“كلكن سوا”: مثلث الحب والحرب والموت/رويترز

بكثير من البساطة المؤثرة والمؤلمة والمضحكة في آن، تتكشف حوادث مسرحية “كلكن سوا”، التي تعرض بالعاصمة اللبنانية بيروت، والتي تحاول معالجة معضلة الحب والصداقة والعواطف المكبوتة وسوء التفاهم ووقوف الإنسان عاجزا أمام رهبة الموت.

وعلى مدى نحو ساعة، يأخذنا الكاتب والمخرج كميل سلامة في رحلة إنسانية يتنقل فيها بين الدموع والضحك بلمح البصر، وصولا إلى المشهد النهائي التراجيدي الذي تقاسم فيه الجمهور وأبطال العمل الثلاثة الدموع بشكل عفوي.

وقبل العرض، يطالع المشاهد نبذة عما هو مقدم على رؤيته بمسرح “دوار الشمس”، وسط بيروت، في كتيب صغير جاء فيه “في حرب ما… في مكان ما… في زمان ما… المتقاتلون في الشوارع قلة والمختبئون في البيوت كثر… صديقان علقا في بيت أحدهما… الأول وحيد في بيته فعائلته هربت إلى المهجر… والآخر بعيد بضعة شوارع عن زوجته وأولاده… صديقا المدرسة والجامعة في الماضي وزميلا العمل اليوم يستحضران ذكرياتهما بين القذيفة والأخرى… وتعود الذكريات التي جمعت يوما الصديقين والزوجة وتبدأ الحكاية تظهر بوضوح… حرب… ذكريات… حب… فراق… صداقة. وفي لحظة ما يحدث ما يغير قدر الإنسان.”

يقوم ببطولة مسرحية “… كلكن سوا” بديع أبو شقرا ورودريغ سليمان وباتريسيا نمور، الذين جسدوا على خشبة المسرح صداقة متينة تجمعهم منذ سنوات طويلة، وشكلوا معا فريق عمل متجانس.

تدور القصة حول صداقة قديمة وحميمة تجمع بين “رواد” (بديع أبو شقرا) و”مروان” (رودريج سليمان) على رغم التناقض الكبير في الشخصيتين، لاسيما في طريقة تعبيرهما عن الغضب والحب والخيبة ومختلف التفاصيل اليومية الصغيرة.

“رواد” يعبر بانفعال مفرط ولا يخجل من البوح بأحاسيسه كاملة من خلال الكلمات النابية في وقت نشاهد فيه “مروان” هادئا حتى البرودة ويعيش وحدته وخيبته الكبيرة في الحياة داخليا من دون الإفصاح عنها.

“رواد” متزوج من “ليلى” (باتريسيا نمور) التي لم تعترف له بحبها يوما ولا تعبر عن أحاسيسها تجاهه على رغم حاجته الكبيرة لحنانها وحبها.

“مروان” منفصل عن زوجته الأميركية التي قدمت له جواز السفر الأجنبي ولكنها لم تقدم له يوما الحب، ويعيش وحدة قاتلة بعدما أخذت الأولاد معها إلى الولايات المتحدة.

وبأسلوب رشيق يعتمد تقنية الاسترجاع الفني، الفلاش باك، وتقطيع المشاهد بواسطة الإضاءة وتغيير النمط التمثيلي بسرعة فائقة يكتشف الجمهور رويدا رويدا القصة الكاملة لهؤلاء الثلاثة الذين يعيشون في الواقع قدرا موحدا نتيجته الحتمية هي موت “رواد” مصابا برأسه من خلال رصاصة قناص.

وما بين الماضي والحاضر يفهم الجمهور الذي لم يكظم انفعالاته في مختلف مراحل المسرحية القصيرة والمكثفة أن “رواد” و”مروان” في الواقع يحبان “ليلى” الحائرة ما بين حبها القديم لـ”مروان” الذي خذلها وهي صبية وحبها لزوجها “رواد” الذي ستعبر عنه فقط لحظة وفاته.

وفي اللحظة الأخيرة والحاسمة يسمح “مروان” لنفسه، وللمرة الأولى في حياته، بأن يتفوه بجملة نابية في اللهجة اللبنانية أخذ كميل سلامه الجزء الأخير منها ليضع عنوان المسرحية “…كلكن سوا”.

وقال كميل سلامة، عقب العرض: “كتبت نص المسرحية عام 2001. وعندما حان الوقت لأحولها بعد كل هذه السنوات إلى عمل مسرحي لم أبحث عن الممثلين. أعترف أنني اخترت في قرارة نفسي الأسماء الثلاثي فورا.”

وكان من المقرر عرض المسرحية ثلاثة أسابيع إلا أن إقبال الجمهور يدفع القائمين عليها للتمديد بشكل متكرر.

ويتجلى تفاعل الجمهور مع العرض من خلال لوحات ضخمة علقت على جدران المسرح تحمل عشرات الجمل المؤثرة التي كتبها مشاهدون سابقون للعرض في صفحاتهم على “فيسبوك” عن تجربتهم.

وكتبت إحدى المشاهدات “المسرحية ببساطة رائعة. تأثرت كثيرا بها”، في حين كتبت أخرى “منذ أن شاهدت المسرحية أمس وأنا أحاول أن أكتب أي شيء ولكنني عاجزة عن التعبير. شكرا لفريق العمل… ألف شكر على كل هذا الإبداع.”

المصدر/عرب 48

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *