«عن العشاق».. «قواعد العشق».. و«قمر العشاق».. عروض تسمو بالحب على الكراهية التصوف فى مواجهة التطرف/هند سلامة

المصدر /روز اليوسف/ نشر محمد سامي موقع الخشبة

اختلف الأئمة وكبار المتصوفة على التعريف الدقيق لكلمة التصوف فهناك من قال إن «التصوف هو الالتزام بالصفات الحميدة التى أوردتها الأديان فى رسالتها»، وهناك تعريفات أخرى مثل «الأخذ بالحقائق واليأس مما فى أيدى الخلائق»، «أن لا تملك شيئا ولا يملكك شيء»، «ترك كل حظ النفس»، «أن يختصك الله تعالى بالصفاء، فمن اصطفى من كل ما سوى لله فهو الصوفى»، «استرسال النفس مع الله تعالى على ما يريده»، «التبرؤ عمن دونه والتخلى عمن سواه»، «الجلوس مع الله بلا هم» وغيرها الكثير من التعريفات التى تناولت التصوف بالدقة والتمحيص، لكن فى النهاية اجتمع المتصوفة على شيء واحد لا خلاف عليه ولا جدال فيه، وهو أن التصوف طريق الوصول إلى «العشق الإلهى» الذى يلتقى فيه المتصوف بربه بقلب خاشع ونفس صافية، ومن هذا المعنى انطلق عدد كبير من العروض المسرحية متخذة من الحب شعارا لها، خاصة مع حلول شهر رمضان، ففى خطوة جريئة لمواجهة التطرف الفكرى والإرهاب الدينى صنع عدد من المسرحيين أعمالهم لإبراز المعنى الحقيقى والجوهرى للدين عن طريق الحب فى مواجهة ونبذ الكراهية والعنف وشهدت هذه العروض احتفاء جماهيريًا شديد فى أول عرض لها، حتى مع حلول شهر رمضان، ترك الجمهور الدراما التليفزيونية وقرر النزول للمسرح لمشاهدة عروض تدور أحداثها فى سماء العشق.
كان أول هذه الأعمال التى تطرقت إلى نبذ العنف والحديث عن الحب وسحره وسره فى جذب الكثير من الأئمة عرض «عن العشاق» للمخرج هانى عفيفى والذى تناول فى سهرة فنية شديدة العذوبة والرقة كتاب «طوق الحمامة فى الألفة والإلاف» الذى تحدث فيه عن الحب والعلاقات العاطفية وتأثيره وأثره على العشاق وقدم هذا العرض بعد نهاية فترة حكم الإخوان المسلمين مباشرة عام 2014 وكان من أهم الأعمال المسرحية التى انتجت فى تلك الفترة ونجح العرض نجاحا كبيرا بقصر الأمير طاز بحى الخليفة، وكان من أشد الأعمال جذبا للجمهور مما دفع الجهة المنتجة قطاع الإنتاج الثقافى لإعادته على مدار السنوات الماضية بنفس المكان وخاصة خلال أيام الشهر الكريم حيث عرض «عن العشاق» للمرة الخامسة هذا العام مع حلول الأيام الأولى لشهر رمضان ولقى نفس النجاح والإقبال الجماهيري، وتتلخص فلسفة العرض الرئيسية فى الدعوة للحب والتسامح وهى صفات إنسانية من صميم وجوهر العقيدة الإسلامية، وأراد المخرج أن يؤكد على أن أحد أئمة الأندلس الإمام ابن حزم تحدث بهذا الجلال والتقديس والتفصيل عن الحب وأحوال العشاق، مما يشير ويؤكد أن الإسلام دين دعا فى الأصل إلى الحب لأنه كما جاء بالعرض وعلى لسان ابن حزم «إذ القلوب بيد الله يؤلفها حيث يشاء»، شارك فى بطولة «عن العشاق» حمزة العيلي، ماهر محمود، مارتينا عادل، محمد حبيب، سارة هريدي، سارة عادل، ونجوى حمدي.
اتفق معه فى نفس الرسالة السامية عرض «قواعد العشق» وإن اختلف فى طرحه لقضية الحب التى جمعت بين جلال الدين الرومى وشمس التبريزى ورحلة بحثهما عن طريق العشق الإلهي، «قواعد العشق 40» مأخوذ عن رواية «قواعد العشق الأربعون» للكاتبة إليف شافاق، والتى حققت نجاحا كبيرا على مستوى العالم العربي، مما ساهم فى صنع جماهيرية كبيرة للعرض المسرحى فكانت شهرة الرواية أحد عناصر الجذب الرئيسية  لمشاهدة ومتابعة العرض، ورفع مسرح السلام خلال أيام عرضه للمسرحية قبل حلول شهر رمضان لافتة كامل العدد، وكذلك خلال بدء موسمه الثانى خلال الشهر الكريم، حيث قرر رئيس البيت الفنى اسماعيل مختار أن يستمر العرض فى رمضان نظرا لطبيعته الصوفية، وللرسالة الأهم التى يدعو إليها على لسان كل من جلال الدين الرومى وشمس التبريزى فى بحثهما عن العشق الإلهى وفى التعاليم الإنسانية الرفيعة التى دعا إليها العمل من خلال علاقة هذين القطبين، اشترك فى بطولة العرض الفنان بهاء ثروت، فوزية، عزت زين، ياسر أبو العينين، وهانى عبد الحى وإخراج عادل حسان.
لم يتوقف إبداع وخيال المسرحيين عند تناول كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسى بعرض «عن العشاق»، أو رواية «قواعد العشق الأربعون»، فكان للمسرح القومى الفضل فى الكشف عن موهبة المؤلف عبد الرحيم كمال فى تأليف وإبداع عمل مسرحى صوفى من الألف إلى الياء فى عرضه الأخير «قمر العشاق» الذى افتتح على خشبة المسرح القومى أمس الخميس بطولة الفنانة سوسن بدر، ناصر سيف، وخالد الذهبي، وبمصاحبة فرقة الفراديس للإنشاد الصوفى وإخراج محمد الخولي.
اتخذ هذا العمل من مراحل تدرج الوصول إلى الله طريقا له فى العرض والكتابة فاستعرض من خلال ثلاث شخصيات مراحل الإلحاد والمتمثلة فى شخصية الملحد ناصر سيف، ثم التوبة للغانية المتمثلة فى شخصية سوسن بدر، ثم مرحلة السمو الروحانى بالثبات وقوة العقيدة والإيمان والمتمثلة فى شخصية الفنان خالد الذهبى والتى يدخل فيها المؤمن إلى أعلى مراتب العشق الإلهي، قدم المؤلف عبد الرحيم كمال تفاصيل مراحل إنتقال التائبة والملحد من الشك إلى اليقين بالإيمان فى لغة مسرحية شديدة الرقة والعذوبة والشاعرية، حيث نسج فى لغة شاعرية بسيطة وموحية حوارًا بين أبطال العرض الثلاث، فكل منهم يستعرض رحلة وصوله إلى تل «قمر العشاق» بحثا عن الحب واليقين ثم يروى تجليات العشق عليه، استخدم الكاتب عبارات جذابة فى التعبير عن مدى صفاء النفس ونقاء روح المتعلقين بالله واستخدم جملاً مثل «لله الحب من قبل ومن بعد»، «للجنة أبواب لا يفتحها إلا الحب»، «النار مغلقة أبوابها فى وجه الأحباب»، و«الجنة تحت رموش العشاق»، اعتمد العرض على أسلوب السرد والإلقاء لحكايات أبطاله، ولأن هذا الأسلوب قد يكون فى بعض الأحيان من الأساليب التى قد تدعو للملل فى المسرح إلا أن قوة العبارة وشدة إحكامها من كاتب محترف بجانب أداء الممثلين بالتمثيل والإلقاء ثم تداخل بعض الأشعار والأغانى الصوفية مع العرض مثل «أصل الغرام نظرة»، «أهل الحب صحيح مساكين»، «القلب يعشق كل جميل»، «زدنى بفرط العشق فيك تحيرا»، «عينى على العاشقين»، نتج عنه عمل قوى شديد الرقة والعذوبة والجمال وكان لهذا التكنيك الفنى عنصر جذب كبير للجمهور وربما كان المؤلف من أشد عناصر الجذب بهذا العمل وهو يصف رحلة هؤلاء فى تعلقهم بالله من تابت وعادت إلى الطريق ومن آمن فى رحلته من الشك إلى اليقين، وشديد الإيمان الذى ساهم فى وصف وشرح طريق الحب إلى الله، حيث حمل كمال فى لغته الشاعرية تلخيصًا وعلاجًا لحقيقة الإيمان الذى لا يكتمل ولا يصح إلا بالصدق متجنبا أساليب الوعظ والمباشرة السطحية التى تتورط فيها هذه النوعية من العروض، فكان حريصا على تلخيص أفكاره على لسان أبطال العرض فى عبارات قصيرة ومحكمة تحمل معنى أعمق من الإسهاب والتطويل بلا معنى، مثلما جاء على لسان سوسن بدر..«ليس الطريق لمن سبق لكن الطريق لمن صدق».
اشتركت هذه العروض المسرحية فى الدعوة الصريحة للوصول إلى الله عن طريق الألفة والحب وفى استخدام أجواء صوفية خالصة للتعبير عن هذه الحالة الإنسانية شديدة الخصوصية فجمعت بين رقص المولوية والإنشاد الصوفى بجانب التمثيل، ففى الوقت الذى تعانى فيه مصر من الإرهاب وغرس قيم الكراهية قرر الكثير من الفنانين التوجه نحو التركيز على روح العقيدة وحقيقة الإيمان بإبرازها عن طريق صنع أعمال مسرحية تدعو إلى التسامح وقبول الآخر، فمن عجز عن تقبل وحب الآخر عجز عن حب الله وفى كل عمل كان بداية الطريق إلى الله هو عشق أحد خلق الله فمن ذاق الحب عرف الطريق إلى الله، وبرغم ما قد تواجهه الصوفية من انتقاد أحيانا لعدم توغلها فى الحياة الاجتماعية أو السياسية، إلا أن هذه الأعمال المسرحية كانت أشد ذكاء فى إبراز جانب الدعوة للسير فى طريق الله بالحب وليس باتباع طريقة صوفية بعينها وبالتالى اتخذ المسرحيون من الصوفية فكرتها وعقيدتها القائمة فى الأساس على دين العشق الإلهى وسبل الوصول إليه وتجنبت الدعوة إلى اتباع طرق صوفية أو انتهاج منهج بعينه، فنحن اليوم فى أمس الحاجة إلى أعمال فنية تساهم فى تنقية العقيدة الدينية والإسلامية من كل الاتهامات والأكاذيب التى التصقت بها طوال الفترة الماضية.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *