(عين) فنّانون يعيدون إحياء أعرق المسارح العراقيّة بجهود فرديّة – العراق

كان الممثل المسرحيّ العراقيّ علاوي حسين يحمل الأخشاب على ظهره، وقد علا الغبار هامته، وكان يسابق الوقت هو وبعض رفاقه من الفنّانين من أجل افتتاح مسرح “الرشيد”، الّذي يقع بقلب العاصمة بغداد في يوم “المسرح العالميّ”، الّذي يصادف في 27 آذار/ مارس من كلّ عام. وقد نجح علاوي حسين ورفاقه بالفعل بترميم المسرح وإعادة افتتاحه بالتوقيت تماماً، وتمّ عرض أعمال فنيّة ومسرحيّة على الخشبة الّتي أُعيد أحياؤها بجهود فرديّة.

في حديث صحفي، قال علاء قحطان، وهو أحد أبرز الممثلين والمخرجين المسرحيّين الشباب، عندما كان يشاهد حفلاً لفرقة موسيقيّة أثناء افتتاح المسرح في 27 آذار/ مارس: “لقد تحقّق الحلم أخيراً… مسرح الرشيد عاد إلى الحياة، وصار بإمكاننا استغلاله لتقديم عروضنا على خشبته”.

تروي قصّة مسرح “الرشيد”، الّذي بني في عام 1984، الكثير من إهمال الحكومات العراقيّة المتعاقبة على الحكم بعد غزو العراق في عام 2003، للمجال الثقافيّ وبناه التحتيّة، حيث تعاملت بشبه إنكار مع أهميّة الدور الثقافيّ في تطوير المجتمع.

وكان مسرح “الرشيد” تعرّض إلى القصف أثناء احتلال بغداد في نيسان/ أبريل من عام 2003، وظلّت بنايته خرابة مذاك التاريخ، إلاّ أنّ الفنّانين لم يكد في استطاعتهم الإنتظار والتعويل على الجهد الحكوميّ، فقاموا بمبادرة فرديّة من أجل إعادة ترميم المسرح.

وأثناء الافتتاح ليلة 27 آذار/ مارس، الّذي شهد حفلاً موسيقيّاً وقراءات شعريّة وعرضاً مسرحيّاً، كان المطر ينهمر من السقف على الجمهور وعلى الفرق الّتي اعتلت الخشبة، إلاّ أنّ علاء قحطان قال في حديث إلى “المونيتور”: “نعم.. لم يُعاد ترميمه بشكل جيّد جداً.. فالمسرح يحتاج إلى جهود وأموال أكثر لإعادة إحيائه في شكل محترف”.

حمل علاوي حسين مبادرة إعادة إحياء مسرح “الرشيد” في شهر شباط، إلاّ أنّ الأمر كان يحتاج إلى موافقات أمنيّة وإداريّة من أجل دخوله والعمل على رفع الأنقاض منه، كونه يقع في القرب من المنطقة الخضراء المحصّنة الّتي يسكنها المسؤولون العراقيّون، إضافة إلى كونه من أملاك الحكومة العراقيّة، وهو ما لا يسمح بالعمل فيه ودخوله، إلاّ بموافقات رسميّة، فشرع حسين بجمع 260 توقيعاً لمثقفين عراقيّين من أجل الحصول على موافقة مؤسّسة “السينما والمسرح” مالكة المسرح التابعة لوزارة الثقافة، للعمل على ترميمه.

وفي هذا الإطار، قال حسين في حديث إلى “المونيتور”: “وجدت تفاعلاً كبيراً من المثقفين حين أخبرتهم بفكرة ترميم المسرح. ولذا، كان الجميع مستعدّاً للعمل على هذه الفكرة”.

وفي 17 آذار/ مارس، أي بعد نحو شهر من جمع التواقيع، كان المتطوّعون من الفنّانين العراقيّين وبعض المتطوّعين الشباب يحملون الأنقاض على أكتافهم من أجل إخراجها من بناء المسرح، “فـالعمل الجماعيّ أدّى إلى افتتاح طابق وحيد من بناء المسرح، الّذي يتكوّن من تسع طبقات”، أشار حسين، الّذي قال أيضاً: “تمّ جمع نحو 9 آلاف دولار من بعض المثقفين وأعضاء مجلس النوّاب العراقيّ للعمل على إعادة ترميم المسرح، إضافة إلى مساعدة عينيّة مثل أجهزة الصوت والإضاءة”.

وأثناء حديثه إلى مراسل “المونيتور” في وسط بغداد، كان حسين ينسّق مع سينمائيّين شباب من أجل حثّهم على عرض أفلامهم داخل صالة المسرح، متمنيّاً أن “يظلّ المسرح يعرض أعمالاً فنيّة كلّ يوم لأنّ تاريخه عريق، وسبق له أن عرض أعمالاً عالميّة مثل عمل لفرقة الرور المسرحيّة الألمانيّة في ثمانينيّات القرن المنصرم”.

بدوره، أشار المخرج المسرحيّ وأحد المتطوّعين في ترميم مسرح “الرشيد” أحمد موسى إلى أنّه يرتّب لقاءات مع شركات اتّصالات مثل شركة “زين” من أجل الحصول على تبرّعات منها لإكمال النقص في أجهزة الإضاءة والصوت، فضلاً عن أجهزة التكييف المركزيّة.

وقال أحمد موسى في حديث إلى “المونيتور”: “الحكومة ووزارة الثقافة تشتكيان من عدم قدرتهما على دفع أموال لإعادة ترميم المسرح، وعلينا إيجاد حلول ومتبرّعين لإكمال الترميم”.

وتحدّث عن صعوبات كبيرة تواجه المتطوّعين، وقال: “حلمنا بأن تتمّ إعادة إعمار الطابق الّذي يقع فيه المسرح. أمّا الطوابق الثمانية المتبقيّة فهي تحتاج إلى أموال كبيرة، ولا نستطيع جمعها من خلال التبرّعات”.

ولا يملك موسى تصوراً عن حجم الأموال التي ستعيد ترميم طوابق المسرح التسعة بشكل كامل، لكنه أشار إلى أن ما تمّ جمعه من المتبرعين لا يتجاوز 9 آلاف دولار.

وشكى من “الطريقة البيروقراطيّة الّتي تتعامل بها الحكومة ووزارة الثقافة تحديداً مع المتطوّعين في إعادة ترميم المسرح”، وقال: “قّدمنا اقتراحاً إلى وزارة الثقافة أن يتمّ بناء المسرح من خلال ريع تذاكر العروض الفنيّة الّتي ستعرض على الخشبة، إلاّ أنّها رفضت”.

أضاف: “الرفض جاء بسبب البيروقراطيّة، الّتي تحتّم ذهاب كلّ الريوع الماليّة الّتي تدخل المسرح إلى وزارة الماليّة، ثمّ يتمّ وضعها في حساب وزارة الثقافة”.

وتابع موسى آسفاً: “هذه البيروقراطيّة لن تستطيع أبداً أن تبني المسرح لأنّها شبكة معقدّة من التّعاملات الماليّة الحكوميّة”.

أمّا قحطان فشكّك بأن يكون سبب عدم تكفّل الحكومة بإعادة إعمار المسرح لنقص المال لديها، إذ قال: “ربّما لم يرمّم المسرح بسبب اسمه الّذي يعود إلى الخليفة هارون الرشيد الحاكم في العصر العباسيّ، الّذي بطش بأئمة من الشيعة”، في إشارة إلى أنّ الحكومة العراقيّة تقودها غالبيّة من الأحزاب الشيعيّة.

والحال، فإنّ مبادرة المسرحيّين تعطي انطباعاً جيّداً عن تحرّك جديد يشهده المجتمع العراقيّ ووسطه الثقافيّ، يتخلّص من الاعتماد على السلطة وشبكتها البيروقراطيّة الكبيرة الّتي تؤخِّر إعمار البنى التحتيّة وتهمل المسائل الثقافيّة مثل المسارح وما شابه ذلك.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *