(عين) شغف الغرب بالليالي مسرحياً – العراق

 مما استهوى رجال المسرح الغربي ، مثل ((فيكتور هيجو)) وأضرابه في الاقتراب من مسرحة ((الليالي)) ، هو بروز (ثيمة) الهروب الى عالم مثالي ، تتحقق فيه الثـروة والطعام والسلطة والجنس والعثور على الكنز ، الذي تحلّ به المشكلات الاجتماعية القائمة على فوارق طبقية محسوسة ، وظالمة بين الغني والفقير . وقد ظن (فيكتور هيجو) ، أن ما توفره هذه النصوص من (عواطف) تستهوي ((النساء)) في المسرح ، وأن ما فيها من تمعّن بتحليل طبائع البشر من شأنه أن يجتذب ((الرجال)) الذين يفكرون ، وأما (الحركة) فوق خشبة المسرح فأنها تجتذب ((عامة الشعب)) ، بصخبها ، وعفويتها ، وصراحتها الفاضحة . مسرحيات تقوم (حبكاتها) على علاقة غرامية تعترضها عقبات ، وفيها مؤاتاة الحظ للفقراء المعدمين ، وأن الوهم قد يرفع الفقير على مدارج السلطة فيصبح خليفة  ! .

كثير من المسرحيات ، تأثرت بأشكال الأدب الشعبي ، وموضوعاته الخرافية ، والشعبية ، والأسطورية ، وأنماط السيرة ، وشيوع الأمثال ، والفوازير فيها وسواها . كلّها وفرت (مادة خام) للمسرحيات من قبل الكتاب ، كما في مسرح (ليسنج) و (سكريب) و (جوتييه) و (دورونيه) وهم من الكتاب الفرنسيين ، الذين أعادوا إنتاج أجواء ألف ليلة ليختمها (بومارشيه) في أوبرا (معروف الأسكافي) وفي إسبانيا أفاد كالديرون من (النائم اليقظان) ليحولها الى مسرحية ((الحياة حلم)) ، أو ما قام به الأميركي (أدجار ألان بو) في مسرحيته (اللّيلتان بعد الألف) ، وهناك من يجد مقاربات إنجليزية بين ((ترويض النمّرة)) لشكسبير وقصة ذلك النائم التي استفاق ليجد نفسهُ سيداً للقصر ، وشاهد جوق الممثلين ، أو الزوج الذي يروض زوجته بالقسوة والليّن والتي تصادفها في بدايات

قصص الليالي .

وتشبه (العاصفة) شخصياتها أرييل ، وكاليبان مما يدور بقصة (جزيرة الكنوز) من سحرة وشياطين يأتمرون بأمر سلطان الجزيرة .

((القاص الغربي والليالي))

أذن تأثر بها الفرنسيون ، والألمان ، والإنجليز ، والإيطاليون ، وسواهم . فهذا (فولتير) يقول: (بأنه لم يزاول كتابة القصة ، إلا بعد أن قرأ ألف ليلة وليلة ما يزيد على أربع عشرة مرة !) . وتمنى (ستندال) على أن يمحو من ذاكرته (ألف ليلة وليلة) حتى يُعيّد قراءتها ، والاستمتاع بها من جديد .

وشمّ (جوته) عبير ألف ليلة ، لذلك كان يفوح من ديوانه الشرق والغرب . ونجد أصداء قصص السندباد ، ومغامراته ، وخوارق علي بابا والمصباح ، وبساط الريح ، وتقنية الإطار في رواية بوكاشو (دي كاميرون) .

وتختتم (الديكاميرون) بالنص الآتي : (وهكذا سكت ولم يحر كلاماً) بمثل ما تختتم شهرزاد قصصها : (وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المُباح). وبرناردشو ، يعقدُ مقارنة بين أحترام شهرزاد ، للغرائز الطبيعية ، وبين التشويه الإنجليزي الذي لا يُطاق للسلوك البشري .

ويُضيف بأن العوائل الإنجليزية تُنشئ أبناء أقوياء صحة وجبناء خُلقاً ! وكانت عمّة برنارشو (تخاف عليه من ليالي شهرزاد ، أكثر من خوفها عليه وهو يركب حصاناً جامحاً) .

ويُضيّف (تودورف)من أصل بلغاري في كتابه (الخيالي) ، تقع أنماط الليالي بين الغلو (أسماك ضخمة وطيور هائلة) والغريب (في بلاد غريبة مجهولة) والذرائعي (البساط الطائر ، وتفاحة الشفاء) ، حيث تتداعى الحدود بين العقل والمادة ، والروحاني والجسدي.

وينبّه (فورستر) مغزى شهرزاد النهائي ، بالاثارة والترقب من خلال الوصف الدقيق ، والأحكام المتسامحة ، والحوادث الفريدة ، والأخلاقية المتقدمة ، وحيوية الشخوص ، والمعرفة بثلاث عواصم عربية .

يذكر (ييتس) أنهم عرفوا الخليفة الرشيد (من خلال الحكايا بالطبع) التي يبدو فيها كريماً وبهياً ومُعطاءً ، وبات لديهم رمزاً للحاكم العادل ! اما نحن العراقيين ، فنجد شهرزاد (المفكرة) قد اختبأت خلف سرديات الحكايا ، لتفضح ((الكهنة)) وطغمة السلطة الظالمة الزائفين ، ممثلة بهذا الوحش الذي اسمهُ (شهريار).

((الرعية والسلطان))

يذهب (نعيم قطان) الى أن رعايا هارون الرشيد ، لكي يعيشوا كلياً ، وشخصياً ، الانتصارات التي أنجزها خلفاؤهم وابطالهم ، فإنهم كانوا (يخترعون) الأساطير التي من شأنها إنشاء مسافة بين الأنسان والتاريخ ، لكي تبتلع عظمة (الحدث) ، شخصية الانسان ، وتمحي فرديته كلها ، ثم يُضيف :

كانت (الف ليلة وليلة) صمام الأمان لدى الأنسان الذي لم يكتف بأنه يعيش التاريخ مهما كان بطولياً .

ويخلص الى أن النخبة ترفض ((مسرحة)) حكايا ألف ليلة وليلة ، لأنها لا تسّد حاجة أولئك الذين كانوا يعملون من تلك (المسرحة) ، (أسطورة) ، بعد أن عجزوا من الإندماج في (التاريخ) .

((المأساة والرؤية المأساوية))

يرى الدكتور عبد الواحد بن ياسر في كتابه (المأساة والرؤية المأساوية) انتصار (المكان) في مسرحية ((شهرزاد)) تأليف توفيق الحكيم ، على الانسان ، وهو الحاكم على ارتحالات شهريار .

يحاول شهريار (بالعقل) أن يحلّ اللغز ، وتمثل شهرزاد (العاطفة) ، والعبد (الغريزة) ويترتب على ذلك (تباين) أوجه الحقيقة بالنسبة لكل واحد منهم .

لكن شهريار الحكيم يشتطّ فيه العقل ، فينحرف الى التداخل مع الشهوة والقلب ، وبذلك يكون حمّال أوجه مختلطة من تلك الوجوه الثلاثة ، التي تجتمع في وجه (واحد) هو وجه شهريار ! العقلي والعاطفي والغريزي معاً .

((ألف ليلة في تجربة الحكيم المسرحية))

يذكر ((توفيق الحكيم)) في كتابه ((قالبنا المسرحي)) ، (طول رقاد والدتي ، اضطرها الى شغل الوقت بقراءة قصص ألف ليلة وليلة) وحين كان يصغي لوالدته ، عاش القصص بكل وجدانه ، في حكايات (تزخر بالمتعة ، والطرافة ، والخيال) التي وجدها ((توفيق الحكيم)) صالحة للمسرح بإطار يُعبّر عن قضايا فكرية مختلفة ، لما فيها من (أحداث) منوعة ، و (نماذج) إنسانية عديدة ، و (مواقف) مُثيرة ، و (أجواء) غريبة ساحرة . ثم يُضيف ، بأنها حافلة بعناصر (الميلودراما) (من كنوز وطلاسم ومدن مسحورة ، وجان يحرسون الكنوز ، وفرسان يتحدّون الموت لإنقاذ الجميلات . . . ومبارزات ومغامرات).

——————————————————————-
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – د. عقيل مهدي –  المدى

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *