كوجيتو العيادة المسرحية

 

حسنُ التفكير الاحاطةُ بالشيء ، تفكّر عميقٌ واستدلالٌ على صوابِ الفكرة ، حين تجد مخرجاتـِها مؤثرةً وفيها صوابُ الناتج واثرهُ الايجابي ، اننا نعيش ومن حولنا عالمٌ متلاطمٌ من العلاماتِ والحالات التي تتطلبُ منا فكَّ رموزِها ، وكأننا في غابةٍ من الرموز مثلما قال بودلير ، هذه الرموز ، تتطلبُ عقلاً فاعلاً في تعرّفِهِ العميق ، للوصولِ الى جوهرِ المعرفة المشتركِ بيننا ، فالعلومُ اكتشافُها خاصٌ ، وخيرُها عام ، خيراتُها بين الناس حين تكون تلك العلوم إيجابيةً، وايضا شرورُها بيننا حين تكون الغايات سلبية ، مثل إبتكاراتِ الاسلحة لإدامةِ الحروب وإرباكِ ميزانِ القوى ، لإشاعة مفهومِ القويّ والضعيفِ دولياً ، في لعبةِ الجغرافيا السياسية ، ولذلك فإن اخلاقياتِ التفكّر ينبغي ان تكونَ خطاباً إنسانياً ، بعيداً عن قيودِ الاثنياتِ الفرعية ، او القوميات المقيّدة ، ولذلك اوجد لنا (( ديكارت )) كوجيتو ، ليختصَّ بالتفكير ، الذي اساسُهُ الشك في المتداوَل والعادي الذي تحولَ الى صنميةٍ سلوكيةٍ ، اربكتِ التواصلَ بين الناس ، وكأنه ارادَ منا الانتقالَ من قيودِ التفكير الى حريتـِهِ التي تجمعُنا في اطارٍ إنسانيّ يكونُ في كلِّ زمانٍ ومكان !! هذه السياحةُ الفكرية في جزرِ الانسان المجهولة التي تكون في وعيهِ ولا وعيهِ ، انتجت لنا تنويراَ ثقافياً نقلَ العقلَ الاوربيّ من الخرافةِ الى العلمِ ، ومن البديهيّ الى المختبريّ العلمي ، الذي يصل الى يقينٍ علميٍّ وليس عاطفي أو خرافي ، ولذلك تعددت نظراتُ الانسان الى الوجود ، من كونِهِ علامةً تاريخيةً تعيشُ في تصوراتـِنا الجاهزة إلى علامةٍ تجريبيةٍ ، قابلةٍ للانتقال والتحويل ، وهو ما دفع الفنانين الى اكتشافِ طرائقَ جديدةً في فهمِ الواقعِ ومعالجتهِ ، سواء اكان مسرحاً أم تشكيلاً ام سينما الخ ، هذا التجديدُ ، لم يحصلْ أو يتحققْ ، الا بوجودِ وعي متحركٍ وافكارٍ نوعية ، حركتِ الساكن في بحيرة الافكار ، بوساطةِ الخيالِ والتصوّرِ ، اللذان تكفلا باكتشافِ ما هو مدهشٌ ، ونقلِه من المستقبل بوصفهِ مقترحاً فنياً ، إلى الحاضر بوصفه فعلاً تواصلياً ما بين الجمهور والعمل الفنيّ ، هذا المستقبلُ الجديدُ ، جاء من فرضيةِ تأجيلِ النظر الى الماضي حصراً ، والاندفاع نحو مساحةٍ جديدةٍ من التأويلِ للحياة ، لنجدَ انفسَنا أمام افكارٍ جديدة ومعالجاتٍ نوعية ، دفعت بالعيادةِ المسرحية ، ان تتواصلَ مع الناس ، لاكتشافهِم من جديد ، لانها محضُ طاقةٍ مستقبيلة ، يمكن لها ان تعيشَ في الحاضر ، على نحو سلوكٍ يتفاعلُ معه المشاركُ في العيادةِ المسرحية، ويكوِّن لديهِ تصوراً جديداً للحياة والانسان الذي يشاركُهُ هذا العالم ، هذا التفكيرُ أو الاعتقاد ، بمثابة كوجيتو جديد ، ينمو لدى المشاركِ في العيادة المسرحية ويكبرُ مستقبلاً بالحوارِ والتواصلِ الفنيّ مع الآخر / الجمهور .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *