كلمة مركز (روابط للفنون الإبداعية) بمناسبة يوم المسرح العالمي 2017

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

إلى أهل المسرح وعشاقه، صناع الجمال زمن الخراب، الأصدقاء جميعاً، كل عام وأنتم بألف ألف خير.
………..

يحتفل المسرحيون بمناسبة يومهم العالمي في كل عام بعيدهم الذي يتزامن مع عيد رأس السنة الرافدينية .. الأكيتو .. للأقوام الأكادية والبابلية والأشورية والكلدانية ، وهي مصادفة مفارقة في التوقيت والدلالة . ففي مثل هذا الوقت من كل عام تبدأ الفصول دورتها وتحولاتها مع تفتح البذور ونماء الزرع والضرع واخضرار الأرض ، ممتزجة بعبق روائح عطرة يمنحها اعتدال المناخ وتبدله حافزا لإقامة الطقوس الدينية والتضرع إلى الآلهة بأن تديم النعم وتبعد عنهم الشرور والفتن ، تصاحبها احتفالات وكرنفالات فرح متنوعة على مدار أكثر من سبعة أيام تتخللها طقوس دينية لتقديم القرابين تتسم بالأداء الروتيني والتكرار ، تشير إلى الجذور العميقة والفطرية لفن التمثيل ، الذي ما لبث أن تبلور فيما بعد كفن مسرحي في الحضارة الإغريقية .
المسرح قرين المدنية والحضارة ، فما أن خرجت الممارسات التمثيلية من عباءة الطقس الديني بصرامته وضوابطه الأدائية إلى فضاء الفن والحرية ، حتى وجد حاضنته الطبيعية في التعبير والممارسة التي استمدت طاقتها وتحولاتها وتطوراتها من لحظة التصاقها في الواقع والتعبير عنه تاريخيا وانسانيا.
فبينما تتساوق الممارسة المسرحية العالمية مع لحظتها التاريخية والإنسانية من خلال البحث والابتكار وتطوير الرؤى والأساليب المسرحية ومحاولة خلق مواءمة خلّاقة مع ما يعيشه العالم من تطور في أدوات وأساليب الاتصال الجماهيري نجد على الضفة الأخرى من العالم ، وعلى شواطئ العزلة والقفار الحضارية ، في شرقنا نجد سعيا محموما بالعودة إلى الإمساك باللحظة الأولى التي أنتجتها مخيلتهم في صراعهم مع الطبيعة ..( البحث عن إجابات ميتافيزيقية لأسئلة واقعية حياتية) مع ما يستدعيه هذا الفهم ، من انكار للواقع والانفصام عنه وما ينتج ازاء ذلك من ذوات مأزومة لا تجد سبيلا للتكيف مع العالم الا بممارسة العنف أو الإنكفاء والتقوقع … ومن لا يملك الإجابات على أسئلة الواقع وحاجاته فبالضرورة لا يملك ناصية التطلع إلى المستقبل.
الفن والوعي نزوع إنساني راسخ يقود قاطرة الحياة ويرتقي بها لتكون جديرة بشرط الوجود الإنساني المتطلع أبدا إلى روح المبادرة والمغامرة والاكتشاف ولذاتها والعيش بحرية وكرامة ورخاء.
إن المخيلة الخلاقة والممارسة المسرحية الواعية والمخلصة والصادقة المترعة بالجمال ولذة الاكتشاف أسهمت مع باقي الفنون والآداب في تجميل وجه العالم الذي شوهته شظايا الحروب وسخامها ، كما سعت للسمو بمنظومة القيم الجمالية والأخلاقية وعززت من التشاركية وقللت من منسوب الكراهية والشرور وغياب العدالة التي كانت مصدرا مهما في تغذية أغلب النزاعات والحروب . وهذا يؤشر إلى الحاجة الملحة والاستثنائية ، لشعوب المنطقة والى بلدنا : العراق إلى تبني خطاب الفن والوعي وإيلائه الاهتمام الكافي لغرس مفاهيم المعرفة والجمال وطرح الأسئلة والبحث لإعادة التوازن النفسي وتحقيق الاتزان العادل للحياة والجمال ازاء ما تعيشه مجتمعاتنا من صراعات وكل أنواع الحروب ، حروب الصراعات المحلية ، حروب الإنابة عن صراعات التاريخ ، حروب المصالح الإقليمية والدولية ، حروب الكراهية ورفض الآخر والحوار .
العراق الممزق والمنقسم اجتماعيا وإنسانيا وسياسيا قد يكون بحاجة ماسة الى مشروع (مارشال..؟) ثقافي بعد أن عجزت المعالجات السياسية والأمنية في خروجه من أزماته المستعصية، وبحاجة الى أستحضار روح المسرح والى آليات أشتغاله وروح الفريق التي تتحكم في مفاصل أنتاج العرض المسرحي التي تذوب الأنوات المتضخمة في بوتقة العمل الجماعي الهادف والنبيل المقاصد والأدوات , مسرح ثقافي يؤسس لقاعدة متينة تحمي جدرانه الآيلة للسقوط ، ويمكنها أن توفر الأمل باستعادة دوره الحضاري ، من خلال رفعة التعليم أولا وثانيا وعاشرا من خلال إشاعة قيم الجمال والتسامح والتشاركية والحوار .. ولأن الفن المسرحي يعد بيتا دافئا يتسع للحياة كلها وهو نافذة المستقبل الافضل فان مصابيح الحوار فيه الداعية الى السلام المجتمعي جمالا ومعرفة تتوهج في نفوسنا من أجل ان يتوهج عراقنا بمناسبة هذا اليوم العالمي أملا وجمالا وأمنا ومحبة.
#مركز_روابط_للفنون_الابداعية
#مجلة_الخشبة_المسرحية
#يوم_المسرح_العالمي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *