‘في قلبي أنثى عبرية’ مسرحية تطيح بجاذبية الرواية/سارة محمد

  • يبدو أن إدراك علاقة القارئ بالرواية الأدبية سوف يبقى في نطاق الخيال والخصوصية اللذين ينقلانه إلى عالم اللاواقع، وهو ما لم يستطع صناع العرض المسرحي “في قلبي أنثى عبرية” استيعابه عند تقديمه، وهو مأخوذ عن رواية تحمل العنوان ذاته للكاتبة التونسية خولة حمدي.

رغم الحضور الجماهيري الذي احتشد أمام بوابة مسرح “الهوسابير” بمنطقة وسط القاهرة مؤخرا، خاصة أن الرواية المقتبسة منها المسرحية “في قلبي أنثى عبرية” صدرت عام 2013 وكانت صاحبة أعلى مبيعات عربية، إلا أنه ما إن بدأت المشاهد الأولى للعرض إلاّ وجاءت مخيبة للآمال، وبدا كأنه أشبه بالبروفة المسرحية، وليس عملا مقدما مباشرة للجمهور، وهو ما كان يتطلب العمل على الاهتمام بالتفاصيل بشكل أكبر، ليكون لائقا فنيا بشكل يتناسب مع قيمة وأهمية الرواية المأخوذ عنها.

وكشف الاستهلال الأول للعرض عن خطأ كبير سقط فيه صناعه، فقد تعاملوا مع المسرحية باعتبار أن من يشاهدها قرأ الرواية الأصلية للكاتبة التونسية خولة حمدي، ونسجوا جميع الأحداث بناء على ذلك، الأمر الذي وضع قطاعا من المشاهدين في ارتباك وصل إلى حد المتاهة بسبب عدم تناسق الأفكار المطروحة بشكل يخدم العرض، ويشجع على قراءة الرواية، ما نتج عنه ضغط للأحداث في مدة لا تتجاوز ساعة ونصف الساعة، على الرغم من تعدد الشخوص والتفاصيل داخل الرواية مما يستوجب مساحة زمنية أكبر.

صراع ديانات

تحكي رواية “في قلبي أنثى عبرية” للكاتبة الشابة خولة حمدي (32 عاما) عن الصراع بين الدين والحب والمقاومة، حيث تتعرض المؤلفة إلى الديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) من خلال عائلتين، الأولى تعيش في تونس، ويتولاها العم جاكوب اليهودي الذي توصيه جارته المسلمة بتربية ابنتها ريما بعد رحيلها وتعليمها أصول دينها الحنيف، وتنضج الفتاة وتقرر ارتداء الحجاب بعد أن اهتدتها قراءة القرآن إلى ذلك، ما يغضب زوجة جاكوب خشية انحراف أفكار أبنائها من ريما، لذلك يرسل الزوج الأخيرة إلى منزل شقيقته راشيل في جنوب لبنان.

وعندما ذهبت ريما إلى منزل راشيل وجدت معاملة سيئة من زوجها، ما جعلها ترسلها إلى منزل صديقتها سونيا أي العائلة الثانية التي تعيش في قانا عند أم لديها بنتان هما ندى ودانا، وكانت قد نزحت إلى هناك هربا من الزوج المسلم، لكن سونيا تقبل استضافة ريما مقابل أن تقوم بخدمة الأعمال في المنزل وشراء احتياجاته.

وفي إحدى المرات تخرج الفتاة المهاجرة لتنفيذ المهام فتلقى مصيرها في مذبحة قانا إثر القصف الإسرائيلي الذي استهدف البلدة.

في هذه العائلة تنشأ قصة حب بين ندى الفتاة اليهودية والمقاتل المسلم أحمد الذي تستضيفه في منزلها وتقوم بعلاجه إلى أن يقررا معا تحدي “تابوهات” (محرمات) العائلات في مثل هذه الأمور، ويقوم الشاب المسلم بخطبة الفتاة اليهودية التي تفقده في ما بعد، جراء الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، حيث يفقد الذاكرة نتيجة إصابته في إحدى العمليات هناك.

وتدخل ندى لاحقا في مرحلة اعتناق الإسلام وارتداء الحجاب، ويقوم بخطبتها حسان صديق خطيبها أحمد، لكن الأخير يعود ويظهر، وتعود ندى إلى حبيبها القديم، وتختتم النهاية باعتناق الجميع للإسلام حتى الأب جاكوب المقيم في تونس والذي تولى رعاية ريما في طفولتها المبكرة.

السطور الماضية تخفي وراءها الكثير من التفاصيل التي حملتها الرواية، والتي رصدت العلاقة بين الديانات السماوية الثلاث في شكل ثري على مستوى الأحداث والشخوص، لكن كل ذلك تم اختزاله في العرض المسرحي.

طرح منقوص

تبدأ الأحداث في المسرحية بمشهد فقدان المقاوم المسلم أحمد للذاكرة والذي يجده شيخ كبير السن ممدا وسط غابات، فيطلب منه المكوث معه ويطلق عليه اسم جون باعتبار أنه مسيحي الديانة، ثم تنطلق الشخوص والعائلات في صور غير مرتبة التفاصيل، وسريعة الإيقاع، الأمر الذي يتنافى مع قيمة وثقل الرواية الأصلية.

ومع أن محمود عبدالعزيز مخرج العرض، قام باستخدام “داتا شو” على جنبات المسرح قبل بداية العرض مرة، وأخرى في منتصفه لتقريب المسافات بين المشاهد والمسرحية، لكن كان من المفترض أن تحمل تلخيصا أوضح للأحداث التي سيراها الجمهور، طالما أنه اختار اختزال الرواية بهذا الشكل على المسرح.

أما عن “سينوغرافيا” المسرح (الخط البياني للمنظر المسرحي)، فلم تكن أفضل حالا من أحداثه، فهناك صورة باهتة لتفاصيل الإضاءة والديكور والموسيقى، لا سيما أنها كانت من المفترض أن تلعب دورا هاما في كشف مكنونات الصراعات النفسية، في حين كان الديكور موفقا في بعض المشاهد إلى حد كبير، أما الإضاءة فلم تضع رؤية الأحداث في نصابها السليم، وكانت موحدة اللون في أغلب المشاهد، لذلك فقدت جزءا من بريقها.

أما الصياغة المسرحية التي كتبها محمد زكي للرواية، ربما تكون انتقصت من قوامها، حيث حاول زكي إقحام بعض التفاصيل التي اعتقد أنها تمثل نفحة كوميدية، لكنه حافظ بنسبة كبيرة على اللهجتين اللتين يرويهما الأبطال (اللبنانية والتونسية).

وقدمت فرقة هواة المسرح المستقل “فن محوج” التمثيل في هذا العرض، وكان أداء الشخصيات في معظمه باهتا، خاصة شخصية ريما التي لم يسمع صوتها جيدا بسبب ضعفه، ولم تترك أثرا قويا لدى المشاهد، مع أنها شخصية فاعلة ومحورية في الرواية، والأمر ذاته بالنسبة إلى بطل المقاومة أحمد، لكن أداء الممثل الشاب مصطفى أحمد الذي لعب دور جاكوب جاء جيدا، وساعده إتقانه للهجة التونسية، على أن ينطلق ملتحما مع الصراعات والتغيرات التي يعيشها البطل، وتجلى ذلك في مشهد إسلامه.

كان من الممكن أن تخرج مسرحية “في قلبي أنثى عبرية” في صورة أكثر اتساقا مع الرواية لجذب الجمهور، كما هو حال الكثير من الأعمال الدرامية مؤخرا، والتي نجحت في استعادة القارئ للاطلاع والبحث عن النص الأصلي، وربما لو أتيح استمرار العرض لفترة زمنية أطول لكانت النتيجة أفضل أمام صناع العمل، لأنه يمنحهم فرصة للمزيد من الإبداع والإتقان.

المصدر/ العرب

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *