(عين ) المسرح والتنظير : فاروق محمد ( العراق )

الزمن يسير حثيث الخطى نحو القرن الثامن عشر وما بعده في مسيرة ثورية نحو عالم آخر غير عالم الزراعة والحرف اليدوية البسيطة والعربات المتهالكة تسحبها دواب هزيلة مهزولة والطاعون له جولات حصاد للبشر المستكين. مسيرة الزمن هذه تدفعها عجلة تقدم صناعي وتحققت فيها نظريات علمية لتصبح قوانين ثابتة بعد اكتشاف قوة البخار الذي ولد اعظم آلة نقل حينها – القطار – الذي كان معجزة عصره, ثم جاء اكتشاف الكهرباء والسيطرة عليها وتحويلها الى أعظم قوة قلبت كل موازين الحياة وتوالت النظريات العلمية والفكرية. وجاء دارون بنظرية النشوء والارتقاء التي فتحت باب جدل وبحث وتقصٍ, وما ان وصل القرن العشرين حتى توالت النظريات من كل جهة فكرية، فكانت نظريات الفلاسفة ينادي بها هيجل ونيتشه وبرزت نظرية ماركس وجاء فرويد بنظريته التي جعلت علم النفس تحت ضوء مشع، ولم تقتصر هذه النظريات على الاقتصاد والفلسلفة والتجارب العلمية, بل برزت نظريات في الفكر والأدب والفن وكان للمسرح نصيب كبير من منظرين تضاربت آراؤهم وتباعدت احيانا وتقاربت احيانا, مثل نظرية بسكاتور والمسرح الملحمي وتلاه تلميذه برشت ثم جاء شتاين صاحب مسرح – الرؤية – وكل هؤلاء  يحملون فكرا اشتراكيا يدعو الى تأسيس مسرح يخص العمال بفكره وما يطرح من رؤى. وكان لاستانسلافسكي ونظريته اثر واضح في موضوع اعداد الممثل. وبالغ بعض المنظرين في توجههم وبدأت  نظرية – موت المؤلف – بل وذهب ما يرهولد ومسرحه الميكانيكي الى موت المؤلف والممثل, فقد طلب من ممثليه القضاء على اقل الشعور الانساني لخلق نظام يقوم على القوانين الميكانيكية. وادعى ان السلوك الانساني والعلاقات لا يعبر عنها بالكلام بل بالايماء والحركات. وهكذا دعا ما يرهولد الى – مسرح بلا روح انسانية-.
وكريج (Gor don Graiq ) منظر اخر يصف مسرح المستقبل (المكان لا شكل له امامنا مساحة هائلة من الفضاء الفارغ وكل شيء راكد لا يسمع صوت ولا ترى حركة لاشيء امامنا) ومنظر– مبالغ – اخر هو الفرنسي جيروم سفاري الذي يرى ان المسرح ليس شكلا ادبيا بل هو العاب نقوم بها في أي مكان وهو حسب ما جاء عنه في كتاب (المسرح التجريبي لجيمز رووز افند قوله: ان الذين لا يتفاعلون مع ما نقدمه يمتازون ببرودة المشاعر وهم محاطون بنوع من إطار فكري). وكأنه يرى في منظوره ونظريته قانونا قسريا يفرض على المتلقي. ومنظر آخر هو (انتونان آرتو) الذي سخر الناس منه وضحكوا من محاضرته في السوربون عام 1933 فاتهم الحضور بقوله (اريد ان اوقظهم انهم لا يدركون انهم اموات).
وحين فشل معظم هؤلاء المغالين– الواهمين- الذين ارادوا فرض نظرياتهم انسحب معظمهم فهذا برتولد برشت يتحول الى الحديث عن مسرح جدلي بدل المسرح الملحمي، وذهب ادعاؤه بمسرح اشتراكي للعمال حين هاجر الى اكبر بلد راسمالي اميركا ولم يهاجر من المانيا الى معقل الاشتراكية – الاتحاد السوفياتي – .
وتخلى – انتونان ارتو – عن نظرية مسرح القسوة. وصاحب نظرية المسرح الفقير (غروتوفسكي) ترك آراءه ونظريته وانزوى في قرية من قرى بلده بولونيا. وبقي المسرح قائما حياً بحياة المؤلف والمخرج والممثلين وكل العاملين فيه.
ومن المؤسف ان بعضهم لا يزال يرتجف أمام أسماء هؤلاء الذين تخلوا عن  نظرياتهم ويحاول نفخ الحياة بأفكارهم وكأنه خادم يدافع عن فشل سيده.
المسرح المثقل بالتنظير والآراء القسرية المتطرفة لا يترك أثرا في نفس وذهن المتلقي الذي يأتي طوعا لمشاهدة عرض مسرحي, وعلى المسرحيين ان يقدموا له مسرحا بسيطا في ظاهره عميقا في فكره راقِ بفنه. وجميع المسرحيات التي رسخت في وجدان الناس تحمل هذه السمات ولنتذكر (النخلة والجيران) مثلا و (ترنيمة الكرسي الهزاز) والأمثلة كثيرة.

المصدر : موقع الخشبة 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *