(عين): يوم المسرح العالمي في دمشق.. الصرخة – سوريا

مجدداً ينزف المسرح السوري أمام الجميع؛ إلا أن أحداً لا يتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ حيث كان لافتاً تضاؤل جمهور احتفالية يوم المسرح العالمي التي أقامتها مديرية المسارح والموسيقى (27/ آذار/ مسرح الحمراء) ومع أن الحفل الذي أنتجه (المسرح القومي) وأخرجه الفنان فؤاد حسن لم يكن مخيّباً لآمال عشاق المسرح؛ إلا أن عيدهم أتى هذا العام مع عزوف العديد من فنانيه عن العمل مع «المديرية» بعد صدور قرار من مجلس رئاسة الوزراء بتخفيض 30 بالمئة من أجور المسرحيين.
القرار الذي فاقم أزمة حادة كانت موجودة أصلاً أوصل أجر الممثل المسرحي إلى قرابة 30 ألف ليرة سورية (ما يعادل 50 دولاراً) للعرض الواحد، وجعل العديد من المشاريع المنتظرة تنكفئ عن خشبات العرض، ليكون في مقدمتها مشاريع لكل من أيمن زيدان وزيناتي قدسية، فيما ينتظر مأمون الخطيب معجزةً تنقذ عرضه القادم الذي يصر على تحقيقه عن نص لطارق مصطفى عدوان.
حال المسرح السوري اليوم عامر بالخسارات المتتالية؛ إذ لم تمضِ ساعات قليلة على إعلان الجيش السوري تحرير المسرح الأثري في تدمر من قبضة «داعش»؛ حتى علّق العديد من المسرحيين على هذا الخبر في صفحاتهم الشخصية، مستعيدين أملاً ولو طفيفاً بإعادة تأهيل مسارحهم التي تنتظر قرار الصيانة، فليس غريباً أن يقوم عمال مسرح الحمراء وبعد نهاية العرض الاحتفالي ليوم المسرح مباشرةً؛ بنزع الخشبة التي لم تعد صالحة لتقديم أي عرض قبل الشروع بصيانتها.
«ما أكثر المنظرين في المسرح وما أقلّهم حضوراً لاحتفاليته في دمشق..!» عبارة كتبها عماد جلول مدير المسارح والموسيقى على صفحته الشخصية في «الفايس بوك» مهاجماً العديد من الفنانين الذين يتظاهرون بحمل لواء المسرح تنظيراً لا فعلاً؛ فيما يرضخون لمواعيد «الأوردر» التلفزيوني لمسلسلات رمضان القادم.

لقيط الحكومة
ظروف مريرة يعيشها مسرحيو سورية اليوم، لا سيما بعد دخولهم السنة السادسة من الحرب. لكن بالمقابل لم يمنع ذلك مسرحيين آخرين من زيارة قبر أبي الفنون، ووضع وردة على ضريحه الصامت – يقول مخرج مسرحي رفض ذكر اسمه متحدثاً للسفير: «مسارحنا تحت الأرض، نهبط إليها عشرات الدرجات كي نعمل ونشاهد عروضاً، لكن ما من أحد يريد أن يمد يد العون للمسرح القومي، البعض وجد تمويلاً غامضاً لعروض تديرها مؤسسات المجتمع المدني، وتصل ميزانيتها إلى (10 آلاف دولار) للعرض الواحد، بينما ما زالت مديرية المسارح هي الابن اللقيط للحكومة التي تمول مسلسلات التلفزيون بملايين الليرات، بينما تترك المسرحيين أمام خيارين: إما العمل في أصعب الظروف وأكثرها إجحافاً بحقوق الفنان، أو الامتثال لتمويل غامض تضع أجنداته أجهزة مخابرات دولية».
الاحتفالية العالمية تأتي اليوم أيضاً في ظل عزلة تعيشها المؤسسات الثقافية عن بعضها البعض، فاحتفالية مديرية المسارح غير احتفالية المعهد العالي للفنون المسرحية، وفي حين لا نلحظ أي أثر لهذا اليوم في برامج عروض دار الأوبرا السورية، فضّلت «مدرسة الفن المسرحي» التي يشرف عليها المخرج سمير عثمان إحياء هذا اليوم بعيداً عن جدولة المؤسسات الرسمية؛ مبتهجةً بيوم المسرح العالمي ورسالته في مقرها بمدينة جرمانا.

خيال الظل
يبقى عرض «مسرح الحياة» الذي قدمه كل من «محمد شما» و «زهير بقاعي» و «روجينا رحمون» و «كامل نجمة» هو الأكثر مقاربةً لحال المسرح والمسرحيين السوريين؛ إذ اعتمد هذا العرض الاحتفالي على إمكانيات بسيطة، مستعيداً مسرح خيال الظل، وبطليه «كراكوز وعيواظ» في ظل الحرب، وكيف تشتت شمل نجمي خيمة خيال الظل في تغريبتهما الجديدة؛ ليصير واحدٌ منهما على حدود مقدونيا والآخر في بحر اليونان، بينما أرسل عرض «مسرح الحياة» إشارةً عن زكي كورديللو؛ فنان خيال الظل الذي لا يزال مصيره مجهولاً هو وابنه «مهيار».
توليفة يوم المسرح استعادت بدورها مسرحية «سكان الكهف» العرض الذي قدمه فواز الساجر عام 1988 عن نص الكاتب الأرمني «وليم سارويان»، أورد تناصاً واضحاً بين تجربة الاغتراب التي قدمها «الساجر» عن إنسان سحقته أحلامه ورغبته بالانعتاق من اغترابه عن مجتمعه؛ وبين حال المسرحيين اليوم، ليعود مصمم الاحتفالية «فؤاد حسن» إلى تراث المسرح القومي، مزاوجاً بين الشاشة والخشبة عبر مادة فيلمية صممها الفنان أدهم سفر، مرسلاً بدوره إشارات عميقة عن آلام المسرحيين السوريين عبر تضمينه الفيلم الذي قام بتصويره ليوم المسرح لوحة «الصرخة» للرسام التعبيري النرويجي «إدفارد مونك»؛ ولوحة «غيرنيكا» لبيكاسو. مفارقة وضعت سيرة عنترة وعبلة في تراث مسرح الحكواتي الشامي، جنباً إلى جنب مع مأساة صاحب صندوق الفرجة الذي استعار ميمية عنترة للتعبير عن فداحة الكارثة السورية؛ في استعارة لملحمة الرؤوس المقطوعة والرؤوس المرفوعة.

المصدر: http://beirutpress.net/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *