي الأكثر تناسبا مع من يقومون بمغامرات الكتابات التجريبية في المسرح، ولهذا نرى أن كثيرا من كتاب المسرح الطليعي في العالم قد لجئوا لهذا الشكل المسرح، كيونسكو في كثير من مسرحياته كمسرحية الكراسي ومسرحية المغنية الصلعاء ومسرحية الساكن الجديد وبيكيت في مسرحية الشريط الأخير، ومسرحيات أخرى، وأرابال في مسرحية الناسك ومسرحية ” الجلادان”، وهارولد بنتر في مسرحية الحجرة، وفِي كثير من مسرحياته، وإدوارد أولبي في مسرحية قصة حديقة الحيوان ومسرحيات أخرى كثيرة له، وغيرهم من كتاب مسرح الطليعة، وكتاب المسرح التجريبي
وبعد فأنا أظن أن مسرحية الفصل الواحد سيستمر إغراؤها لكثير من كتاب المسرح لتناسبها مع إيقاع العصر السريع، ولكنها لن تقضي على المسرحية الطويلة، لأنها الأساس في المسرح، ولكونها أيضا تقدم للمشاهد حدثا يعكس جانبا من الحياة لا يمكن عرضه إلا من خلال هذا الشكل من المسرحيات

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *