عشق بين ضحية وجان

العشق هو إفراط في المحبة ووله شديد.. وقد يوهمنا عنوان العرض المسرحي « عشق» بقاعة الغد بالعجوزة بأمسية حالمة تنتصر لمشاعر الحب والرومانسية التي نفتقدها طويلا.. لكن «عشق» عن نص « تحت التهديد» للكاتب محمد أبو العلا السلاموني ومن إخراج محمد متولي يفاجئنا بشيء آخر..فهنا تتحول مشاعر الحب تحت وطأة الظلم والقهر والذنب إلى عذاب لا ينتهي ويكون الخلاص في قتل النفس وترك الحياة لإرضاء المحبوب.

تدور أحداث العرض حول فنان تشكيلى، نحات، يدخل السجن ظلماً حينما تجد زوجته جثة بمرسمه وتسرع بإبلاغ الشرطة.. وبالطبع تتجه أصابع الاتهام إلى الزوج الفنان الذي يشعر بقهر وظلم شديدين ولا يستوعب فعل زوجته بإبلاغ الشرطة بل يراها مذنبة في حقه. وبعد سنوات الحبس يخرج ويلزم مرسمه مبتعدا عن التواصل مع زوجته ليعيد تصميم هيئة محكمة من التماثيل ويعيد محاكمته من جديد.وأثناء تلك المحاكمة العبثية تظهر شكوك الزوج المرضية وتختلط مشاعر الحب والشك والظلم بداخله مما يدفع بزوجته إلى الانتحار فهي لا تملك سوى نفسها المحبة لتكفر بها عن ذنب لم تقصده.

قدم المخرج محمد متولي هذا النص من قبل في 2008 من إنتاج مسرح الهناجر إلا أن رؤيته الجديدة من إنتاج مسرح الغد اعتمدت على التحليل النفسي لشخصية الفنان المرهف الذي تدور برأسه هواجس ومخاوف كثيرة ويدينه المجتمع لسعيه للحرية والتعبيرعن نفسه من خلال فنه دون شرح أو كلام.

حافظ المخرج محمد متولي على شكل مسرح العلبة وقسم قاعة الغد إلى خشبة وجمهور.. وقدم لنا من خلال الديكور المتميز والمعبر لمحمود الغريب مستويين للخشبة فاحتضن المستوى الأعلى مشاهد الرقص التعبيري التي صممها طارق حسن والتي عبرت بشكل متواز عن دواخل الشخصيات وأحلامها وصراعاتها. أما مستوى الخشبة الرئيسي فقد كان مساحة للجدال والمباراة بين الزوجين.

يفصل بين المستويين نافذة كبيرة مائلة مفتوحة على مصراعيها.. ويعكس لنا شروخ وكسور الزجاج بها مدى تشوه أصحاب هذا البيت وإحساسهم بالانكسار. نجح الديكور أيضا في تأكيد إحساس الظلم والسجن من خلال بعض الأعمدة على طرفي المسرح والتي ظهر من خلالها الزوج والزوجة خلال المحاكمة كمذنبين لا يملكان الدفاع عن نفسيهما.

نجح متولي في تشكيل صورة بصرية جميلة في تكوينها عميقة في مدلولاتها وكان التنقل بين مستويات العرض بصورة سلسة وشيقة أضافت لإيقاع العرض الكثير من الحيوية والتنوع.

لعبت موسيقى الفنان عمرو شاكر دورا مهما في العرض واستطاعت أن تعبر عن الأحاسيس المضطربة والمتناقضة للشخصيات وزادت اللغة العربية الفصحى، لغة النص الأصلي، والأداء السليم لها من قبل الممثلين من عمق العمل وتفاعلنا معه.

تميز أداء البطلين رامي الطمباري ولمياء كرم في مشاهد المواجهة وكان مشهد المحاكمة مباراة حقيقية في الأداء والانفعالات بين زوجين يحاول فيها كل منهما أن يبرئ نفسه.. أن يجد العدالة الحقيقية.. أن يشعر بالأمان والحب مرة أخرى دون جدوى. تطغى الشكوك ويعيش الاثنان تحت تهديد الظنون واليأس والظلم.

برع البطل الرئيسي في لعب وتبادل ادوار القضاة والدفاع والمدعي مرتديا أقنعة مختلفة ومتحكما في نبرات صوته كما ظهر مدى تحكمه في انفعالات الشخصية وصدقها من خلال تنقله السريع في التعبير عن الحب والعنف والغضب فوفقا لرؤية المخرج فإن الزوج هنا اقرب إلى مريض نفسي يعاني الفصام.

وفي المشهد الأخير بعد انتحار الزوجة نجد الزوج الفنان يخر باكيا وصارخا مرددا براءته من ذنب موت زوجته ومن كل الاتهامات اللي لاحقته طوال عمره ولم يعرف كيف يدافع فيها عن نفسه.. هو الآن يتكلم ويصرخ رافضا ظلمه ويديننا متسائلا عن أى عدالة نتحدث.

بسام الزغبي

http://www.ahram.org.eg/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *