مسرحية “أو لا تكون”/حامد محضاوي

مسرحية “أولا تكون” لمركز الفنون الركحية و الدرامية بمدنين، في تجربة إخراجية بعد 5 سنوات لأنور الشعافي و نص بوكثير دومة. ، المسرحية مثلت إحتفاء بالمسرحي العالمي شكسبير بإعتبار مرور 400 سنة على وفاته. اقيم بناء الكتابة في المسرحية على أساس آلية الإنتقاء من أهم مشاهد مسرحيات شكسبير فكانت الخلاصة مراوحة بين مقتطفات من أربع مسرحيات “عطيل” و “هاملت” و “روميو و جولييت” و شكل هذا التقاطع ميزة المرتكز الكتابي و هو ما نجح فيه الكاتب ليس بإعتبارات التجديد و العمق في النص و إنما عبر المسحة الشاعرية البسيطة التي لاقت تماهيا و إنسيابا سلسا لدى المتفرجين بإختلاف فئاتهم و أنماطهم المسرحية. إن المزج ما بين مشاهد فارقة في مسرحيات شكسبير يتطلب عملا مضنيا في مستوى البحث عن روابط منطقية لإلتحام البنية المتكاملة للخطاب و للأداء الركحي من أجل القدرة على تجاوز الفراغات و الحشو الذي يسقط قيمة العمل. هذا أيضا كان النجاح ملحوظا من خلال التحكم في وقت المسرحية و خاصة تضمينها للأهم على حساب المهم و هذا يدل على أنه وقع تفاعل و نقاش ما بين المخرج و الكاتب ساهم في بلورة هذه المرتكزات المهمة في تشكيل البنية المتكاملة و لم يخضع العمل للنظرة الاحادية و هذا مهم.
في الجانب المسرحي مثل القماش الهوائي قطب رحى الأداء و مدار بناء المعنى، إن هذه الآلية التي يختص بها السرك و ما تمثله من عمق حركي و تقاطعي مثلت متنفسا للمخرج من أجل رسم جماليات جديدة و توليد معاني تفاعلية تكسر مع نمطية الاداء الأفقي، إذ أن هذا الفعل العمودي في المسرحية مثل نقطة ربط ما بين مجال حركي(صعود،نزول، نتقل،رقص…)و مجال توليدي للمعنى(سمو، إنحطاط،اخلاق،إنحراف،حياة، موت،مقدس،مدنس،سيد،عبد،حب،كره). إن القماش الهوائي لعب دور داخلي آداتي فاعل في مسار الحبكة إلى جانب الدور الظاهري في كسر نمطية الأداء الركحي الموسوم بالافقية. بحسب ما لاحظت فإن البناء العمودي عبر إستدعاء آلية القماش الهوائي مثل خلاصا للمخرج حمله عبء غائياته من خلال هذا العمل و هذا يمكن أن نتبينه من خلال عروض قادمة للمسرحية، اليوم في الخطوات الاولى لها يمكن ان نعتبرها فقط مغامرة تجريبية. ما يمكن الإشارة إليه هو أن إستدعاء آلية السرك لا يحب أن تتجاوز كونها أداء موظفة في مسار مسرحية لها دور معين و هو ما ذكرناه سابقا، إذ أن المسرحية تبقى سيدة نفسها بحيث لا تطغى المشهدية السيركية على الأداء المسرحي. في ناحية أداء الممثلين فقد لامس التميز عديد لوحات المسرحية من خلال الإتقان الجيد للنص المكتوب بلغة عربية فصحى ، حيث تجاوز جل الممثلين مرحلة النطق الشفوي إلى الإرتباط الروحي النفسي بالشخصية مما ساهم في تبليغ عميق لمستويات الخطاب و غنائيته. ما يحسب أيضا للممثلين هو التعامل المتميز مع القماش الهوائي بالرغم من أنهم لم تكن لهم تجارب سابقة في السرك.و هذا دليل على الحجم الكبير للإلتزام و العمل خلال البروفات. إن الممثلين حملوا بمجهودين هما مجهود بدني (اللعب على الاقمشة) و مجهود صوتي (اداء النص(هذا التزاوج يتطلب طاقة رهيبة من قبل الممثلين، في عروض اولى يعتبر الاداء إيجابيا في إنتظار تتالي العروض و مزيد إكتساب الاداء فعالية و نجاعة أكبر.
عمل عموما مقبول مع ضرورة العمل أكثر على مستوى الإضاءة خاصة في مستوى دخول و خروج الممثلين على الركح .
عمل إيجابياته أكثر من سلبياته في إنتظار تتالي العروض لمزيد إنضاجه و بلوغه مستويات إبداعية أكبر.
المصدر/ لبنان اليوم
محمد سامي / مجلة الخشبة‎

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *