مسرحة الأيام الأخيرة في حياة جورج أورويل : د. صبري حافظ

المصدر : ضفة ثالثة : نشر محمد سامي موقع الخشبة

تثير المسرحيات، التي تتناول حياة الكتاب، شهية النقاد للتعرف على كيفية مسرحة المؤلف الدرامي لما اختاره من أحداث ومواقف من حياة يفترض أنها معروفة إلى حد ما؛ وكيف استطاع أن يبلور عبرها عملاً دراميًا مقنعًا. وتعرض الآن على مسرح سازاك Southwark Playhouse  مسرحية من هذا النوع هي “السيدة أورويل Mrs Orwell” للكاتب المسرحي الإنكليزي توني كوكس Tony Cox، وهي مسرحية تقدم لنا الأيام الأخيرة في حياة إيريك بلير، الشهير بجورج أورويل (1903-1950)، الذي استشرف قبل وفاته الكثير من ملامح اليوتوبيا المقلوبة التي نعيشها منذ عقود. فلا تزال روايتاه الأخيرتان (مزرعة الحيوانات) 1945 و(1984) 1949 تستدعيان الكثير من الإحالات في أكثر من مناسبة. ولا تزال المصطلحات الجديدة التي صكها في روايته الأخيرة (1984) تملأ الخطاب الثقافي والفكري حتى اليوم. فقد أدخل فيها إلى قاموس اللغة الإنكليزية مصطلحات “الأخ الأكبر Big Brother” و”شرطة الفكر Thought Police” و”اللغة الملتوية Newspeak” و”اللاشخص unperson” و”جريمة التفكير Thoughtcrime” و”مقلب الذاكرة Memory hole” المأخوذة من مقلب/ مستودع النفايات، “والتفكير المزدوج  Double think” وهو أعمق درجات النفاق، وغيرها من المفردات والصياغات التي نحتها في تلك الرواية، وأدخلها إلى اللغة الإنكليزية، وغيرها من اللغات.

واللغة كما نعرف هي مستودع الفكر والمعرفة، وقد قال سارتر “أن تسمي الأشياء يعني أن تخترعها”، أي أنه ابتكر هذه المفاهيم أو بالأحرى بلورها وأدخلها لا إلى اللغة الإنكليزية وحدها، وإنما إلى معرفتنا ووعينا النقدي وإلى ثقافة القرن العشرين، في وقت مبكر من إصابتها بالخيبة الكبيرة التي أسفرت عنها إخفاقات يوتوبيا الحلم بالعدل والمساواة والحرية. وكانت هذه اليوتوبيا، التي نادت بها كل الرسالات الإنسانية، ومرت بصيغ فلسفية أو رومانسية مختلفة منذ ابن طفيل في القرن الثاني عشر، وحتى توماس مور في القرن السادس عشر، قد بلغت أساسها العلمي والفكري في القرن التاسع عشر على يدي ماركس وغيره من المفكرين الذين أرسوا دعائم الفكر الاشتراكي؛ وبشروا بإمكانية أن تنهض هذه اليوتوبيا على الأرض، وفق أسس ثورية وعقلانية. وكانت كومونة باريس عام 1871، والتي قمعت بشكل دموي، نواة هذه اليوتوبيا الأولى. وعندما قامت الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917، والتي تحين مئويتها في الشهر القادم، تصور الكثيرون أن تحقيق هذا الحلم/ اليوتوبيا بات قاب قوسين أو أدنى.

غير أن ما فعله ستالين بالثورة الروسية، وسيطرته على مقاليد الحكم بقبضة حديدية تبددت معها حرية الرأي والفكر، سرعان ما بدأ يزعزع إيمان الكثيرين، وكان في مقدمتهم، جورج أورويل، نفسه، الذي كان قد آمن بالاشتراكية، وطالب بالعدل الاجتماعي والحرية. وهو إيمان قام على تجربة حياتية عريضة ومتنوعة. خبر في بدايتها مظالم التجربة الاستعمارية وقهرها للمستعمَر أثناء عمله في شرطة الإمبراطورية في بورما، فاستقال منها عام 1927 وعاد للعمل بالكتابة في بريطانيا نفسها. ولكنه سرعان ما اكتشف فيها صورا أخرى للظلم الاجتماعي هذه المرة، فتابع الكشف عن تجليات هذا الظلم في مقالاته عن حال المقهورين من العمال والفقراء في بريطانيا، والتي نشرها في كتابيه (التصعلك في باريس ولندن Down and Out in Paris and London) 1931 و(الطريق إلى مَرسى ويجان The Road to Wigan Pier) 1936. وكان قربه المستمر من اليسار البريطاني ونشاطه في هذا المجال قد دفعه إلى النفور من الحزب الشيوعي الإنكليزي لجموده الفكري وتبعيته الببغائية لموسكو الستالينية. لكنه مع ذلك ظل مؤمنًا بعدالة القضية الاشتراكية، وهو الأمر الذي دفعه، وهو في أوج تحققه المهني، إلى التطوع للحرب مع الفيلق الدولي في صفوف الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية، وهي التجربة التي كتبها في (تقديرا لكاتالونيا Homage to Catalonia) 1938 والتي أدت إلى قطيعة نهائية بينه وبين كل الصيغ المؤسسية والشمولية للتجربة الاشتراكية؛ بدءًا من الأحزاب الشيوعية في عصره، وصولا إلى سلطتها المرجعية العليا في التجربة الستالينية وقتها. وهو الأمر الذي دفعه إلى تكريس السنوات التالية من حياته لفضح سلبيات هذه التجربة في عمليه الكبيرين (مزرعة الحيوانات) و(1984) اللذين جسد فيهما كيف تحول الحلم بالاشتراكية والعدل والحرية إلى كابوس النظام الشمولي، وبشاعة غياب الديموقراطية.

أورويل وحياته المأساوية

 

وقد كتب العمل الأخير (1984) في ظروف يرى البعض أنها ساهمت في المسارعة بإنهاء حياته. لأنه كان قد أصيب بمرض السل، ولكنه تجاهل الكثير من أعراض المرض، كي يتمكن من الانتهاء من هذه الرواية في برد اسكتلندا القارس. وسوف نتعرف على كثير من تفاصيل تلك الفترة من حياته أثناء تناولنا للمسرحية التي تدور في المرحلة الأخيرة منها، لأن المسرحية تدور في الشهور الأخيرة من حياته، وعقب الاستقبال الكبير لتلك الرواية، وكان قد سبقها نجاح روايته/ أمثولته الرمزية السابقة (مزرعة الحيوانات) بعد مسيرة طويلة من التجاهل والفقر والكتابة الصحافية والتحرير، كانت تكفي بالكاد لإطعامه هو وأسرته، بل إنه لم يستطع أن يوفر ما يكفي من المال لعلاج زوجته حينما احتاجت لعملية استئصال الرحم عام 1945. فماتت قبيل انتهاء الحرب بشهرين، وتركت له ابنهما الوحيد “ريتشارد”، وشعوراً جارفاً بالذنب لأنه لم يستطع إنقاذها، إذ ماتت لأن أورويل، الذي كان يعيش هو وأسرته وقتها على أقل من خمسمائة جنيه في العام، لم يستطع أن يوفر المال اللازم للجراحة المطلوبة، حيث لم يكن الطب قد أمم بعد في بريطانيا. ماتت قبيل نشر روايته (مزرعة الحيوانات) التي تغير بعدها وضعه الاقتصادي؛ ولكنه كان قد أصيب هو الآخر، جراء حياة الفقر والتقشف بمرض السل، وكان لتجاهله له في بداياته، حرصا على إكمال روايته التالية، أوخم العواقب.

وتدور أحداث المسرحية كلها في مستشفى كلية الجامعة University College Hospital الشهيرة في لندن، حيث أمضى الشهور الأخيرة من حياته، ومات فيها وحيدًا يوم 21 يناير/كانون الثاني 1950. ومن مفارقات بدايات هذه المسرحية، أن جورج أورويل الذي بدأت تهل عليه بشائر الثراء لنجاح روايتيه الأخيرتين، فقد بلغ دخله في العام الأخير من حياته خمسة عشر ألف جنيه في العام بدلاً من خمسمائة طوال الأعوام السابقة على نهاية الحرب وعقبها مباشرة، حظي بالعلاج المجاني ولشهور طويلة، في أحد أهم مستشفيات لندن، بينما ماتت زوجته لأنه لم يكن لديهما تكاليف إجراء الجراحة بشكل جيد كما هي الحال مع ملايين المرضى في عالمنا العربي. ولم تكن بريطانيا المثقلة بعبء الحرب والتقشف قد وفرت العلاج المجاني لأبنائها بعد. أما هو، فقد كان كفاح جيله من أجل مجتمع أكثر عدلاً وحرية قد أسفر بعد الحرب العالمية الثانية عن انتخاب أول حكومة للعمال، وهي الحكومة التي أممت الطب وأنشأت “الخدمة الطبية الوطنية National Health Service” مفخرة بريطانيا حتى اليوم، والتي يعرفها الجميع بالحروف الأولى لاسمها NHS ولم تستطع حكومات الرأسمالية الليبرالية المتوحشة المتتالية منذ حكومة ثاتشر وحتى الآن خصخصتها كلية حتى اليوم.

في هذا المستشفى المجاني أمضى أورويل الشهور الخمسة الأخيرة له بعد أن أدت سنوات التقشف والفقر الأخيرة من حياته إلى تفاقم المرض، بدلاً من المساهمة في التعافي منه، خاصة وقد بدأ الطب في اكتشاف علاجات ناجعة من المضادات الحيوية لهذا المرض، الذي مات به عدد كبير من كتاب القرن التاسع عشر، والعقود الأولى من القرن العشرين. وفيه تدور كل أحداث هذه المسرحية التي تجسد أمامنا الأيام الأخيرة العصيبة، والمنسية إلى حد ما، في حياة هذا الكاتب الكبير. وتبلور دراما التوتر الموجع بين توهج العقل الإبداعي فيه، حيث تخايله أجواء روايات ثلاث يريد أن يكتبها، ووهن الجسد وتضعضع الصحة وهما يحولان توهج الذهن إلى وجع قاسٍ ويخمدان شرارات الإبداع. وقد نجحت المسرحية في تجسيد معاناة أورويل وإحباطاته الناجمة عن عجزه، وقد تبدلت حظوظه، وأقبل عليه العالم الأدبي بعد طول عزوف، عن كتابة ما يريد، أو عن السيطرة على حياته ومقاديره ومستقبل ابنه، وهو قعيد المستشفى. كما أنها تجسد لنا توقه الحقيقي للحب والتواصل مع تلك المرأة الجميلة التي أطلت على حياته قبيل المغيب، غير أن ما يجذبها إليه هو أنه قد يفتح لها أبواب الحياة الرخية والشهرة والسهرات الراقية، وكلها من الأمور التي يحتقرها أورويل نفسه، لذلك توشك هذه المسرحية أن تكون مسرحية أوجاع أورويل الفكرية والشخصية والجسدية معا في الشهور الأخيرة من حياته، قبل أن تكون كما يشير عنوانها “السيدة أورويل”، عن زوجته الأخيرة تلك.


الحبيبة / الزوجة الأخيرة

لأن السيدة أيلين أورويل التي أمضى معها أورويل سنوات عديدة من حياته، وشاركت معه في الحرب الأهلية الإسبانية، وتبنيا معا طفلهما الوحيد “ريتشارد بلير” كانت قد ماتت في مارس/آذار 1945 قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبعد موتها حاول أورويل أن يجد زوجة ثانية، كي تهتم به، وتتيح له الفسحة المطلوبة للكتابة، وتكون أمًا بديلة لابنه الذي كان لا يزال طفلاً يحتاج إلى الرعاية. وقد تصاعدت وتيرة محاولاته تلك بعدما تم عام 1947 تشخيص متاعب الصدر العديدة التي كان يعاني منها على أنه مصاب بمرض السل، وهو التشخيص الذي كان يعد حكمًا مؤجلاً بالموت.

ومنذ وفاة أيلين طلب أورويل الزواج من أربع نساء مختلفات الواحدة بعد الأخرى دون نجاح. لكن المسرحية تركز على المرأة الخامسة، وهي “سونيا براونيل Sonia Brownell” التي قبلت الزواج منه. وقد كانت سونيا محررة في مجلة (الأفق Horizon) الأدبية الشهيرة التي كان يترأس تحريرها صديقه سيريل كونولي Cyril Connolly، وكان يستكتب أورويل فيها. وكانت سونيا، التي تصغره بستة عشر عامًا وقتها (فقد كانت في الثلاثين وهو في السادسة والأربعين)، فتاة جميلة تعيش في المجتمع الثقافي الذي يخطب فيه الكثيرون ودها، وكانت تعوده بانتظام في المستشفى. بينما تنفق وقتها بين العمل في مجلة (الأفق) والسهرات الاجتماعية التي كانت تعج بالمثقفين بين لندن وباريس، والتي كان من الطبيعي أن تستهوي فتاة ناضجة وجميلة مثل “سونيا”، وأن تخلب أضواؤها عقلها؛ حيث تشير في أحد المواقف إلى أمسية أمضتها على العشاء مع سارتر وسيمون دوبوفوار، أو إلى لقاء في المقهى مع بيكاسو أو توماس مان، أو غداء مع سليفادور دالي أو الأميرة مارغريت.

وكان أورويل يعرف أنها على علاقة بحبيب فرنسي؛ فلما تركها وعاد إلى فرنسا، طلب منها الزواج. وقد صارحته سونيا بأنها لا تحبه، فقلبها ما زال متعلقًا بالفيلسوف الفرنسي الذي تركها، وبأنه لا يبحث عن زوجة حقا، بل عن ممرضة، ومربية لطفله، ومنفذة لوصيته الأدبية. لكنه ألح في طلب يدها، فما زالت لديه ثلاث روايات يريد كتابتها، ويحتاج إلى صحبتها، ومساعدتها كمحررة أدبية حينما يعود إلى الكوخ المعزول في جزيرة “جورا Jura” الاسكتلندية التي كتب فيها (1984). وكانت هي تشعر بقدر من الشفقة عليه، برغم نفورها من رائحة تعفن الرئتين التي كانت تنبعث منه. وقد مارس بعض أصدقائه، وفي مقدمتهم ناشره فريدريك واربورج Fred Warburg ضغوطًا عليها، وأغرياها بما تعنيه هذه الزيجة من ثراء لما بدأت تحققه رواياته من نجاح. كما يغريها أورويل بأن تصبح أرملة أديب مشهور.

أرملة أديب مشهور

وتدور الدراما في المسرحية، وفي داخل شخصية سونيا/ السيدة أورويل، بين إلحاح أورويل وإغرائه لها بأن تصبح أرملة ثرية لكاتب شهير، وضغط ناشره عليها معه من ناحية، وبين علاقة حسية جديدة بدأت تتولد حول فراش مرضه بينها وبين الرسام الشاب وقتها لوسيان فرويد Lucian Freud ابن سيغموند فرويد، والذي أصبح في ما بعد رسامًا شهيرًا، والذي تصوره المسرحية كبوهيمي وانتهازي معًا. حيث كان يتردد هو الآخر على أورويل في مستشفاه بحجة رسم بورتريه له. وكان يقترض منه لتسديد ديونه وخسائره في القمار، فيقرضه أورويل الذي بدأت عوائد روايته في التدفق عليه بكرم وأريحية. وكان لوسيان في مثل عمرها أو أصغر بسنوات ثلاث، وكان في كامل صحته، يغريها بالسهرات التي أمضى بعضها يراقص الأميرة مارغريت، بينما بدأت صحة أورويل في التدهور، من البصاق الدموي الذي ينبئ بالمراحل الأخيرة من السل. وكان لوسيان فرويد يحثها على رفض عرض أورويل بالزواج، بحجة أن أورويل هو مجرد قناع لإيريك بلير، وأن إيريك بلير هذا لا يصلح لأي زواج. دون أن يقدم لها عرضًا بديلاً اللهم إلا شبق الشباب ولهوه، وقدرته على ممارسة الجنس معها، وعلى سرير مرض أورويل نفسه في غرفة المستشفى، والتي أخذت أثناء المسرحية تتكشف عن سجن “أورويلي” قاتم، من النوع الذي قرأنا عنه في (1984).

بين هذين القطبين كانت سونيا تتأرجح بين شد وجذب. وكان أورويل هو الآخر، وهذا من جوانب هذه المسرحية المشوّقة يتأرجح بين إيريك بلير الإنسان المهموم بمستقبل ابنه بعد وفاته، وجورج أورويل الكاتب الراغب في الإضافة إلى ميراثه الإبداعي، والحانق على المرض الذي يحول بينه وبين تحقيق ذلك. وكان فريدريك واربورج يغري سونيا بما ستجني من أموال، فقد بدأ استثماره في موهبة أورويل يؤتي أُكله، بعدما لم يبع من (تقديرًا لكاتالونيا) أكثر من خمسمائة نسخة. وبعدما غامر بنشر (مزرعة الحيوانات) وقد رفضها العديد من الناشرين قبله في إنكلترا وأميركا، ومنهم تي. إس. إليوت، مستشار “فيبر” الأدبي. وبدأ معها التحول في حظ أورويل، بينما أخذت مبيعات (1984) تتجاوز عشرات الآلاف، وبدأت السينما تطلب حقوق تحويلها إلى فيلم، وهو الأمر الذي رفضه أورويل نفسه في حياته. وكان يهمه أيضًا أن يستطيع أورويل كتابة ما يتحدث عنه من روايات لا تزال في عقله.

وقد حسمت سونيا خيارها، وقررت القبول بالزواج منه، مما أدخل عليه سرورًا كبيرًا وقتها. وتم الزواج في المستشفى في أكتوبر/تشرين الأول 1949، وبث الأمر فيه روح الأمل والاستعداد للعودة للكتابة، فقد كانت لديه كما كرر أكثر من مرة ثلاث روايات تلح عليه لكتابتها. فذهبت واشترت من أمواله خاتم خطوبة ثميناً من أحد أرقى محلات المجوهرات في لندن “كارتييه”، وهو الأمر الذي أثار سخرية صحيفة (نجمة الصباح Morning Star) صحيفة الحزب الشيوعي الإنكليزي، في حينها. ولم يستمر هذا الزواج إلا عدة أشهر، ففي فجر 21 يناير/كانون الثاني 1950 عانى من نزيف حاد في الرئتين ومات وحيدًا في المستشفى؛ بينما كانت زوجته في سهرة راقصة حتى ساعات هذا الفجر الأولى. لكن المشاهد القليلة التي تلت موته في المسرحية، أخذت تكشف لنا عن إرهاصات الدور الذي لعبته سونيا في الحفاظ على إرثه الأدبي، والدفاع عن رغباته الأخيرة ووصيته الأدبية. صحيح أن نهاية المسرحية تكشف لنا عن أنها سافرت لفرنسا، ربما لتلحق مؤقتًا بحبيبها الفرنسي الذي كان متزوجًا، بدلاً من استمرارها في علاقتها البوهيمية مع لوسيان فرويد. لكننا نعرف من التاريخ الأدبي لهذه الحالة، ومن سيرة سونيا التي نشرت عقب وفاتها عام 1980، أنها أصبحت مدافعة صنديدة عن ميراث أورويل الأدبي، وحريصة على تنفيذ وصيته، ورعاية ابنه ريتشارد وتعليمه. لذلك فإنه من الصعب أن نعرف في نهاية المسرحية من منهما استخدم الآخر. فحينما قررت القبول، بعد لقاء مع ناشر أورويل الذي أكد لها أن دخله الآن 15 ألف جنيه، دون حساب ما ستدره عليه (1984)، كانت تبدو وكأنها مجرد امرأة  لعوب باحثة عن الثراء السهل، لكن المشهد الأخير في المسرحية، ودفاعها الصارم عن إرثه ورغبته يزعزع هذا التصور. ويكشف ربما عن أن إريك بلير قد نجح في تحقيق ما يريده، وإن لم ينجح جوروج أورويل في كتابة الروايات الثلاث التي كانت تعتمل في داخله.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *