قسطنطين ستانيسلافسكي .. المخرج والممثل ومنظر المسرح الروسي

يعرف اسم قسطنطين ستانيسلافسكي (1863-1938) في الاوساط المسرحية في العالم بأسره بكونه احد رواد الحركة الاصلاحية في المسرح في  اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كما انه من المخرجين  والممثلين الكبار وصاحب نظرية” الطريقة” التي تعتمد كمادة دراسية في جميع  الاكاديميات والمعاهد المسرحية في العالم. ولا يوجد احد من دارسي فن 
التمثيل من لم يبدأ دروسه الاولى من مطالعة كتب ستانيسلافسكي مثل ” حياتي  في الفن” و” اعداد الممثل”.  ولد ستانيسلافسكي في 17 يناير عام 1863 بموسكو في عائلة اليكسييف التي انجبت العديد من الصناعيين والتجار المعروفين في المدينة ايامذاك ، كما انها ترتبط بروابط القربى مع  اسرة تريتياكوف(مؤسس متحف الفنون”كاليري تريتياكوف” بموسكو) واسرة مامونتوف من الصناعيين وجميعهم من عشاق الفن والثقافة عموما. وكانت والدته فرنسية 
وهي ابنة ممثلة فرنسية كانت معروفة في باريس حينئذ. وفي عام 1877 صعد 
قسطنطين خشبة المسرح البيتي لأول مرة لأداء دور في العروض الكثيرة التي كان يقدمها افراد الاسرة واصدقاؤهم لغرض التسلية.
وتلقى قسطنطين ستانيسلافسكي التعليم في معهد لازاريف للغات الشرقية وتخرج منه فيعام 1881 . وشارك في العروض المسرحية للهواة واستعد لكي يصبح فنان اوبرا ودرس اصول الغناء لدى كوميسارجيفسكي احد اساتذة هذا الفن المعروفين ، وأسس 
بمشاركته وسوية مع الرسام فيودور سولوغوب في عام 1888 ” جمعية الفن 
والادب” التي كان يمولها بنفسه من موارد مصنع الاسرة . وسرعان ما صار يتولى
اخراج العروض التي تقدمها هذه الجمعية. لكن كانت نقطة الانعطاف في حياته 
هي لقاءه في صيف عام 1897مع فلاديمير نيميروفيتش دافتشينكو الكاتب المسرحي 
واستاذ تعليم اصول التمثيل في معهد الموسيقى والمسرح التابع لجمعية 
الفلهارمونيا بموسكو، والذي جرى في مطعم ” سلافيانسكي بازار” حيث ناقشا على
مدى 18 ساعة مشروع تأسيس مسرح من طراز جديد. وكان الاثنان غير راضين عن 
وضع المسرح الروسي يومذاك ورغبا في اجراء اصلاح في اساليب التمثيل والاخراج
والتخلص من الروتين والقوالب الجاهزة في اداء الممثل بالاستفادة من تجارب 
مسرح انطوان الفرنسي ومسرح الدوق مينينجين الالماني. وتم الاتفاق بينهما 
على تشكيل فرقة مسرحية من الشباب المثقف وانشاء مبنى مسرح بسيط في هندسته 
وعلى ربرتوار الفرقة الذي ضم اعمال ابسن وهاوتمان وتشيخوف. وتولى نيميروفتش
دانشتكو الجانب الادبي والتنظيمي من عمل الفرقة بينما تولى ستانيسلافسكي 
الجوانب التقنية واعداد الميزانسيه. ولو ان هذا التقسيم كان افتراضيا لأن 
الطرفين كانا يمارسان المهام بصورة مشتركة في غالب الاحيان. وكان 
ستانيسلافسكي يشارك في التمثيل الى جانب الاخراج.واطلقت على المسرح الجديد 
تسمية ” مسرح موسكو الفني الاجتماعي”. 
 
افتتح المسرح الجديد ابوابه امام الجمهورفي عام 1898 بتقديم مسرحية ” القيصر فيودور ايوانوفيتش” للكاتب الكسي تولستوي التي حققت نجاحا باهرا. واعتبر  ستانيسلافسكي تقديم هذا العرض بداية الخط ” التاريخي” للمسرح الذي شمل 
تقديم مسرحيات ذات مواضيع تاريخية مثل “تاجر البندقية” لشكسبير و”انتيجونا”
لسوفوكلس و”سلطان الظلام ” لليف تولستوي و ” يوليوس قيصر ” لشكسبير ، 
بينما يرتبط “الخط الآخر” – خط “الحدس والشعور” المسمى بأسم خط تشيخوف 
بتقديم مسرحيات ” ذو العقل يشقى بعقله..” لغريبويدوف و”شهر في القرية ” 
لتورغينيف و” الاخوة كارامازوف” و”قرية ستيباتشيكوفو” لدوستويفسكي بالاضافة
الى اعمال تشيخوف . وقد تولى ستانيسلافسكي ونيميروفيتش العمل في اخراج 
مسرحيات تشيخوف سوية. ذلك ان ستانيسلافسكي لم يتقبل ولم يتفهم في البداية 
مغزى اعمال تشيخوف . وتجلى ذلك على الاخص لدى اجراء البروفات على 
مسرحية ” النورس” باكورة اعمال تشيخوف التي قدمت في مسرح موسكو 
الفني. لكن نيميروفيتش – دانشينكو نجح في كشف العالم الداخلي لشخصيات 
المسرحية واهدافها. وفيما بعد اصبح ” النورس” شعار المسرح المنقوش على 
ستارته. علما ان هذين الفنانين اختلفا لاحقا ايضا في تفسير مسرحيات مكسيم 
غوركي التي قدمها المسرح . فقد كان ستانيسلافسكي يهتم بالجوانب والتفاصيل 
التقنية والبحث عن اشكال مسرحية جديدة اكثر من اهتمامه بجوانب التحليل 
النفسي للشخصيات ودوافعها. وفيما بعد صار هذان الفنانان يخرجان المسرحيات 
بصورة منفردة. وأسس ستانيسلافسكي مع مريده المخرج المجدد مييرهولد مسرحا
تجريبيا في شارع بوفارسكايا(1905) . كما تأسس الاستديو التجريبي الاول 
والاستديو الثاني.
وتفرغ ستانيسلافسكي لاحقا الى التمثيل وبرز بصورة خاصة في ادوار تشيخوفية مثل 
استروف في ” الخال فانيا” وتريجورين في ” النورس” وغايف في ” بستان الكرز” 
وشابيلسكي في “ايفانوف” وفيرشينين في ” الاخوات الثلاث”.
 
كما صار ستانيسلافسكي يركز اهتمامه اكثر فأكثر على عمل الممثل واستحدث لهذا 
الغرض” الطريقة” التي تعتمد على ” فن المعاناة” اي ان يعيش الممثل معاناة 
الشخصية التي يمثلها . وغالبا ما تتردد اقواله للممثلين في اثناء البروفات”
لا اصدق .. لا اصدق” – اي انه غير مقتنع بأداء الممثل. وقد جمع  ستانيسلافسكي خبرته في هذا المجال في كتابه ” اعداد الممثل”.
وكانتاحداث ثورة 1917 والحرب الاهلية التي اعقبتها امتحانا عسيرا بالنسبة الى 
ستانيسلافسكي . فمن ناحية انه لم يتقبل افكار البلاشفة واساليبهم في العامل
مع الثقافة والمسرح بشكل خاصة ، ومن ناحية لم يرغب في العيش بعيدا عن وطنه
والهجرة كما فعل ذلك كثير من المثقفين الروس. وكان همه الاول في 
العشرينيات المحافظة على مسرح موسكو الفني وتقاليده وقيمه الفنية . وانصرف 
في هذه الفترة الى تقديم اعمال ترضى عنها السلطات الجديدة وكذلك الى تربية 
جيل جديد من المسرحيين في الاستديوهات المسرحية التي أسسها.
 وفيعام 1928 اصيب ستانيسلافسكي بنوبة قلبية منعه الاطباء على اثرها من صعود 
خشبة المسرح ولم يرجع للعمل في المسرح الا في عام 1929 وركز جهده عندئذ على
العمل النظري والتربوي وتقديم الدروس في استديو الاوبرا وغايته ان يجعل 
المغني في الاوبرا يسلك سلوك الممثل في المسرح الدارمي. وتحول هذا الاستديو
فميا بعد الى المسرح الموسيقي لستانيسلافسكي ونيميروفتش دانشينكو. وفي مطلع الثلاثينيات استغل ستانيسلافسكي نفوذ غوركي لدى الحكومة السوفيتية من
اجل منح مسرح موسكو الفني وضعا خاصا وقد تحقق له ذلك واصبح المسرح يحمل 
تسمية ” مسرح موسكو الفني الاكاديمي في الاتحاد السوفيتي” واعتبر المسرح 
الرئيسي للبلاد. وفي عام 1935 افتتح ستانيسلافسكي في بيته الواقع في زقاق 
ليونتيفسكي بموسكو استديو الدارما والاوبرا الذي تحول الى مدرسية لتعليم 
الممثلين الشباب اصول الاداء الذي تقترن فيه العوامل النفسية بالجسدية.
 
في 7 اغسطس عام 1938 توفي ستانيسلافسكي مخلفا وراءه تراثا ثمينا من التجارب 
والمؤلفات المسرحية التي يفتخر بها المسرح الروسي اليوم. 
 
 
————————————————
المصدر : مجلة الفنون المسرحية- روسيا اليوم 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *