عين على المسرح -جامعة أبو بكر بلقايد تحتضن يوما دراسيا حول الأنثروبولوجيا والفن -بــقــلــم : عبـاسـيـة مـدونـي – سـيـدي بـلـعـبـاس- الــجــزائـــر

احتضنت مؤخرا كلية الآداب واللغات بجامعة أبي بكر بلقايد في تلمسان يوما دراسيا تمحور حول الأنثروبولوجيا والفن ، وهذا للوقوف عند ملامسة مستوى التأثير الذي يمارسه الفن على مجموع الأنساق المشكلة للمجتمع ، مع المساهمة في إثراء الحقل المعرفي لميدان الفنون باعتباره من التخصصات الحديثة في جامعة تلمسان.

دونما التغاضي عن لفت الانتباه الى ضرورة فهم وتطوير الرسالة التي تحملها الظاهرة الفنية ، مع تسليط الضوء على اسهامات الفن في نقل الخبرات بين الشعوب عبر مختلف العصور .

هذا إذا ما سلمنا بحرص الانسان منذ الأزل على تنمية وإثارة حسه الجمالي من خلال اهتمامه بالفن في مختلف صوره من نحت ، نقش ، رسم ، موسيقى ، أساطير ومسرح ، اين يرى الأنثروبولوجيون المهتمين بدراسة ثقافة المجتمعات أن العاطفة الجمالية تنبع من لذة الابداع والاعجاب بالأشكال الجميلة ، وان الدوافع التعبيرية هي استجابة فطرية تنطلق وفق ما تحدده الثقافة التي ينتمي اليها كل   فنان .

اليوم الدراسي الذي انطلق من سلسلة اشكاليات هامة تقف عند التراث الانساني بين ما خلفته حضارات سابقة وما تبدع فيه حضارات اليوم وستنتجه حضارات لاحقة ضمن نسق ثقافي وابداعي ، فهل الفن مجرد استجابة لمشاعر الاحساس بالجمال ؟ أم هو تعبير عن الواقع والرغبة في تسجيل الأحداث ؟ وكيف لهذا الفن أن يسخر في خدمة مجتمعاتنا ؟

   من منطلق تلكم الاشكاليات تمّ تنظيم اليوم الدراسي مع كل من قسم الفنون ومخبر أنثروبولوجيا الأديان ،  على مستوى قسم الفنون بجامعة أبي بكر بلقايد ، تحت رئاسة الدكتور ” سوالمي الحبيب” ، وبإشراف ومتابعة كل من الدكتورة    ” خواني زهرة ” والدكتور ” بلبشير عبد الرزاق” ، كما أثرى اليوم الدراسي الأكاديمي ثلّة من الأساتذة والطلبة في محاولة للوقوف عند تلكم الاستفهامات ومقاربة مفاهيم الأنثروبولوجيا والفن خدمة للمجتمعات مهما تباينت خصائصها وميزاتها ضمن حراك العولمة والمدّ التكنولوجي المتسارع .

افتتح اليوم الدراسي بكلمة للسيد مدير المخبر ، تلتها كلمة  لرئيس قسم الفنون الدكتور” سوالمي الحبيب” ، انصبّتا حول أهمية هذا اليوم الدراسي وما سيثيره من مفاهيم ومقاربات ، مع تبيان دور الفن بمختلف أشكاله وأنواعه ، وعلاقة كل ذلك بالمجتمع ضمن علاقة تكافؤية مت شأنها مواكبة التطورات الحاصلة ، وفق نسق من القيم والمعايير التي تدرس سلوك الانسان على مدار التطور البيولوجي لهذا الانسان وعلاقته بالفن .

هذا وقد عرف اليوم الدراسي ورشتين ، بمعدل جلستين بكل ورشة ، حيث ترأس الجلسة الأولى الدكتور ” خالدي محمد” ، وحاضر من خلالها كل من الأستاذة ” هني كريمة” من جامعة تلمسان حيث تناولت المنهج الأنثروبولوجي للاستشراق المسرحي ، والأستاذ” منصر شعبان” من جامعة مستغانم أشار الى موضوع الزربية الجزائرية وأبعادها في الحفاظ على التراث والهوية الوطنية ، أما الأستاذ الدكتور” سعيدي محمد ” من جامعة مستغانم تناول موضوع دور الفن التشكيلي في رقي المجتمع ، ومن جهتها الأستاذة ” لحول اسمهان” من جامعة تلمسان ركزت على البعد الديني للفن المعماري الغرناطي .

وأسلوبية الفن البدائي من وجهة نظر علماء الأنثروبولوجيا كان موضوع مداخلة كل من الدكتور ” خالدي هشام” والدكتورة ” بن يحي فتيحة” ، في حين حاضرت الدكتورة ” هني سينية” حول مناهج البحث الأنثروبولوجي ودورها في تحرير النتائج ، أما الهوية الفنية للخط العربي المشرقي تناولها الأستاذ ” بوكردان سعودي ” من جامعة تلمسان ، و” ناصر أمينة “ حاضرت في ضوء التمظهرات السوسيوثقافية في مسرحية الشهداء يعودون هذا الأسبوع لمحمد بن قطاف .

الجلسة الثانية ضمن رزنامة الورشة الأولى من اليوم الدراسي ترأستها الدكتورة   ” خواني زهرة” ، وقد حاضر من خلالها كل من الدكتور” طرشاوي بلحاج” من جامعة تلمسان والذي تناول أهمية الأنثروبولوجيا في دراسة الفنون البدائية ، والأستاذة ” كبير زهيرة “ من جامعة تلمسان أثارت موضوع L’antropologie de l’Art et de la Culture  ، أما الأستاذة ” مدوني عباسية ” من جامعة تلمسان ، فقد أضاءت موضوع أنثروبولوجية الفنون وعلاقتها بالإنسان ، في حين الدكتورة ” قليل سارة” من جامعة تلمسان تناولت الفن في الأنثروبولوجيا الثقافية ، و” خالي روزة” من جامعة تلمسان تناولت موضوع المسرح الأمازيغي وإشكالية الهوية  ، أما موضوع الفن التشكيلي المعاصر جماعة الأوشام أنموذجا فقد أثاره الاستاذ ” سعادي محمد” من جامعة تلمسان ، و” أحمد بركة” من المركز الجامعي مغنية فقد تناول الفن ومظاهر الحياة الاجتماعية ، والدكتور ” دحو أمين ” أثار موضوع سيكولوجية الشخصية المسرحية  في فهم الظاهرة الاجتماعية ،     و” مهدي سوسي” حاضر في ضوء العلاقة الانعكاسية بين الفن والمجتمع ، أما الاستاذة ” حليمي رشيدة” فقد أثارت موضوع الأنثروبولوجيا والفن ، الاستعمار الفرنسي ، آخر مداخلات الجلسة الثانية من الورشة الأولى كانت لـ”عيادي محمد” حول لغة الجسد الأنثروبولوجيا عند عبد الرحمان كاكي كل واحد وحكمه أنموذجا .

ثاني الورشات من فعاليات اليوم الدراسي وفي أولى جلساتها التي ترأسها الدكتور        ” صالح بوشعور محمد أمين” ، قدّم من خلالها سلسلة من المداخلات التي أثراها لفيف من الأساتذة والدكاترة ومنهم الدكتور” خالدي محمد” من جامعة تلمسان والذي قدم مداخلة بعنوان تمثلات المواطنة في اللوحة الفنية ، والأستاذ ” بنوار مصطفى” أثار موضوع تجليات الاحتفالية في المسرح بين الموروث الثقافي ودرامية المشهد ، في حين الأستاذ ” ساسي عبد الحفيظ” تطرق الى الصناعة المسرحية في المنظور الأانثروبولوجي ، والاستاذ  ” تاجوري عبد الاله” تناول دور الفن التشكيلي في الحفاظ على التراث ، والأستاذة         ” بن عامر بهيجة” أشارت الى الابعاد الثقافية للمسرح الجزائري المعاصر ، كاتب ياسين أنموذجا ، والاسطورة بين المعتقد والموروث وتأثيرها في الأنثروبولوجيا الدينية كان من تقديم الأستاذة ” العرباوي هاجر” ، والأستاذ ” بن عزة أحمد ” من جامعة تلمسان أثار موضوع الرمز بوصفه تعبيرا عن الهوية ، والدكتور ” رحوي حسين ” قدم موضوع pour une antropologie de l’art préhistorique ، والدكتور “سوالمي الحبيب” تطرق الى الاتجاه التربوي في المسرح الجزائري ، أما آخر مداخلات الجلسة الاولى من الورشة الثانية فكانت حول دور الفن في رقي المجتمعات وتهذيب ذائقتها  ، قدمتها الاستاذة ” قنون أمينة” .

الجلسة الثانية من الورشة الثانية ترأستها ” برامقي رقية ” وعرفت العديد من المداخلات منها سيميائية التمثلات الصوفية في الفن التشكيلي الفرنسي حالة ايتيان دينيه من تنشيط الدكتور  ” بن مالك حبيب” ، أما الأستاذ ” أوغرب عبد الله’”  فقد حاضر في ضوء توظيف الأمثال الشعبية من الفن الروائي الى الفن السينمائي ، ريح الجنوب أنموذجا ، في حين الأستاذة ” بن ناجي ليلى” فقد قدمت مداخلة بعنوان Antropologie de l’abitat traditionnel cas de la médina de Tlemcen ، والأستاذة ” بلحول اسمهان” تناولت البعد الديني للفن المعماري الغرناطي ، أما أسلوبية الفن البدائي من وجهة نظر علماء الأنثروبولوجيا فقد كانت مداخلة ثنائية لكل من الدكتور   ” خالدي هشام ” والدكتورة ” بن يحي فتيحة” ، والدكتور ” خالدي محمد” حاضر حول اللوحة الفنية كمدونة حافظة لبناء المواطنة ، والدكتور” بلبشير عبد الرزاق ” قدم محاضرة بعنوان أنثروبولوجيا الموسيقى وأهدافها التربوية ، من جهتها الدكتورة ” خواني زهرة” جاءت مداخلتها بعنوان ملامح الوعي الأنثروبولوجي في الزربية التلمسانية ، في حين قدمت الدكتورة     ” نادية بلقدام” موضوع المستشرقون الفرنسيون والدراسات التراثية الجزائرية من أجل أهداف استعمارية ، وآخر المداخلات ضمن فعاليات اليوم الدراسي جاءت من تقديم الأستاذ ” صالح بوشعور” في ضوء ثقافة المسرح في المجتمع الجزائري .

    وقد خلص اليوم الدراسي بتحرير مجموعة من التوصيات تصب في قالب لأنثروبولوجيا والفن والعلاقة التفاعلية بينهما، ومن بين أهم تلكم التوصيات نذكر :

  • العمل على توسيع دائرة اليوم الدراسي مع ملامسة أهم الجوانب المتعلقة بالأنثروبولوجيا باعتبارها علم دراسة الانسان .
  • التركيز على شتى الأنماط والوظائف التي يشغلها حيز الانثروبولوجيا وعلاقته بالبعد الحضاري ومجال التطورات الحاصلة .
  • تفعيل الفنون خدمة لهذا المجال من الدراسة .
  • الوقوف عند شتى أنواع الأنثروبولوجيا وتسخيرها خدمة للفن وللإنسان صانع هذا الفن .
  • تسخير التراث الثقافي المحلي خدمة للهوية ومواكبة التطورات ضمن نسق الأنثروبولوجيا .
  • الاستثمار الجديّ من أجل بناء نسق مجتمع أكثر واقعية .

وعليه ، اليوم الدراسي حول الأنثروبولوجيا والفن خطوة جادّة نحو تفعيل هذا المجال وتسخيره خدمة للإنسان والمجتمع على حدّ سواء ، لاسيما ضمن نسق يتماشى والتطورات الحاصلة .

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *