لغة الجسد.. وسيلة اتصال عالمية ومصدر للعرض المسرحي – 2

اصبحت لغة الجسد من علامات عادات وسلوك وعلاقات ابناء الشعوب المختلفة واعتمد الكثير منها كوسائل لآداب السلوك “الاتكيت” . وعلى سبيل المثال من العيب ان تجلس المراة في كرسي وساقاها مفتوحتان ، ومن العيب لدى بعض الشعوب ان يمد الشخص ساقيه امام الشخص الآخر حيث تواجهه القدمان، في حين ان شعوباً اخرى لا تعد ذلك عيباً. واصبح وضع ساق على الساق اخرى سلوكاً غير محتشم عندما يقابل شخص ما شخصاً آخر اعلى منه منزلة.
في فن التمثيل تمثلت لغة الجسد في عدد من المحاور نذكر اهمها ما يأتي:
– محور حركات مسرحيات الفترة او الحركة الطرازية، والمقصود بذلك حركات يقوم بها الممثل وهو يرتدي زياً من ازياء فترة بعيدة عن زمن هذا العصر . من تلك الحركات وضعيات الجلوس والركوع ووضعيات التحية والاستقبال ومنها ايضاً استخدام القبعات والمراوح اليدوية واستنشاق العطر واستخدام المناديل.
إن وضعيات الاقدام وهيئة الرأس والذراعين تعطي دلالات عن طبيعة الشخصيات الدرامية وعلاقاتها مع الشخصيات الاخرى وعلى وفق معاني لغة الجسد.
– محور الشغل المسرحي: فهناك الكثير من الحركات والايماءات التي يقوم بها الممثل بمعزل عن الكلام المفوظ ولغرض اضفاء الروح الحياتية على اداء الممثل او على المشهد المسرحي. وهنا نذكر مثالين للشغل المسرحي لها علاقة بلغة الجسد احدهما في فيلم (المسألة الكبرى) العراقي حيث يقوم الممثل الانكليزي (اوليفر ريد) بلف عقب السيكارة التي كان يدخنا باصابعه ويرميه على الأرض عندما كان يستقبل الثائر العراقي ضد الاستعمار الانكليزي (الشيخ ضاري) وكأنه يقول له وهو القائد العسكري المحتل سأفعل بك كما افعل بعقب السيكارة هكذا. اما المثال الثاني فهو من مسرحية (بستان الكرز) لانطون جيكوف والتي كان يتمرن عليها المخرج الكبير (ستانسلافسكي) في فرقة مسرح موسكو الفني فقد قامت ممثلة الدور الرئيس في المسرحية بابتكار شغل مسرحي فريد حين كانت تلقي مونولوغا طويلا اعتقدت بانه سيكون مملاً للمتفرج اذا لم تدعمه بشغل مسرحي. ولذلك فقد احضرت معها في احد التمارين ادوات حياكة يدوية لبلوزة صوفية وراحت تتعامل معها اثناء القائها للمونولوغ الطويل حيث جعلت كرة الخيوط تسقط على ارضية المسرح وتلتقطها وتعيد لف الخيوط لتسقط الكرة من يديها .وهكذا وقد يستخدم الممثل شغلاً مسرحياً اثناء قيامه بمكالمة تلفونية حيث يقوم بتنويع حركة استخدام (السماعة) وحركة يديه وساقيه اثناء المكالمة مدعومة بدلالات عن ردود افعاله لكلام الشخص الآخر.
– محور التمثيل الصامت (المايم) وهنا لابد من التفريق بين مصطلح (البانتومايم) ومصطلح (المايم Mime) فالاول كان يعني المسرحية الغنائية الراقصة وهذا ما يستخدم في المسرح الانكليزي هذه الايام، اما الثاني فيعني التمثيل بالحركة والايماءة وبدون كلام ملفوظ. ومع هذا فهناك اختلاف بين المنظرين لكلا الفنين مازال مستمرا ولا يهمنا هذا الاختلاف بقدر ما تهمنا علاقة لغة الجسد بفن التمثيل الصامت والذي يروي فيه الممثل حكاية او قصة بدون كلام ملفوظ. واصبحت لهذا الفن (المايم) قواعد وانظمة بلورها عدد من فناني المسرح وفي مقدمتهم الفرنسي (مارسيل مارسو) ومهد له (ايثيان دكرو). ويذكر (توماس ليبهارت) في كتابه (فن المايم والبانتومايم) : “ألهمت دراسة المايم الجسدي على ايدي (كوبو) في معهده (ايثيان دكرو) ان يكرس حياته للبحث في الامكانات التعبيرية للجسم الانساني بعد ان تحرر من طغيان ما يسميه (دكرو) بالفنون الدخيلة كالادب والمناظر والرقص والملابس وهلم جرا!
والملاحظ ان الكثير من الحركات والايماءات التي يؤديها ممثل المايم لها علاقة بلغة الجسد وذلك لكون دلالاتها مفهومة من اكبر عدد من المتفرجين.

سامي عبد الحميد

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *