مسرحية «الصفحة السابعة».. كوميديا العبث

يمكن لعصام بو خالد وفادي أبو سمرا أن يستعيدا مسرحية “الصفحة السابعة” من الأرشيف وأن يدخلا بجدارة بها سباقاً مسرحياً، يبدو أن الأسبوعين الماضيين اتسعا له. لقد كان المسرح أثناء احتفالية مسرح المدينة في كل مكان وبدا للجميع ما حازه المسرح اللبناني في السنوات الأخيرة، بل ما ثابر عليه في السنوات الأخيرة، مع ذلك كانت الحصيلة مقتصدة. إذا جاز أن نسمي للمسرح اللبناني خلال هذا الوقت فإننا نسمي مسرحين، «الحكواتي» و «مسرح العبث أو اللامعنى». بدت هناك أيضاً علائم مسرح يقوم على تداعي الصور والمشاهد المتفرقة التي ليس الوصل بينها واضحاً، إلا أنه بدا مستحدثاً وبادئاً لدرجة لم تسمح بإدراجه في التراث المسرحي.

«الملك يموت» لفؤاد نعيم والصفحة السابعة لابو سمر وأبو خالد ينتميان الى ذات النوع لكن هنا في وقت واحد يونسكو وبيكيت. يونسكو يؤلف أساطير لمسرح العبث، وبيكيت يصل بالكلام الى حالة الهراء بل اللامعنى الكامل. قدم فؤاد نعيم «الملك يموت» ونفضها من طقوسيتها ليحيلها هراءً ومعنىً مضادّاً. عصام أبو خالد ألف في «الصفحة السابعة» عملاً، نموذجه الأول بيكيتي بل إن المسرحية لم تذكر في ختامها «في انتظار غودو» اعتباطاً فقد كانت هكذا تشير إلى نموذجها ومثالها. هذا فيما كانت حنان الحاج علي في «جوغينغ» تستطرد في مسرح الحكواتي وتبني عليه.

«الصفحة السابعة» هي الصفحة المفترضة في الصحف للوفيات، وعصام أبو خالد وفادي أبو سمرا بعد أن يستهلا المسرحية باللعب على «الوسط» على ما بين بين، يعودان إلى الصفحة السابعة التي تتيح لهما أن يختارا الجنازة التي حضورها يعود عليهما بالعشاء الأدسم، لكن النقاش في هذه النقطة ينتهي إلى الهراء وفقدان المعنى، وما يتبع ذلك ليس إلا متابعة اللعبة التي تستطرد في تفريغ الكلام من معانيه وتعريضه للهراء. يمكننا أن نقول إننا من هذه الناحية أمام نص حاذق، له قدرته على ابتكار حوار يتراشقه الممثلان وكلما استرسلا فيه عرّي من معانيه وبانت لا معقوليته الكاملة، النص منشس هذه الناحية متقدم حقاً وبارع. إن الحوار بين الممثلين مكتوب بسخرية ذكية كما أنه فائق الابتكار فائق اللعب بالأفكار طرداً وعكساً فائق المسرحة، فنحن نكاد، ونحن نرى المسرحية، نضاهي النص بنموذجه الأول، بل نحن لا نشعر بأن الحوار يرتخي أو بهت أو يفقد لمعانه وتألقه. أننا في هذا الوقت الذي نفتقر فيه إلى نصوص، ونواجه في مسرح المؤلف عوائق كثيرة. في هذا الوقت نحن أمام مسرح مؤلف ناجح وبالطبع نحن أمام مسرح جذاب وممتع، إذ لا أشك بأن المسرحية رغم بعدها الفكري والفلسفي ورغم تجريديتها ورغم تداعياتها، المسرحية رغم كل هذا كانت مسرحاً جذاباً استقطب الحضور واستطاع أن يحتويه وأن يأخذ بمجامعه وانتباهه. لذا كنا رغم لعب المسرحية اللغوي والفكري أمام مسرحية جماهيرية بل شعبية، فالنص مكتوب بحنكة وخبرة وموهبة ومعرفة أكيدة. النص هكذا أثار الجمهور الذي خطف اللعب أنفاسه، ولم يتوقف عن ردود الفعل والتفاعل مع العمل المسرحي. استطاعت مسرحية بلا موضوع تقريباً وبمحاور فلسفية أن توجد جمهوراً متفاعلاً وأن توصل اللعبة المسرحية إلى كل من حضر وشاهد.

ليس النص وحده، هناك التمثيل الذي رغم اختلاط النص وتشابه الحوارات استطاع أن يكوّن لكلّ من الممثلين شخصية مسرحية. استطاع الحضور أن يفرق بين أبو سمرا وأبو خالد اللذين ابتكر كل لنفسه شخصيته المسرحية، واستطاع بالأداء أن يميز بين هجومية أبو خالد واندفاعه وبين ردود أبو سمرا الأكثر هدوءاً وأكثر انزواءً.

ثم إن المسرح كان حقاً المسرح، فعلى خشبة دوار الشمس، نجحت السينوغرافيا في أن توازن بين العتمة والضوء وبين الغبش والوضوح، بين الكلام والصمت، ثم إن الممثلين الاثنين استطاعا أن يملآ المسرح المتقشف وأن تتوزع حركاتهما على الخشبة كلها.

مع ذلك يبقى هناك سؤال، إلى أين مسرح العبث وإلى أين مسرح الحكواتي. الاثنان صارا في تراثنا المسرحي ولعبهما واختبارهما، مرة بعد مرة، جعلهما، إلى هذا الحد أو ذاك، أصيلين في مسرحنا وليسا طارئين فيه. إلا أننا مع ذلك نتساءل هل هذا وقت مسرح العبث.. وإلى أي درجة تشكل «الصفحة السابعة» استعارة رمزية لما نحن فيه اليوم. إذا كان سؤالها هو بشكل أو بآخر، يعكس بأي طريقة سؤالنا الراهن. مهما كان انجذاب الجمهور إلى هذا المسرح، كما أسلفنا، قوياً ونموذجياً ظل المسرح بالنسبة له كوميديا معلّقة. لقد استعير العبث ومفارقاته لهذه الكوميديا، التي قد تمر، بدون أن تطرح سؤالاً.

————————————————————————

المصدر: مجلة الفنون المسرحية – عباس بيضون – السفير اللبنانية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *