مسرحية الخلطة السحرية …بقلم : اسامة محمد الساعدي

يبدو إن النصوص المسرحية التي تستحق التحليل والوقوف عندها والتي تحاول ايجاد مكان متميز لها وسط الكم الهائل من النصوص المسرحية البائسة والرديئة والمستنسخة عن تجارب سابقة، قد باتت نادرةً وشحيحة ، وعلى الرغم من ندرتها إلا أننا بين فترة واخرى نجد نصا يشق طريقة بقوة ونجاح ليأخذ مكانه الحقيقي ويترك أثراً كبيرا وواضحا في ذاكرة المشاهد والمتابع وبنفس الوقت يضيف للمكتبة المصرية والعربية انجازا يستحق الاحترام والفخر، ويرسم بصمتة المتميزة على لوحة الابداع والتألق . ويبدو ان المؤلف والمخرج الشاب شادي الدالي وفرقته المسرحية التي قدمت عرضها المسرحي الجميل ” الخلطة السحرية ” على خشبة “مسرح الهناجر ” والتي أبدع فيها كاتب النص أيما إبداع ،واجاد في اداء ادوارها نخبة متميزة من الفنانين تتقدمهم الفنانة الرائعة والمتألقة ” فاطمة محمد علي ” التي اثبتت بحق انها لا تزال قمة في العطاء والأبداع ،من خلال دورها “السيدة التي فعلت كل شي لتكون سعيدة ” .
العرض المسرحي تناول “قضية الانسان العربي وصراعه مع ذاته بطريقة جميلة محاولا فيها ايجاد الأجوبة المنطقية لتساؤلات عديدة طالما شغلته ، من حوارات جميلة مع الذات بطريقة ساخرة وهادفه لتصل الى المشاهد بأسلوب درامي تمتزج فيه الجدية بالتراجيديا الهزلية الساخرة، الحدث الرئيسي المعالج داخل هذه المسرحية هنا هو إستعراض الزيف والتسلق والإنتهازية والنفاق ومحاولة تقمص الشخصيات التي يعيشها الانسان ومحاولته البحث عن الحقيقة والسعادة والأمل المفقود والتي تميز شخصية الانسان العربي بشكل عام ، و كذلك تسلط الضوء على الصراع الداخلي والأنا والأنتقام والانكسار الذي يتوغل في النفس الانسانية ، أما الشخصيات التي جسدت الأدوار وعاشت الأحداث في هذه المسرحية فقد كانت كلها شخصيات رئيسية ولم تكن هنالك شخصيات ثانوية ،وهذا بحد ذاته اعطى للعرض المسرحي خاصية جميلة جعلت المشاهد يستمتع في كل مشاهد العرض وحواراته، لأن كل شخصية فيها كانت تحمل هدفاً وموقعاً وتعكس صورة حية في تراكيب المجتمع المصري بشكل خاص والعربي بشكل عام ، ونجد كذلك أن جميع الشخصيات في المسرحية كانت تجمع بينها علاقة صراع اجتماعي وأخلاقي ونفسي . ونجد أن الزمان الذي تدور فيه أحداث المسرحية هو الزمن الحالي الذي نعيشه مع اشارات وايحاءات لموروثات عاشت فينا ولم نتمكن من التخلص منها او ايجاد أجوبة منطقية مقنعة لها ، ورغم ذلك نجد أن المفاهيم السلبية التي استعرضتها المسرحية هي مأساة كل زمانٍ ومكانٍ تقريباً ، لذلك اجد أن المسرحية التي بين أيدينا هي نموذج حي وواقعي لجملة من المسرحيات التي كانت و مازالت تعتبر بمثابة المرآة العاكسة لصورة المجتمع المصري والعربي ، و لعل هذه المسرحية التي بين أيدينا هنا قد أعطت المثال الحي على ذلك والذي نحن بصدده، فهي تعد مسرحية متكاملة ومتناسقة وشمولية على مستوى الشكل والهدف والمضمون لأنها بحق تمثل صفة المسرح الجاد والهادف والذي يعتبر مسرحا تثقيفيا وتوعويا لاثراء الحياة والخبرة والفكر الانساني والألتزام بالأجادة والأتقان لفن المسرح والألتزام بصدق التجرية التي يقدمها العرض المسرحي وسط هذه الظروف التي يعيشها المواطن العربي الذي قدم التضحيات من خلال دفاعه الانساني عن انسانيته وعن وجوده وصرختة المدوية التي يطلقها ضد التراكمات التي باتت تلتهم حياته واحلامه وطموحاته .
بقي ان اشير الى بقية الشخوص التي مثلت في العرض وتمكنت من وضع بصمتها بنجاح يستحق معه رفع القبعة لهم وهم :
الفنانة القديرة والرائعة ” فاطمة محمد علي ” في دور المرأة التي فعلت كل شئ لتكون سعيدة .
الفنان المتألق ” محمد حفظي ” في دور الحكيم .
الفنان المبدع “محمد سعداوي “في دور المنحني .
الفنان المتميز ” فهد ابراهيم “في دور ” المكسور “.
الفنانة الرائعة ” اسماء ابو اليزيد ” في دور ” الفتاة الدبدوب ” .
المبدعة “رحمة احمد في دور “هي ” .
والفنانة المتألقة ” اميرة رضا “في دور ” السكرتيرة “.
ديكور واضاءة المتألق “عمرو الاشرف .
موسيقى الفنان الرائع “مروان فوزي .
ازياء المبدعة ” شروق سامي .

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *