(عين) عبيدو باشا في “عرائس بلا أعراس”

تنظيم فضاء هارب. هكذايبدو الأمر في كتاب عبيدو باشا الجديد ” عرائس بلا أعراس/ مسرح الطفل في لبنان “، الصادر عن ” الهيئة العربية للمسرح” بالإمارات العربية المتحدة/ الشارقة. إدراك عالم وربطه بالتجربة السياسية والإجتماعية والفكرية والثقافية المحسوسة بلبنان. من هنا، يبدأ الكتاب ، بالمرحلة الشهابية، باعتبارها مرحلة إعادة تنظيم فوضى الحرب الأهلية بلبنان بالعام ١٩٥٨، بالمرافق العامة . تلفزيون لبنان واحد من المرافق ، هذه. محاولة فهم التجربة، الغنية، تبدأ من ربط نزاع اللبنانيين بإعادة مأسسة الدولة، وإخضاع الناس إلى نظريات المأسسة وقتها. لا مبالغة عند باشا، بربط أشكال التعبير بجذورها، لأنه لن يلبث أن يشكر جوزيف فاخوري، معلم الكثيرين، من حبهم لتجربته بالتلفزيون ومن تحفظهم عليها أو من كرههم لها. علمهم جوزيف فاخوري الإفتراق عن تجربته، بدون قصد، حين وجد الكثيرون ، أن ” مغامرات نبيل ” لم تقدم أية لغة مرئيّة ، جمالية، تثريب وتغير ما لدى اللبنانيين ، حتى ذلك الحين ، من إدراك لضرورات حضور الفنون المعاصرة في حيواتهم. يجيب باشا، على أسئلة المرحلة المذكورة، بتخطي الفخاخالجوهرية في هذا المجال. كأن يبدو الإنخراط في حياة المدينة ، بعيداً من السياسة، باعتبارها الشيطان الرجيم. فهو ، يقدم يقدم تجربة مسرح الأطفال ، بفورانها الكبير بالعام ١٩٧٥، بدون غلو ، وبربطها بأسئلة الهوية. من هنا، يقفز من البداية الأولى ( الشهابية) إلى المرحلة الثانية: مرحلة العودة من الحرب إلى الحرب مرة ثانية، مع لقاء تجربة مسرح الطفل بمشروع الحركة الوطنية الإصلاحي. ما شكل الرافعة ، الفعلية، للكثير من التجارب الطليعية في وقت الحرب، من تجربة السنابل إلى تجربة صندوق الفرجة وفرقة بول مطر وفرقة العصرية وعشرات الفرق الأخرى بعسراتها ونجاحاتها. فرق من صيدا وصور وطرابلس والجبل . اقتسمت التجارب هذه المحسوس والملموس على الأراضي اللبنانية. لم تدع الإبداع محبوساً بأوروبا ، حين استلهمت بعض أهم التجارب فيه على طاولات اختبارها المتقدمة. من تجربة كاترين داستي الفرنسية إلى تجربة دوني بوردا. وغيرها من التجارب بأندونيسيا وتونس والمغرب.
لا يؤرخ عبيدو باشا في عرائس بلا أعراس فقط، وهو يقرأ في عمق التجارب على الصعد الفنية الجمالية والمنهجية. تفكيك التجارب ، بهدف تعميرها من جديد ، على مرأى من ناس المراحل الجديدة، البعيدة عن مراحل التأسيس والتدوير، بلغة لا تثرثر ، وهي تغير في قواعد الكتابة، بنوع من النحت والحفر الصميمين. البارز، أن مادة الكتاب ، لا تقوم على الرأي الشخصي وحده، لأن المؤلف قام بإعادة مسح التجربة، بعيداً من اضطراب الحضور الآحادي ، بإجراء مقابلات حصرية مع أبرز العاملين بالتجربة المشهودة ، من غازي مكداشي إلى نجلا جريصاتي خوري وبول مطر وفائق حميصي وعمر الشماع وغازي قهوجي( آخر ما أدلى به قبل رحيله منذ أسابيع) وكريم دكروب … إنضواء في استمرارية التأريخ ، على ما عودنا باشا في كتبه الصادرة بالأوقات الماضية من بيت النار وممالك من خشب تياترو العرب( كتابات بالمسرح اللبناني والعربي المعاصرين) وموت مدير مسرح ( الكتاب الوحيد عن تجربة الأغنية السياسية في لبنان) . وصولاً إلى كتب السيرة، حيث لا يحضر المبدع العربي واللبناني ، إلا في نسق الكتابة، لا حراً ، في معارض كلام لا تنتهي.
دعوة إلى التأمل من جديد في ” عرائس بلا أعراس”. دعوة إلى الحلم ، من خلال قاعات قصر التجربة المختلفة، حيث كل شيء في المتناول، حيث واحدة من فترات القطاف الإستثنائية. اعتناء عبيدو باشا بتلك التجربة، اعتناء بعيد عن الضغوط، حيث الناس تسعى وسط الحروب والصراعات الكبيرة والصغيرة والموت والحياة الجديدة. كلام بلا مجاز. مخارج طيبة، بنوع من الفرح التواصلي الذي يمتهنه باشا. المسرح الإستهلاكي بالكتاب. وفيه المسرح التجريبي والتربوي والتعليمي والبصري والشفاهي ومسارح الدمى بين مسرح غينيول( دمية اليد) ومسرح ماريونيت ( دمية الخيطان). لا حصر ، لأن الكتاب يتوقف أمام التجارب الإيمائية وتجارب خيال الظل . وهكذا.
يجرب عبيدو باشا، على عادته، في كتابه الجديد، ” عرائس بلا أعراس/ مسرح الطفل في لبنان” ، يجرب تكليف تجربة الأطفال ، منذ العهد الشهابي وحتى ما بعد الإحتياج الإسرائيلي للبنان بالعالم ١٩٨٢، إحياء موادها بنفسها، من خلال جمع المبعثر على المجانسة ، بوصفه أحد صناع التجربة ، بالعديد من الفرق اللبنانية . تنوع ما عاد يؤخذ بالحسبان، بعد أن انهار عالم التجربة المادي والمعنوي ، بانفراط عقد أبطالها، من كتاب وملحنين وممثلين ، إثر الإنحراف الكبير في حياة لبنان. إنحراف فرضه العدوان .
لا أشكال متجانسة، لأن التجارب الماضية، تقاسمت الأشكال، بعد أن تحررت من تراثها السابق، تراث الآلهة والحجارة . من صناديق دمى، بالمرحلة الأولى. كسر الصندوق، باللعب المباشر أمام الأطفال ونفخ الدمى إلى أحجامها الحقيقية وكشف طرق التحريك. واعتبار أن الأطفال ، هم الأجدر بكتابة تجاربهم وتعميرها جماعياً، بقدراتهم الذاتية. كما في تجربة أطفال النادي الثقافي العربي. يقرأ عبيدو باشا بالكلمات والأشكال بين القواعد والذروات . يفكك العلاقة بين التجربة الناهضة وبين تحررها من روح المأسسة الشهابية واقترابها من الحال الروحية ، بالإستماع النبيه، إلى طروحات الحركة الوطنية، بشحناتها  المباشرة والرمزية.
لا يحسب عبيدو باشا في ” عرائس بلا أعراس” الجزء كلاً ولا الكل جزءاً، حين يقفز فوق الفواصل الزمنية، على  نمطه الخاص، بقراءة التجارب، يمنح المواد أشكالها والأشكال موادها ، من خلال معاجمها لا معجمه، بقوة ضد التنميط. إنها المحاولة الأولى بقراءة مسرح الأطفال بمصادفاته وانتصاراته وهزائمه. تجمع ضخم. منظومة. تيارٌ. يحيي باشا، أعراس التجربة، بعد تشتت العرائس. وثيقة، قاعدة، بقوانين التجربة . مرحلة من مراحل الثورة الثقافية، بلبنان الحرب الأهلية. ٢٤٠ صفحة من القطع الكبير. الزمن والتاريخ وأشياؤه الجاهزة للخروج من الأعماق ، إلى شمس الحس المشترك من جديد.

(موقع “السفير”)

http://assafir.com/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *