(عين) مسرح الطفل في العراق – العراق

نشأ المسرح في العراق في المدارس فيما بعد اواسط القرن التاسع عشر ، ارتباطا بأنشاء الجاليات الاجنبيه لمدارسها ( لاسيما الجاليه الفرنسيه) في الموصل ، والمدارس اليهوديه والمسيحيه في بغداد والبصره .

وسارت على هذا التقليد ( النشاط المسرحي ) المدارس العراقيه الحديثه التي بنيت في بداية القرن العشرين.

وتاريخ مسرح الطفل في العالم يبداء من القرن التاسع عشر ، وهذا يعني اننا ، بالنسبة ( لمسرح الطفل) لم نتأخر في استلامه من الغرب كثيرا .

ان المسرح الذي يتوجه الى الطفل في العالم ، والذي ولد من رحم مسرح الكبار الذي كان يشاهده الصغار والكبار، ثم انفصل عنه في قواعده والنظريات التي تتحكم به ، عندما تطور في القرن التاسع عشر علم نفس الطفل ، وطرق التربيه وتعليم الصغار .

وقد ساعد بشكل مباشر في بلورمسرح خاص بالاطفال في العالم ، ظهور أدب الاطفال على ايدي كتاب كبار لحكايات الاطفال، كالاخوين كرين في المانيا ، وهانس كريستيان اندرسون في الدانمارك ، الذي استمد فيما بعد كتاب مسرحيات الاطفال افكار اعمالهم من هذه الحكايات ، أضافة لاستعانتهم بما كان مترجما لديهم من حكايات الف ليله وليله ، وحكايات ايسوب ، ولافونتين .

بينما نحن اخذنا مسرح ماقبل مسرح الطفل ، وادخلناه في مدارس الاطفال ، هذا لايعني ان مسرح التبشير الديني لم يكن يأخذ بنظر الاعتبار مستوى وعي الاطفال في اعداده لقصص العهد القديم او ترجمة ماكان موجودا بلغات اخرى من المسرح الكنسي ، والتي كانت تقدم في داخل الاديره والمدارس التابعه لها من قبل الاطفال انفسهم، وكانت موجهه في نفس الوقت للكبار ايضا ، الذين كانوا يشكلون العدد الاعظم من تشكيلة الجمهور الذي يحضر الحفل ، فلم يكن هناك تمايز واضح بين المسرح المدرسي عن المسرح الموجه للكبار، بل هو واحد تقريبا في مواضيعه التي كان يقدمها ، وكان الصغار هم الذين يلعبون الادوار فيها ، يكفي ان نعرف ان بدايات حقي الشبلي كان من المسرح المدرسي ، وعند تشكيل فرقته المسرحيه الاولى مع اقرانه ، وهو اكبرهم سنا لم يكن يتجاوز ثلاثة عشر عاما (في سنة 1926 تاريخ تأسيس فرقته ، الفرقه الوطنيه للتمثيل ).

وعندما يطرح سؤالا على أي رائد من الرواد الاوائل في المسرح العراقي عن بداياته في المسرح ، سيكون الجواب تقريبا جوابا واحدا ، هو ان بداياته كانت من المسرح المدرسي او ماكان يسمى بالمسرح الارشادي او التعليمي .

فالمسرح المدرسي يعتبر الاب الشرعي للمسرح العراقي الجاد ، الذي كان يسير في البدايه بشكل متوازي مع فنون المسرح الاخرى ، كاللاخباري والشانو ، أخذ منهما وفي نفس الوقت تناقض معهما، ثم تطور لاحقا الى مسرحنا اليوم ، بينما اضمحل وتلاشى النوعين الاخرين وأنتهيا بالموت ، بموت رواده والقائمين عليه ، وبقي محصورا بين جدران الملاهي والكباريهات .

ومن فنون التسليه التي لها علاقه بالمسرح والتي كانت تقدم للا طفال في حفلاتهم المدرسيه ، هو فن( القراقوز ) القديم الذي عرفه العراق منذ غزو التتر ، وكان هذا الفن ارتجالي ، يقدم للصغار والكبار في المناسبات الدينيه والاعياد والمهرجانات الوطنيه في الاسواق والشوارع ومكانات التجمع لاسيما حول المزارات والمقامات والمزارع والحدائق العامه في فصل الربيع في مناسبات (الكسله) البغداديه الى جانب باقي فنون التسليه الشعبيه الاخرى . 

لم يعرف العراق ( مسرح الدمى ) للطفل، ولم يعطى له اهتماما كبيرا ، فهذا الفن يحتاج الى تدريب مسبق واعداد طويل ، لم يكن هذا الفن معروفا في تقاليدنا الشعبيه كما في فن ( خيال الظل ) و( القراقوز) والوقوف على اسراره وعمله لايتم الا عن طريق الممارسه ، او اخذه من مدارس ومعاهد حاصه لم تكن متوفر منها عندنا ، ولم يرسل احد لدراسته في الخارج ، بل لم يكن ( فن الدمى ) ( الماريونيت ) معروفا في العراق، عدا مشاهدات متباعده بعد عام 1958 لفرق الدمى الاجنبيه الزائره ، ولم يلتفت الى هذا الفن او يعطى اولويه الا في الفتره الاخيره ، وبقى بديله ( القرقوز) بتقنياته البسيطه هو السائد حتى فترة منتصف الستينات .

اشهر من كان يقدم هذا الفن من فناني ( القراقوز) من الذين كانوا يزورون حفلات المدارس هو الثنائي طارق الربيعي وضياء منصور حتى عام 1963 ، ثم الثنائي طارق الربيعي وانور حيران بعد هجرة ضياء منصور الى الولايات المتحده الامريكيه ، اللذين واصلا فيما بعد تقديم هذا الفن كبرنامج للاطفال حتى السبعينات في تلفزيون بغداد.

في منتصف الثلاثينات ، بعد ان بدأت اذاعة بغداد بثها المحدود ، اخذ يقدم ( عمو زكي) احد المربين الاوائل في الاذاعه ، الذي كان يهتم بالنشاطات اللاصفيه في المدارس ، برنامجه الاذاعي التربوي الموجه للأطفال ( جنة الاطفال) يحوي على حكايات وقصص، ومشاهد تمثيليه قصيره يقوم بها الاطفال تدور حول المثل والاخلاق الحميده والخير ، واستمر البرنامج يقدم في الاذاعه بدون انقطاع ، ، ثم اخذ يقدمه من على شاشة تلفزيون بغداد بعد ان بدأ بثه المنظم بعد عام 1957 ، وكان يشرك في البرنامج اطفالا يختارهم من المدارس .

ويعتبر عموزكي هو اول من حاول ان يتوجه الى داخل عالم الطفل ، ويخاطبهم بلغتهم البسيطه عن طريق الحكايات والاغاني واللعب ، واستمر البرنامج يقدم لفترة تجاوزت الاربعين عاما ، وعاش كل العصور السياسيه التي مرت على الدوله العراقيه ، و توقف البرنامج بوفاة عمو زكي في السبعينات من القرن الماضي .

ان نجاح برنامج ( جنة الاطفال ) ودخول مجلات الاطفال من البلدان العربيه في بدايات الخمسينات من القرن الماضي ، ورواجها ، كمجلة ( السندباد ) و( علي بابا) وتوافد ترجمات المسلسلات المصوره ( كتن تن ) و( شخصيات والت ديزني ) وترجمات الكيالي الشهيره لقصص وحكايات الاطفال العالميه ، كل هذه المقدمات نبهت الكتاب والادباء العراقيين الاوائل ليلتفتوا الى المسرح الموجه للطفل ، وشجعتهم على الكتابة في مجاله . 

نذكر منهم من عرف بكتاباته لمسرح الاطفال خاصه ، عيسى عزمي ، وعبد الستار القره غولي ، ورؤوف توفيق ، واخرين ، حتى ظهر عبد القادر رحيم ، ابرز من كتب بشكل ناضج واخرج لمسرح الطفل في فترة الخمسينات .

 

رائد مسرح الطفل عبدالقادر رحيم الى يسار يوسف العاني في مسرحية ( شلون ولويش وألمن ) اعداد يوسف العاني عن خايتوف 1972 ، اخراج روميو يوسف ، تقديم فرقة المسرح الفني الحديث .

وعبدالقادررحيم معروف من قبل الجمهوركممثل متميز في فرقة المسرح الفني الحديث ، ، اكثر من ان يعرفه كمبدع مهم في التأليف والاخراج لمسرح الطفل .

وقد أكمل عبدالقادر رحيم دراسته العليا في نهاية الستينات ( ماجستير في النقد المسرحي ) بموسكو ، الا انه لم يزاول اختصاصه ، بل عاود العمل الذي بدأ به حياته المهنيه ( التعليم في مدارس الصغار) عقب تخرجه من معهد الفنون الجميله في الخمسينات ، اشتغل معلما للفنيه في مدارس مختلفه للاطفال ، كمدرسة ( الحكمه ) حيث بدأ فيها تجاربه الاولى في مسرح الطفل ، مقتبسا من حكايات الف ليله وليله ، والحكايات الشعبيه المتداوله، افكار مسرحياته الاخلاقيه والتربويه المسليه ، من مسرحياته التي الفها واخرجها وقام بأداء الادوار فيها اطفال المدرسه ، مسرحية ( أسطه عبد انه أخي وصديقي ) عام 1953 و( امير الالوان ) عام 1955 و( انا والحمار وعاقبة الطمع ) عام 1955 و( عصفور بردى ) عام 1956 و( ابو القاسم الطنبوري ) عام 1957 و( حكاية الصياد عاشور) 1965 واخر مسرحياته قدمها في زمن الحرب ( سفينة الزجاج ) عام 1985 .

كتب رحيم حوار مسرحياته بالفصحى البسيطه السهله، والموضوعات التي تناولها اخلاقيه وتربويه في اجواء الحكايات ، او اجواء العائله العراقيه وعلاقاتها الداخليه ، وقد حاز على الجائزه الاولى في مهرجان المسرح المدرسي في الثمانينات ، وكرمه المركز العراقي للمسرح رائدا في التأليف لمسرح الطفل عام 1985 . 

في عام 1964 قدم معهد الفنون الجميله لاول مره ضمن موسمه مسرحيه للاطفال( كنوز غرناطه ) تأليف جيرالدين سيكس، اخراج سامي عبد الحميد ، وهي اول محاوله اكاديميه لتقديم مسرحيه متكامله فنيا للطفل ، ( من الفئه العمريه 7-15 سنه ) يؤدي ادوارها طلبة المعهد ، والتجربه كانت ناقصه لركن اساسي في هكذا مسرح ، وهو انه لم يكن من بين الجمهور الذي حضرها العدد الغالب او الكافي من الاطفال والفتيان المفترض انها اعدت لهم وتخاطبهم. 

لكننا نستطيع ان نقول عنها انها عمل تجريبي هام ، فتح فيما بعد الطريق امام نوع جديد في المسرح العراقي لم يكن مطروقا وملتفتا اليه.

و شهد مسرح الطفل في العراق فيما بعد ( كنوز غرناطه ) طفره حقيقيه، اذ اعقبتها محاوله جاده اخرى ، اذ قدمت ( فرقة معهد بغداد التجريبي ) مسرحية ( علاء الدين والمصباح السحري ) لجيمس توريس عام 1968 ، ترجمة جعفر علي ، واخراج جاسم العبودي ، وتعتبر هذه المسرحيه اول مسرحيه يؤدي ادوارها ممثلون محترفون ، ويحضرها ، جمهورها الحقيقي ( الاطفال) طلاب المدارس الابتدائيه ، بالتنسيق مع مديرية التربيه التي اخذت تقوم بحجز جزء من مقاعد القاعه يوميا وبأثمان مخفضه لتلاميذ صفوف مدارسها، الذين كانوا يفدون الى العرض بالباصات الخاصه بشكل جماعي ، واستمر ت مديريات التربيه في بغداد على هذا التقليد في دعم جمهورمسرحيات الاطفال التي قدمتها لاحقا الفرقه القوميه 

اصبح بعد هذا التاريخ مسرح الطفل في العراق ينقسم الى نوعين :- .

مسرح مشغول مع الاطفال ، وهو الاقدم والشائع الذي بنى المسرح العراقي اسسه عليه ، وتطور بفضل رواده الى شكل يميزه عن مسرح الكبار ( يتوجه الى الاطفال من الفئه العمريه مابين 6-12 سنه) ، بالمواضيع ونوع اللغه وطريقة العرض ، ويعتمد في بعضها على مشاركة المتفرج الطفل مع الممثل الطفل الذي يقوم بلعب الادوار في المسرحيه ، وكانت هناك تجارب عديده في هذا المجال ، ابرزها تجارب عزي الوهاب تأليفا واخراجا مع الصغار منذ نهاية الخمسينات .

وطارق الحمداني (مشرف فني من خريجي معهد الفنون الجميله ) له تجربه مختلفه في مدارس المتوسطه والثانويات في بغداد منذ اواسط الخمسينات ، الى جانب أسماء اخرى من خريجي معهد الفنون الجميله الذين عينوا في مدارس المحافظات الاخرى للقيام بنفس المهمه ، أي الاشراف على مسرح موجه الى فئه عمريه مابين ( 12-17 عاما ) وكان الممثلون من طلاب نفس المدرسه التي تقوم بالنشاط ، وهي مواصله للمسرح المدرسي البدئي الذي عرفناه في العراق. وكانوا يعتمدون على المسرحيات ذات الفصل الواحد التقليديه التي كتبها كتاب عرب ، كتوفيق الحكيم ، ويوسف وهبي ، وباكتير وغيرهم، وكل ماكان يقع بأيديهم من مسرحيات ذات الفصل الواحد، تمجد العادات والمثل والاخلاق والشيم القوميه العربيه، وفي بعض الاحيان كانت سياسيه آنيه تتناول القضيه الفلسطينيه مثلا ، او حركات التحرر العربيه ، سيما في فترة الثوره الجزائره ضد الاستعمار الفرنسي ، ولم يكن لهذا المسرح الموجه من ملامح خاصه به يميزه عن مسرح الكبار ، غير ماذكر .

والنوع الاخر من مسرح الطفل ، الذي تأسس بعد ( كنوز غرناطه ) هي المسرحيه التي توجه خطابها الى الطفل ويقدمها على الاغلب ، ممثلون محترفون في فرق مسرحيه ابرزها ( الفرقه القوميه ) التي اخذت تضع في مواسمها السنويه بدءا من عام 1968 ، مسرحيه واحده على الاقل موجهه ومكتوبه للاطفال ، ومعظم هذه المسرحيات كانت مترجمه ومعرقه ، او معده عن قصص وحكايات عالميه للاطفال.

من ابرز مسرحيات الفرقه القوميه للطفل مسرحية ( طير السعد) 1970 التي اعدها واخرجها قاسم محمد عن مسرحية ( مترلنك ) ( الطائر الازرق ) مازجا معها عدد من حكايات متداوله اخرى للاطفال .

واعد قاسم محمد فيما بعد لمسرح الطفل ( الصبي الخشبي ) عن حكايه ايطاليه شائعه ، ثم مسرحية ( سر الكنز ) تلاها بمسرحية ( رحلة الصغير وسفرة المصير) 1981 التي اعدها عن قصه قصيره لسومرست موم ( الامير السعيد ). و اخرجتها له منتهى محمد رحيم 

وقد قدمت منتهى محمد رحيم قبلها في عام 1979 مسرحية ( بدر البدور وحروف من نور ) كتبها الكاتب المصري رؤوف سعيد، مثلت العراق في المهرجان الدولي لمسرح الاطفال الذي اقيم في ليبيا عام 1979 .

ومن نتاجات الفرقه القوميه لمسرحيات الاطفال في السبعينات ، اول مسرحية محليه مؤلفه ليمثلها الكبار للصغار ( زهرة الاقحوان ) 1975 تاليف واخراج سعدون العبيدي ، ثم تلاه سليم الجزائري واخرج في عام 1976 مسرحية من اعداده ( جيش الربيع ) ثم في عام 1977 قدمت الفرقه ( عربة الصلصال الصغيره) لسودر كاز ، اخراج اسماعيل خليل ، ومسرحية ( القنطره) لطه سالم من اخراج محسن العزاوي ، ومسرحية ( النجمه البرتقاليه ) عام 1978 ، وهي مسرحيه غنائيه استعراضيه .

واعد سليم الجزائري وكامل الشرقي مسرحية ( ابنة الحائك ) 1985 اخرجها بهنام ميخائيل ، اعقبها في نفس العام ( المزمار السحري ) لطه سالم واخراج فخري العقيدي .

حاول المخرجون في بعض هذه المسرحيات فتح حوار بعد العرض مع المنفرجين الصغار للآطلاع على ارائهم ووجهات نظرهم ،

لم تكن الفرقه القوميه هي الوحيده فيما بعد في تقديم مسرح الطفل ، بل انتشر هذا التقليد في الفرق المسرحيه في المحافظات ايضا ، وتولت في بغداد مؤسسات تعني بشؤون وثقافة الطفل ، كمجلتي ( المزمار ) و( مجلتي ) الحكوميتين ، فقدمتا عام 1972 ( الورده والفراشه ) و( الفراره الطائره ) من اعداد واخراج عزي الوهاب ، مثل فيها الاطفال فقط ،

وقدمت مؤسسة الاذاعه والتلفزيون في عام 1975 مسرحية ( الدجاجه الشاطره ) لفاروق سلوم و( صباح الخير ايتها السعاده ) لسامي عباس ، والمسرحيتين من اخراج محمد عبدالعزيز .

وفي عام 1977 قدم عزي الوهاب تأليفا واخراجا ( اصدقاء المزرعه ).

في عام 1978 بدأت اكاديمية الفنون الجميله بتقديم مسرحيات الاطفال ايضا، اولها مسرحية ( بيت الحيوانات ) لصاموئيل مارشاك أخرجها الفنان الالماني الذي كان ضيفا في العراق هانس ديزشميدت ، ومسرحية ( الباص القديم عنتر ) اعداد فائق الحكيم واخراج سامي عبالحميد .

لم يجر تطوير كبير لتجربة توجه المسرح المحترف للطفل الذي توهج في فترة ما قبل حروب العراق مع جيرانه ، ايران وبعدها الكويت ، وتراجع الى ابعد حدود بعد اندلاع هذه الحروب ، عدا ومضات قليله اشير اليها ، بل شهدت هذ الفتره انحطاطا خطيرا وانتكاسه للافكار والمواضيع التي كانت تقدم على مسرح الطفل ، ارتباطا بتردي وضع المسرح العراقي عموما في ظل الحرب ، الذي شهد فتره غير طبيعيه وغريبه وطارئه على مساره التارخي المعروف .

فقد انزوت وحوصرت الفرق المسرحيه العريقه المعروفه وتوقفت معضمها ، و اضطر بعضها القليل ، الى جانب فنانين كبار ، ولاسباب ماديه وضغوط احرى ، الى الانزلاق مع التيار الذي ساد بما كان يعرف ( بالمسرح التجاري ) الذي كان لايمت في الواقع حتى الى هذا النوع من المسارح المعروفه في العالم ، بقدر ماكان نوعا ساذجا يمت الى فنون الكباريهات الليليه الداعره . 

في فترة الحرب تحول المسرح العراقي ، الذي كانت السلطه تهيمن على كل مفاصله ، الى ساحه للتهريج الرخيص والضحك والايماءات الجنسيه المباشره ، بهدف امتصاص القلق والتوترالشامل الذي كان يعاني منها الناس، والهائهم عن تأثيرات هيمنة اجواء المآسي واهوال الحرب التي طالت مدتها كثيرا بلا مبرر..

في ظل هذا الانحطاط الذي الم بالمسرح العراقي ، سخر مسرح الطفل في العراق ، الذي تديره الدوله بواسطة اجهزتها التربويه المؤطره ايدولوجيا منذ وقت سابق لاندلاع الحرب، سخر لاعداد الطفل لتقبل حياة الحرب الطويله على انها حاله طبيعيه ، وشوهت انسانيته ، بغرس روح الكراهيه والحقد والشوفينيه والتدمير في روحه ، وحرمته من التمتع بطفولته النقيه ، ونموه النفسي الصحي .

تحول مسرح الطفل في توجهه الاساسي ، كما هو حال المسرح العراقي عموما ،الى بوق دعايه مباشره للحرب والعدوان ، والديماغوغيه السياسيه .

فبأسم التربيه الوطنيه والقوميه للطفل ، جرت محاولات تفريغ وتجويف الطفل من القيم الانسانيه التلقائيه والفطريه الموجوده بشكل طبيعي لديه ، وحرمانه من الاراده وحرية الاختيار في حياته القادمه ، ومن ثم تسيسه ، واعداده كقوه تدميريه لاانسانيه تتقبل التدميروالفناء في الحرب بلا اعتراض او تمحيص .

كتب كامل الكبيسي وهو سلطوي متحمس و استاذ جامعي في كلية التربيه – جامعة بغداد ، يشرح ويلخص الاسس التربويه للاطفال التي أعتمدها النظام في ظل الحرب فيقول :- 

((.. ان روح النصر التي تعتبر نتيجه مركزيه وحاسمه للمعركه ، ينبغي ادامتها بكل الوسائل لدى اطفال العراق ، لانها كفيله بضمان تحقيق الانتصارات الدائمه ..)) 

ثم يجيب على السؤال كيف نديم روح النصر لدى الاطفال ؟:-

((…بالاستيعاب الدقيق لمعطيات المعركه من المربين ، واعتمادها كمحاور اساسيه في تربيتهم واعدادهم جسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيه لتحقيق نقله نوعيه في تكوين شخصياتهم ..)) 

ويوصي بعد ذلك المربين :- ((… بأستلهام معركة قادسية صدام وتحويلها الى سلوك يومي اثناء التعامل مع الاطفال وعند تربيتهم وتنشاْتهم لنغرس في اساسيات تكوين شخصياتهم سمات الشخصيه القويه المقتدره على مواجهة التحديات بدون تردد وبثقه واقتدار . ))

ثم يستطرد :- ((… ينبغي غرس القيم الثوريه والسمات الايجابيه التي افرزتها قادسية صدام في نفوس الجيل الجديد ، وتسليحه بالايمان بمبادي الحزب والقائد ، والروح المعنويه العاليه والاراده الثوريه ، بهدف اعداد الشخصيه الواثقه الجديده ، حيث ان قوة السلاح التي تحقق النصر العسكري تنبثق عادة من قوة اليد التي تحملها ..))

ويواصل المربي على مقاس السلطه آنذاك فيقول :

(( … معركة قادسية صدام تفرض على الاسره العراقيه مهام تربويه جديده في تنشئة الطفل وتربيته ، اضافه للمسؤوليات المعتاده الملقاة على عاتق كل اسره عند تربية واعداد اطفالها ، لذا على الاسره العراقيه الانتباه ومراعاة مايلي :-

اولا:- تحفيز الطفل على اللعب بالالعاب الهادفه التي تنمي فيه روح الشجاعه ، وتحبب فيه الحياة العسكريه ، وتنمي فيه سمات الشخصيه القويه ، 

ثانيا:- ربط توجهات وارشادات الوالدين للطفل بالايمان بالافكار القوميه للقائد وحزب البعث ، والاعتزاز بعروبته وامجادها .

ثالثا:- تحبيب روح الفداء والشهاده في نفس الطفل ، مستخدمين قصص شهداء معركة قادسية صدام .

رابعا :- غرس روح الجنديه ، واشاعة روح العسكريه في نفوس الاطفال من خلال القدوه الحسنه في التصرف واحترام المقاتل العراقي بأعتباره قد نذر نفسه للشهاده من اجل ان يبقى اطفال العراق يعيشون بأمان .

خامسا:- ان اعتماد الطقل على والديه في سنواته الاولى وقيامهما بأشباع حاجاته ، وتوفير الجو المريح له ، تولد لدى الطفل الشعور بالامن والطمأنينه الزائفه ، والاشباع الزائد يتحول الى مصدر احباط له ، مما ينبغي تعويد وتدريب الطفل على مواجهة الكثير من مشكلاة الحياة وقساوتها والصبر على المحن .

هذه هي الاسس الفكريه التي كان يعتمدها نظام الحزب الواحد السابق ، في تربية الطفل العراقي ، وهي نفسها شكلت المنطلقات الفكريه للمسرح المدرسي التربوي ، بفئتيه العمريه ( من 6- 12 سنه و من 12- 17 سنه ) في فترة الحرب ، وهي نقل حرفي لمن يتمعن في هذه الاسس ، عن قواعد تربية الطفل النازي التي اعتمدها هتلر والتي انشأت في المانيا اجيال مسعوره ومهووسه احرقت نفسها ودمرت معها العالم في الحرب العالميه الثانيه.

وقد نسي الناس سريعا الكم الهائل من الاعمال المسرحيه المدرسيه الدعائيه والمباشره لتمجيد الحرب المعموله في المدارس والتي ضخت بقسوه في عقول الاطفال في كل مدارس العراق بأنتهاء الحرب وزوال النظام ، ولكن تأثيرهاعلى تزييف وتخريب وعي جيل طفل الحرب ، واثارها المشوهه ستبقى طويلا جدا،

المصادر

1- تجربة مسرح الطفل في العراق – يوسف العاني – القدس العربي – عدد يوم 8 شباط 2000

2- مسرح الطفل – مسرحية مملكة النحل .. البدايه – جريدة الثوره العراقيه- عدد يوم 12 /2/1990

3- تربية الاطفال في ضوء معطيات قادسية صدام – كامل الكبيسي – جريدة الثوره – عدد يوم 11/9/1986

4- الصوره من ارشيفي.

———————————-

المصدر :مجلة الفنون المسرحية – لطيف حسن – فصول من تاريخ المسرح العراقي( الفصل الرابع عشر)

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *