كواليس: أنحرافات في أخلاقيات المسرح عندنا – سامي عبد الحميد

من المعروف أن من أهم شروط العمل المسرحي في أي بلد هو التزام العاملين فيه بالمواعيد الخاصة بأوقات التمارين لأن أي تأخر أو غياب أحدهم يعرقل أو يعطل ويدل على عدم احترام الآخرين ويدل أيضاً على عدم حب هذا الفن الرفيع. وأذكر إننا في فرقتنا المسرحية (الفن الحديث) كنا نطبق جميعاً هذا المبدأ الأخلاقي علماً أن أعضاء الفرقة لم يكونوا يتوقعون أي مردود مالي أزاء مشاركتهم، بل يدفعهم حبهم للفن واحترامهم لزملاءهم وللفرقة ككيان، فقد كان الجميع يحرصون على حضور التمارين مهما كانت الظروف والعوائق وكذلك كان الحال في فرقة الدولة (الفرقة القومية للتمثيل) في السنوات الأولى من تأسيسها أما اليوم فقد تغيّرَ الحال وأًصبح من الأمور الأعتيادية أن يتغيب أحد الممثلين أو يتأخر عن موعد التمرين مما يؤدي إلى تذمر الكادر وغضب المخرج ودائماً هناك أعذار واهية علماً أن هذا المتأخر أو المتغيب موظف حكومي ويتقاضى راتباً شهرياً مقابل عمله.
ومن الشروط أيضاً بل من واجبات أي عامل في الحقل المسرحي عندما ينسب لعمل معين في مسرحية معينة أن يتقبل ذلك المتسبب سواء صدر من ادارة الفرقة أم من مخرج المسرحية وليس من الخلق المسرحي أن يعتذر أحدهم عن ذلك التكليف إلا في الحالات القاهرة. وإذا ما نسب للممثل معين تمثيل دور معين في مسرحية معينة فعليه أن يحترم ذلك التنسيب ويتقبله برحابة صدر حتى لو اعتقد أن الدور لا يناسب قدراته. وهنا أذكر أنني قبلت دوراً ثانوياً كلفني بتمثيله المخرج الراحل (قاسم محمد) في مسرحية (النخلة والجيران) التي قدمتها (فرقة المسرح الفني الحديث) ومثلت الدور بالتناوب مع الراحل (فاروق فياض) مع ايماني بأن قدراتي الآدائية أعلى بكثير من تمثيل تلك الشخصية البسيطة ودورها القصير. ومثل هذا الأمر حدث لي عندما كلفني المخرج الراحل (عوني كرومي) بتمثيل دور (الحلاق) في مسرحية بريخت (الإنسان الطيب) فقد تقبلته بسرور بل إن عدداً من الممثلين في المسرحية ومن ذوي الخبرة تقبلوا أدواراً أخرى قصيرة ولم يعتذروا عن تمثيلها. أما اليوم فقد واجهتني ظاهرة أخلاقية عندما باشرت بالتمارين لمسرحية (أرامل) لـ أرييل دوفمان وترجمة علي كامل، فقد اعتذرت ممثلات من الفرقة الوطنية عن تمثيل ادورا نسبت اليهن لكونها في اعتقادهن غير ادوار البطولة علماً أنها ادوار رئيسة وعلماً أنهن كن يعبرن عن رغبتهن للعمل معي ، وان احداهن باشرت بالتمرين لأكثر من اسبوعين ولكنها فجأة اعتذرت لأسباب واهية والحقيقة كانت تريد تمثيل دور عهد به لممثلة أخرى. والأغرب من هذا أن ممثلاً أبدى لي رغبته في مساعدتي في انجاز العمل وكان متحمساً جداً وعندما كلفته بتمثيل دور في المسرحية اعتذر لاعتقاده ان الدور قصير ولا يتناسب مع قدراته مع ثقتي الأكيدة بانه سينجح كثيراً فيما لو مثّل ذلك الدور القصير حسب زعمه وأذكره بالمبدأ القائل : ليس هناك دور كبير وآخر صغير بل هناك ممثل كبير وممثل صغير.
ومن الانحرافات الخلقية في العمل المسرحي هذه الأيام هو أن العديد من العاملين في الحقل المسرحي وفي الفرقة الوطنية بالذات يتحمسون للمشاركة في عمل يعتقدون أنه سيشارك في أحدى المهرجانات العربية، وما أكثرها، ولا يبدون مثل ذلك الحماس عندما يعرفون بأن هذا العمل أو ذاك سوف لن يشارك في مهرجان ويتبع هذا الانحراف قيام عدد من المخرجين بالاتصال بادارة هذا المهرجان أو ذاك وعرض رغبتهم في مشاركة عملهم فيه، وبغض النظر عن قيمة المهرجان وأهميته ، وبغض النظر أيضاً عن قيمة عملهم المسرحي وأهميته. وبغض النظر كذلك فيما إذا كان هذا العمل أو ذاك يمثل المسرح العراقي تمثيلاً حقيقياً أم لا .
تعدد مشاركات المسرحيين العراقيين في المهرجانات العربية أمر مفرح وجهود أولئك الذين يتصلون للحصول على الموافقات المطلوبة للمشاركة مشكورة ولكن لا بد أن تتوفر اللباقة في المشاركة فالأهم هو النوعية وليس الكمية.

 

http://almadapaper.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *