محسن سعدون ..نقل تجربة المسرح الروسي الى امريكا اللاتينية

إلتقطتُ هذه الصورة للفنان المسرحي العراقي الراحل محسن سعدون حين كنا جالسين في مقهى مقابل محطة مترو “ايست فينتشلي” في لندن، حيث التقيته بعد غيبة طويلة استمرت عدة عقود من السنين كنت اتتبع خلالها اخباره من الاصدقاء بين فينة وأخرى. وشعرت لدى الحديث معه يومئذ بمدى ما أصاب هذا الفنان المسرحي من احباط لفشله في العمل في العراق في مسرح دائم كما كان يتمنى . لقد نقله عبث الاقدار الى مسارح امريكا اللاتينية التي نقل إليها كل ما في جعبته من خبرات اكتسبها من دراسته في موسكو . وتحدث محسن بمرارة عن كيف استدعاه استاذه ابراهيم جلال إلى دبي فترك عمله في امريكا اللاتينية لكي يشارك في مشروع تبين فيما بعد انه فشل في اقامة مركز مسرحي من طراز جديد في الامارات. وأيامذاك اصبح بلا عمل ، كما إن عمله في الكويت لم يمنحه الفرصة لإظهار مواهبه كمخرج مسرحي مبدع . وحالت الاوضاع المتدهورة في العراق دون عودته إلى الوطن.

كان محسن سعدون من الطلاب الاجانب المقربين إلى اندريه غونتشاروف كبير المخرجين في مسرح ماياكوفسكي بموسكو، الذي كان يتولى تدريس مادة الاخراج المسرحي في معهد لوناتشارسكي للفنون المسرحية في موسكو(غيتيس). وكان سر اهتمام الاستاذ المتشدد في مطالبه من طلابه هو تمتع محسن بقدرة فريدة على الإبداع، ولاسيما في الابتكار وتجسيد ما اكتسبه في المعهد في اعمال مسرحية متألقة. وقد درس مع محسن سعدون زملاء له مثل فاضل القزاز وعبدالقادر رحيم وراجحة العبيدي ومظفر رشيد الذين لم يصمدوا امام الدروس الشاقة بأشراف غونتشاروف ، وغيروا فروع الدراسة إلى الانتاج أو نقد وتأريخ المسرح. وحسب قول محسن عن استاذه فأن غونتشاروف “كان يتمتع بديناميكية غير عادية .. وكان دكتاتوراً في تعامله مع الطلاب .. وكان لا يحب المتقاعسين والخاملين”.

كان محسن في ايام الدراسة في معهد (غيتيس) لا يفارق خشبة المسرح التعليمي في معهده أو في مسرح ماياكوفسكي، ويؤدي مختلف التكليفات من قبل استاذه. كما كان لا يفوت مشاهدة أي عرض مسرحي بارز في مسارح المدينة. وبهذا اكتسب خبرة كبيرة في تنظيم العمل المسرحي عموماً وفي ابتداع أساليب جديدة في الاخراج اعتماداً على الاتجاهات التي سادت في المسرح الروسي في فترة الستينيات من القرن الماضي. وبعد التخرج وبدء الحياة الفنية، ركز محسن جل اهتمامه على اخراج المسرحيات الروسية، ولا سيما اعمال انطون تشيخوف ودوستويفسكي وجوجول وجوركي. وشاءت الاقدار أن يرتبط عمل محسن السعدون المسرحي بدول امريكا اللاتينية، التي انتقل للأقامة فيها بعد زواجه من فنانة باليه من تشيلي. ويعود إليه الفضل في تأسيس اقسام المسرح في الاكوادور وكوستاريكا. لكنه عمل ايضا في العراق والكويت والامارات في فترات مختلفة.

ولد محسن سعدون في بغداد والتحق بقسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة في بلاده. وفي عام 1960 جاء الى موسكو حيث التحق بقسم الاخراج في معهد الدولة للفنون المسرحية (غيتيس). ولدى عودته الى العراق عمل استاذاً في معهد الفنون الجميلة. ومن ثم غادر الى تشيلي للألتحاق بزوجته وابنته عشتار التي أصبحت الآن من مخرجي السينما البارزين في أمريكا اللاتينية. وعمل محسن في سنتياغو في قسم الفن المسرحي في جامعة تشيلي. وبعد الانقلاب العسكري بقيادة بينوشيت في عام 1973، انتقل للعمل في الاكوادور، وأسس في كويتا قسم المسرح في اكاديمية الفنون الجميلة. وبعد ذلك عمل في قسم المسرح في اكاديمية الفنون في كوستاريكا. وآنذاك دعاه الفنان المسرحي العراقي ابراهيم جلال للمجئ الى الامارات العربية المتحدة حيث كان من المقرر تأسيس معهد للفن المسرحي. لكن هذا المشروع لم يتحقق. واضطر محسن للتوجه إلى الكويت للعمل في معهدها كأستاذ للتثميل. لكنه شعر بالاحباط لفقدان عمله في امريكا اللاتينية حيث كان معززاً مكرماً. ولهذا سعى للعودة إلى تشيلي بعد سقوط نظام بينوشيت، لا سيما وقد شمله العفو والسماح له بالعودة إلى العمل في الجامعة هناك مجددا. ولكن اتيحت له فرصة السفر الى موسكو مجددا للتدرب في مجال الاخراج السينمائي. وبعد انهاء الدراسة واصل العمل في مسارح امريكا اللاتينية. وقدم عدة مسرحيات مثل ” الملك يموت” ليونيسكو و” البرجوازيون الصغار” لمكسيم غوركي و” جورج دندان ” و” الطبيب رغما عنه” لموليير و” طائر النورس ” لتشيخوف و”الليالي البيضاء” لدوستويفسكي وغيرها.

ويشعر محسن سعدون بالحزن لفراق وطنه العراق وعدم قدرته على العمل هناك بسبب الظروف الصعبة التي واجهت وتواجه المثقفين على مدى عدة عقود من السنين ، حيث تواصلت الحروب ثم الاحتلال الامريكي للبلاد.

————————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – عبدالله حبة – موسكو

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *