في ذكرى الاحتفاء بالفاتح نوفمبر  ملحمة سيدي لزرق بلحاج توثق الذاكرة – بــقــلــم : عــباســيــة مدوني

 

في ذكرى الاحتفاء بالفاتح نوفمبر

 ملحمة سيدي لزرق بلحاج توثق الذاكرة

 

والجزائر تحتفي بذكرى الفاتح نوفمبر لاندلاع الثورة المظفرة 1954 ، وحتى نبقى للذاكرة أوفياء ، الجزائر تحيي تلكم الذكرى بعديد الأنشطة الفنية والثقافية ، وولاية غليزان كغيرها من ولايات الوطن تحتفل بالمناسبة عن طريق التوثيق لاحدى محطات الكفاح الجزائري في وجه العدوّ ، حيث رفع الستار عن ملحمة تاريخيةبعنوان ملحمة سيدي لزرق بلحاج من تأليف الأستاذ والباحث ”  مشاوي عبدالقادر” عن الكاتب والباحث ” محمد مفلاح ” واللمسة الاخراجية من توقيع  الأستاذ “أمحمد سبيح ” من زمورة  ولاية غليزان .

 

الملحمة صفحة أخرى من صفحات النضال الجزائري ، تسعى لاستحضار الأحداث وطرحها أمام الأجيال الواعدة حتى لا تنسى ، وتكون على إلمام بالتاريخ وما كابده أبناء الوطن لأجل تحرير الجزائر من قبضة المستبدّ ، تاريخيا تعود الارهاصات الأولى لأحداث الملحمة  نهاية ربيع 1864،  لتضئ أبعاد  ثورة الشيخ لزرق بلحاج، رائد مقاومة منطقة غليزان .

الملحمة التاريخية نستحضر أهم الشخصيات الصانعة لتلك الثورة، التي هزت عرش الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، وهي شخصية القائد الشيخ” لزرق بلحاج”  و خليفته “سيدي عبد العزيز” ، إضافة إلى الدور الكبير الذي لعبته قبيلة فليتة أثناء الثورة ، وأهمّ الشخصيات الفرنسية العسكرية والمدنية ، على رأسهم العقيد “لاباسي”، و الماريشال “بيلسي” و الجنرال “روز،” و كذا أعضاء المكتب العربي ، أين يتأجج الصراع بعد صدور قانون حق تملك الأعراش للأرض المقيمين عليها ، فتحدث انقسامات داخل المصالح المدنية والعسكرية حول تطبيق القانون من عدمه فيتسلط المعمرون بإيعاز من الجيش الفرنسي متحديين القانون و الإمبراطور نفسه .

لتقرر قبيلة فليتة رفع السلاح كخيار وحيد، و يجتمعون على رجل متدين عالم يحظي بالاحترام صاحب         الـ 54 عاما فيقرر القيام بالثورة، بعدما اخذ البيعة من اهلل غليزان.  فيبدؤون بالتحضير للثورة بشراء الذخيرة،

و السلاح و ملء المطامر بالقمح، و المستلزمات الحيوية .

 

في خضمّ تصاعد الأحداث ، تنقلنا لملحمة إلى إبراز حنكة و حكمة الشيخ في تسيير الثورة و اعتماده على خبراته التي استفاد منها في رحلته إلى الحج  ، أين حط الرحال بتونس و وقف على التطور العلمي و التربوي وفنون القيادة و كذا مروره بالقاهرة و مكوثه مدة في عهد” محمد علي باشا” الذي وضع مصر على سكة تطور عسكري و عصرنة جيشه  ، هذه المكتسبات وظّفها إبان  الثورة فانهزمت الفيالق الفرنسية المتخرجة من أعتى الأكاديميات الحربية، وهذه السلسة من الانكسارات  لقوات الاحتلال أدت إلى وفاة الجنرال “بيلسيه” حسرة        و جرح العقيد “لاباسي ” في معركة أخرى ، فراغ  الجنرال “بيليسيه” عوضه جنرال دموي و همجي نزل بقوات جديدة مستهزئا فرحبت قوات الشيخ” لزرق “بطريقتها أين كان وقع الهزيمة  كبيرا فعمد إلى قطع الماء عن الأهالي و محاصرة ضعاف الناس.

 

كانت آخر مواجهة بين الشيخ “لزرق”  و القوات الفرنسية مجتمعة بقيادة الجنرال “روز” في جوان 1864 في معركة قربوصة أين استشهد الشيخ و خلفه خليفته ” سيدي عبد العزيز” الذي واصل المقاومة ، وفي آخر مشهد من الملحمة يصور لنا التأثير الذي تركته الثورة في الصحف الفرنسية و كذا مطالبة المعمرين بمحاولة التصالح وهدنة  مع الثوار و الجدل الذي صاحبه في البرلمان الفرنسي أدّى إلى نزول الإمبراطور الفرنسي إلى منطقة غليزان سنة 1865 و مطالبته بوضع السلاح مقابل العفو.

هذه المشاهد من الملحمة كانت تصويرا حيّا  لشخصية الثائر “سيدي لزرق بلحاج” داخل بيته ، مع طلبته، مرافقيه ، ومقربيه وكذا صورة المعمرين وهروبهم بعد اندلاع الثورة صراع السلطة الحربية للسيطرة على الثورة و المنطقة و غطرسة العقيد” لاباسي” و غروره رغبة منه في تحقيق المجد و تحصيل رتبة جنرال وهو  ما حصل عليه فيما بعد ، مع تعرية شخصية الجنرال “روز” الدموية وانكسارها أمام المجاهدين.

الملحمة كذلك نقلة ضمن  محاكاة المعارك المختلفة معركة الرحوية و زمورة ، معركة عمي موسى و معركة غليزان التي استعملت فيها المدفعية واستشهاد ثماني شهداء، وكذلك معركة نواحي مستغانم، وكل تلكم الشخصيات في حواراتها وطريقة الربط الدرامي بين الأحداث كان ينقلها الراوي متوسطا تلكم الأحداث تارة ، وتارة أخرى شارحا ومحللا للقضية ، ليتخلل كلّ مشهد فرقة غنائية تعكس تفاصيل المشهد السابق ، مرفقة برقصات إيحائية، وقد ألّف كلمات الأغاني الشاعر” الصديق بلميلود”  و قام بتلحين الكلمات الموسيقار          ”  بن عودة زوقاد” وأدّتها  المجموعة الصوتية “نور البلاد” التي يترأسها “بوعلام بكار” أما السينوغرافيا تكفل بها الأستاذ “كريم سوداني” ، وفي تصميم المعارك و الرقصات لمسة ” لزرق بن زيان”.

تجدر الإشارة إلى أنّ الملحمة تهتم بالتفاصيل الدقيقة كالأسلحة الحربية التقليدية والمدافع كما تكفلت المؤسسة التجارية وادي مينا بتصميم الأزياء العسكرية لتلك الحقبة، كما لا يفوتنا التذكير أنّ “سيدي لزرق بلحاج ” من مواليد  سنة 1809 بدوار الحمومية قرب وادي السلام 45 كلم شرق عاصمة الولاية غليزان.

 

وعليه ، فإن هذه الملحمة التاريخية تعدّ واحدة من عديد البصمات التي وقّعها أبناء الجزائر الأحرار الذين رفضوا الخنوع ، ونبذوا الاستبداد والتبعيّة للآخر ، وما ذكرى الفاتح من نوفمبر من كل سنة سوى توقيع لمآثر هذا الوطن ، علّ وعسى تكون الأجيال الواعدة خير خلف لخير سلف ، وأن نسعى لحفظ الذاكرة الجماعية .

 

بــقــلــم : عــباســيــة مدوني – ســيــدي بلــعــباس- الــجــزائــــر .

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *