مهرجان دوز العربي للفن الرابع يواصل فعاليات عرسه المسرحي ، مع تنظيم وبعث عروض مسرحية متنوعة الطّرح والأبعاد ، ومن بين العروض التي برمجت في إطار الدورة الحادية عشر على مستوى دار الثقافة ” محمد المرزوقي ” كان العرض المسرحي الموسوم بـ” هـــويــة ” للجمعية التونسية لمساعدة الصم فرع دوز وهو عرض لذوي الاحتياجات الخاصة ، العرض كان مهدى لروح الفنان المرحوم ” ابراهيم بن عمر “ ، وهو عن رواية الدفتر الكبير للكاتبة السويسرية ” أغوتا غريستوف” ، وأشرف على الدراماتورجيا والإخراج الفنان ” مكرم السنهوري ” وتنفيذ للسينوغرافيا الفنان التشكيلي الشاب ” شرف الدين بنعلي” .
عرض ” هـويـة ” من انتاج سنة 2016 ، كان عرضا صامتا مع ذوي الاحتياجات الخاصة الصم ، حاول من خلاله المخرج طرح صرخة كل لاجئ نتاج مخلفات الحرب العالمية الأولى ، ونتاج الوضع العربي الراهن النازف معتمدا تقنية الداتاشو ، منطلقا من اشكاليات عالقة أهمها ماذا لو أجبرتنا الحرب على فقدان الوطن ؟ وأين نحن من هويتنا ؟ حيث مخيم الللاجئين وطرح معاناة الأطفال وعرض مأساتهم وذكرياتهم في خضمّ الحرب القذرة ، مع استعراض الأوضاع الانسانية المترديّة داخل المدينة المنكوبة ، وانعكاسات كل ذلك على تكوينهم النفسي ، الفكري والأخلاقي ، كان الحوار عبارة عن محطات جمعت بين تقنية الداتاشو تشخيص بعض الحالات واستحضار لقصائد ” محمود درويش” ، الممثلون الخمس من فئة الصم أسماء بنحمد ، سلمى الزفزاف ، خلود الزفزاف ، مختار بلطوفة ، أكرم بن حمد و وسيم بالحاج نابت حركاتهم وتجسيدهم للأدوار عن كل الكلمات ، كان صمتهم لغة بليغة في وجه الصمت العالمي ، حيث هل لابدّ للملاجىء تلكم أن تحتضن كل الكلمات الغائبة في وجه الصمت المحظور ؟ فكانت الايماءات والإشارات حاضرة ، فكانت لغة السجون والملاجئ ، لغة الاضطهاد والجبروت ، لغة للبحث عن الهوية ، عن الحياة في خضم الدمار الحاصل ، عن الجوع بين أنياب الزمن والظروف ، عن الجلادين في زمن الكرامة المغتصبة ، الجراح جميعها كانت شاخصة بفعل الحروب وخرابها ، بفعل نتائجها ومخلفاتها ، حيث أن طاحونة النظام الحالي لا ترحم وهي من تبيد الأحلام والأماني كما تبيد الأرواح .
ثاني العروض المبرمجة بالسهرة كان مونودراما ” بكاء الموناليزا ” للمخرج ” شرح البال
عبد الهادي” مع فرقة المسرح الحر البيضاء من ليبيا ، النص لـ” ذو الفقار خضر ” وتنفيذ للسينوغرافيا
كل من ” شرح البال عبد الهادي” و ” أكرم عبد السميع “ مع تشخيص لـ ” رندة عبد اللطيف ” .
الصراع الذي تجسّد بشكل صامت بين الذكريات والزمن الذي يعود بها إلى مراحل من الحياة التي تخبّطت فيها بين حلم وصراع ، بين رغبة وشغف ، محاولة التحرّر ممّ يختزن داخل كل أنثى ، على أمل التحرر من ربقة المكبوتات ، لتكون الموناليزا موضع الصراع القائم وتنحصر الممثلة داخل إطار زمني محدود المعالم والزوايا ، محرومة من فسحة الحرية .
المونودراما كانت طرحا صامتا لمجموعة من القضايا العالقة في زمن عقيم محكوم بالاغتصاب الروحي والقمع الذاتي للكثير من الآمال في زمن الخيانات ، في صورة الأوطان المنكوبة ، لتكون ” بكاء الموناليزا” المحكومة بالوقت إطارا محدّدا لجميع ما سيتحدّد لاحقا وما لن يتحقّق .
وعليه ، فإن مهرجان دوز العربي للفن الرابع يواصل عروضه مع عديد التجارب ووجهات النظر ،
وهذا دعما لثقافة الحوار المسرحي واكتشاف بعض الأعمال المسرحية .