عناصر بنـاء المسرحيـة

د.علي خليفة – مجلة الفنون المسرحية 
فكرة المسرحيــة
يجب أن تحتوي كل مسرحية على فكرة رئيسة، ويسمّي بعض النقاد هذه الفكرة بالمقدمة المنطقية.
ولا مانع أن تتشعب عن هذه الفكرة عدة أفكار فرعية، ولكن يجب أن تتجمع مرة أخرى، وتصب في مجرى الفكرة الرئيسة.
ونعطي مثالين على المقدمة المنطقية، ففي مسرحية روميو وجولييت لشكسبير فكرتها الأساسية أو مقدمتها المنطقية هى: “الحب العظيم يتحدى كل شىء بما في ذلك الموت”، ومسرحية ماكبث لشكسبير فكرتها الأساسية أو مقدمتها المنطقية هى: “الطمع الذي لا يعرف الرحمة يقضي على كل شىء بما في ذلك صاحب الطمع نفسه”.
الحـدث
الحدث يعني ببساطة القصة أو الحكاية التي بالمسرحية، وهو يتكون من عدة مواقف مترابطة يشد بعضها بعضًا، ويؤدي بعضها لبعض في تصعيد درامي يؤدي للتوتر، مما يدفع المشاهد
– أو القارئ – إلى الإحساس بالتشويق لمتابعة المسرحية باهتمام وترقب.
ويجب أن يختار مؤلف المسرحية الحدث الذي بها بعناية، فليس كل موضوع يصلح حدثًا جيدًا للمسرحية، ووصول كاتب المسرحية للحدث الجيد يضمن له – إلى حد كبير – نجاح مسرحيته، خاصة إذا أحسن معالجة هذا الحدث.
ويقول الدكتور على الراعي في كتابه فن المسرحية: والحدث الجيد هو الذي يثير أعظم قدر من الاهتمام في أكبر قدر من الناس لأكبر فترة ممكنة.
وعلى سبيل المثال نجد سوفوكليس في مسرحية أوديب ملكًا اختار حدثًا مثيرًا، وعرضه بأسلوب يدفع المشاهد للتشويق المستمر لمعرفة كيف ستنتهي هذه الأحداث المثيرة.
الحبكـة “العقـدة”
الحبكة – العقدة – هى خطة المسرحية التي تسير عليها، وهى تعني وجود منطقية في ربط الأحداث بعضها ببعض، وحبكة المسرحية غير قصتها، فقد يشترك بعض الكتاب في تناول قصة واحدة، ولكن كل واحد منهم يتناولها بأسلوب مختلف، وأسلوب التناول هذا هو ما يسمّى بالحبكة أو العقدة.
ونعطي مثالاً على هذا بقصة أنتيجون وموقفها من دفن أخويها بعد تقاتلهما، وسماح كريون حاكم طيبة بدفن أحدهما وعدم دفن الآخر، وسعى أنتيجون لدفن هذا الأخ الآخر.
فقد تناول هذه الحكاية – أو الأسطورة – عدة كتاب، وكل تناولها بأسلوب مختلف عن الآخر، ومن الكتاب الذين تناولوا هذه الحكاية سوفوكليس في مسرحية أنتيجون، ويوربيديس في مسرحية “الفينيقيات”، وجان أنوي في مسرحية “أنتيجون” وجان كوكتو في مسرحية “أنتيجون”.
وقد تحتوي المسرحية على عقدة رئيسة وعقدة فرعية، ولكن لا بد أن يكون للعقدة الفرعية علاقة بالعقدة الرئيسة، وأن تتلاقى معها في نهاية المسرحية، كما نرى في مسرحية الملك لير لشكسبير، ففيها عقدتان رئيسة تخص الملك لير وما حدث له من انقلاب بنتيه عليه وصراعه معهما، وجلوستر تابعه وما حدث له مع ابنه بالتبني الذي يسئ إليه أيضًا.
فالحدث الرئيسي والحدث الفرعي يتناولان قضية العقوق؛ ويتلاقيان في نهاية المسرحية.
الأزمـة والذروة
الأزمة على حد قول الدكتور إبراهيم حمادة في كتاب معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية هى “لحظة التوتر التي تبلغها القوى المتعارضة الخالقة للصراع الدرامي، وتؤدي إلى ترقب في تحول الحدث”.
أما الذروة فهى القمة التي تبلغها المسرحية في التأزم والتعقيد.
ويقول لاجوس إجري في كتابه فن كتابة المسرحية: “بأن آلام الأم السيدة التي تعاني من حالة وضع تشكل أزمة. أما ذروة هذه الأزمة فتتمثل في الولادة ذاتها، وعلى هذا فإن نتيجة الولادة سواء أكانت حياة أو موتًا تمثل الحل”.
ويوضح الدكتور إبراهيم حمادة مفهوم الأزمة والذروة بهذا المثال من مسرحية بيت الدمية لإبسن، يقول: إن تهديد كروجستاد للسيدة نورا بإفشاء سر الوثيقة المزورة في مسرحية “بيت الدمية” للكاتب النرويجي هنربك إبسن يمثل إحدى أزمات المسرحية، أما رفض الزوج أن يُبقي على كروجستاد في وظيفته فيشكل ذروة التأزم.
الصــراع
يرى الدكتور عبد العزيز حمودة – في كتابه البناء
الدرامي – أن الصراع هو العمود الفقري للمسرحية.
والصراع يعني وجود قوى متعارضة داخل المسرحية؛ أي وجود هجوم وهجوم مضاد.
وغالبًا ما يبدأ الصراع بنقطة هجوم، كما نرى في مسرحية أوديب ملكًا أن الصراع يبدأ بمجرد أمر أوديب بالبحث عن قاتل لايوس، وتتتابع الأحداث في المسرحية حتى يكتشف أوديب في النهاية أنه قاتل لايوس أبيه دون أن يدرك حين قتله إياه أنه أبوه.
وكذلك يبدأ الصراع في مسرحية أنتيجون لسوفوكليس في اللحظة التي تقرر فيها أنتيجون دفن أخيها الذي نهى كريون حاكم طيبة عن دفنه، وتتتابع الأحداث بعد ذلك حتى تنتهي بالقبض على أنتيجون، وهى تعاود دفن أخيها، ثم حبسها،  وانتحارها، ويتبع ذلك انتحار خطيبها هيمون بن كريون، ثم انتحار زوجة كريون حزنًا على موت ابنها.
وفي مسرحية ماكبث يبدأ الصراع عند قول الساحرات لماكبث: إنه سيكون ملكًا على البلاد، وتتوالى جرائمه بعد ذلك لينفرد بالملك، فيقتل الملك دنكان وكثيرًا من أعوانه، وينتهي الأمر بجنون زوجته المتآمرة معه، وقتله هو أيضًا.
وقد يكون الصراع خارجيًّا بين البطل وشخص أو أشخاص آخرين، أو بينه وبين بعض عادات المجتمع، أو هيئة من هيئاته.
وقد يكون الصراع داخليًّا؛ أي داخل نفس البطل؛ فيكون بين الحب والواجب، كما نرى في معظم تراجيديات المسرح الفرنسي الكلاسيكي عند كورني وراسين على وجه الخصوص، ومثال على هذا مسرحية السيد لكورني، فبطلة المسرحية تقع في صراع بين عاطقة الحب لحبيبها، والواجب في الانتقام لأبيها من حبيبها لكونه قتل أباها.
وقد يكون الصراع الداخلي أيضًا بين شهوة الانتقام والتسامح، أو الرغبة والضمير.
وكثيرًا ما نرى كتاب المسرح يراعون في مسرحياتهم الصراعات الخارجية والداخلية، مما يعمل على إحكام بنائها، واستشعار المشاهد أو القارئ للتشويق الشديد في مشاهدتها
أو قراءتها.
الحركــة
يرى الدكتور على الراعي في كتابه “فن المسرحية” أن الحركة في المسرحية دعامة أساسية لها، وإذا خلت المسرحية من الحركة أصابها ضرر كبير؛ ولهذا يجب حذف كل ما يمكن أن يعطل الحركة في المسرحية من وصف وسرد. ويجب أيضًا أن تكون مشاهد المسرحية مترابطة، وكل مشهد نتيجة لما سبقه ويمهد لها بعده.
وبالطبع هذا عن الحركة في النص المسرحي، ولكن عند إخراج المسرحية يجب أن يفعّل المخرج ومن معه من ممثلين وفريق العمل المسرحي كل مصادر الحركة التي بالنص المسرحي، ويضيفوا لها ما يزيد من حركتها بحرارة التمثيل، والإبهار في العرض، وغير ذلك.
الإدهاش والتشويق
الإدهاش والتشويق يعنيان أن تتتابع أحداث المسرحية تتابعًا يزداد معه رغبة المشاهد – أو القارئ – لمعرفة كيف ستسفر الأحداث عن هذا التصعيد والتعقيد بها.
وإذا حدث حادث مفاجئ لم يكن يتوقعه المشاهد أو القارئ – ولكنه مرتبط بسياج المسرحية – فإن هذا يعد إدهاشًا، والمسرحية الجيدة لا بد أن يكون بها تشويق وإدهاش مستمران؛ ليتواصل معها المشاهد – أو القارئ – وينفعل بها. كما نرى في معظم مسرحيات سوفوكليس التي وصلتنا، وفي مسرحية السلطان الحائر لتوفيق الحكيم، نرى في أولها محكومًا عليه بالإعدام، ونتساءل ما سبب جريمته، وندرك أنه مظلوم من حواره مع الجلاد والغانية، ونترقب هل سيقتل أم لا، ثم تتطور الأحداث؛  لندرك أن هذا الشخص هو النخاس الذي اشترى السلطان الحالي، وباعه للسلطان المتوفى، وأن جريمته في أنه أشاع أن السلطان الحالي لم يعتقه السلطان لمتوفى، وتتصاعد الأحداث، فيعرض السلطان للبيع، ثم نفاجأ أن الذي اشتراه غانية، وترفض بعد شرائه عتقه، وتتتابع الأحداث، ثم تعتق الغانية السلطان في نهاية المسرحية.
الخاتمــــة
خاتمة المسرحية أي نهايتها، ويجب أن تكون نهاية المسرحية منطقية مع تتابع الأحداث بها، ويجب أيضًا أن تكون مفاجئة للمشاهد – أو القارئ – حتى تثيره.
ومن هنا فيعاب على بعض المسرحيات أن تكون نهايتها متوقعة ومعروفة، فلا يشعر المشاهد – أو القارئ – بأي نوع من الإدهاش بها، ولا بأي تشويق في انتظارها.
وأيضًا يعاب على المسرحيات التي تنتهي بمصادفات؛ لأن المصادفات تقبل في الحياة، ولا تقبل في المسرح، كأن يموت القاتل بأن تصيبه سيارة لا يعرفه صاحبها، أو أن يصيبه مرض خبيث يقضي عليه.
وبعض المسرحيات يحسن المؤلفون صياغتها حتى إذا وصلوا إلى نهايتها لم يحسنوا كتابتها.
الشخصيـــات
الشخصية في المسرحية من أهم عناصرها، ومن النقاد من يراها الأساس في المسرحية؛ لأن الشخصية تخلق الحدث وتطوره. وكما ينبغي على الكاتب المسرحي أن يختار الحدث المثير المركز في مسرحيته فكذلك يجب عليه أن يقوم ببناء شخصيات مسرحيته بتأنٍّ وإتقان، وأن يراعي في بنائه لها البعد المادي في شكلها ولون بشرتها وكونها طويلة أو قصيرة أو متوسطة الطول ونحو ذلك من الصفات الشكلية، وكذلك عليه أن يراعي فيها الجانب الاجتماعي في البيئة التي تعيش فيها ومستوى تعليمها وثقافتها ومدى تأثرها بهذه البيئة وأثرها فيها، وأخيرًا عليه أن يراعي فيها الجانب النفسي، وهو يأتي محصلة للجانبين السابقين: المادي، والاجتماعي، لأن شكل الإنسان والبيئة التي ينشأ فيها يؤثران كثيرًا على نفسيته ما بين أن يكون انطوائيًّا أو اجتماعيًّا، مرحًا بشوشًا أو عبوسًا، مقبلاً على الحياة أو لديه عقدة نفسية تؤثر عليه في علاقته بالآخرين.
والمسرحيات الرائعة هى التي يحسن كتابها رسم شخصياتها بعناية حتى نشعر كأنهم أناس نعرفهم، ونكاد نتوقع مراحل حياتهم كلها حتى ولو لم يظهر كتاب المسرح من حياتهم سوى مرحلة واحدة لهم، كما نرى في شخصيات هاملت، وماكبث، ولير، وشيلوك، لشكسبير.
ويعد عيبًا في المسرحية إذا كانت الشخصية البطلة فيها
ما زالت على تكوينها ونظراتها للأمور مع نهاية المسرحية، فلا بد أن تتطور الشخصية وتنمو مع مواجهتها للأحداث المختلفة في المسرحية، وهذه هى الشخصية النامية التي تتأثر بالأحداث وتؤثر فيها، ونرى هذه الشخصيات النامية في المآسي والملاهي الكبرى لكبار الكتاب العالميين.
أما الشخصيات الثابتة أو النمطية فهى شخصيات واضحة المعالم والتكوين منذ بدايات المسرحيات لنهايتها، ولا تتأثر بالأحداث ولا تؤثر فيها. ويكثر وجود هذه الشخصيات النمطية في الميلودراما والمهازل التي تهتم بالأحداث على حساب الشخصيات.
وهناك شخصيات رئيسة وشخصيات ثانوية في أي مسرحية، والشخصيات الرئيسة هى التي يهتم كتاب المسرح بدراستها وإتقان بنائها، ورسم كل أبعادها حتى كأنها شخصيات من لحم ودم، وهى تنمو مع نمو أحداث المسرحية.
أما الشخصيات الثانوية فهى شخصيات أحادية التكوين،أي إن كاتب المسرح يركز على إبراز جانب واحد فيها كالصديق الوفي أو الصديق المخادع وحارس البيت، وما شابه ذلك من شخصيات يتعامل معها بطل المسرحية.
ومن كتاب المسرح من يحسن رسم هذه الشخصيات الثانوية بإبراز جانب فيها غريب مؤثر كرسم توفيق الحكيم للشخص المرابي نابش القبور في مسرحية الصفقة.
الحـــوار
الحوار هو الكلام الذي يجري بين شخصين أو أكثر، وقد يكون حديث الشخص لنفسه، كما نرى في المسرحيات الكلاسيكية لموليير وراسين وكورني التي يكثر فيها هذه الحوارات الجانبية “المونولوجات”.
وفي رأي كثير من النقاد أن الحوار أهم ركن في المسرحية؛ لأن كاتب المسرحية ليس لديه من المواد الخام التي يبني منها مسرحيته غير الحوار بخلاف الروائي والقصاص فلديهما إلى جانب الحوار لبناء أعمالهما – السرد والوصف والرسائل والخواطر وغير ذلك.
ويجب أن يكون الحوار المسرحي مركزًا ومضغوطًا وموحيًا، ومعبرًا عن كل شخصية ومتناسبًا مع تكوينها. وهنا يشعر القارئ أو المشاهد للمسرحية أن الحوار كالزجاج الشفاف لا يلتفت إليه، بل يعيش مع الأحداث والشخصيات، لكن حين يكون الحوار طويلاً أو به درجة عالية من الغموض، أو معبرًا
عن المؤلف وليس عن الشخصيات التي في مسرحيته – فهنا ينتبه المشاهد – أو القارئ – للحوار وللعيوب التي به.
ومن أهم الأدوار التي يقوم بها الحوار أن يبني الحدث، ويحركه للأمام بإبراز التصعيد فيه، وحبك الأزمات به، وصولاً به إلى الانفراج مع ختام المسرحية. وكذلك للحوار دور مهم في بناء الشخصيات، وتصوير أبعادها المختلفة، وإظهار نموها مع تتابع الأحداث.
ويجب أن يكون الحوار في المسرحية مشابهًا للواقع دون أن يكون نقلاً فوتوغرافيًا له؛ لأن الحوار في الواقع به تكرار وملل، أما الحوار المسرحي ففيه تركيز وتكثيف.
وأخيرًا فيجب أن يكون الحوار المسرحي مناسبًا للممثلين الذين سينطقون به على خشبة المسرح، فيكون دراميًّا وليس خطابيًّا.
ومن هنا فإن الحوار المسرحي ليس شيئًا سهلاً يمكن لأي شخص أن يكتبه، بل هو في رأي بعض النقاد ملكة يولد الكاتب المسرحي موهوبًا بها، كما أن الشاعر يولد موهوبًا بقول الشعر، ومع ذلك فللدراسة أثر مهم في تنمية ملكة الحوار لدى كتاب المسرح الذين لديهم موهبة كتابة الحوار المسرحي.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *