في الكواليس مع فريق عمل مسرحيّة “فرضاً أنّو”!

الحياة في الكواليس قصّة من تلقاء نفسها، تَتفتَّح وَردة “ثائرة” لها طقوسها وجنونها العابِر… وبما أنّها “سيرة وإنفَتَحِت” عن الجُنون، ها هم أبطال مَسرحيّة “فَرَضاً أنّو” يَعيشون نَزواتَهم الفَنيّة في مَسرَح مونو، قبل ساعاتِ قليلة من اعتلاء الخَشَبة. لأكثر من ساعتين من الوَقت سنَعيش مَعهم تلك النوادِر التي تَجعَل مِنهُم أكثَر من نُجوم. أبطال يوميّاتنا. ومخاوفنا. وبعض أوهامنا.

“المَسرحيّة مجنونة!”، يَهتُف أحد الأصدقاء الذين شاهدها على خَشَبة مسرح مونو أكثر من مرّة منذ انطلاقها مَطلَع الشَهر الجاري. المُخرِج جاك مارون يَضحَك عالياً عندما انقُلُ اليه بعض آراء المُشاهدين الذين اجتَمَعوا حول جنون القصّة التي إقتَبَسها إلى اللبنانيّة أحد البطلين فيها، غبريال يمّين. “مَسرحيّاتي كلّها مَشحوطة! لأنّي أنا مَشحوط!”. عندما نُحاول أنا والمَسؤولة الاعلاميّة جوزيان بولس أن نُصحِّح له كلمة “مَشعوطة!”، سُرعان ما نَتنبّه إلى أن المَسألة طبيعيّة أن تكون عربيّته “مكسّرة” إذ أن مارون أمضى حياته في الولايات المُتحّدة. المَسرحيّة “مَشعوطة؟!”. الأكيد، كما يَرى الحُضور أنها مُختَلِفة، تَدفَع زائِر المَسرَح الحَميم في إطلالَتِهِ إلى طَرح العديد من الأسئلة.

“رجلان لا يَعرِف أحدهما الآخر، وَظّفتهما جهّة مَجهولة لا أحد يَعرف من هي، يَلتقيان في مَكان لا نَعرِف أين، لتَسلّم شحنة لا نَعرف مُحتوياتها، للقيام بعمليّة لا يُعرَف عنها شيء!”.

كَلمات مُبهمة كُتِبَت في النَشرة التي تم توزيعها في المَسرح. مارون يروي وَجهة نَظَره قبل الانتقال إلى غبريال يمّين وطلال الجردي لمَعرِفة وِجهة نظر كل منهما.

“أكثريّة النُصوص التي اختارها أروي من خلالها القصص. سبب إختياري لها يَعود إلى كونها تَروي القصص. العديد من الأعمال المَسرحيّة التي عَملت عليها ماضياً سَبَق لي أن قرأتها. أعرفها جيداً. ولكنني أنتَظر الوقت المُناسِب لأعمل عليها. أقول لنفسي: هلّق إجا وقتها!”.

النصوص هذه، التي يَعمل عليها جاك مارون، “أثّرت بي بِشَكل أو بآخر. ركيزتي مُمثّل. ما بحب انتطر حدن يوظّفّني. ولهذا السَبب أحاول أن أخلَق الأعمال لي ولغيري من الفنانين”.

في هذه المًسرحيّة التي يَخرج منها الجمهور من دون أن يَعرف ما إذا كان المَطلوب منه الضَحك أو طَرح الأسئلة أو اعادة مُشاهدتها للتعمّق في فَحواها بأسلوب أكثر وُضوحاً، هو إبداع غبريال يمّين وطلال الجردي في التَمثيل. هي القدرة على الّلهو مع الموهبة والتَجربة التي عزّزتها السنوات الطويلة من الخبرة. ولكنها أيضاً كتابة يمّين، المُمثّل والأستاذ الجامعي والنجّار والرسّام والكاتب الذي يَخفي خَلف هذا الهدوء الخارجي ثقافة واسعة لا تَعرف حدود.

النَص في حلّته الأخيرة كما يَرى مارون، “جوهرة مَخفيّة للمُمثّل. من خلال هذا النَصّ المُتقَن يقدر المُمثّل أن يَخوض العَديد من الإختبارات. النص يَستريح على مزيج من العَبثيّة والواقعيّة. تَدخل الشخصيّات بوهم حقيقي. وفي النهاية يرى غبريال وطلال ما لا يَستَطيع الجمهور أن يُشاهده. هُنا الإحتراف”.

أسلوبه الإخراجيّ في هذا العَمَل؟ “أحياناً يَستريح الإخراج على قلّة الإخراج!”.  

وهذا، “قرار فنّي. متى أتدخّل ومتى أتركمها يلهوان بالموهبة والنَص”.

الساعات الطويلة التي أمضاها مارون مع غبريال وطلال؟ “المسرح مُسيّج بالحميميّة. ساعات طويلة معاً. وبشكل يوميّ. شويّة شَريعة! وخلافات من الميّلة الفنيّة”.

لاحقاً عندما يَحين الوداع بين الـ 3، “يَحصل ما يُشبِه الطلاق الإضطراريّ. منطلّق لأنّو مَجبورين”.

رِسالة المسرحيّة؟ “لا أميل إلى الرَسائل المُباشرة. أريد من الجمهور أن يكون الشاهِد. لا أميل في الواقع إلى المَسرَح التفاعليّ. التفاعل بالنسبة إليّ يَحصل من خلال الـNRJ”.

التَعليق الذي يَسمعه “تقريباً ليليّة” من الجمهور؟

“جيت إتسلّى. ما كنت محضّر حالي- كنت جايي انبسط!”.

طلال الجرديّ يقول بكل بساطة، “الدور تحدّي صراحة! الدور صعب. والمسرحيّة مش شربة ميّ! يُمكن أن يأخذ المُشاهد العمل أمامه أينما أراد. وين ما بدّو! يُمكن أن تكون المسرحيّة ضدّ السلطة الحاكِمة. يُمكن أن تَروي قصّة المدير مع الموظفين. كما يُمكن ان يَخفي كلّ منّا شخصيّة أخرى في داخله. تماماً كالشخصيّة التي العبها في العمل”. يَصمت قليلاً قبل أن يضيف، “يُمكن أن تتضمّن المسرحيّة أحجية الحياة! داخل قالب Originale! روح الفكاهة فيها بالغة في الرقّة. ليست واضحة كلياً. هذا عُنصر جَذَبني إليها”.

الوقوف وجهاً لوجه مع غبريال يمّين؟ يضحك قائلاً، “رحلة مُشوّقة. فيها الكثير من الصعاب. إكتسبت مِنه الكثير. هو من إقتَبَس النصّ عن الأميركيّة. ومن خلال النصّ يُمكن أن تَشرحي المَسرحيّة بأكثر من طريقة”.

يَصمت مُجدداً قبل أن يَهتف، “يِلعَن دينو ما أصعبو النصّ. حتى غابي (غبريال) يالّلي كاتبو لاقى صعوبة. طريقة كتابته للنص لا تُشبه شخصيّتي أو طريقة حديثي في الحياة اليوميّة. طريقته مُختلفة في تَركيبة النَصّ”.

النقاشات حول النصّ “كانت أكثر من التمرينات التقليديّة”.

يَهتف يمّين وكأنه لا يُصدّق سؤالي، “صعبة المَسرحيّة؟! هل المسرح سهل بنظرك؟ انا لا اقارن ولكن هل شكسبير سهل؟ هل نصوص اورسون ويلز سهلة؟ تينيسي وليامز سهل؟ يعني المسرح ليس سهلاً وإلا ما كان الآلاف يتهافتون إلى جنونه”.

النص، “أكيد صعب. حتى أنا شخصيّاً وَجدتُ صعوبة فيه. وهذا دليل على أنه نصّ مسرحيّ”. المسرحيّة مُقتَبَسة عن عمل للمسرحيّ الأميركي الكبير الآن أركين، “جاك (مارون) حطّ النصّ إدّامي! زتّو إدّامي”. يَصمُت مُبتَسِماً، “بعد شويّ بصير دكتور! وعندما كنت احضّر للماجستير في الفنون الدراميّة منذ سنوات قليلة طلبوا منّي أن أجمع الـ portfolio الخاص بيّ. وإكتشفت أنني في الواقع عَملت على 74 إقتباساً بين المزح والجدّ!”. يضيف بهدوء، “عندي متعة إقتبس. إقتباساتي الـ 74 كانت جميعها لمسرحيّات عالميّة. وفي الحقيقة، اليوم وَصل عَدد هذه الاقتباسات الى 89! بقعد بنبسط بتسلّى فيهن”.

طقوسه قبل اعتلاء الخشبة؟ “انا أؤمن بالطقوس”. ولكنه لا يَشي بها. هي خاصّة به. التمارين على هذا العمل الصعب؟ “المسرح تسلاية. المَسرح لا يُعلّم الناس الدُروس. ما من رسائل فيه. ما من عِبَر نَستَخلِصها. المَسرح وُجد كي يَشعر الناس من خلاله مُختَلَف الأحاسيس. كي يَفرح المُمثل ويَستمتع المخرج. كان الكبير الراحل ريمون جبارة يقول لنا خلال التمارين، وتحديداً بعد 20 دقيقة أو أقل منها: قوموا لناكل بوظة شي مَحل!”.

———————————————————————-

المصدر:مجلة الفنون المسرحية –  هنادي الديري – النهار 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *