(عين) لارا قانصوه: لا أخرج عملاً لا يُعجبني نصه – لبنان

ناداها الصوت فلبّت النداء، لم تستطع إسكاته إذ كان أقوى من أن تتغاضى عنه. أسئلة مقلقة تحتاج إجابات، منها الفراغ وماهيته وأهميته، وعلاقة الكلمة بالصوت والضوء والحركة. من هنا التفتت لارا قانصوه إلى عشقها للمسرح فكان المسرح هو ساحتها وموطأ شغفها، فبعد أن قدّمت مسرحيتها الأولى «عرس زهوة» منذ عامين التي كتب بعضها الشاعر الزميل عباس بيضون، ها هي اليوم تقدّم مسرحيتها الثانية «عشق» التي بدأ عرضها على خشبة مسرح مونو منذ السابع من الشهر الحالي، وتستمر العروض إلى السابع عشر منه.
استوحت قانصوه عشقها من مسرحية «طبل من حرير» للكاتب الياباني الكلاسيكي، زيامي، الذي ساهم في تأسيس مسرح (النو) الياباني الموسيقي الدرامي في القرن الرابع عشر، وأعادت صوغها بمساعدة أستاذها بطل مسرحيتها روجيه عساف عبر حبكة إنسانية صوفية سابرة غور الإنسان وطارحة تساؤلات حول الحياة، الوجود، الحب، الوحدة، الموت، والفراغ من خلال قصة الأميرة وعلاقتها بالبستاني الذي يقوم بدوره عساف، وتشارك في البطولة روزي يازجي، سارة وردة، بمصاحبة دالين جبور غناءً لقصائد صوفية وأغنيات شرقية من دون مصاحبة موسيقية واليابانية كازومي فوشيغامي رقصاً على أنغام مقطوعات موسيقية من تعلن أستاذة الأدب الفرنسي التي ودّعت التعليم لتكون في عالم المسرح، وعادت إلى مقاعد الدراسة بغية نيل شهادة الماجستير في المسرح منذ عامين، أنّها اليوم تحكي قصة امرأة قدرها مغاير لأقدار كل النساء حولها، وتطرح أسئلتها وهواجسها من خلال أميرة مسرحيتها، «اتخذت قراري بالابتعاد من التعليم في العام 2007، لطالما كان هناك صوت قوي داخلي يناديني نحو الإخراج، نحو الكلمة والصورة، الصوت الداخلي يشبه التسونامي ولا يمكنني إسكاته بعد اليوم، وكأنني لم أكن على قيد الحياة قبل اتخاذي القرار بسماع هذا الصوت. سمعتُ الصوت وقمت بكلّ شيء في حياتي في اتجاهه، وها أنا اليوم وبكل فخر أعلن أنني مخرجة «عشق»». تعزو قانصوه سبب عدم اختيارها دراسة المسرح في الأساس لظروف الحرب، «الجامعة اليسوعية في صيدا لا تضم اختصاص المسرح فكان اختياري للأدب الفرنسي كوني ابنة الجنوب وكان يتعذّر عليّ الانتقال من منطقة إلى أخرى، مارست مهنة التعليم لسنوات إلا أنّ كلّ النشاطات التي قمت بها في المدارس وخارجها منصبة على المسرح، وفي النهاية اتخذت قراري لأكون مسرحية».
مسرح النو
لم تكن قانصوه على علم بالمسرح الياباني إلا أنّ أستاذها روجيه عساف وفي إحدى المحاضرات الجامعية أخبر طلابه عن مسرح «النو» الياباني مستشهداً بمسرحية «إصر الحب» وأعلنت قانصو أمام أستاذها أنّها ستقتبسها وتعمل على إخراجها، «أعدت كتابة المسرحية معتمدة فقط على الأميرة والبستاني ودف الحرير، لكنني لم ولن أدّعي يوماً انني أقدّم مسرح «النو» الياباني فهو من أصعب أنواع المسارح فعلى سبيل المثال الممثل قد يتدرّب أكثر من عشرين سنة ليقوم بدور واحد طيلة حياته، ولا علاقة لي بجلال الدين الرومي أو الشاعر المتصوّف الإيراني فريد العطّار، ولكن هناك خيوط بين الحضارة اليابانية والصوفية الفارسية، من هنا كانت هذه التركيبة بين الصوفية والقصة اليابانية في الروح من خلال رؤيتي فقط لا غير، لا سيما حول مفهوم الفراغ والسكوت وأهميتهما. في القصة الحقيقية الأميرة غير موجودة، بينما في مسرحيتي الأميرة موجودة بكل أعماقها وأبعادها حتى القصة باتت مختلفة عن القصة اليابانية إنما ترتكز إلى عناصرها وتحلق بعيداً منها».
تعتبر قانصوه أنّها ومن خلال «عشق» تتحدّث عنها وعن الإنسان، «لا أفسّر شيئاً فكلّ منّا يفسّر ما يراه وما يشعر به ويسمعه، لا أحمّل الفن رسائل ولا أقول أيضاً إنّ الفن للفن ولا أتحدّث عن موضوع اجتماعي أو سياسي، كما أنني لا أدّعي التغيير من خلال عملي المسرحي، كل ما في الأمر أنّ الأميرة فيها الكثير من الـ «أنا» والـ «نحن»».
ترى قانصوه وهي منتجة مسرحيتها أنّ تحديد عشرة أيام لعرض المسرحية كافٍ لأسباب عدّة، وتقول إنّها تلقّت دعماً من وزارة الثقافة ومن عدد من المؤسسات والأصدقاء المؤمنين بعملها، «أعرف جيداً أنّ المسرحية لن تعجب كلّ الناس ولن ننال إعجاب كل الناس مهما فعلنا، ولكنني مقتنعة بما قدّمته، وصوّرت المسرحية وسأحاول المشاركة في عدد من المهرجانات لأنني أجد أنني قدّمت عملاً متكاملاً، وهو مختلف عن عملي الأول «عرس زهوة» الذي كان أول صرخة من قلبي وكان قائماً على ثلاث لوحات غير مرتبطة ببعضها بعضاً، وبالتالي أقولها بصوت عالٍ أنا مخرجة والعمل الإخراجي المتقن يظهر جلياً في عملي الجديد».
تجد قانصوه أنّه لا يحق لها القول بأنّها كاتبة، «الحاجة أم الاختراع والحقيقة أنني لم أجد مَن يكتب لي فاعتمدت على نفسي واستشرت أستاذي روجيه عساف، لا أعرف ما إذا كنت سأكمل في تجربة الكتابة فهي عالم مختلف قائم بحدّ ذاته، ولكن ومن خلال تجربتي لاحظت أنني لا أستطيع إخراج عمل لا يقنعني أسلوب الكتابة فيه».
تختم قانصوه بالإعلان عن مسرحيتها المقبلة التي من المقرّر أن تعرضها في آذار من العام 2017، «بدأت التفكير في العمل المقبل وهو مقتبس من قصة قصيرة للكاتبة الفرنسية مارغريت يورسينار «الأرملة أفروديسيا»، لن أكون لارا الهادئة الناعمة في عملي المقبل، سترون وجهاً جديداً من وجوهي من خلال هذه القصة وطريقة إخراجها».

فاتن حموي

http://assafir.com/

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *