قراءة في عرض طقوس الإشارات والتحولات للمخرج فرحان الخليل

     

محمد  اسماعيل  الشعراني – مجلة الفنون المسرحية

ليس هدف الفن أن ينال الإعجاب فحسب ..بقدر مايثير بداخلنا التساؤلات ..فالقيمةالأدبية أوالفنية ليست في هوية أوجنسية الموضوع ..بل في القضايا  التي ينطوي عليها..

وعندما تتحقق معادلة الموضوع والمتعة البصرية والأداء التمثيلي الواعي الفاهم لكل تفصيلة في العرض المسرحي ن

نكون أمام عرض متميز جدير بالمتابعة والإحترام .

منفذية اللاذقية قدمت عرضاً مسرحياً ” طقوس الإشارات والتحولات ” للمبدع سعد الله ونوس(1941- 1997 واخراج فرحان الخليل  على خشبة دار الأسد للثقافة والفنون باللاذقية على مدى ثلاثةأيام من 28- 30 /8 /2017   .

النص من النصوص الهامة لسعدالهح ونوس كتب عام 1994 في فترة المرض مستفيداً من مذكرات فخري البارودي ” تضامن أهل دمشق ” في,,

الحادثة التي  اهتزت لها مدينة دمشق وهى القبض على نقيب الأشراف (عبدالله – محمدعثمان ) مع احدى الغانيات (وردة – ليليان مرعي) في غوطة دمشق بتدبير من المفتي(نضال سليمان )، ويشهر بهما في شوارع دمشق   فيتضامن معه المفتى رغم العداوة بينهما بسبب استهزاء الناس بالنقيب أي المس بالسلطة الدينية ،ويعيد ترتيب المكيدة فيدبر حيلة مع زوج النقيب (مؤمنة -الماسة – ساندي مرعي) ،ويبدلها فى السجن مع الغانية فكأنه قُبض عليه مع زوجه مما يُوقع بصاحب الشرطة ( عزت – محمد  مكنا ) فى ورطة وتتبدل الأوضاع ويصبح هو سجينا وسجينه حراً ،عندها يطلق النقيب زوجه كما اشترطت للاشتراك فى حيلة الانقاذ ،وتدخل  دنيا الغوانى لتصبح  ألماسة أشهر الغانيات ويهيم بها الرجال ،أما النقيب ينقلب متصوفا طامعا فى وصل الذات الإلهية ،والمفتى ينقلب عاشقا لألماسة متيماً ولهاناً، ثم ينتهى كل شى بقتل ألماسة على يد أخيها وتصرح قبل وفاتها أن ألماسة ليست مجرد امرأة بل هي حالة مستمرة ..وسواس .. قضية لاتموت.

لم يكتب سعد الله ونوس شخصيات بعينها بهدف المقاربة مع ذلك الزمن ، وإنما كتب لنا مجتمعاً بأكمله ..بكافة تناقضاته وتحولاته ..من هنا كان عمله منصباً على الحوار  وتقديم فلسفة المسرحية بطريقة ذكية مع براعة بالتأكيد في رسم المشهد المسرحي ..

المخرج بدا واعياً للنص بكامل تفاصيله ..فاهماً بعمق المسرح الملحمي البريختي ..من خلال الديكور المجرد والأداء التمثيلي وعملية كسر الإيهام في كل مرحلة من مراحل العرض ببراعة يحسد عليها ..

إعلان اللعبة المسرحية بدأ من الممثلين الذين خرجا من بين الجمهور ليقوما بدور الراوي ممهدين للعرض ومؤكدين أن هدف اللعب هو استمرار الألق على الخشبة أولاً ..وتقديم الفائدة والمتعة ..

خلفية المسرح لوحات من القماش الأبيض ترمز لبيوت المدينة والنوافذ خلفها الممثلون يقومون بتشكيل لوحات خيال الظل أرادها المخرج كلوحات تعبيرية تمثل خلفية لكل مشهد من مشاهد العرض .

على جانبيها عمودان من القماش مع دائرة خشبية تأخذان شكل مئذنة وإن بدت ربما كعمامة النقيب لتوحي بتحكم السلطة الدينية ..ودعمتها الإضاءة الخضراء كتأكيد دلالي ..

الخشبة فارغة من الديكور وفق العرض الملحمي إلاثلاث قطع اكسسوار واقعية : وسادة ، وصندوق خشبي ، وبساط قماشي صغير  وهي واقعية لأنها تبلور العلاقة بين الإنسان والواقع .

ولأن الحكاية تعرض حدثاً جرى في الماضي فإن بنية العرض الملحمية القائمة على السرد اعتمدت شكل التقطيع الى لوحات ..كل لوحة تشكل موقفاً ضمن فترة زمنية تبين جانب من التحول في الشخصية ..

وتبرز فلسفة المسرحية على لسان الشخصيات بكل امتداد زمني او بكل مرحلة من مراحل التحول ..

فنقيب الأشراف يطلق زوجته ويعتبرها إشارة .. ويسعى للطلاق الأعظم .. 

“سعيد من يرقي المقامات ويصل اليه فيفني في غبطته..”

وهاهو العفصة رجل المفتي يعلن عن مثليته ومستعد لإعلانها للملأ:” ماأغرب هذه الدنيا ..إن كتمت وأخفيت ..عشت وتكرمت ..وإن صدقت وكشفت ، نبذوك وأخرجوك منهم ..”

ألماسة تعتبر السقوط تحرر ..خروج من العورة والقيود ..خروج من النفاق بكافة أشكاله ..” أول المقامات أن أرمي وراء ظهري معاييركم ..ينبغي أن أتحلل من أحكامكم ونعوتكم ووصايكم ..كي أصل إلى نفسي .”

بدا الممثلون ملتزمون كلياً بتعليمات المخرج من خلال الإلتزام التام بالأداء الخارجي الذي فرضه الأسلوب البريختي وكأن  كل ممثل قد حفظ دوره عن غيب ثم أخذ يردده ببساطة .وعندما تنقلب الأمور وتبدأ التحولات ويتحرك الظاهر ليصبح باطناً ، والباطن ظاهراً ، وتظهر الذات الداخلية بكل شفافية ..يرتقي احساس الممثل ويظهر الأداء وجدانياً ولكن قبل أن تصل الشخصية الى ذروة المشهد ويتعاطف المتلقي كلياً مع الشخصية ..تثبت اللقطة ويخرج الممثل الأنا من الشخصية ويخلع ملابسها ويتوجه الى الجمهور كاسراً الإيهام مؤكدا على المسرحة ..محرضاً على خلق التساؤلات والتي يسميها ضجيج الأرواح .

تميز الممثلون بالإجمال بقدرة رائعة على الدخول الى الشخصية والخروج منها وامتلاك الأدوات بمهارة..وإن بدا التميز لدى محمد عثمان في دور نقيب الأشراف وساندي مرعي في دوري مؤمنة وألماسة بالإضافة ل ليليان مرعي بدور وردة .وسمير منون بدور العفصة ،والحضور القوي للممثل نضال سليمان وأداءه المتزن فيما برع الممثل يزن حلاق  بأداء ثلاث كركترات مختلفة أضافت نكهة كوميدية لطيفة للعرض .

مشهد تحول مؤمنة إلى ألماسة الغانية كان مشهداً مدروساً بكل شيء ..أداء وحركة وإضاءة دلالات ..وأضاف حالة كرنفالية ضمن العرض واختيار وأداء موفق للأغنية .

العرض كان مميزاً ..حافظ على الإيقاع..وسهل ذلك التقطيع ..والأسلوب الإخراجي الناجح والإدارة الجيدة للطاقات ..

الجدير بالذكر أن مسرحية طقوس الإشارات والتحولات اول عمل عربي يدرج في برنامج فرقة “الكوميدي فرانسيز” المسرحية العريقة..وريثة فرقة موليير .

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *